ماغون القرطاجنّيّ

 

شذرات في الفلاحة

 

1- ماغون وأدب الفلاحة القديم

 

حواش 

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

1-4 الكتّاب اللاّتين

   كتب في الفلاحة باللاّتينيّة في أواسط ق 2 ق م كاتون، وفي أواخره أو أوائل ق 1 ق م صاصرنا الأب والابن اللّذان ضاع مؤلَّفهما وكذلك كتاب ترملّيوس سكروفا ( أواسط ق 1)، وفي النّصف الثّاني من ق 1 ق م وارّون وفرجيليوس، ثمّ كلسوس ( الّذي لم يُحفظ من موسوعته سوى الجزء الطّبّيّ) وأتّيكيوس الّذي ضاع كتابه عن غراسة الكرم، ثمّ كولوملاّ وبلينيوس ( في النّصف 2 من ق 1 م)، ثمّ غ مرتياليس ( ق 3) وبلاّديوس ( ق 4/5). وكتب في البيطرة في القرن 4 فيجيتيوس وبيلاغونيوس ومؤلِّف "بيطرة خيرون". وقد استشهد وارّون وكولوملاّ وبلينيوس بماغون وملخّصيه اللّذين أضافا إليه أفكارا وتعليقات، والكتّاب المتأخّرون أقلّ كما هو متوقّع.

1- 4-1 مرقس بُركيوس كاتون Cato

   أوّل كتّاب الفلاحة اللاّتين كاتون الحسيب 234-149، وهو قائد وسياسيّ وخطيب كان ينادي بالحفاظ على سنن الآباء mos maiorum ونبْذ تقليد اليونان. بقي الكتاب الّذي ألّفه "في الفلاحة" de Agricultura في أواخر حياته وربّما لم ينته منه حتّى موته كاملا وهو أقدم أثر نثريّ لاتينيّ محفوظ. لكنّه صغير ويفتقر إلى التّرتيب، ولا يبدو بمثل اتّساق المؤلّفات اللاّحقة، فقد ضمّ وصفات متفرّقة بدون تنسيق. تناول اختيار الضّيعة ومكانها ( 1، 3، 4، 7، 14) وواجبات ربّ الضّيعة والوكيل ( 2، 5) والغراسات بحسب نوع الأرض ( 6، 8، 9)، وتجهيزات الضّيعة حسب تركيزها على الكرم أو الزّيتون ( 10-23)، ثمّ أعمالا مختلفة بترتيب زمنيّ تقريبا (24-55)، وتغذية وكساء العبيد ( 56-59)، وأعمالا متفرّقة ( كالتّعليف والحرث وجني الزّيتون وصنع زيت الزّيتون الأخضر وواجبات حارس المعصرة 60-69)، ثمّ علاجات للبقر ( 70-73)، فوصفات لتحضير بعض الأطعمة ( 74-88)، وبعد فقرات ( عن تسمين الدّواجن وتهيئة البيدر) مكافحة الآفات ( 92-98)، وصنع ومعالجة النّبيذ ( 104-115)، وإعداد خمور طبّيّة ( 120-123) ومستحضرات أخرى ( 125-127)، والنّذر والتّقدمات والقرابين ( 131، 132، 134، 138-141) ثمّ صفقات البيع ( 144-150 و154) ووصفات علاجيّة ( 156-160)، وتتخلّل ذلك فقرات متفرّقة، وقد تعاد نفس الفقرة تقريبا ( مثلا 91 و129 حول تهيئة مكان البيدر). أحيانا يبدو غير متّسق: مثلا يذكر ضمن مستلزمات المزرعة راعي خنازير 10: 1 و11: 1 دون قطيع خنازير ( بل فقط 100 شاة مع 3 أزواج من الثّيران و3 حمير بشَوارٍ لحمل السّرقين 10: 1)، وبقّارين ( 5: 6) وأشياء توحي بقطيع أبقار ( 103، 5: 7) دون بقر في ضيعته غير ثيران الحراثة، و20 خابية للحنطة 11: 2 دون أدوات حصاد، ونولين لغزل الصّوف دون حظيرة للغنم بل فقط 10 مرابض للخنازير 14: 2، وتمليط سياج المزرعة 15: 1 مع الاكتفاء باللّبِن للمباني السّكنيّة وبدون استخدام مصقلة 128 ( كما كان يفعل في مسكنه بالرّيف حسب أفلوطرخوس)، أو يشير بنشر زرق الحمام في الحقل مع أنّه لم يذكر سوى زوجل صاده وكيل الضّيعة 89. تبدو تعاليمه صالحة للتّطبيق في ظروف شتّى، لكنّ بعض الفقرات توحي بأنّه يخاطب عبدا له ( 141، 143) أو يعتبر ضيعة في كمبانية أو منطقة رومية ( 135، 146). وردت فيه بعض الوصفات السّحريّة ( 159-160) لكنّها تحتلّ حيّزا دون ما عند الكتّاب المتأخّرين، فهو يركّز بالأحرى على الأدعية والقرابين ( 133، 134، 139-141). وقد رأى فيه البعض ممثّل العودة إلى الأرض والحفاظ على عادات الأجداد، لكنّه يبدو بالأحرى ممثّل فلاحة من طراز جديد تعتمد على الاستثمار واستخدام العبيد والإنتاج للسّوق وهدفها الرّبح- ويريد من ربّ الضّيعة الّذي لم يعد يقيم فيها أن يكثر التّردّد عليها على الأقلّ (4) مشيرا عليه بتجهيزها بسكن مريح.

