ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

4- فرميون

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

 

الفصل الخامس

 

المشهد الأوّل (728-765)

صُفرونة، خريمس

صفرونة : ( تخرج بيت ديميفون مخاطبة نفسها) ما العمل؟ أيّ صديق سأجد في بؤسي؟ من أستشير وبمن أستعين؟ أخشى أن يلحق سوء بسيّدتي بدون ذنب منها بسبب نصيحتي. أسمع فعلا أنّ أب الفتى يشجب بشدّة ما فعلنا.

خريمس : ( مخاطبا نفسه) من تكون ترى تلك العجوز الفانية الّتي خرجت من بيت أخي؟

صفرونة : ( مخاطبة نفسها) دفعني العوز إلى فعل ذلك وأنا أعلم هشاشة هذا الزّواج لحرصي على تأمين حياتها في الأثناء.

خريمس : ( مخاطبا نفسه) أجزم وحقّ بولكس* إن لم تخنّي الذّاكرة أو تر عيناي جيّدا أنّي أرى مرضعة ابنتي.

صفرونة : ( مواصلة نجواها) ولم أعثر علىأدنى أثر...

خريمس : ( مخاطبا نفسه) ماذا أصنع؟

صفرونة :  ( مواصلة) لأبيها.

خريمس : ( مخاطبا نفسه) هي بعينها. سأتحدّث معها. ( يحمحم) 

صفرونة : من يتكلّم هنا؟

خريمس : صفرونة.

صفرونة : ويهتف باسمي؟

خريمس : انظري إليّ هنا.

صفرونة : بحقّ الآلهة، أهذا استلفون؟

خريمس : كلاّ.

صفرونة : أتنكر؟

خريمس : تنحّي قليلا عن ذاك الباب وتعالي إلى هنا يا صفرونة، لطفا. ولا تدعيني بهذا الاسم بعد الآن.

صفرونة : ماذا؟ قل أرجوك، ألست الشّخص الّذي قلت لنا دوما؟

خريمس : سكوتا!

صفرونة : لماذا تخاف من هذا الباب؟

خريمس : لي بالدّاخل زوجة شرسة. أمّا ذاك الاسم فقد انتحلته أمامكما في ما مضى كيلا تذكرا بلا تروّ من باب الثّرثرة اسمي الحقيقيّ فيتنامى بعدئذ بنحو أو بآخر إلى مسامع زوجتي.

صفرونة : آ، لذلك إذن وحقّ بولكس* لم نستطع قطّ العثور عليك هنا مع الأسف.

خريمس : اسمعي، قولي لي أيّ شأن لك بالأسرة الّتي خرجت من عندها؟ وأين مولاتاك؟

صفرونة : يا لتعاستي!

خريمس : ماذا دهاك؟ أهما على قيد الحياة؟

صفرونة : بنتك حيّة. وأمّها المسكينة ماتت كمدا لذلك السّبب.

خريمس : واحسرتاه!

صفرونة : أمّا أنا، العجوز الوحيدة الفقيرة النّكرة، فزوّجت البنت كما استطعت، للفتى صاحب هذا البيت.

خريمس : أنتيفون؟

صفرونة : هو بعينه.

خريمس : كيف؟ أله زوجتان؟

صفرونة : لا تقل ذلك أرجوك، ما له زوجة سواها.

خريمس : ماذا عن الأخرى الّتي يقال إنّها قريبته؟

صفرونة : هي هذه.

خريمس : ماذا تقولين؟

صفرونة : اتّفقنا على اختلاق ذلك حتّى يمكنه الزّواج منها، والحال أنّ قلبه يهواها بدون مهر*.

خريمس : بحقّ الآلهة، ما أكثر ما يتمّ صدفة وبدون تدبيرنا ما كنّا لا نجرؤ حتّى على تمنّيه! ها أنّي وجدتها عند وصولي تزوّجت من كنت أريد وكما كنت أريد، وتنعم بحبّه. ما سعينا معا إلى تحقيقه باذلين قصارى جهدنا، فعله تلقائيّا ومتجشّما فيه أقصى العناء.

صفرونة : والآن انظر ما يجب فعله. فقد جاء أب الفتى. ويقال إنّه يستشنع ما وقع.

خريمس : لا خوف عليها منه. لكن أناشدك بكلّ الآلهة والبشر: حذار أن يعلم أحد أنّها ابنتي. 

صفرونة : لن أخبر بالسّرّ أحدا.

خريمس : هيّا اتبعيني وستسمعين منّي في الدّاخل بقيّة التّفاصيل.

