ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

3- معذّب نفسه

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

معذّب نفسه

 

 

ملاحظة: اقتبسها ترنس من مسرحيّة لمينندر* وعرضها سنة 163 ق.م. وكبقيّة مسرحيّاتهما موضوعها مستمدّ من الحياة اليوميّة ولا يعالج كبريات المشاكل السّياسيّة أو الفلسفيّة. فيها قصّتا حبّ متداخلتان للشّابّين كليتيفون وكلينيا. يعشق أوّلهما مومسا* والثّاني فتاة يتبيّن أنّها من أصل حرّ كريم، ويساعدهما العبد سيروس ضدّ الصّعاب التي تعوق حبّهما. ويختلفان في طباعهما، الأوّل خرع والثّاني حازم، ويختلف أبواهما  خريمس ومينيديموس في علاقة كلّ منهما بابنه، وإن كان موقف الأوّل يتغيّر بين بداية المسرحيّة ونهايتها وبنحو يضحكنا على فلسفته التّربويّة. ولعلّ رسالة مينندر* وتيرنس تتلخّص في مدح الوسطيّة وفق فلسفة أرسطو.

 

الشّخصيّات

ملقي التّمهيد

خريمس: شيخ، أب كليتيفون

مينيديموس: شيخ، أب كلينيا

كليتيفون: شابّ، عاشق باخيس

كلينيا: شابّ، عاشق أنتفيلة

سيروس: عبد كليتيفون

درومون: عبد كلينيا

باخيس: مومس

أنتفيلة: فتاة

سُستراتة: سيّدة، زوجة خريمس

كنطارة: مرضعة

فريجية: جارية باخيس

قائد الفرقة

تدور أحداث المسرحيّة في الرّيف الأتيكيّ

 

ملخّص لقيوس سُلبيقوس أبولينارس

أجبرت الشّابَّ كلينيا المغرمَ بأنتفيلة قسوةُ أبيه على الرّحيل والانخراط في الجيش. ثمّ ندم وضاقت نفسه. فما لبث أن عاد ونزل بدون علم والده عند كليتيفون المغرم بالمومس باخيس. ولمّا أرسل كلينيا في طلب محبوبته أنتفيلة أتت مكانها صديقتها باخيس ومعها أنتفيلة متنكّرة في زيّ جارية، فعل كليتيفون ذلك ليخفي الحقيقة على والده. وبفضل حيل سيروس ابتزّ من الشّيخ عشر مينات* قدّمها للمومس. تبيّن أنّ أنتفيلة أخت كليتيفون. تزوّجها كلينيا وتزوّج كليتيفون امرأة أخرى.

 

 

ملقي التّمهيد (1-25)

  لئلاّ يستغرب أيّ منكم من إسناد الشّاعر لشيخ دورا يعود بالأساس إلى الشّباب، سأقدّم لكم المبرّر أوّلا ثمّ أفسّر غاية مجيئي. سأمثّل اليوم مسرحيّة جديدة مقتبسة من مسرحيّة يونانيّة جديدة هي "معذّب نفسه". وقد ألّفتها حول موضوع بسيط بشكل مزدوج. ها أنا عرضت جدّتها وهويّتها، وكان بنيّتي أن أذكر الآن كاتبها وأقدّمه لكم لولا تقديري أنّ معظمكم يعرفونه. لذا سأقدّم الآن في بضع كلمات سبب تمثيلي هذا الدّور.

  أرادني مندوبا لا مجرّد عارض تمهيد وأسند إليكم دور الحكم وإليّ دور الممثّل. لكنّ هذا الممثّل يستطيع أن ينجز بفصاحته قدر ما استطاع التّفكيرَ بحصافة كاتبُ الخطاب الذي سألقي على مسامعكم.