   لم يذكر كاتون مصادره، إلاّ مينيوس بركنّيوس ( 151 غراسة السّرو)، ومنليوس ( 152 فرك جرار النّبيذ بحزم من العيدان، ولعلّه المالك الّذي ذكره في 144: 2 و145: 2) والفيثاغوريّين ( 157 فوائد الكرنب الصّحّيّة) ولا أحد منهم عالم فلاحة متخصّص. ورغم نزعته "القوميّة" تأثّر بالفلاحة اليونانيّة والبونيقيّة كما سنرى.

   ذكره وارّون في 15 فقرة ( 13 في ك1 و2 في ك2) مبديا تقديره له لكنّه اعتبر أنّ وصفاته في الطّبخ لا تدخل حقّا في ميدان الفلاحة ( 1: 2: 28)، وأنّ مساحة حقل الزّيتون الّتي قدّمها ( 240 يوغروم مقابل 100 للمِكرمة) لا تشكّل وحدة مساحة ولا مقاسا متداولا ( 1: 18: 4)، وأنّ من الصّعب استخدام أرقامه عن اليد العاملة في حالات أخرى ( 1: 19). ولا نلمس له أثرا عند فرجيليوس. وأثنى كولوملاّ على سعة علمه tam sapiente uiro ( 6: مقدّمة: 5) واستشهد به 17 مرّة: ذاكرا أنّه أوّل كاتب زراعة لاتينيّ ( 1: 1)، واستهجانه اعتماد المالك على وكيله لمعرفة الفلاحة ( 1: 2 و11: 1: 4)، وإشارته باعتبار المناخ وخصوبة الأرض والجوار عند شراء مزرعة ( 1: 3)، وبالتّردّد عليها قبل شرائها، وبناء الضّيعة( 1: 4)، وحظر تغيّب الوكيل من الضّيعة( 1: 8)، واستخدام الأرض المرويّة مرعى ( 2: 2)، مع تشديده على أهمّيّته ( 2: 16)، وعدم إراحة الدّوابّ في أيّام الأعياد ( 2: 21)، وكيفيّة اختيار الكروم ( 3: 2)، وما ذكر عن إنتاجيّتها ( 3: 3 و3: 9)، واستبعاد الأدوات الحديديّة في التّشذيب خوفا من تأذّي النّبات ( 4: 11)، وتفضيل الرّعي ( 6: مقدّمة: 4-5)، وذكر صرامته ( 8: 16: 5) ونبذه العطالة ( 11: 1: 26) وتفنيده ظنّ الفلاّحين أنّ تخزين الزّيتون في مكان مغطّى يزيد حجمه ( 12: 52: 18-20). وهي مسائل تتعلّق بإدارة الضّيعة أكثر من الجوانب التّقنيّة ( لكنّ علاجات البقر في 6: 4: 1-2 تشبه ما قدّم كاتون 70). ولم يذكره ضمن الكتّاب الّذين ألحقوا بكتب الفلاحة وصفات لإعداد وحفظ الأغذية. وردت بعض تلك الاستشهادات في مؤلّف كاتون دون أخرى ( 1: 2: 1، 1: 3: 7، 2: 2: 5، 2: 16: 1، 11: 1: 4 و25) وتصوّر البعض أنّه لم يكن بين يديه، لكن ربّما استمدّها من كتاب آخر وجّهه إلى ابنه ذكره سرفيوس مثلا. وأظهر بلينيوس له كثيرا من التّقدير يعود خاصّة إلى نزعتهما "القوميّة" ووزنه السّياسيّ. ولم تذكره المصادر اللاّتينيّة المتأخّرة ولا جيوبونيكا.