 

المشهد الثّاني (766-783)

ديميفون، غيتا

ديميفون : بذنبنا حقّا نجعل مناسبا للأشرار أن يكونوا كذلك، بينما نحرص على أن يقال عنّا: أخيار طيّبون. لذا كما يقال لا تمرّ إن أبقتَ أمام بيت مولاك. أما كان يكفي أن أتلقّى منه تلك الإساءة حتّى أعمد كذلك إلى إعطائه مالي ليعيش به ريثما ينفّذ جرما آخر؟

غيتا     : تماما.

ديميفون : الآن يُجزى من يفعلون السّوء حُسنا.

غيتا     : لا أصحّ ممّا تقول.

ديميفون : كم كنّا غبيّين في التّعامل معه.

غيتا     : لو أنّه على الأقلّ يعدل عن قراره ويتزوّج هذه.

ديميفون : وهل في الأمر شكّ؟

غيتا     : لا أدري وحقّ هرقل*، نظرا إلى طبيعة الرّجل، إن لم يغيّر رأيه.

ديميفون : أتقول يغيّر رأيه أيضا؟

غيتا     : لا أدري إنّما أقول في صورة ما لو فعل.

ديميفون : سأطلب من زوجة أخي، وفق طلبه، أن تأتي معي إلى هنا لتتحدّث مع تلك الفتاة. من جهتك أنت يا غيتا اسبقني إليها، وأخبرها بأنّها قادمة إليها. ( ينصرف)

غيتا     : ( مخاطبا نفسه) وجدت النّقود لفدريا، عن الدّعوى لا كلام، وتدبّرت لئلاّ تذهب العروس من هنا في حاضرا. والآن ماذا بقي؟ ماذا سيحدث؟ ما زلتَ متدبّقا في نفس الوحل. فاستدنْ يا غيتا لتسدّد الدّين الأوّل. تأجّلت البليّة الّتي كانت ستحلّ بك اليوم ليوم آخر، ستزداد الضّربات إن لم تحتط. سأذهب الآن من هنا إلى البيت وأفسّر كلّ شيء لفنيوم حتّى كيلا تخاف من فرميون وكلامه.

 

المشهد الثّالث (784-795)

ديميفون، نوسستراتة

ديميفون : هيّا يا نوسستراتة، كعادتك، اجعليها ترضى عنّا وتفعل بإرادتها ما لا بدّ من فعله.

نوسستراتة: سأفعل.

ديميفون : ستساعدينني الآن بهذه الخدمة كما أعنتني بمالك* في الماضي.

نوسستراتة: أودّ فعل ذلك. لكن لا أستطيع وحقّ بولكس* بسبب زوجي فعل ما يجدر بي.

ديميفون : كيف ذلك؟

نوسستراتة: يسيء التّصرّف وحقّ بولكس* في أملاك أبي. كان يجني منها وزنتين* لا يرضى بأقلّ منهما، فكم يبزّ الرّجل أخاه*!

ديميفون : اثنتين حقّا؟

نوسستراتة: نعم وزنتين* اثنتين، ويوم كان كلّ شيء أرخص بكثير.

ديميفون : حسنا.

نوسستراتة: ما رأيك؟

ديميفون : واضح...

نوسستراتة: ( محتدّة) لكم أودّ لو وُلدت ذكرا، إذن لبيّنت...

ديميفون : أنا واثق تماما من ذلك.

نوسستراتة: بأيّ نحو...

ديميفون : رفقا بنفسك أرجوك لتستطيعي الحفاظ على هيبتك وتأثيرك مع تلك المرأة الشّابّة فلا تعجّزك.

نوسستراتة: سأفعل ما تطلب. لكن أرى زوجي يخرج من بيتك.

 

المشهد الرّابع (796-819)

نوسستراتة، خريمس، ديميفون

خريمس : ( مخاطبا ديميفون وهو قادم من بيته ودون أن يرى زوجته) عفوا، ديميفون، هل أعطيته المبلغ؟

ديميفون : اعتنيت فورا بالأمر.

خريمس : ليتك لم تعطه. ( مخاطبا نفسه بصوت خافت) يا ويلتي، أرى زوجتي: كدت أفضح أمرنا.

ديميفون : ولم تتحسّر يا خريمس؟

خريمس : ( متملّصا) طيّب، لا بأس.

ديميفون : ما بك؟ هل قلت للفتاة لماذا نحضر لها زوجتك؟

خريمس : صالحتها.

ديميفون : ماذا قالت إذن؟

خريمس : لا يمكن إبعادها.

ديميفون : ولماذا لا يمكن؟

خريمس : لأنّهما متعلّقان كلاهما بالآخر.

ديميفون : أيهمّنا ذلك؟

خريمس : كثيرا. فضلا عن ذلك اكتشفت أنّها قريبتنا.