أمّا ما تتناقله إشاعات مغرضة عن خلطه* كثيرا من التّمثيليّات اليونانيّة اقتبس منها قليلا من المسرحيّات اللاّتينيّة، فهو يؤكّد أنّه لا ينكر فعل ذلك، ولا هو نادم عليه، بل وسيستمرّ كذلك في ممارسته. ويعتقد أنّ له أسوة في شعراء جيّدين سبقوه إلى ذلك، ومن حقّه الاقتداء بهم. أمّا ما يردّد شاعر عتيق مغرض يزعم أنّ الشّاعر عكف بدون تأنّ على عِشرة ربّات الفنون واعتمد على قرائح أصدقائه بدلا من موهبته فسيكون حكْمكم وتقييمكم الفيصل. لذا أودّ ألاّ يغلب، في جملة ما يصلكم من الأقوال، حكم الجائرين حكم المنصفين. فاحرصوا على أن تكونوا أنتم أنفسكم منصفين، وقدّموا عديدا من فرص الانتشار لمن يتحفونكم بعديد من المسرحيّات المبتكرة الخالية من العيوب. ولا يحسبِ الحكمَ لصالحه ذاك الذي جعل الشّعب في مسرحيّة له منذ فترة يتنحّى أمام عبد يجري في الطّريق. فلِم يراعي الشّاعر ذاك الأخرق؟ سيقول الكثير عن أخطائه لمّا يقدّم مسرحيّات جديدة إن هو لم يكفّ عن تخرّصاته.

  تفرّجوا بهدوء وأتيحوا لي تقديم مسرحيّة رصينة* قدر الإمكان، بالمحافظة على السّكوت كيلا يضطرّ  شيخ باستمرار إلى أن يمثّل بمشقّة كبرى وسط ضوضاء عالية دور عبد يجري أو عجوز مغضب أو طفيليّ شره أو واش كاذب أو تاجر جوارٍ جشع. شدّوا انتباهكم لهذه القضيّة العادلة إكراما لي* فيخفّ بذلك عنائي. فكتّاب المسرحيّات الجديدة لا يراعون شيخا؛ إن كانت إحداها صعبة تتطلّب جهدا لُجئ إليّ وإن كانت سهلة سلّمت لفرقة أخرى. تتضمّن هذه المسرحيّة خطابا صرفا. فلتجرّبوا ماذا تستطيع موهبتي في كلا الفنّين. وإن كنت لم أحدّد قطّ ثمنا باهضا لفنّي ولا طلبته بحرص ولا سعيت إلى هدف غير التّرفيه عليكم وإمتاعكم فلتجعلوني قدوة لكي يحرص الكتّاب الشّباب على متعتكم بدلا من راحتهم.

 

 

الفصل الأوّل

 

المشهد الأوّل (53-174)

خريمس، مينيديموس

خريمس: رغم أنّ تعارفنا حصل حديثا، منذ ابتياعك المزرعة المجاورة، ولم يحصل بيننا أكثر من ذلك شيء تقريبا، فإنّ فضلك أو جوارك، الذي أعتبره شخصيّا قريبا من الصّداقة، يدفعني بجرأة ودون حرج إلى تنبيهك إلى أنّك تتصرّف حسبما يبدو لي بخلاف ما يمليه سنّك ووضعك المادّيّ. فبحقّ الآلهة والبشر ما تبتغي أو عمّ تبحث؟ إنّك حسب حدسي في السّتّين أو أكثر، وليس لأحد في الجوار قطعة أرض أفضل أو أعلى قيمة ممّا لديك*، ولك عديد من العبيد. مع ذلك يبدو كما لو لم تكن تملك شيئا تقريبا. إذ تحرص على أداء أعمالهم بنفسك. لا أغدو قطّ ولا أروح إلاّ وأراك في أرضك تعزق أو تحرث أو تنقل شيئا ما. ولا تولي نفسك قسطا من الرّاحة أو تراعيها. وأعلم يقينا أنّك لا تفعل ذلك لمتعتك. قد تقول: "تؤسفني ضآلة العمل الّذي يؤدّى هنا". لكن لو أنفقت الجهد الّذي يجشّمك أداءُ ذلك العمل في حمل الآخرين بالأحرى على أدائه، لكان ذلك أنجع.

مينيديموس: أتدع لك شؤونك يا خريمس متّسعا للاهتمام بشؤون غيرك الّتي لا تعنيك في شيء.