1-4-2 مرقس ترنتيوس وارّون Uarro

   سياسيّ وعالم موسوعيّ 116-27 ق م، عيّنه يوليوس قيصر في 46 لإنشاء مكتبة كبرى برومية ( سويتونيوس 44: 4). هو حسب شيشرون "الأنبه والأعلم بين الجميع بلا شكّ" ( أكاديميّات 3) متفوّق بفكره في كلّ المعارف ( بروتوس 205: uarro noster…uir ingenio prestans omnique doctrina). ألّف مئات الكتب ( أوليوس جلّيوس 3: 10: 17) في اللّغة والدّين والأدب والتّاريخ والفلسفة، جمع فيها علما غزيرا ( أغسطينوس: "مدينة الله" 6: 2). منها "في الفلاحة" Res Rusticae في 3 كتب: 1 الزّراعة 2 تربية الماشية 3 الدّواجن. ألّفه في شكل حوار، وأهداه إلى زوجته، وأشار في مقدّمته إلى سنّه ( 80 سنة). والأرجح أنّه ألّف الكتاب 1 ثمّ 2 ثمّ 3 في فترات متباعدة، ثمّ جمعها كما يشير ما جاء في إهدائهما ( 2: مقدّمة: 6، 3: 1: 1 و9) واختلاف موقفه من إدراج تربية الماشية والدّواجن في الفلاحة فيهما ( 2: مقدّمة: 5 مثلا) عمّا يوحي الكتاب 1 ( 1: 2: 20، خلوّ رزنامة الفلاّح 1: 29-36 من أعمال تتعلّق بالحيوانات، إغفال الآلهة الرّعويّة في دعاء الآلهة الافتتاحيّ 1: 1: 5-6). وتظهر فيه روح التّصنيف المنطقيّ الّتي تميّز وارّون، وقد تعود إلى تأثير الفلسفة المشّائيّة. وكذلك الاهتمام بالجانب الاقتصاديّ، خاصّة في الكتابين 2 و3.

   وقد استشهد فيه ببعض الكتّاب، خاصّة سكروفا ( الّذي جعله أحد المتحاورين في الكتابين 1 و2) وكاتون ( 15 فقرة) وصاصرنا (9) وأرخيلاس الخرسونيّ (4) وأرسطوطاليس (3)، وذكر فيه ماغون ومترجمه إلى اليونانيّة وملخّص تلك التّرجمة في 7 مواضع ( 1: 1: 10 مكانته المتميّزة بين كتّاب الفلاحة، 1: 9: 7 علامات الأرض الجيّدة، 1: 17: 3 اليد العاملة، 1: 38: 1-3 الأزبال، 2: 1: 27 البغلة تلد في إفريقية، 2: 5: 18 تعاليمه عن تربية الماشية، 3: 2: 13 تربية الدّواجن). واقتبس منه دون تسميته في مواضع أخرى، كالفقرة 2: 5: 7-8 عن مواصفات البقر ( كما يتّضح من كولوملاّ 6: 1: 2-3)، وربّما كذلك مواصفات الحيوانات الأخرى الّتي قدّمها على نفس النّمط ونجد مثلها في كتب الفلاحة. ولا يقتصر ذلك على ماغون فقد اقتبس في عدّة مواضع من الكتابين 2 و3 من مؤلّفات أرسطوطاليس في الحيوان تسميته. ولم يذكر أيّ رأي لديمقريطس الّذي نشر ثراسيلوس الكتابات المنسوبة إليه لاحقا.

   عرض كولوملاّ وبلينيوس آراءه في عدّة مواضع، ولم يستشهد به الكتّاب المتأخّرون كمرتياليس وبلاّديوس، والظّاهر أنّه طواه النّسيان تقريبا بعد ق 1 م، على الأقلّ ككاتب فلاحة. لكنّ نونيوس مركلّوس ( ق 3/4) اللّغويّ التّبرسقيّ ( من مدينة نوميديّة غير الّتي بتونس) ضمّن قاموسه عدّة استشهادات من الكتاب 1، وفي جيوبونيكا نصوص تحمل اسمه، لا يوجد معظمها في مؤلّفه ولا يوافق بعضها أفكاره، وقد يكون بعضها مستمدّا من كتّاب رومان آخرين، كذلك ربّما حصل في بعضها خلط بينه وبين ماغون لتشابه الاسمين.

1-4-3 بُبليوس فرجيليوس مارو Uergilius

   هو أكبر شعراء الرّومان، 70-19 ق م، مؤلّف "أغاني الرّعاة" ( Eglogae أو Bucolica) والأناشيد الفلاحيّة ( Georgica) والإنياذة أكثر أعماله شعبيّة وأشهر ملاحم اللاّتين. تتضمّن جيورجيكا 4 أناشيد ( 2188 بيتا) تتناول: الزّرع (514) والكرم والأشجار (542) والمواشي (566) والنّحل (566). وتنتمي ظاهريّا إلى الشّعر التّعليميّ الّذي ازدهر خاصّة في العصر الهلّينستيّ، لكنّها تستمدّ قيمتها ممّا فيها من أبعاد رمزيّة أخلاقيّة وسياسيّة واجتماعيّة، كالإشادة في النّشيد الرّابع بالعمل والنّظام والتّعاون، بعد قرن من الحروب الأهليّة.