ديميفون : ماذا؟ أنت تهذي.

خريمس : بل سيتبيّن أنّها كذلك. لا أقول هذا جزافا، فقد عادت إليّ ذاكرتي.

ديميفون : ألديك كلّ مداركك؟

نوسستراتة: احترس أرجوك من أن تخطئ في حقّ قريبتنا؟

ديميفون : ليست قريبتنا.

خريمس : لا تكذّب، فإنّما قيل لك اسم لأبيها غير اسمه الحقيقيّ، ولذلك وقعت في الخطإ.

ديميفون : أما كانت تعرف أباها؟

خريمس : بلى تعرفه.

ديميفون : لماذا إذن ذكرت اسما آخر؟

خريمس : أما تجاريني اليوم قطّ وتفهمني؟

ديميفون : حتّى إن كنت تخرف؟

خريمس : إنّك تفسد الأمر.

نوسستراتة: أتساءل ما هذه الأحجية.

ديميفون : لا أعرف يقينا وحقّ هرقل*.

خريمس : أتريد أن تعرف؟ أقسم بيوبتر* أنّ لا أحد أقرب إليها منّي ومنك.

ديميفون : بحقّ الآلهة، هلمّ بنا إليها، أريد أن نعرف أو نجهل معا كلّ ما هناك.

خريمس : أفّ.

ديميفون : ما بك؟

خريمس : أليس لديك إذن ولو قليل من الثّقة بي؟

ديميفون : أتريد أن أثق بك؟ ولا أسألك عن شيء بعدها؟ ليكن. ما قصّة بنت صاحبنا؟ وماذا سنفعل بها؟

خريمس : خيرا.

ديميفون : أفنسرّح زوجتك إذن؟

خريمس : ولم لا؟

ديميفون : وتبقى الفتاة؟

خريمس : تماما.

ديميفون : بإمكانك إذن يا نوسستراتة أن تنصرفي.

نوسستراتة: أعتقد وحقّ بولكس* أنّ بقاءها أفضل بكلّ وجه ممّا كنت تريد في البداية. فقد بدت لي كريمة لمّا رأيتها. ( تنصرف)

ديميفون : ما الحكاية؟

خريمس : هل أغلقَتِ الباب جيّدا؟

ديميفون : نعم فعلتْ.

خريمس : حمدا لك يا يوبتر*، الآلهة يرعوننا حقّا. فقد اكتشفت أنّ ابنتي هي الّتي تزوّجت بابنك.

ديميفون : ماذا؟ وكيف أمكن ذلك؟

خريمس : ليس المكان مأمونا كما ينبغي لأقصّ عليك القصّة.

ديميفون : هيّا ادخل إلى بيتي إذن.

خريمس : ويحك، لا أريد بتاتا أن يعلم ابنانا بذلك! ( ينصرفان)

 

المشهد الخامس (820-828)

أنتيفون

أنتيفون  : ( مخاطبا نفسه) مهما تكن أموري، أنا فرح بنيل أخي* مناه. حكيم أن يعمل المرء على تأمين أهواء من هذا النّوع تتيح له يوم تنقلب عليه الصّروف من تفريج كُرب نفسه. هو في وقت واحد وجد النّقود وتخلّص ممّا كان يشغل باله، أمّا أنا فما من وسيلة لديّ للخروج من هذا الارتباك دون أن أكون في خوف إن كتمت سرّي، وفي خزي إن افتضح. وما كنت لأعود الآن إلى البيت لو لم تلح لي بارقة أمل في الاحتفاظ بها. لكن أين ترى سأجد غيتا لأطلب منه أن يشير عليّ بأيّ وقت أختار لمقابلة أبي؟

 

المشهد السّادس (829-840)

فرميون، أنتيفون

فرميون : ( مخاطبا نفسه) أخذت النّقود وحملتها لتاجر الجواري وأخذت الفتاة من عنده واعتنيت بتمليكها لفدريا فهي قد خرجت من ربقته. بقي عليّ الآن إنجاز شيء واحد: أن أحصل من الشّيخين على هدنة أقضيها في الشّرب. لذا سآخذ بضعة أيّام للاستجمام.

أنتيفون  : لكن هذا فرميون. ماذا تقول؟

فرميون : ماذا؟

أنتيفون : ماذا ينوي فدريا أن يفعل الآن؟ وكيف يريد أن يأخذ من الحبّ وسعه على حدّ أقواله؟

فرميون : ينوي أن يمثّل بدوره الآن دورك.

