ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

2- الخصيّ

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

الخصيّ

 

ملاحظة: هي من بين مسرحيّات ترنس السّتّ المسرحيّة التي لاقت أكبر نجاح حسب سويتونيوس الذي ذكر أنّها "مثّلت مرّتين في اليوم واستحقّت أرفع مكافأة ماليّة لم تنل مثلها مسرحيّة لأيّ شخص قبله، ألا وهي ثمانية آلاف درهم*" لما في موضوعها من نكهة يحبّها العامّة ولما فيها من عناصر تهريجيّة، وقد جمع فيها ترنس بين شخصيّتي ملهاة محبوبتين لدى الجمهور الذي يمكن أن نعرف ذوقه من تمهيدي "الحماة" ( إذ نراه يقطع مشاهدة المسرحيّة ويهرول لمشاهدة عرض بهلوان أو مصارعين!)، هما الخصيّ والطّفيليّ الذي أفرد له ترنس مسرحيّة أخرى هي "فرميون". اقتبسها ترنس من مسرحيّتين لمينندر وعرضها سنة 161 ق.م. وربّما قدّمها من قبل حسبما يستفاد من التّمهيد. وفيها كذلك شخصيّة العسكريّ المتبجّح التي لا توجد في مسرحيّة مينندر الأصليّة، فهي مستمدّة من مسرحيّة أخرى لمينندر ويوجد مكانها في الأصل منافس تاجر. نجد أيضا شخصيّة المومس* لكنّ صورتها ناصعة مشرقة. ملخّص القصّة أنّ الجنديّ ثراسون عاشق المومس* ثاييس يهديها جارية يقع في حبّها خيريا الأخ الأصغر لفدريا عاشق ثاييس الذي يضطرّ بطلب منها إلى الانسحاب لبضعة أيّام أمام منافسه. ذلك أنّ ثاييس ( أو خريسيس في مسرحيّة مينندر) تخاف أن يتراجع ثراسون ويستعيد هديّته إن لم تنزل عند طلبه، فقد تعرّفت في الجارية على فتاة خُطفت من سونيوم* منذ عدّة سنوات واشترتها أمّها فربّتها معها وبعد موت أمّها باعها خالها لثراسون، وتظنّ، بناء على بحث لا يوضّحه ترنس بسبب تخلّيه عن التّمهيد الأصليّ، أنّها اكتشفت أخاها ( خريمس) فترسل في طلبه للتّعرّف على أخته. قبل انسحابه يترك فدريا خصيّا يريد إهداءه لثاييس ويأمر عبده برمينون بإيصاله إليها. فيتزيّى خيريا بزيّه ويذهب مكانه ويغتصب الفتاة في غياب سيّدتها ووصيفاتها، ثمّ يفرّ من البيت. في النّهاية تحلّ العقدة بنحو نترك للقارئ لذّة اكتشافه.   

 

الشّخصيّات:

ملقي التّمهيد

فدريا    : شابّ.

برمينون:  عبد ديميا.

ثاييس   : مومس

غناطون : طفيليّ متملّق ( تابع لثراسون). 

خيريا    : شابّ، أخ فدريا الأصغر.

ثراسون : عسكريّ.

بيثياس  : خادمة لثاييس.

خريمس : شابّ.

أنتيفون : شابّ من أصدقاء خيريا.

دورياس : خادمة لثاييس.

دوروس : خصيّ.

صنقا    : عبد لثراسون.

صُفرونة: عجوز، مرضعة.

ديميا    : شيخ، والد فدريا وخيريا.

قائد الفرقة

 

 

تدور أحداث المسرحيّة في أثينة

 

ملخّص لقيوس سلبيقوس أبولّينارس

جلب الجنديّ ثراسون فتاة يشاع خطأ وبدون علمه أنّها أخت  ثاييس، وأهداها لها. والحال أنّها كانت مواطنة أتّيكيّة*. كذلك أمر فِدريا، عاشق ثاييس، بنقل خصيّ اشتراه إليها وذهب إلى الرّيف بعد ما طلبت منه إخلاء الجوّ لثراسون مدّة يومين. عمد الشّابّ، أخ فدريا، المتيّم بحبّ الفتاة المهداة لثاييس إلى التّنكّر في زيّ الخصيّ كما أشار عليه برمينون، ودخل إلى بيت ثاييس واغتصب الفتاة البكر. بيد أنّ مواطنا أتّيكيّا، اكتشف أنّه أخوها، زوّجها لمغتصبها الشّابّ. واسترضى ثراسون فدريا.

