ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

6- الأخوان

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

الأخوان

 

 

ملاحظة : المسرحيّة السّادسة والأخيرة لترنس. تمّ تمثيلها في 160 ق.م. وهي مقتبسة من ديفيلوس* ومينندر*. فيها أخوان، كتيسيفون وأسخينوس، يعيش أوّلهما مع أبيه الصّارم، ديميا، في الرّيف والثّاني عند عمّه وكفيله المتساهل، ميقيون، في المدينة. يحبّ الأوّل عازفة قيثارة يختطفها لحسابه الثّاني من تاجر جوار، علما بأنّه يحبّ فتاة حرّة فقيرة اغتصبها ووعدها بالزّواج. تقارن المسرحيّة بين نهجين في الحياة: من جهة العمل والواجب والصّرامة مع النّفس والأبناء ومن جهة أخرى المتعيّة والتّساهل وتملّق الآخرين لكسب ودّهم. وتعالج نقائص النّهجين طبقا للنّظريّة الوسطيّة وإن كان نقد نفاق النّفس والتّسيّب أشدّ في النّهاية. 

 

 

الشّخصيّات:

ملقي التّمهيد

ميقيون   : شيخ، أخ ديميا، أب أسخينوس بالتّبنّي.

درومون  : عبد لميقيون.

ديميا      : شيخ، أب أسخينوس وكتيسيفون، وأخ ميقيون. 

صنّيون    : تاجر جوارٍ.

أسخينوس: شابّ ابن ديميا يعيش عند عمّه ميقيون كفيله.

باخيس   : عازفة قيثارة يملكها صنّيون، يتعلّق بها كتيسيفون. 

برمينون  : عبد ميقيون، دوره صامت. 

سيروس  : عبد ميقيون.

كتسيفون : ابن ديميا يحبّ باخيس.

سُستراتة : أمّ بنفيلة.

كنطارة  : خادمة سُستراتة.

غيتا     : عبد سُستراتة.

هيجيون : شيخ، قريب بنفيلة. 

ملقي التّمهيد

 

تدور أحداث المسرحيّة في أثينة

 

ملخّص لقيّوس سلبيقوس أبولينارس

    لديميا ولدان أعطى أحدهما، أسخينوس، لأخيه ميقيون ليكفله، واحتفظ بكتيسيفون. دأب أسخينوس على التّستّر على أخيه المتيّم بعازفة قيثارة فاتنة، والخاضع لأب صارم عبوس، فكان يعزو لنفسه علاقة أخيه الغراميّة وما يقال عنه. أخيرا انتزع القينة من النّخّاس. كان أسخينوس نفسه قد اغتصب سابقا مواطنة أتّيكيّة* فقيرة وعاهدها على الزّواج. غضب ديميا وسيء بذلك. لكن ما لبث الحقّ أن بان. فتزوّج أسخينوس الفتاة التي اغتصبها وحصل كتيسيفون على العازفة.

 

 

ملقي التّمهيد (1-25)

   بعدما أحسّ الشّاعر أنّ بعض الكائدين يترصّدون كتاباته وأنّ خصومه سيشنّعون على ما سنمثّل أمامكم، قرّر أن يكون المبلّغ عن نفسه وتكونوا أنتم القضاة، فتحكموا إن كان ما فعل يستحقّ المدح أو الذّمّ.

   لديفيلوس* مسرحيّة بعنوان "صديقين حتّى الموت"، اقتبس منها بلاوتوس* مسرحيّة "رفيقين في الموت". في النّصّ اليونانيّ ينتزع شابّ من نخّاس جارية معروضة للبيع. ترك بلاوتوس* هذا المقطع دون نقله. ونقله شاعرنا حرفيّا إلى مسرحيّة اليوم: "الأخوين". سنمثّل أمامكم هذه المسرحيّة الجديدة. وستحكمون بأرب الخبراء إن وقعت سرقة أو نسخ مقطع أغفله ذلك الشّاعر إهمالا. أمّا أقاويل أولئك المغرضين الحاقدين عن مساعدة بعض كبار الرّجالات له ومواظبتهم على الكتابة معه، هذا الّذي يعدّونه مذمّة شنيعة، يعتبره هو مفخرة كبرى، أن يحظى برضا من يحظون برضاكم جميعا ورضا الشّعب، وأدّوا خدمات لكلّ مواطن في الحرب وفي السّلم وفي شؤونه الخاصّة دون تباه.

   لا تنتظروا من هذا التّمهيد موضوع المسرحيّة، فالشّيخان اللّذان سيأتيان إلى الرّكح في بدايتها سيعطيانكم لمحة جزئيّة عنه، وستعلمون البقيّة في أحداثها*. فليشدّ حسن استجابتكم عزم الشّاعر على كتابة المزيد.