أنتيفون  : أيّ دور؟

فرميون : أن يهرب من وجه أبيه. وطلب منك بدورك أن تلعب دوره، فتدافع عنه أمام أبيه. فهو ينوي اللّجوء إلى بيتي للشّرب. أمّا أنا فسأقول للشّيخين إنّي ذاهب إلى سوق سونيوم* لاشتراء الخادمة التي حدّثهما غيتا عنها قبل ساعة، كيلا يظنّا، لمّا لا يرياني هنا، أنّي رحت أبدّد مالهما. لكن مهلا: الباب صرّ خلفك.

أنتيفون  : انظر من يخرج.

فرميون : إنّه غيتا.

 

المشهد السّابع (841-883)

غيتا، أنتيفون، فرميون

غيتا     : ( مخاطبا نفسه) أيّها الحظّ، أيّها البخت بكم من المسرّات ملأت فجأة هذا اليوم لسيّدي أنتيفون بإنعامك!

أنتيفون  : ( مخاطبا فرميون) ماذا يريد؟

غيتا     : ( مواصلا) وخلّصتنا نحن أصدقاءه من مخاوفنا. لكنّي أنتظر بفارغ صبر أن ألقي من على عاتقي هذا العبء وأجد الرّجل بسرعة ليعلم بما جرى.

أنتيفون  : ( مخاطبا فرميون) أتفهم ما يقول؟

فرميون : وأنت؟

أنتيفون  : لا شيء.

فرميون : وأنا مثلك تماما.

غيتا     : ( مواصلا) سأواصل من هنا طريقي إلى تاجر الجواري: فهم لا شكّ هناك.

أنتيفون  : اسمع يا غيتا.

غيتا     : ( مخاطبا نفسه ومتجاهلا النّداء) هذا لك: أغريب أو جديد عليك أن تنادى كلّما انطلقت في طريق؟

أنتيفون  : غيتا!

غيتا     : ( مخاطبا نفسه دون توقّف) إنّه يلحّ وحقّ هرقل*. ( رافعا صوته دون توقّف) لن تثنيني أبدا بمناوشتك.

أنتيفون  : ألا تنتظر؟

غيتا     : بؤتَ بضرب موجع!

أنتيفون  : ذاك ما ستنال عاجلا إن لم تقف، يا جلد السّوط.

غيتا     : ( مخاطبا نفسه) لا بدّ أنّه شخص من بيت سيّدي، فهو يتوعّدني بالضّرب. ( ملتفتا ومتفرّسا في أنتيفون) لكن أهذا من أبحث عنه أم لا؟ إنّه هو بعينه. ( مخاطبا أنتيفون) تعال إليّ فورا.

أنتيفون  : ما الخبر؟

غيتا     : يا أسعد إنسان بين الأحياء جميعا! أنت وحدك يا أنتيفون بلا مراء تحظى بمحبّة الآلهة.

أنتيفون  : كم بودّي لو كان الأمر كما تقول. لكن أريد أن تقول لي ما يجعلني أصدّق أنّه فعلا كذلك.

غيتا     : أيكفيك أن أجعلك تطفح غبطة؟

أنتيفون  : إنّك تعذّبني شوقا.

فرميون : هلاّ أرحتنا من الوعود وقلت ماذا تحمل.

غيتا     : ( بعد التّفطّن لفرميون) ويك، أنت أيضا كنت هنا يا فرميون؟

فرميون : نعم كنت هنا. لكنّك تتلكّأ.

غيتا     : هاك إذن: حالما أعطيناك النّقود عند القصبة ذهبنا نحو البيت مباشرة. فبعثني سيّدي إلى زوجتك.

أنتيفون  : لماذا؟

غيتا     : دعني من الخوض في ذلك فلا شيء منه يهمّ موضوعنا يا أنتيفون. ما كدت أصل إلى عتبة الحريم* حتّى وثب عليّ الغلام ميداس، فأمسكني من الخلف من ردائي ولوى جذعي إلى الوراء. نظرت، وسألت لماذا يمسكني. فقال: ممنوع الدّخول إلى سيّدته. فقد أدخلت صفرونة قبل حين خريمس أخ الشّيخ وهو الآن بالدّاخل معها. فلمّا سمعت ذلك واصلت مسيري رويدا على أطراف قدميّ، حتّى وصلت أمام الغرفة، فوقفت كاتما نفسي وأرهفت السّمع. التقطت، وأنا أسترق السّمع بهذا النّحو، حديثهما.

فرميون : مرحى يا غيتا!

غيتا     : هنا سمعت أبهج خبر، كدت أصيح من فرط فرحي به.

أنتيفون  : أيّ خبر؟

غيتا     : ما هو في رأيك؟

أنتيفون  : لا أدري.

غيتا     : هو أعجب وأبهج خبر: تبيّن أنّ عمّك هو والد فنيوم زوجتك.