   ليس مطلوبا من شاعر ذكر مصادره، لكنّ فرجيليوس ألمع إلى "تعاليم القدماء" ueterum praecepta ( 1: 176) وإلى شاعر أسكرة الّذي أراد أن يحتلّ نفس مكانته ( 2: 176). وقد استخدم حسب النّقّاد: هسيودوس ( استمدّ منه رزنامة أعمال الفلاّح وربّما كذلك تمجيد العمل)، وإكسينوفون ( حسب شارحه سرفيوس، مثلا في صورة طبخ الشّمس للأقرحة 1: 65 و2: 260 الّتي نجدها في التّدبير 16 وكذلك عند ماغون)، وأراتوس ( في دلالة شتّى الظّواهر على أحوال الطّقس 1: 356-462)، ونيقندر ( حسب كونتليانوس 10: 1: 56 مثلا)، ولكرتيوس ( وإن كانت لمسة الأبيقوريّة الّتي تأثّر بها في شبابه خفيفة فيها)، و"ديمقريطس" حسب بلينيوس ( 18: 75 (321) أيّام الشّهر القمريّ، 1: 276-282)، ووارّون الّذي كتب قبله بسنوات وهناك شبه بين مؤلّفيهما ، لكن قد يكون بعضه عرضيّا أو يعود إلى استخدام مراجع مشتركة منها ماغون، كما في أوصاف البقر. أمّا كاتون فلا نجد له أثرا واضحا في جيورجيكا.

   وهو شاعر أكثر ممّا هو عالم فلاحة، وحسب سينيكا "لم يسع إلى الأقرب إلى الحقيقة بل إلى الأجمل، ولم يُرد تعليم الفلاّحين بل إمتاع القرّاء" ( رسائل إلى لوقليوس 86: 15)، مع ذلك أثّر في أدب الفلاحة حتّى عصر النّهضة. وأكثر الكتّاب تحمّسا له كولوملاّ الّذي استشهد به حوالي 40 مرّة، مع عبارات تنمّ عن تقدير عميق يعود جزئيّا إلى إكبار موهبته الشّعريّة (noster Uirgilius 2: 2 أو noster poeta 2: 8 أو noster Maro 9: 4: 1، diuinum Carmen 7: 3: 9). وذكره بلينيوس أكثر من 30 مرّة لا يخلو بعضها من نقد. وذُكر في فقرتين من جيوبونيكا ( 2: 14: 3 موسم بذر الحنطة والشّعير، 2: 18: 12 نقع البذور في الماء والنّطرون).

1-4-4 لوقيوس يونيوس موديراتوس كولوملاّ Columella

   عاش في القرن 1 م، أصله من قادس بإسبانية وانتقل إلى إيطالية حيث كان يملك مزارع. وضع كتابا "في الأشجار" de Arboribus يبدو جزءا من مؤلّف أكبر ومؤلّفه "في الفلاحة" Res Rustica في عهد نيرون ( على الأرجح ح 60-65 كما توحي إشارته ( 3: 3) إلى مزرعة سينيكا الّتي ذكرها بلينيوس 14: 5 (49-51) بعد انتحاره في 65). ويتضمّن 12 كتابا: 1 عموميّات حول الفلاحة والضّياع، 2 الحبوب والبقول، 3-5 الكروم والأشجار المثمرة والزّيتون ( موضوع كتابه السّابق "في الأشجار") 6-7 المواشي الكبرى والصّغرى، 8 الدّواجن ( الطّيور بالأخصّ والأسماك)، 9 الحيوانات البرّيّة والنّحل، 10 البقيل ( وقد نظم هذا الباب شعرا مكملا، حسب قوله 10: مقدّمة: 3-4، و10: 5، أناشيد فرجيليوس الّذي ترك لغيره هذه المهمّة 4: 147-148)، 11-12 وظيفة الوكيل uilicus والقهرمانة ووصفات لإعداد الأغذية. ويتّصف عموما بالفكر العقلانيّ والتّجريبيّ، لكن لم تخل قصيدته ( 10: 237-268) من وصفات سحريّة تعود خاصّة إلى بولوس وطغت على كتب الفلاحة اللاّحقة ( جيوبونيكا: ك13، بلاّديوس 1: 35، الفلاحة النّبطيّة: باب الآبار وباب الكرم). ويبدو أفضل الكتّاب اللاّتين في الجانب التّقنيّ الّذي ركّز عليه أكثر من الجانب الأدبيّ، وإن لم يخلُ أسلوبه من تأنّق، بل لعلّه أحد الّذين اعتبر بلينيوس ( 18: 5 ( 24)) وبلاّديوس ( 1: 1) أنّهم لم يكتبوا ليقرأهم فلاّحون. من إسهاماته: تأكيده على ربحيّة الفلاحة وبالأخصّ غراسة الكروم وعلى أهمّيّة الاستثمار وحضور المالك والمعرفة، واعتبار الفلاحة علما ونشاطا اقتصاديّا لا محلّ فيه للهواة، ردّه على نظريّة إرهاق الأرض، دقّته ( إذ كثيرا ما يقدّم معلومات مرقّمة وحسابات تظهر معرفة جيّدة بالرّياضيّات كربحيّة الكرم 3: 3 أو مساحة الحقول 5: 1-2 وعدد الغروس 5: 3 لكنّ تقدير تناسب عدد الحفر الّتي يمكن حفرها وحجمها في 11: 2: 28 و"أشجار" 4: 3 لا يبدو صحيحا).