 

 

ملقي التّمهيد (1-45)

  إن كان ثمّة من يجتهد في إرضاء الأكثريّة من المواطنين الصّالحين، وتكدير أقلّ عدد ممكن، فإنّ هذا الشّاعر يسجّل اسمه ضمن اللاّئحة. ثمّ إن كان هناك من رأى أنّه انتُقِص، فليعتبرْ أنّ ذاك أتى ردّا لا هجوما، لأنّه البادئ بالإساءة. فبترجمة جيّدة وتأليف رديء، صنع من مسرحيّات يونانيّة جيّدة مسرحيّات لاتينيّة رديئة. في الآونة الأخيرة  قدّم صاحبنا "الشّبح" لمينندر، وفي "الكنز" كتب دفاع المتّهم حيث يبيّن من أين أتاه الكنز أو وصل إلى ضريح أسرته قبل أن يعرض المدّعي على أيّ أساس يزعم أنّ الكنز ملكه. فلا يخدعْ نفسه إذن أو يقل: "واحدة بواحدة، لم يعد له ما يقول عنّي". أنبّهه إلى ألاّ يقع في هذا الخطإ وأن يكفّ عن مشاكستي. لديّ كثير من المطاعن سأتجاوز له عنها حاضرا، لكن يمكنني عرضها لاحقا إن واصل ما بدأ من مضايقتي.

  لقد دبّر صاحبنا الوسيلة للتّفرّج على المسرحيّة الّتي سنمثّلها الآن بعدما ابتاعها النّاظرون البلديّون. ولمّا حضر المشرف، شرعنا في التّمثيل. فصاح خصمنا أنّ لصّا لا شاعرا قدّم المسرحيّة ولم يكن أمينا في نقل النّصّ الأصليّ: فهناك "المتملّق" لنايفيوس* ومسرحيّة قديمة لبلاوتوس*، ومن هناك نقل الشّاعر شخصيّة الطّفيليّ والجنديّ. إن كان الشّاعر قد أخطأ، فقد أخطأ سهوا منه، ولم يسع إلى ارتكاب سرقة. سيمكنكم الآن الحكم بأنّ تلك هي الحقيقة الصّرف.

  هناك عند مينندر* مسرحيّة بعنوان "المتملّق" فيها طفيليّ متملّق وجنديّ متبجّح. لا ينكر الشّاعر أنّه نقل الشّخصيّتين في تمثيليّة "الخصيّ" من المسرح اليونانيّ. أمّا أنّه كان على علم بترجمة هاتين المسرحيّتين سابقا إلى اللاّتينيّة، فذاك ما ينكره تماما. إن كان لا يجوز استعمال نفس الشّخصيّات فكيف تجوز كذلك الكتابة عن عبد يجري أو تخيّل سيّدات صالحات ومومسات ماكرات أو طفيليّ شره وجنديّ فيّاش، أو ولد ينسب لغير أبويه أو شيخ يخدعه عبده أو أشخاص يحبّون أو يكرهون أو يرتابون؟ ذلك أنّه لا قول إلآّ وقد قيل. لذا يحسن أن تعلموا وتغفروا إن فعل المحدثون ما دأب على فعله الأقدمون. فلتصغوا بانتباه وصمت، ولتبذلوا جهدكم لتعرفوا ماذا يريد خصيّنا. 

 

 

الفصل الأوّل

 

المشهد الأوّل (46-80)

فدريا، برمينون

فدريا: ما العمل في هذه الحال؟ ألا أذهب حتّى وقد أرسلَت الآن في طلبي من تلقاء نفسها؟ أم أوطّن نفسي على ألاّ أتحمّل إهانات المومسات طويلا؟ طردتني والآن تدعوني من جديد فهل أعود؟ كلاّ حتّى لو توسّلت لي. إن تستطع فلا قرار أفضل ولا أشجع وحقّ هرقل*. لكن إن بدأت ولم تتمّ بهمّة وعزم، لمّا تعجز عن الصّبر ولا تطلبك، فتذهب إليها طوعا من تلقاء نفسك ودون أن تكونا قد تصالحتما، فاضحا حبّك وعجزك عن الاحتمال، تكون قد  وقعت وانتهى أمرك. ستلعب بك لمّا تدرك أنّك عدت مغلوبا. ففكّر مليّا ما دامت لديك فرصة.