أنتيفون  : كيف؟ ماذا تقول؟

غيتا     : عاش مع أمّها في ما مضى سرّا في لمنوس*.

أنتيفون  : هراء!  كيف يمكن أن تجهل أباها؟

غيتا     : تأكّدْ أنّ لذلك سببا. لكن أتظنّني كنت أستطيع من خلف الباب فهم كلّ ما دار بينهما من حديث؟

أنتيفون  : أنا أيضا سمعت بهذه الحكاية.

غيتا     : سأعطيك دليلا يحملك على التّصديق أكثر: بعد ذلك خرج عمّك من عندها وبعد قليل عاد مصطحبا أباك فدخلا عليها، وقال كلاهما إنّهما يسمحان بأن تحتفظ بها. ثمّ إنّهما أرسلاني لأبحث عنك وآخذك إليهما.

أنتيفون  : خذني إليهما إذن. ماذا تنتظر؟

غيتا     : كنت سأفعل.

أنتيفون  : مع السّلامة يا فرميون.

فرميون : مع السّلامة يا أنتيفون. كلّ شيء تمّ على ما يرام وحقّ الآلهة، وأنا مسرور لذلك.

 

المشهد الثّامن (884-893)

فرميون

فرميون : ( مخاطبا نفسه) لقد أوتيا حظّا عظيما ما كان لهما في الحسبان. فرصة كبرى تعرض لي الآن لأحتال على الشّيخين، لأزيل عن فدريا كلّ هاجس ماليّ فلا يضطرّ إلى استجداء أصحابه. هذا المال كما أعطياه كارهين، سيحتفظ به وهما كارهان. وجدت في الموقف ذاته ما أرغمهما به على ذلك. عليّ الآن أن أتّخذ هيئة وسمتا جديدين. لكنّي سأنسحب الآن من هنا إلى ذاك الزّقاق القريب، ثمّ من هناك سأطلع عليهما عندما يخرجان. لا أذهب إلى السّوق حيث تظاهرت سابقا بالذّهاب.

 

المشهد التّاسع (894-989)

ديميفون، خريمس، فرميون

ديميفون : ( مخاطبا خريمس وهما يخرجان من بيته) حمدا عظيما للآلهة كما يستحقّون على هذه الأحداث السّعيدة يا أخي. والآن علينا أن نلتقي بفرميون في أقرب وقت قبل أن يبدّد المينات* الثّلاثين ونستردّها منه.

فرميون : ( مخاطبا نفسه متظاهرا بعدم رؤيتهما) سأذهب لأرى إن كان ديميفون ببيته كي...

ديميفون : لكنّا كنّا في الطّريق إليك يا فرميون.

فرميون : ربّما لنفس السّبب؟

ديميفون : هو ذاك وحقّ هرقل*.

فرميون : أنا واثق من ذلك. لماذا كنتما ذاهبين إلى بيتي؟

ديميفون : سخيف.

فرميون : أكنتما تخشيان ألاّ أفعل ما وعدتكما أوّل مرّة؟ اعلما إذن أنّي، مهما يكن فقري، حرصت مع ذلك حتّى اليوم أشدّ الحرص على شيء واحد: أن يكون لي عهد.

خريمس : ( مخاطبا ديميفون) أليس رجلا شريفا كما قلت لك؟

ديميفون : تماما.

فرميون : جئت إليكما يا ديميفون لأخبركما أنّي جاهز لما تفكّران به: أعطيانيها زوجة متى تريدان. فقد أخّرت كلّ الشّؤون الأخرى كما يلزم، بعدما طلبتما منّي التّفرّغ لذلك الشّأن الأهمّ.

ديميفون : لكنّ أخي ردعني عن إعطائها قائلا: "ماذا سيقول عنك النّاس إن فعلت ذلك؟ لم تعطه سابقا لمّا كان ممكنا إعطاؤه بنحو مشرّف أمّا الآن فعار طردها." هي تقريبا نفس المآخذ التي ذكرتَ السّاعة أنت نفسك أمامي.

فرميون : أرى أنّكما تهزآن بي مستصغرين شأني.

ديميفون : كيف ذلك؟

فرميون : تسأل؟ لأنّي لم أعد أستطيع حتّى الزّواج بالأخرى، إذ بأيّ وجه سأعود إليها بعدما نكفت عنها؟

خريمس : ( هامسا لديميفون) قل :"أرى أنتيفون كذلك غير راض بفراقها."

ديميفون : ثمّ إنّي أرى ابني كذلك غير راض بالمرّة بفراق تلك المرأة.. لكن مُرّ من فضلك على القصبة* يا فرميون ومُرْ بأن يعاد لي ذلك المال.

