القدّيس أغسطينوس

 

مدينة الله

 

الكتاب الثّالث-تابع

 

حواش 

22

21

20

19

18

17

16

15

14

13

12

11

10

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

-31 في سفاهة من حُظرت عليهم عبادة الآلهة في نسبة المتاعب الحاضرة للمسيح، بينما وقعت نكبات كبيرة أيّام كانوا يعبدونها

   ليتّهموا آلهتهم بتلك الأدواء الجسيمة، أولئك الّذين بنعم مسيحنا العظيمة يجحدون. فلمّا كانت تحصل، ما انفكّت النّار تتّقد في مذابح آلهتهم، وبخور سبأ والأزهار الجنيّة تتضوّع، والكهنة يسطعون بهاء وسنا، والهياكل تضيء مهابة وجلالا، وكان عبّادها يقدّمون ذبائحهم وألعابهم وعربداتهم* بينما كانت سيول من دم المواطنين تراق بأيدي مواطنين في كلّ مكان، لا في مواضع أخرى فقط بل حتّى بين مذابح تلك

الآلهة. لم يختر شيشرون معبدا للّجوء إليه إذ لم يُجْد موقيوس نفعا لجوؤه إلى معبد. لكنّ أولئك الّذين يشتمون عصر المسيحيّة بنحو مخز لجؤوا إلى أماكن مخصّصة للمسيح أو قادهم كذلك إليها البرابرة أنفسهم للحفاظ على حياتهم. أعلم ويعترف معي بسهولة كلّ من يحكم بتجرّد من الأهواء الحزبيّة- ومع إغفال وقائع أخرى كثيرة ذكرتها وأخرى أكثر بكثير رأيت أنّ ذكرها سيطول- بأنّه لو تلقّى الجنس البشريّ تعاليم المسيحيّة قبل الحروب البونيقيّة، وتلا مثل ذلك الدّمار العظيم الّذي سحق طيلة تلك الحروب أوروبة وإفريقية، لما نسب تلك المصائب أحد ممّن نتعرّض اليوم لهجوماتهم لغير الدّيانة المسيحيّة. كذلك، وفي ما يتعلّق بالرّومان، كانت أصواتهم ستتعالى مندّدة بشدّة مضاعفة لو تبعت تلقّيَ وانتشارَ الدّين المسيحيّ هجمة الغال المذكورة أو كارثة نهر التّيبروس والحرائق اللاّحقة، أو الأسوأ من كلّ تلك الويلات: الحروب الأهليّة. كذلك لو حصلت في الأزمنة المسيحيّة الكوارث الأخرى الّتي حصلت بنحو لا يصدَّق حتّى ليمكن عدّها ضمن الخوارق، من كانوا سيحمّلون مسؤوليّتها كجرائم سوى المسيحيّين؟ أدع بالطّبع جانبا وقائع أخرى عجيبة أكثر ممّا هي ضارّة: من ثيران تتكلّم وأجنّة لم يولدوا بعد نطقوا بأقوال من أرحام أمّهاتهم، وثعابين طارت، وإناث من البشر والدّجاج تحوّلن ذكرانا، وأحداث أخرى من هذا القبيل مدوّنة لا في كتب أساطيرهم بل في مصنّفات مؤرّخيهم، وسواء كانت صحيحة أو كاذبة، لا تسبّب للنّاس المضرّة بل الدّهشة. لكن لمّا تمطر السّماء ترابا، لمّا تمطر طباشير، لمّا تمطر حجارة- لا برَدا إذ جرت العادة على تسميته كذلك مجازا، بل حجارة بأتمّ المعنى-، تلك أحداث يمكن أن تسبّب أضرارا فادحة. نقرأ عندهم أنّ جبل إتنة قذف حمما ملتهبا انحدر من قمّته على السّاحل القريب، فجاش من حرّه البحر حتّى احترقت الصّخور وذاب طلاء القار# في السّفن. لم يكن ضرره بالشّيء اليسير وإن كان من معجب الغرائب. كتبوا كذلك أنّ انفجارا مماثلا هال على صقلّية وابلا من الرّماد الحارّ خرّت تحت ضغطه وانطمرت سقوف مدينة قطينة، فتأثّر لنكبتها الرّومان وأعفوها من مجبى تلك السّنة رأفة بها. أخبرونا كذلك في كتبهم أنّ أرجالا عظيمة من الجراد من قبيل الظّواهر الخارقة حطّت على إفريقية بعد تحوّلها إلى إقليم رومانيّ* فأتت على الثّمار وأوراق الأشجار ثمّ اندفعت حسب أقوالهم في غمامة عظيمة لا يحصرها العدّ في البحر، فلمّا قذف به الموج ميّتا على الشّاطئ وخم منه الهواء ونشأ عن ذلك وباء بلغ من الانتشار أنّه في مملكة ماسّنيسا وحدها هلك على ما يقال ثمانمائة ألف نسمة، وأكثر بكثير على الأراضي السّاحليّة المجاورة؛ ففي أوتيكة مثلا، بقي حسب ما يؤكّدون من أصل ثلاثين ألف مجنّد شابّ كانوا يوجدون فيها عشرة آلاف فقط.

   هذا اللّغو الباطل الّذي نتحمّله ونضطرّ للرّدّ عليه، أيّة كارثة ممّا ذكرنا ما كان سيعزوها، لو شهدها في عصر المسيحيّة، للدّين المسيحيّ؟ ومع ذلك هم لا يعزونها لآلهتهم الّتي يطلبون أن تُعبد تحديدا لتجنيبهم هذه المتاعب أو أخرى أقلّ، بينما تعرّض لتلك الويلات الكبرى من كانوا يعبدونها قبلهم.