   استشهد كولوملاّ بكتّاب يونان ( كديمقريطس الّذي نشر ثراسيلوس الكتب المنسوبة إليه في عصره) ولاتين ( خاصّة فرجيليوس)، وبماغون الّذي يبدو أكثر كتّاب الفلاحة إجلالا له ( وقد يعود تقديره لفرجيليوس أيضا إلى تأثّر كليهما به). ذكره مرّة في "الأشجار" ( 17: 1-4 عن غراسة الزّيتون، ولم يذكر سواه غير فرجيليوس مرّة)، و14 مرّة في "الفلاحة" ( مؤلَّفه ومكانته 1: 1: 13، أهمّية حضور ربّ الضّيعة 1: 1: 12، توجيه الكرم 3: 12، وضع حجارة في الأبياش 3: 15، موسم التّقليم 4: 10، غراسة الكرم 5: 5: 4، ولادة البغلة 6: 37: 3، إنشاء النّحل 9: 14: 6، قتل زنابير الخليّة 9: 15: 3-4، إعداد وحفظ الأطعمة 12: 4-6، نبيذ العنب المشمّس 12: 39، حفظ الرّمّان 12: 46: 5-6). واستمدّ منه دون تسميته أفكارا أخرى، كوصف هيكل خشبيّ تُشدّ إليه الدّوابّ لعلاجها 6: 19: 1-3، ووصفات في البيطرة وإعداد الأطعمة. وقد يعطي مؤلّفه "في الفلاحة" فكرة عن محتويات مؤلّف ماغون الأضخم ( 28 كتابا مقابل 12)، على الأقلّ كما في ترجمته اليونانيّة.

   أثّر كولوملاّ في كتّاب الفلاحة والبيطرة اللاّحقين غ مرتياليس، بلاّديوس، بيلاغونيوس. وذكره بلينيوس المتأخّر عنه قليلا في 8 مواضع لم يبد موافقا له في جلّها: 17: 6 (51-52) و35 (162)، 18: 12 (70) و73 (303). ولم تذكره جيوبونيكا لكنّ عدّة فقرات من كتابيه تطابق حرفيّا تقريبا مقاطع في هبياتريكا ( خاصّة لأوملوس)، وضُمّنت فقرات من الكتاب 6 في بعض نسخ الكتاب 3 من "بيطرة" فيجيتيوس، وذلك عمل النّسّاخ على الأرجح. ويرى البعض أنّه المقصود بيونيوس عند ابن حجّاج وابن العوّام، لكنّ ذلك مستبعد كما سنرى.