فرميون : الّذي سبق أن وزّعته على دائنيّ؟

ديميفون : ماذا سيحصل في مثل هذه الحال؟

فرميون : إن شئت إعطائي المرأة الّتي وعدتني فسأتزوّجها. أمّا إن شئت أن تبقى عندك يا ديميفون فسيبقى المهر* عندي. فليس عدلا أن تغُشّاني بينما فسختُ خطوبتي من الأخرى الّتي كانت تعرض مهرا* مساويا.

ديميفون : رح في داهية مع كلامك الفضفاض أيّها الآبق. أتظنّنا لا نزال على جهل بك وبخزعبلاتك؟

فرميون : بدأت أغضب.

ديميفون : هل تتزوّجها إن أعطيناكها؟

فرميون : جرّب.

ديميفون : كي يقيم ابني معها عندك، هذه كانت خطّتكم.

فرميون : أتساءل أيّ تخاريف تهرف.

ديميفون : هيّا أعطني النّقود.

فرميون : بل أعطني أنت الزّوجة الموعودة.

ديميفون : سر معي إلى المحكمة. إلى المحكمة.

فرميون : فعلا، إن تستمرّا في مضايقتي...

ديميفون : ماذا ستفعل؟

فرميون : أنا؟ ربّما تظنّاني أحمي من النّساء من لا مهر* لهنّ فحسب؟ بل اعتدت حماية الممهورات* أيضا.

خريمس : وفيم يعنينا ذلك؟

فرميون : لا شيء. عرفت هنا زوجة كان بعلها*...

خريمس : كيف؟

ديميفون : ماذا؟

فرميون : قد اتّخذ له زوجة أخرى في لمنوس*،

خريمس : ( مخاطبا نفسه) متُّ.

فرميون : أنجب منها بنتا ربّاها سرّا.

خريمس : ( مخاطبا نفسه) قُبرتُ.

فرميون : هذا ما سأروي لها.

خريمس : أترجّاك ألاّ تفعل.

فرميون : أهو أنت إذن؟

ديميفون : انظر كيف يسخر منّا!

خريمس : سندعك وشأنك.

فرميون : هراء.

خريمس : ماذا تريد منّا؟ المال الّذي بحوزتك نعطيه لك.

فرميون : أفهم. تبّا لكما، لماذا تعبثان بي أيّها الأخرقان بألاعيبكما الصّبيانيّة؟ لا أريد، أريد؛ أريد، بل لا أريد. هاك، هات. تنقضان كلّ ما تقولان، وتلغيان ما أقررتما قبل لحظة.

خريمس : ( مخاطبا ديميفون بصوت خفيض) كيف ومن أين علم الخبيث بكلّ ذلك؟

ديميفون : ( رادّا بصوت خفيض) لا أعلم. لكنّي أعلم علم اليقين أنّي لم أبح بسرّك لأحد.

خريمس : ( مخاطبا نفسه) كأنّه وحقّ الآلهة نذير من السّماء.

فرميون : ( مخاطبا نفسه) روّعتهما.

ديميفون : ( مخاطبا خريمس) تبّا! أيبتزّ هذا الزّنيم منّا مثل ذاك المبلغ ضاحكا علينا جهارا؟ بل أوثر الموت وحقّ هرقل*. فاستعدّ لتكون ثبت الجنان. ترى أنّ خبر غلطتك تسرّب إلى الخارج ولم يعد بمقدورك إخفاؤه على زوجتك. لذا فأيسر استرضاؤها يا خريمس لو أعلمناها نحن الآن بما ستسمع به حتما من الآخرين، وإذّاك نستطيع الانتقام من هذا النّذل على طريقتنا.

فرميون : ( مخاطبا نفسه) تبّا! إن لم أحتط لنفسي فسأقع في المتاعب. إنّهما يزحفان عليّ ببسالة المجالدين.

خريمس : ( مخاطبا ديميفون) لكن أخشى ألاّ يمكننا استرضاؤها.

ديميفون : ( مخاطبا خريمس) تشجّع، سأصلح بينكما، معتمدا على أنّ الّتي أنجبَت ابنتك فارقت الحياة.

فرميون : هكذا إذن تعاملاني؟ تهاجماني بفطنة لا تنكر. لكن تأكّد يا ديميفون أنّ استفزازك لي ليس في مصلحته وحقّ هرقل*. ( مخاطبا خريمس) وأنت، قل لي ألا يكفيك ما فعلت لها حتّى تلحق بها إساءة من نوع جديد، إذ تأتي الآن مستغفرا لذنبك بتوسّلاتك؟ سأجعلها بهذه الأقوال تضطرم غضبا عليك، فلن تطفئ ضريمها بدموعك وإن سكبتها مدرارا.