برمينون: سيّدي، إنّ شأنا لا يحمل في ذاته منطقا ولا رصانة ولا اعتدالا، لا تستطيع إخضاعه لسلطان العقل. الحبّ يتضمّن كلّ هذه الأدواء: الأذايا، والظّنون، والخصومات والهدن، والحرب والسّلم من جديد. إن كنت تدّعي إخضاع هذه الأمور المتقلّبة لثبات العقل، فأنت لا تفعل إذّاك أكثر ممّا لو أردت أن تُجنّ وأنت بكامل عقلك. وما تفكّر به الآن بأمان في سورة الغضب بينك وبين نفسك: "هل أذهب إليها؟ آثرتْه عليّ، طردتْني، فعلت كذا، لم تفعل كذا...الموت أهون لديّ وأفضل بما لا يقاس. ستعرف أيّ الرّجال أنا"، كلّ هذه الكلمات ستجعلها هباء بدمعة زائفة تغتصبها بالكاد بحكّ عينيها بقوّة*. بل فوق ذلك ستؤنّبك، وستروح إليها تلقائيّا متوسّلا.

فدريا: يا لسلوكي الشّائن. الآن أدرك فعلا كم هي ماكرة وكم أنا تعيس: أقرف وأتوقّد حبّا، أرمي بنفسي في الهاوية بكامل وعيي وطاقاتي، أحسّ وأرى، ولا أدري ماذا أصنع.

برمينون: ماذا تصنع؟ تحرّر نفسك من الأسر بأقلّ ثمن ممكن. إن لم تستطع بالقليل فبالكثير. ولا تأس عليها.

فدريا: بهذا تشير عليّ؟

برمينون: نعم، إن اخترت الرّشاد ولم تضف إلى المتاعب التي يقترن بها الحبّ أصلا أخرى وتحمّلت التي عندك بالوجه الصّحيح. لكن ها هي تخرج آفة مزرعتنا التي تلتقف ما يفترض أن نجني منها. 

 

المشهد الثّاني (81-206)

ثاييس، فدريا، برمينون

ثاييس: ( مخاطبة نفسها) يا لبؤسي، أخشى أن يكون فدريا أخذ المسألة محمل الجدّ وأوّلها على غير ما قصدت لمّا لم آذن له أمس بالدّخول.

فدريا: ( مخاطبا برمينون) بكلّ كياني أرتعش وأرتجف يا برمينون بعدما رأيتها.

برمينون: أنت بأحسن حال، ادن من هذه النّار ستدفأ في الحال.

ثاييس: من يتكلّم هنا؟ عفوا، أكنت من قبل هنا يا حبيبي فدريا؟ لماذا بقيت واقفا هنا؟ لم لم تدخل مباشرة؟

برمينون: ( مخاطبا نفسه) أمّا رفض استقباله، فلا كلمة عنه.

ثاييس: ( مخاطبة فدريا) لماذا أنت ساكت؟

فدريا: ربّما لأنّ بابك مفتوح لي على الدّوام ولأنّي الأوّل بين مقرّبيك.

ثاييس: انس ما حصل.

فدريا: كيف أنساه، يا ثاييس؟ ألا ليت الحبّ يا ثاييس كان بيننا متوازيا والقسمة فيه سواء، كي يضنيك الوجد كما يضنيني، أو كيلا أبالي بما فعلتِ لي!

ثاييس: لا تعذّب نفسك أرجوك يا حبيبي وروحي فدريا. فوحقّ بولكس* ما فعلت ذلك لأنّي أحبّ وأعزّ أحدا أكثر منك. إنّما كان الظّرف يقتضيني فعل ذلك.

برمينون: يا للمسكينة، أظنّك إذن أوصدت بابك في وجهه، كما حصل، من شدّة الحبّ!

ثاييس: أهكذا تدافع عنّي يا برمينون؟ كفى أرجوك. وأنت هلاّ استمعت لأيّ سبب أرسلت في طلبك.   