1-4-5 قيّوس سكندوس بلينيوس Plinius

   كاتب موسوعيّ، 23-79، يلقَّب بالأكبر لتمييزه عن ابن أخيه والي ترايانوس على بيثينية، لم يبق من مؤلّفاته سوى موسوعته في "التّاريخ الطّبيعيّ" Historia Naturalis في 37 كتابا: 1 المحتويات، 2 الفلك 3-6 جغرافية: غرب المتوسّط، شرق المتوسّط، إفريقية والشّرق الأوسط، 7 الإنسان، 8-11 الحيوانات: البرّيّة، البحريّة، الطّيور، الحشرات، 12-27 النّباتات: أشجار البلدان البعيدة، الكرم، الزّيتون والجوزيّات، أشجار أخرى ذات أوراق مستديمة، الأشجار المثمرة والكروم وغراستها، الضّياع، المباقل، بقول أخرى، الزّهور، نباتات متنوّعة سيما للصّبغ، خصائص طبّيّة للخمر والخلّ والزّيت والفواكه، وللأشجار، والأعشاب، أهمّ الأعشاب الطّبّيّة، أعشاب أخرى، 28-32 الاستخدامات الطّبّيّة المشتقّة من الإنسان، والحيوان، بما في ذلك السّحر، الحيوانات البحريّة، 33-37 العدانة: الذّهب والفضّة والرّصاص، فلزّات أخرى، التّربة والأصباغ، الأحجار سيما المستخدمة في البناء والنّحت، الأحجار الكريمة وغيرها. ونجد فيه خليطا من التّفكير العقلانيّ والذّهنيّة الخرافيّة إذ أنساه ولعُه بجمع المعلومات التّحرّيَ أحيانا. خلافا لجلّ الكتّاب قدّم بلينيوس مصادره: فقد ذكر أصحاب كثير من الآراء الّتي قدّمها ( ومنهم بنحو ملحوظ ديمقريطس)، وأحال القارئ إلى مراجع كتب موسوعته، وإن لم يكن واضحا تماما إن كانت المصادرَ المستخدمة لتأليفها أم إرشادات للقارئ المستزيد- كما يوحي تكراره في مراجع الكتاب 22 لقائمة الكتاب السّابق مع إضافة أسماء أخرى، أو إيراده ترجمة ديونسيوس لمؤلّف ماغون مع ملخّص ديوفانس ومع سيلانوس مترجمه إلى اللاّتينيّة، أو استشهاده أحيانا بكاتب لم يذكره في قائمة مراجع الكتاب: كيوبا في 5: 1 ( 16، 20) و10 ( 51، 59) أو 999: 56 (115) أو 33: 40 (118، وديونسيوس (غير مترجم ماغون) في 3: 10 (95) أو 6: 21 (58). وربّما استمدّ معلومات كذلك من الحرفيّين، كما يدلّ تقديمه أسعار التّجزئة لبعض الموادّ. لكنّه لم يعتمد حقّا في الجزء الفلاحيّ على تجربته الخاصّة ككتّاب الفلاحة اللاّتين السّابقين.

   استشهد بماغون وملخّصيه في 10 مواضع من الكتب 11، 17، 18، 21 ( 11: 15 (38) جني العسل، 17: 11 (63) زراعة اللّوز، 17: 16 (80) أبياش الزّيتون، 17: 19 (93-94) المسافة بين أشجار الزّيتون، 17: 30 (128 و131) موسم غراسة الزّيتون واللّوز، 18: 5 (22-23) مؤلّف ماغون، 18: 7 (35) حضور المالك وربّما 18: 7 ( 34) علامات الأرض الجيّدة، 18: 23 (97) طحن الحبوب، 21: 68-69 (109-111) استخدام أعشاب برّيّة). وأدرجهم بين مراجع 15 كتابا وسيلانوس بين مراجع 4 دون ذكر أيّ منهم في صلب 11 منها. فقد ذكر بين مراجعه:

- "ديونسيوس مترجم ماغون وديوفانس مختصر ديونسيوس" للكتب: 8 ( حيوانات البرّ)، 14 ( الكروم)، 15 ( الزّيتون والأشجار المثمرة)، 17 ( غراسة الأشجار المثمرة والكروم)، 18 ( إدارة شؤون الضّياع)؛

- "ديونسيوس كأعلاه item" ( أي على الأرجح كليهما، تجنّبا لتكرار الصّيغة المذكورة) للكتب 11 ( الحشرات) و12-13 ( نباتات البلدان البعيدة والمياه)؛

- سيلانوس للكتب 14، 15، 18 و19؛

- ماغون للكتب 21 ( الزّهور)، 22 ( نباتات صبغيّة خاصّة)، 23 ( الخواصّ الطّبّيّة للخمر والخلّ والزّيت والفواكه)، 24-27 ( الخواصّ الطّبّيّة للأشجار والأعشاب)، ولا نخال مصدره التّرجمة اللاّتينيّة فقد استخدم في النّصّ 21: 68-69 ( 109-111) أسماء يونانيّة للنّباتات، والأرجح إذن أنّه كتب ذلك من باب الاختصار.

   وفي كلّ واحد من هذه الكتب يصعب حيث لم يستشهد بهم في صلب الكتاب تخمين أيّة فكرة أورد لهم، وربّما كانت قوائمه إحالات لمزيد الاطّلاع. لكنّ ذلك يدلّ على الأقلّ على أنّ ماغون قدّم آراء عن الحيوان وتكاثره وغراسة الكروم والزّيتون والأشجار المثمرة وعرض بعض النّباتات ومشتقّاتها وخواصّها الطّبّيّة، وفي المقابل لم يُذكر، خلافا "لديمقريطس"، بين مراجع الكتب الّتي تعرض الخواصّ الطّبّيّة للموادّ الحيوانيّة أو المعدنيّة.