خريمس: أنا إنسان ولا أعدّ أيّ شأن إنسانيّ غريبا عليّ*. اعتبر أنّي أعظك أو أسألك. يحقّ لي أن أفعل، لا  أن أُكرِهك على ترك ما تفعل.

مينيديموس: ما أفعل يروق لي. ولك أن تصنع ما تراه مناسبا لك.

خريمس: من تُرى يروق له تعذيب نفسه؟

مينيديموس: أنا.

خريمس: ربّما ثمّة أمر يؤلمك. لكن ما ذاك الأمر؟ أجب أرجوك، بماستحققتَ كلّ هذا العناء؟

مينيديموس: واحسرتاه!

خريمس: لا تبك وأفهمني ما بك، مهما يكن. لا تُخف عليّ ولا تخفْ شيئا، وثق بي. سأساعدك بمؤاساتي أو بنصحي أو بمالي.

مينيديموس: أتودّ معرفة ذلك؟

خريمس: أجل، للسّبب الّذي ذكرت لك.

مينيديموس: سأخبرك.

خريمس: ( يمسك المعول من يديه) لكن ضع عنك في الأثناء هذه المعزقة وتوقّف عن العمل.

مينيديموس: كلاّ.

خريمس: لماذا؟

مينيديموس: دعني أعمل ولا أعطي نفسي أدنى فسحة.

خريمس: لن أدعك، أقول لك.

مينيديموس: ويحك، ما تفعل لا يجوز لك.

خريمس: لم هذا المعول المفرط الثّقل أرجوك؟

مينيديموس: ذاك ما أستحقّ.

خريمس: والآن أفضِ لي بسرّك.

مينيديموس: لي ولد وحيد في شرخ الشّباب. أوّاه، لِم قلتُ: لي، بل كان لي يا خريمس، فالآن لم يعد بيّنا إن لم يزل لي ولد أم لا.

خريمس: لكن ما السّبب؟

مينيديموس: ستعرف. توجد هنا عجوز فقيرة غريبة أتت من كورنتس* وقع في حبّ ابنتها إلى حدّ الجنون فكاد يقدم على الزّواج بها. كلّ ذلك دون علمي. ولّما علمت بالأمر شرعت في معاملته، لا برفق وكما يقتضي قلب شابّ معنّى، بل بعنف وبأسلوب الآباء المألوف*. كنت لا أفتأ ألومه يوميّا: "أترجو التّمادي في هذه الفعال، وأنا، أبوك، على قيد الحياة، إلى حدّ إنزال خليلتك منزلة الزّوجة تقريبا؟ تخطئ يا كلينيا وتجهل من أنا إن ظننت ذلك. أقبل أن تدعى ابني مادمت تفعل ما يجدر بك. أمّا إن لم تفعل فسأجد ما يجدر بي أن أفعل معك. ولعمري ما كان ليحصل شيء من ذاك لولا الفراغ والجدة. في مثل سنّك لم يكن الهوى أولى عناياتي، بل ارتحلت لفقري قاصدا آسية حيث وجدت في امتهان الحرب الثّروة والمجد." ما حصل بعد ذلك هو أنّ الولد بسماعه نفس الأقوال تردّد عليه مرارا وتكرارا بمنتهى الجدّ، اقتنع، وقدّر أنّي بحكم سنّي وحبّي له أعلم منه وأكثر تبصّرا بشؤونه. فارتحل إلى آسية للانخراط في جيش الملك، نعم فعل ذلك يا خريمس.  

خريمس: ماذا تقول؟

مينيديموس: أجل لقد ارتحل منذ ثلاثة شهور بدون علمي.

خريمس: كلاكما يستحقّ اللّوم. بيد أنّ ما فعل ينمّ عن نفس كريمة لا خرعة.