ديميفون : ألا حلّ على هذا الوبش غضب كلّ الآلهة والإلهات! أيوجد إنسان بمثل هذه الصّفاقة؟! ألا يُنفى إلى أرض معزولة هذا المجرم السّافر!

خريمس : ( مخاطبا ديميفون) آل بي الأمر إلى أنّي صرت لا أعرف ما أصنع معه.

ديميفون : أنا أعرف: لنذهب إلى المحكمة.

فرميون : إلى المحكمة؟ ( مشيرا إلى بيت خريمس) بل إلى هنا إن سمحتما.

خريمس : ( مخاطبا ديميفون) اتبعه وأمسكه ريثما أدعو العبيد.

ديميفون : لا أستطيع بمفردي. أسرع لمساعدتي.

فرميون : ( مخاطبا ديميفون) لي شكوى ضدّك.

ديميفون : قاضني أمام المحكمة إذن.

فرميون : ( مخاطبا خريمس) ولي أخرى ضدّك أنت يا خريمس. ( يتملّص ويهمّ بالاقتراب من بيت خريمس)

خريمس : ( مخاطبا ديميفون) أمسكه.

فرميون : أهكذا تتصرّفان معي؟ أنا بحاجة إلى صوتي كما أرى. ( صائحا) نوسستراتة، اخرجي لي!

خريمس : كمّم فمه السّفيه. انظر ما أقواه.

فرميون : ( صائحا) نوسستراتة، أناديك.

ديميفون : ألا تسكت؟ ( يحاول جرّه)

فرميون : أسكت، ولماذا؟

خريمس : إن لم يتبعك فسدّد له لكمات في بطنه.

فرميون : بل وافقأ عيني إن شئت، فهنا الّتي ستثأر لي منكما بلا شكّ.

 

المشهد العاشر* (990-1054)

نوسستراتة، خريمس، ديميفون، فرميون

نوسستراتة: من يناديني؟ ما هذه الضّجّة يا زوجي، أرجوك؟

فرميون : ( مخاطبا خريمس) قل لها لماذا أحدثت ذلك الهرج.

نوسستراتة: ( مخاطبة خريمس) من هذا الرّجل؟ ألا تجيبني؟

فرميون : وهل يمكن أن يجيبك هذا الّذي لا يدري وحقّ هرقل* حتّى أين يوجد؟

خريمس : لا أن تصدّقي شيئا ممّا يقول.

فرميون : اقتربي إذن والمسيه: إن لم تجديه كلّه كالصّقيع فاقتليني.

خريمس : هراء.

نوسستراتة: ما الخبر إذن؟ ماذا يقول هذا الرّجل؟

فرميون : ستعرفين حالا: أصغي إليّ.

خريمس : أما زلت تصدّقينه؟

نوسستراتة: كيف أصدّقه بحقّ السّماء وهو لم يقل بعد شيئا؟

فرميون : المسكين يهذي من الخوف.

نوسستراتة: ما بدون سبب تخاف منه إلى هذا الحدّ* وحقّ بولكس*.

خريمس : أنا أخاف منه؟

فرميون : بالتّأكيد، وإلاّ إن كنت لا تخاف من شيء وإن كان ما أقول هراء فاقصص أنت.

ديميفون : ماذا تريد أن يقصّ عليك أيّها الوغد؟

فرميون : أمّا أنت فاشتغلت حقّا بجدّ لحساب أخيك.

نوسستراتة: لم لا تقصّ عليّ يا زوجي؟

خريمس : لكن...

نوسستراتة: ما "لكن" هذه؟

خريمس : لا حاجة إلى قول ذلك.

فرميون : بالنّسبة إليك أنت من دون شكّ، لكنّها هي بحاجة إلى معرفته. في لمنوس*...

ديميفون : ويلك، ماذا تقول؟

خريمس : ألا تسكت؟

فرميون : خفية عنكِ...

خريمس : يا ويلتي!

فرميون : اتّخذ زوجة أخرى.

نوسستراتة:لا سمح الآلهة يا زوجي! 

فرميون : ذاك ما حدث.

نوسستراتة: يا ويلتى ما أتعسني!

فرميون : وأنجب منها بنتا وأنت غافلة...

خريمس : ( مخاطبا ديميفون) ما العمل؟

نوسستراتة: جرم فظيع يثير الإشفاق وحقّ الآلهة.

فرميون : ذاك ما حدث.