فدريا: ليكن.

ثاييس: قل لي أوّلا : هل يستطيع هذا كتمان السّرّ؟

برمينون: أنا؟ طبعا أستطيع. لكن أعطيك عهدي بشرط: ما سمعت من حقّ أكتمه وأحفظه جيّدا، أمّا الكذب والباطل والاختلاق فأفشيه فورا: أنا مليء بالصّدوع، أرشح من كلّ جانب. فإن أردت منّي الكتمان، قولي الحقّ.

ثاييس: أصل أمّي من ساموس*، وكانت تسكن رودس*.

برمينون: هذا يمكنني كتمانه.

ثاييس: هناك أهدى تاجر لأمّي بنتا صغيرة خُطفت من هنا، من أتّيكة*.

فدريا: مواطنة؟

ثاييس: أعتقد، لكنّا لا نعلم بيقين. كانت تقول اسم أمّها وأبيها لكنّها لم تكن تعرف- وما كان بوسعها أن تعرف نظرا لسنّها- وطنها وبقيّة تفاصيل هويّتها، لكن كان التّاجر يضيف أنّه سمع من خاطفيها الذين اشتراها منهم أنّهم اختطفوها من سونيوم*. لمّا تسلّمتها أمّي عنيت بتعليمها كلّ الأشياء وتربيتها كما لو كانت ابنتها. فكان كثيرون يظنّونها أختي. ثمّ إنّي ارتحلت إلى هنا مع ذلك الأجنبيّ الذي كنت على علاقة به هو وحده والذي ترك لي كلّ ما أملك...

برمينون: كلا الزّعمين كاذب. سأرشح.

ثاييس: ماذا تقصد؟

برمينون: لأنّك ما كنت تقنعين بواحد ولم يكن وحده يعطيك. فالّذي أمامك أيضا حمل إليك الكثير.

ثاييس: هو كذلك. لكن ذرني أواصل حديثي حتّى أبلغ مرادي. في الأثناء انطلق صاحبي إلى كرية*. في تلك الفترة أتيح لي أن أعرفك. وأنت نفسك تعلم أيّة صداقة صرت أكنّ لك إلى درجة الإفضاء لك بكلّ ما في نفسي.

فدريا: ولا هذا سيكتم برمينون قطعا.

برمينون: وهل في ذلك شكّ؟

ثاييس: دعانا من هذا أرجوكما. ماتت أمّي هناك قبل مدّة قصيرة واستأثر أخوها بالميراث. فلمّا رأى تلك الفتاة على مسحة من الجمال وتجيد العزف وضعها فورا في الدّلالة طمعا في الحصول على ثمن جيّد وباعها. بالصّدفة والبخت* حضر هناك صاحبي فاشتراها ليقدّمها هديّة لي، وهو يجهل تماما كلّ تلك الوقائع. وبعدما أحسّ بأنّي على علاقة بك أنت أيضا، اختلق معاذير كيلا يسلّمنيها، قائلا إنّه يودّ حقّا إهداءها لي لو كان على ثقة بأنّي أفضّله عليك ولم يكن يخشى أن أهجره حالما أتسلّمها. أمّا أنا فأرتاب في أنّه صبئ إلى البنت.

فدريا: ألديك شيء آخر؟

ثاييس: لا شيء. فقد طلبتها منه. والآن أريد يا عزيزي فدريا انتزاعها منه لأسباب عديدة. أوّلا لأنّها أختي في أعين النّاس، ثمّ لأردّها إلى ذويها. ليس لي هنا أحد أعتمد عليه، لا قريب ولا صديق. لذا أودّ يا عزيزي فدريا تكوين بعض الأصدقاء بفضل خدماتي، فأعنّي لتسهّل عليّ ذلك أكن ممتنّة لك. اسمح بأن يتبوّأ لديّ مركز الصّدارة لبضعة أيّام. ألا تجيب بشيء؟

فدريا: بماذا أجيبك يا ظالمة إزاء هذه الفعال؟

برمينون: مرحى يا سيّدي، أخيرا ألمتَ لهوانك: أنت رجل.