مينيديموس: حالما بلغني الخبر ممّن كانوا على علم به، عدت إلى البيت محزونا، ونفسي في حيرة واضطراب من الغمّ. جلست فهرع إليّ عبيدي ونضوا عنّي جوربيّ. رأيت البعض يسارعون في تودّد فيبسطون لي المفارش وآخرين يحضرون لي الطّعام، والكلّ يتفانون في تخفيف بؤسي. لمّا رأيت ذلك أخذت أفكّر: "كم من الأشخاص يتفانون من أجل راحتي وفي سبيل تلبية حاجاتي أنا وحدي! هل أنا بحاجة إلى كلّ هؤلاء الجواري لإلباسي؟ أن أنفق هذه الأموال الطّائلة في البيت من أجلي أنا وحدي؟ بينما ابني الأوحد الذي من حقّه أن يستفيد من أسباب الرّفاهية هذه مثلي بل وأكثر منّي إذ سنّه أنسب للاستمتاع بها، طردته المسكين بظلمي! سأراني جديرا بأقسى عقاب إن تصرّفت بذلك النّحو. ما دام يعيش طريدا بائسا بسبب إساءاتي، سأستمرّ في عقاب نفسي، متكبّدا كلّ مشقّة، مقتّرا على معيشتي، مكتدحا من أجله، مسخّرا نفسي لخدمته". ذاك بالتّحديد ما أفعل: لم أدع في البيت شيئا من آنية أو لباس، أزلت كلّ شيء، أخذت إلى السّوق الإماء والعبيد فبعتهم إلاّ من يستطيعون بعملهم في الحقول توفير نفقات إعالتهم وزيادة بسهولة. وسجّلت حالا بيتي للبيع. هكذا جمعت حوالي خمسة عشر وزنة* فاشتريت هذه المزرعة وانهمكت أعمل فيها. قرّرت يا خريمس أن أنقص من إساءاتي لابني بقدر ما أتجرّع البؤس أنفاسا، حرام على نفسيَ كلّ مسرّة إلى أن يعود سالما فيشاركني فيها. 

خريمس: أظنّك بطبعك رقيقا مع الذّرّيّة وأنّه ولد طيّع إن وجد معاملة سويّة مناسبة. لكن لم تكن تعرفه ولا هو يعرفك حقّا. كيف يحصل ذلك؟ كلّما كان النّاس لا يعيشون وفق الصّدق*. أنت لم تُبد له قطّ مدى معزّتك وتقديرك وهو تحرّج من مصارحتك بما يبوح به الفتى عادة لأبيه. ولو تمّ ذلك لما جرى ما جرى.

مينيديموس: الأمر كما تقول فعلا، أقرّ لك بذلك. لقد اقترفت ذنبا عظيما.

خريمس: لكنّ لي يا مينيديموس أملا معقولا وثقة أنّه عائد لك بالسّلامة عمّا قريب.

مينيديموس: حقّق الآلهة ما تقول!

خريمس: سيحقّقون. والآن أصغ إليّ: يُحتفل هنا غدا بعيد ديونيسوس* وأودّ أن تأتي معي إن لم يزعجك ذلك.

مينيديموس: لا أستطيع.

خريمس: لم لا؟ ما طلبت منك في الواقع إلاّ مراعاة نفسك قليلا وابنك الغائب يريد منك نفس الشّيء لا شكّ.

مينيديموس: لا يليق بي، وقد دفعته إلى المشقّة، أن أتهرّب منها.

خريمس: أذاك قرارك الأخير؟

مينيديموس: نعم.

خريمس: رافقتك السّلامة إذن.

مينيديموس: وأنت بالأمثل. (ينصرف)

خريمس: ( مخاطبا نفسه) لقد فجّر المسكين دمعي وإنّي أرحم حقّا شقاءه. لكن نظرا للوقت آن لي أن أذكّر جاري فانيا بالقدوم للعشاء معي. سأذهب وأرى هل هو ببيته. ( يخرج ثمّ يعود فورا*. رقص المدعوّين) لم يكن من حاجة إلى تذكيره. يقولون إنّه موجود ببيتي منذ فترة. أنا الذي تأخّرت على ضيوفي. لذا سأدخل حالا. لكن مهلا، لِم صرّ باب بيتي؟ من يخرج من عندي؟ سأتنحّى إلى هنا.