نوسستراتة: هل ارتُكب حتّى اليوم جرم أخزى؟ لهف نفسي لمّا يأتون إلى زوجاتهم يستحيلون شيوخا. ديميفون، أخاطبك فالحديث معه مباشرة يقرفني. هذا إذن سرّ أسفاره المتكرّرة وإقاماته الطّويلة في لمنوس*؟ ذاك إذن سرّ البوار الذي أنقص مردود أملاكنا؟

ديميفون : لا أنفي يا نوسستراتة ذنبه في هذه القضيّة. لكنّه ذنب يمكنك أن تغفريه.

فرميون : كما لو تكلّم ميتا!

ديميفون : فما فعل ذلك هجرانا ولا كرها. منذ حوالي خمسة عشر عاما، سكر يوما فاغتصب امرأة أنجبت هذه الفتاة ثمّ لم يمسسها قطّ من بعد. وقد ماتت، هي الّتي كانت العنصر الصّعب في هذا الأمر.

نوسستراتة: كيف لي بالاحتفاظ بهدوئي؟ يا لبؤسي، ليتني متّ قبل هذا. لكن ماذا أرجو؟ أأعلّل نفسي بأنّه لسنّه لن يعود لمثل هذه الزّلّة؟ لكنّه إذّاك كان شيخا، لو كانت الشّيخوخة تجعل للنّاس أعفّة. أم هل حسني اليوم وعمري أكثر فتنة يا ديميفون؟ أيّ دليل تحمل لي يدحملني على أن أنتظر أو آمل ألاّ يحصل مثل ذلك مستقبلا؟

فرميون : ( مخاطبا نفسه) لمن يودّون المشي في جنازة خريمس، هوذا الأوان. هذا ما سأقول: هيّا، ليقدم على إيذاء فرميون من يشاء! سأجني مجدا ويجني اندحارا مماثلا. فليعد إلى الصّلح فورا، يكفيني ما تلقّى من عقاب. فلزوجته ما حييتْ ما تنكّد به عليه.

نوسستراتة: لكن أظنّني أستحقّ ذلك. ماذا يا ديميفون لو أذكر الآن بالتّفصيل ما كنت بالنّسبة له؟

ديميفون : أعرف كلّ ذلك مثلك تماما.

نوسستراتة: أأستحقّ في رأيك ما جرى لي؟

ديميفون : أبدا، لكنّ المَلام لا يستطيع إلغاء ما حصل، فاصفحي. إنّه يترجّاك ويعترف بذنبه ويسألك المغفرة، فماذا تريدين أكثر من ذلك؟

فرميون : ( مخاطبا نفسه) قبل أن تصفح عنه، سأحتاط لي ولفدريا. ( مخاطبا نوسستراتة) نوسستراتة، قبل أن تجيبي عليه بدون رويّة، أصغي إليّ.

نوسستراتة: ماذا هناك؟

فرميون : لقد احتلت لأسحب منه ثلاثين مينة* أعطيتها لابنك الذي أعطاها لتاجر جوار مقابل صاحبته.

خريمس : تبّا ماذا تقول؟

نوسستراتة: أإلى هذا الحدّ يبدو لك عيبا أن تكون لابنك الشّابّ خليلة وأنت لك حليلتان؟ ألا تستحي؟ بأيّ فم ستؤنّبه؟ هيّا، أجبني.

ديميفون : سيفعل كما تشائين.

نوسستراتة: حسنا، لكن لتعرفَ الآن رأيي، أنا لا أغفر ولا أعد بشيء ولا أجيب قبل أن أرى ابني.

فرميون : أنت امرأة عاقلة يا نوسستراتة.

نوسستراتة : ( مخاطبة خريمس) أيكفيك هذا؟

خريمس : ( مخاطبا نفسه) بل أكثر من ذلك: أنسحب بنحو مشرّف نسبيّا وأفضل ممّا كنت آمل.

نوسستراتة: ( مخاطبة فرميون) وأنت، قل لي ما اسمك.

فرميون : أنا؟ فرميون: أنا صديق لأسرتكما ولابنك فدريا على خصوصا.

نوسستراتة: أما إنّي وحقّ كستور* لفاعلة وقائلة لك ما يرضيك، قدر ما أستطيع، يا فرميون.

فرميون : هذا من لطفك.

نوسستراتة: بل أنت وحقّ بولكس* أهل لكلّ خير.

فرميون : أتودّين المبادرة اليوم إلى فعل ما يسرّني ويؤلم بعلك؟

نوسستراتة: أودّ طبعا.

فرميون : ادعيني إلى عشائكم.

نوسستراتة: بجدّ أدعوك وحقّ بولكس*.

ديميفون : هيّا بنا إلى الدّاخل.

نوسستراتة: ليكن. لكن أين فدريا الحكم بيننا؟

فرميون : سأرسل فورا في طلبه.

قائد الفرقة: وأنتم، دمتم بصحّة، ولتصفّقوا.