فدريا: أم حسبتني أجهل ما كنت تريدين الوصول إليه. "خُطفت صغيرةً من هنا، ربّتها أمّي كابنتها تماما، يشاع أنّها أختي، أريد انتزاعها لأردّها إلى ذويها". واضح أنّ هذه الأقوال تصبّ كلّها في هذه الخانة: أنا أُبعد وهو يُقرّب. لأيّ سبب، سوى أنّك تحبّينه أكثر منّي وتخشين الآن أن تفتكّه منك الفتاة التي جلبها؟

ثاييس: أنا أخشى ذلك؟

فدريا: ماذا سوى ذلك يشغل إذن بالك؟ أجيبي. أهو وحده يقدّم لك الهدايا؟ في أيّة مناسبة أحسست منّي تقصيرا وفتورا في سخائي؟ لمّا ذكرتِ لي رغبتك في خادمة حبشيّة ألم أدعْ كلّ شؤوني وأتفرّغ لطلبها؟ ثمّ لمّا ذكرت رغبتك في خصيّ لأنّ الملكات ينفردن باستخدام الخصيان، وجدت واحدا، وقد دفعت بالأمس عشرين مينة* في الاثنين. رغم إساءتك لي تذكّرت كلّ ما طلبتِ. أفلِتفانيَّ تحتقرينني؟

ثاييس: ما هذا يا فدريا؟ حقّا، رغم رغبتي في انتزاعها واعتقادي أنّ تلك أوفق طريقة لتحقيقها، أفضل من أن تخاصمني فعل ما تأمرني.

فدريا: ليتك تقولين هذا الكلام من القلب: "أفضل من أن تخاصمني"! فلو كنت واثقا أنّك تتكلّمين بصدق لاستطعت تحمّل كلّ شدّة.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) سرعان ما وقع مغلوبا من كلمة واحدة.

ثاييس: أنا لا أتكلّم من القلب يا لتعسي؟ أيّ شيء أردت منّي، حتّى على سبيل المزاح، لم تنله بالتّمام؟ بينما لا أستطيع بالمقابل الحصول منك حتّى على الانسحاب يومين فقط!

فدريا: إن كان حقّا ليومين، وعلى ألاّ يصيرا عشرين يوما!

ثاييس: بالتّأكيد يومين لا أكثر، أو...

فدريا: لا شأن لي بأيّ "أو".

ثاييس: لن يحصل. امنحني اليومين فقط، أرجوك.

فدريا: لا بدّ لي من الامتثال لرغبتك كما أرى.

ثاييس: حسنا تفعل يا حبيبي، أنت حقّا أهل لحبّي.

فدريا: أنا ذاهب إلى الرّيف. سأتلف نفسي هناك يومين أسى. ذاك ما أنا عازم عليه، إذ لا بدّ من الامتثال لثاييس. أمّا أنت يا برمينون فتدبّر لإيصال الهدايا إلى هنا. 

برمينون: سمعا وطاعة.

فدريا: إلى اللّقاء بعد هذين اليومين دمتِ بصحّة يا ثاييس.

ثاييس: وأنت بالأمثل يا عزيزي فدريا. هل تريد شيئا آخر؟

فدريا: أنا ماذا أريد؟ أن تكوني مع ذلك العسكريّ حاضرة وغائبة في الآن نفسه، أن تحبّيني ليل نهار، وتتشوّقي إليّ، أن تريني في المنام وتحنّي إليّ وتفكّري فيّ وتترقّبيني وتسلّي نفسك بادّكاري وتكوني معي بكلّ كيانك. اجتهدي أخيرا أن تكوني روحي كما أنا روحك. ( ينصرف)

ثاييس: ( مخاطبة نفسها) كم يشقيني أنّه ربّما صار لا يثق بي ويحكم عليّ قياسا على طباع الأخريات. لكنّي وحقّ بولكس* أعرف جيّدا، كمعرفتي بنفسي، أنّي ما اختلقت كذبا وأنّ لا أحد أعزّ من فدريا على قلبي. وإنّما فعلت ما فعلت من أجل تلك الفتاة. إذ آمل أنّي وجدت على ما أظنّ أخاها ومن حسن الاتّفاق أنّه فتى كريم الأرومة. وقد وعد بالمجيء اليوم إلى بيتي. فلأنسحب إلى الدّاخل وأنتظر ريثما يأتي.

 

<<