 

المشهد الثّاني (175-212)

كليتيفون، خريمس

كليتيفون: ( مخاطبا كلينيا الموجود بالدّاخل)  ليس هناك ما تخشى منه يا كلينيا، ليس هناك أيّ تأخير من جانبهما، وأنا على يقين أنّها آتية اليوم مع الرّسول للقائك. أفلا طردت عنك هذه الوساوس الباطلة التي تكدّرك؟

خريمس: ( مخاطبا نفسه) مع من يتحدّث ابني يا ترى؟

كليتيفون: ( مخاطبا نفسه) هذا أبي حضر كما أردت، سأذهب إليه. ( مخاطبا خريمس) أبي، جئت في الوقت المناسب.

خريمس: ما الخبر؟

كليتيفون: أتعرف جارنا مينيديموس؟

خريمس: بالتّأكيد.

كليتيفون: أتعرف أنّ له ابنا؟

خريمس: سمعت أنّه في آسية.

كليتيفون: ليس هناك يا أبي. بل هو بين ظهرانينا.

خريمس: ماذا تقول؟

كليتيفون: جئت به السّاعة فور وصوله ونزوله من السّفينة للعشاء إذ تربطني به منذ الطّفولة صداقة حميمة.

خريمس: بشّرتني يا بنيّ. ليت مينيديموس ضمن ضيوفي فأكون أوّل من يزفّ له ببيتي هذه البشرى التي ما كان يحلم بها. لكن ما زال يوجد مجال لذلك.

كليتيفون: حذار أن تفعل يا أبي فذلك غير وارد.  

خريمس: لم ذلك؟

كليتيفون: لأنّه لا يدري ما هو صانع بنفسه. لقد وصل لتوّه. وهو متخوّف من كلّ شيء، من غضب أبيه، وكيف هي مشاعر صاحبته. إنّه يحبّها حتّى الجنون، وبسببها هي كان رحيله وهذا الخبص.

خريمس: أعلم ذلك.

كليتيفون: لقد أرسل السّاعة خادما إلى المدينة في طلبها، ومن جهتي بعثت معه خادمنا سيروس.

خريمس: ماذا يذكر من أخباره؟

كليتيفون:أنّه بائس.

خريمس: بائس؟ من يا ترى يبدو أقلّ بؤسا منه؟ وماذا ينقصه ممّا ندعوه طيّبات حياة الإنسان: أبواه، وطنه المصون، خلاّنه، أصله الكريم، أهلوه، ماله. لكن تكون هذه الأشياء بحسب نفس من يملكها، فهي حسنة* لمن يحسن استعمالها، وهي شرّ لمن لا يستعملها على الوجه الصّحيح.

كليتيفون: لكنّ الشّيخ كان دوما صارما معه، ولا أخشى الآن شيئا يا أبي أكثر من أن يثير عليه جامّ غضبه.

خريمس: هو؟ ( مخاطبا نفسه) لكن لأتمالكْ نفسي، فمن المفيد أن يبقى على خوفه. 

كليتيفون: ماذا تتمتم مع نفسك؟

خريمس: سأقول لك: كان يجدر به البقاء. ربّما شطّ أبوه معه بسبب تلك العلاقة، فكان أولى به الاصطبار. فعلى من يصبر إن لم يصبر على أبيه؟ ما الأصوب، أن يعيش هذا على هوى ذاك أم العكس؟ أمّا تهمة القسوة فباطلة. فإساءات الآباء من نوع واحد تقريبا، ويسيرة على من له شيء من سعة الصّدر: هم يكرهون الجري وراء المومسات*، وقضاء الوقت في القصف، ولا يعطون المصروف إلاّ قترا. لكنّ غاية كلّ هذه التّصرّفات حثّ البنين على الفضيلة. بالعكس، لمّا تستسلم النّفس للأهواء السّقيمة، لا بدّ يا كليتيفون من اتّباع مبادئ مماثلة*. ها أنت عرفت ذلك، فلتتّخذ ممّا يحصل لغيرك تجربة لك، ولتكن لك فيه عبرة.

كليتيفون: ذاك فعلا ما أرى.

خريمس: سأدخل لأرى ماذا جُهّز لعشائنا. أمّا أنت فنظرا إلى الوقت حاولْ ألاّ تبتعد من هنا كثيرا.

<<