 

 

الفصل الأوّل

 

المشهد الأوّل (26-80)

ميقيون

ميقيون  :  ( خارجا من البيت، ومناديا عبده، ثمّ مخاطبا نفسه) ستوراكس! لم يعد الليلة أسخينوس من المأدبة، ولا أيّ من الغلمان الذين ذهبوا للقائه. وكما يقال: إن رحتَ إلى مكان ولم تعد في الموعد فأفضل أن يقع لك ما تقول وتفكّر زوجة غضبى ممّا يقول ويفكّر أبوان راضيان. تفكّر الزّوجة، إن تخلّفتَ، أنّك منغمس في الغرام أو الشّرب، وتقضي ساعة أنس على هواك، وتلذّ بطيب العيش، وهي لوحدها في أسوإ حال. أمّا أنا، فلأنّ ابني لم يعد بعد، أيّة أفكار وأيّة هواجس تكدّرني، أخاف أن يكون أصيب بنزلة برد أو سقط في مكان ما وانكسر أحد أطرافه. واعجبا للمرء يضع في مكنون الفؤاد شخصا أعزّ عليه من نفسه! مع أنّه ليس ابن صلبي بل هو ابن أخي! ولكم يختلف عنّي أخي هذا في الميول منذ شبابنا. فقد اخترت حياة المدينة الرخيّة ورفاهها، ولم أتزوّج، وذاك في أعين النّاس تمام السّعادة؛ بينما اختار هو النّقيض في كلّ شيء: عيش الرّيف وشظفه، والمثابرة على الكدح والتّقتير، والزّواج حيث أنجب ولدين كفلت أكبرهما فربّيته منذ نعومة أظفاره واتّخذته لي ولدا وأحببته كما لو كان ابن صلبي فصار متعة روحي ولا شيء سواه يعزّ على قلبي. وأنا أبذل وسعي ليردّ على ودّي بالمثل: أعطيه، أتغاضى عن زلاّته ولا أرى لزاما أن أتصرّف معه بمقتضى حقوق الأبوّة. وقد عوّدت ابني على ألاّ يخفي عليّ ما يفعل الأبناء الآخرون خفية عن آبائهم، ممّا يقترن بسنّ الشّباب. ذلك أنّ من اعتاد الكذب على أبيه أو خداعه سيجرؤ أكثر بلا شكّ على فعل ذلك مع الآخرين. لذا أعتقد أنّ كبح الانفلات بالنّخوة والحرّيّة في الذّرّيّة* أفضل ممّا يكون بالخوف والتّقيّة. أخي الّذي لا يستصوب أو يستسيغ هذه الأفكار كثيرا ما أتاني مؤنّبا: "ماذا تصنع يا ميقيون؟ لماذا تفسد لنا هذا الولد؟ لماذا يخادن الغانيات؟ لماذا يعاقر الخمر؟ لماذا تعطيه أموالا يبدّدها على هذه المفاسد وعلى التّأنّق المفرط في هندامه؟ أنت تفرط في التّسيّب. الحقّ أنّه هو يفرط في التّشدّد متجاوزا حدّ ما هو معقول ومستحسن، وإنّه لعمري يخطئ تماما حسب رأيي في ظنّه أنّ السّلطة الّتي تنشأ على القوّة أمتن وأثبت من الّتي تقترن بالمودّة. هذا مذهبي وما اقتنعت به في صميمي: يسيء في من يؤدّي واجبه مكرها، فطالما حسب فعله سيُعلم التزم الحذر وإن خاله يخفى عن النّاس عاد إلى طبعه مجدّدا. أمّا من كسبته بالإحسان فيؤدّي واجبه عن اقتناع باطن، ويحرص على ردّ المثل، وسيكون هو هو في حضور وغياب الغير. على الأب تعويد الابن على الفعل الحميد من تلقاء نفسه لا خوفا من غيره: هذا ما يفرّق بين الأب والسّيّد*. من لا يستطيع ذلك، ليعترف بأنّه يجهل كيف يسيّر أبناءه*. لكن مهلا أليس هذا من كنت أذكر؟ هو نفسه، أراه مهموما لسبب ما: أظنّه سيؤنّبني كعادته. ( مخاطبا ديميا) يسرّنا قدومك بالسّلامة يا ديميا.

 

المشهد الثّاني (81-154)

ديميا، ميقيون

ديميا   : واها، صدفة مواتية: فعنك أنت بالذّات أبحث.

ميقيون : مالي أراك مهموما؟

ديميا   : تسألني، وأسخينوس على ما ترى، لماذا أنا مهموم؟

ميقيون : ( مخاطبا نفسه) ألم أقل إنّ هذا سيحدث؟ ( مخاطبا ديميا) ماذا صنع؟

ديميا   : ماذا صنع؟ ذاك الّذي لا يخجل بشيء ولا يخشى أحدا ولا يرى الالتزام بأيّ قانون. أمرّ على فعاله الماضية، أعني فقط مخزيته الأخيرة.