  ليس بلينيوس أوّل كاتب موسوعة حتّى بين اللاّتين، فقد وضع كتّاب سابقون كوارّون وكلسوس موسوعات، ولعلّ جرد المراجع المنهجيّ الّذي انفرد به من أكبر إسهاماته. ولا يبدو تأثيره واضحا في كتّاب الفلاحة اللاّحقين، لكنّه مع ديسقوريدس أهمّ مصادر كتاب الأدوية لمرتياليس الّذي لم يذكره بنحو صريح إلاّ في الفصلين 29 و41، كما أنّ كتّاب القرون الوسطى نشروا مقتطفات من موسوعته، تتعلّق مثلا بالأعشاب والمعادن وخواصّها الطّبّيّة.

1-4-6 كتّاب متأخّرون:

   غرغيليوس مرتياليس Gargilius Martialis قائد عسكريّ رومانيّ عاش في المغرب ( ت. 260)، كتب "الأدوية المستمدّة من الخضر والفواكه" Medicinae ex holeribus et pomis و"علاجات البقر" Curae Boum و"في البستنة، أو الأشجار المثمرة" de Hortis/ de Arboribus pomiferis. وبقيت شذرات من كتابيه الأخيرين تظهر تأثّره بكولوملاّ، منها 29 فصلا ( 12 عن الدّرّاق، 8 عن اللّوز، 7 عن الفستق، 2 عن السّفرجل) من الأخير الّذي ذكر فيه بين مصادره ماغون وديوفانس، فضلا عن أرسطوطاليس وكلسوس وأتّيكوس وكولوملاّ وبلينيوس وكونتليوس. وقد عرض في 3 شذرات من "الأشجار المثمرة" آراء لماغون حول زراعة اللّوز ( 3: 1 و3: 3) والكستناء ( 4: 1). ويبدو من إصلاحه لما كتب كولوملاّ نقلا عن ماغون حول المسافة بين حبوب اللّوز أنّه اطّلع على ملخّص ديوفانس. استشهد به 12 مرّة بلاّديوس الّذي استمدّ منه على الأرجح بعض الفصول الماغونيّة في مؤلّفه ( مثلا 1: 5)، ويظنّه البعض مرسيال ااّذي استشهد به ابن العوّام 11 مرّة.

   بلاّديوس روتليوس إيمليانوس Palladius كاتب من أواخر ق 4 وأوائل ق 5، يضمّ مؤلّفه في الفلاحةde Agricultura 14 كتابا: 1 عموميّات، 2-13 أعمال شهور السّنة ( كتاب لكلّ شهر)، 14 قصيدة في تلقيم الأشجار ( ويُعتقد منذ Svennung أنّه كان يضمّ قبلها كتابا في البيطرة اكتشف Sabbadini أوّل مخطوط منه وظنّه ملخّصا للكتابين 6-7 من مؤلّف كولوملاّ). وهو تبويب قد يبدو عمليّا أكثر من الّذي اتّبعه سابقوه، حسب نوع الزّراعة، لكنّه اضطرّ إلى عرض عموميّات في صلب الرّزنامة عمّا لم يتناوله في الكتاب الأوّل. وقد ذكر الأعمال الخاصّة بتربية الماشية والنّحل، لكنّ الجانب البيطريّ عنده مبتسر مقارنة بكولوملاّ مثلا. انفرد ببعض الفصول عن بناء الضّيعة، والحمّام ( ربّما نقلا عن فتروفيوس)، وعن البحث عن الماء 9: 8 والآبار والتّأكّد من سلامتها 9: 9 واختبار صلاحيّة مائها 9: 10، وإصلاحه إن كانت فيه شوائب طفليّة، وأنواع القنى 9: 11). وقدّم فكرة طاحونة مائيّة تشتغل بمياه الحمّام! واستشهد فيه خاصّة بكولوملاّ ومرتياليس والكتّاب اليونان أي كتّاب مجموعة أنطوليوس، وبماغون ( ربّما نقلا عن كولوملاّ ومرتياليس اللّذين انتقلت إليه تعاليمه على الأرجح عبرهما سيما الأخير الّذي تظهر دراسة شذرات كتابه في الأشجار مدى اعتماده عليه) في موضعين ( أبياش الكرم 3: 10: 3-4 وخصي العجول 6: 7: 1-4). ظلّ مؤلّفه عمدة في أوروبة في القرون الوسطى.