ميقيون : هلاّ ذكرت لي ما هي؟

ديميا   : خلع الباب واقتحم بيت غيره: فاعتدى على صاحبه وكلّ الخدم بالضّرب حتّى كاد يقتلهم، وخطف امرأة يعشقها. الكلّ يتحدّثون عن فعلته بأشدّ الآستنكار*. ذاك ما قيل لي عند قدومي يا ميقيون! صارت سيرته في كلّ الأفواه. إن كان بحاجة إلى مثال يقتدي به، ألا يرى أخاه العاكف على أعماله، والّذي يعيش في الرّيف باقتصاد واعتدال، بينما هو لا يفعل شيئا يشبه ذلك. لمّا أقول هذا عنه فإيّاك يا ميقيون أعني: أنت أتحت إفساده. 

ميقيون : ليس أظلم من شخص غير مجرّب لا يرى سويّا إلا ما يفعل هو.

ديميا   : ماذا تقصد بهذا الكلام؟

ميقيون : أنّك يا ديميا تخطئ في حكمك على هذه الأمور. فلا يعيب في رأيي فتى أن يخادن ولا أن يشرب، بل ولا حتّى أن يخلع الأبواب. وإن لم نأت، أنا وأنت، مثل هذه الفعال فلأنّ الفقر لم يسمح لنا بفعلها: أنت الآن تمدح نفسك على ما فعلت إذّاك لقلّة ذات اليد. وهذا تجنّ: فلو كان عندنا يومئذ ما يتيح لنا فعل ذلك لفعلنا. وأنت الآن، لو كنت إنسانا عاقلا لسمحت لابنك بأن يفعله ما دامت سنّه تسمح بفعله، فذاك أفضل من أن ينتظر حتّى يعرض نعشك خارج البيت، ليفعله أخيرا وفي سنّ لا تتماشى معه.  

ديميا   : وحقّ يوبتر* إنّك يا رجل تدفعني إلى الجنون! أتزعم أن لا خزي في أن يأتي فتى مثل تلك الفعال؟ 

ميقيون : كفّ أرجوك عن إزعاجي باجترار هذا الكلام. أعطيتني ابنك لأكفله فصار ابني، إن أخطأ في شيء فعليّ يا ديميا تقع التّبعة: أنا أتحمّل القسط الأوفى من الضّرر. يخادن خليلة يشرب يتعطّر؟ على نفقتي. خلع بابا؟ سيُصلح. مزّق ثوبا؟ سيُرفأ. عنده بمنّ الآلهة ما يتيح له تلك التّصرّفات وهي لا تدعو بعد إلى الكدر. كفّ إذن أو حكّم بيننا من تشاء وسأبيّن أنّك مخطئ بهذا الشّأن. 

ديميا   : واتعس نفسي! تعلّمِ الأبوّة ممّن يعلمون حقّا!

ميقيون : أنت أبوه بالجسد وأنا بالتّربية.

ديميا   : أنت بالتّربية؟ لا ذرّة منها.

ميقيون : اسمع يا أخي، إن تماديت سأتركك.

ديميا   : أهكذا تتصرّف معي؟

ميقيون : وهل أظلّ أسمع منك نفس اللاّزمة المضجرة مرارا وتكرارا؟

ديميا   : أنا مهتمّ عليه.

ميقيون : وأنا كذلك. حقّا يا ديميا، لم لا نتقاسم الهمّ بالتّساوي: اهتمّ بواحد وأنا بالآخر، فاهتمامك بكليهما يعني تقريبا استرداد ابنك الّذي أعطيتني.

ديميا   : لا تقل ذلك يا ميقيون.

ميقيون : ذاك ما يبدو لي.

ديميا   : لم ذلك؟ إن كان هذا يرضيك ليبذّرْ، ليبدّدْ، ليتلفْ*! ذاك لا يعنيني. لكن إن كلمة واحدة بعد اليوم..

ميقيون : هل ستحتدّ من جديد يا ديميا؟

ديميا   : ألا تظنّ؟ أنا أستردّ ما أعطيتك؟ كلامك يجرحني. لستُ غريبا. إن اعترضتُ...ها أنا أكفّ. تريد أن أهتمّ بواحد فقط؟ سأفعل. وإنّه لمن منّ الآلهة أن يكون كما أريد. الّذي عندك هو أيضا سيدرك فيما بعد...لا أحبّ أن أقول فيه ما يسوؤك...( ينصرف)

ميقيون : ليس لا شيء ممّا قال، ولا كلّه، صحيحا. الحقّ أنّ الأمر لا يخلو من كدر. لكن لم أشأ إبداء ما يسبّب لي من ضيق. فكذلك هو الرّجل: لمّا أحاول تهدئته ومناقشته وتغيير موقفه، يضيق ذرعا في النّهاية. لكن لو زايدت على غضبه* أو حتّى جاريته، سأشاركه قطعا في جنونه. مع ذلك لا يخلو تصرّف أسخينوس في هذا الباب من الإساءة إلينا. أيّة مومس لم يعشق هنا؟ أو لم يعطها شيئا؟ أخيرا أخبرني مؤخّرا، بعدما صار في ظنّي يمجّهنّ كلّهنّ، أنّه يودّ الزّواج. كنت آمل أنّ فورة الشّباب خبتْ: ففرحت. لكن ها هو يعود من جديد! أودّ أن أعلم جليّة الأمر وأقابل المقصوف إن كان في القصبة*.

 

<<