   "خيرون" “Chiro” وبيلاغونيوس Pelagonius وفيجيتيوس Vegetius بياطرة متخصّصون ( خلافا لكتّاب الفلاحة السّابقين الّذين كتبوا كلّهم في نفس الوقت عن أمراض وعلاج الماشية) لم يبق كاملا من كتاباتهم Mulomedicina Chironis ( المترجم عن اليونانيّة) و Ars Veterinaria وMulomedicina غير مؤلّف فيجيتيوس Publius Vegetius Renatus الّذي يعود إلى أواخر ق 4 وهو في 4 كتب، ومصادره أبسرتوس و"خيرون" وبيلاغونيوس معاصراه تقريبا ( وقد ذكرهم بصريح العبارة في مواضع معدودة 1: مقدّمة، 4: 12 و13 و29، وذكر كولوملاّ لكنّه اعتبر أنّه لم يول البيطرة اهتماما كافيا). وهو حسب بعض الباحثين غير Flavius Vegetius Renatus مؤلّف "الوجيز في فنّ الحرب" Epitoma Rei Militaris ( لكن هناك من كتب في فنّ الحرب والفلاحة أو البيطرة أو الطّبّ معا: إكسينوفون، و"ديمقريطس"، وكلسوس وأفريكانوس- وربّما ماغون). ونلاحظ عند البياطرة الثّلاثة كما في هبياتريكا تركيزا على الخيل لأهمّيّتها في الحرب، خلافا لكتّاب الفلاحة السّابقين أو جيوبونيكا ( ويعني اسم البيطار في اليونانيّة hippiatros والّذي استُخدم على الأقلّ منذ ق 3 ق م طبيب الخيل، كما أشار وارّون الّذي احتفظ به 2: 7: 16 بينما استخدم كتّاب لاحقون mulomedicus وueterinarius). لكنّ فيجيتيوس أفرد فصولا من الكتاب 3 للبقر وأكّد أنّ وصفاته تنطبق على كليهما ( 3: 75 و82). وقد بُوّبت الأمراض من الرّأس إلى القدم، كما في كتب الطّبّ وفي مواصفات الحيوانات المثلى الّتي تعود جزئيّا على الأقلّ إلى ماغون. وبعض ما كتب هؤلاء البياطرة مستمدّ منه بصفة غير مباشرة.

 1-5 مجموعتا جيوبونيكا وهبّياتريكا

   جيوبونيكا Geoponica تسمية حديثة ( وضعها هنريكوس بك في 1883) لموسوعة فلاحيّة بعنوان peri Georgikas Eklogai ( نشرها في 1895) تضمّنت نصوصا يونانيّة لعدّة كتّاب، جُمعت على مراحل. جاء في مقدّمة نسختها الأحدث ( ق 10) أنّها: جمعت كتابات من فلورنتينوس ووندانيونيوس وأنطوليوس وبيروتيوس وديوفانس وليونتينوس وديمقريطس وتارنتينوس وأفريكانوس وبمفيلوس وأبوليوس ووارّون وزرادشت وفرنتون وبكساموس ودامغرون وديديموس وسوتيون وكونتيليوس.

   نواتها كنّاش تعاليم فلاحيّة Synagoge Georgikon Epitedeumaton جمعها حسب فوتيوس (163) من مؤلّفات ديمقريطس وأفريكانوس وتارنتينوس وأبوليوس وفلورنتينوس وواليس وليون وبمفيلوس ومن "عجائب" ديوفانس، وندانيونيوس أنطوليوس بيروتيوس Vindanionius Anatolios Berytios ( البيروتيّ وهو من ق 4). وهذا يعني أنّ نصوص أنطوليوس ووندانيونيوس وبيروتيوس في جيوبونيكا لنفس الكاتب خلافا لما توحي به مقدّمة جيوبونيكا. ونرى أنّ فوتيوس لم يذكر بين كتّاب مجموعة بيروتيوس نصوصا ديونسيوس. تضمّ المجموعة 12 كتابا كما ذكر فوتيوس أو 14 كما في ترجمة أرمينيّة: 1 عموميّات ( مفقودة)، 2 تعليمات عمليّة، 3 رزنامة، 4-8 الكروم، 9 حفظ الثّمار، 10 الأشجار المثمرة، 11 المبقل، 12 الزّيتون، 13-14 تربية الحيوان. وقد استخدمها بلاّديوس. ولها ترجمتان عربيّتان استشهد بهما ابن حجّاج وابن العوّام، تنسبها إحداهما، الّتي أعدّها أسطات الرّاهب وبطرك الإسكندريّة ومطران دمشق، إلى أنطوليوس، والأخرى الّتي أُعدّت من ترجمة سريانيّة ومنها أُعدّت ترجمة أرمينيّة إلى يونيوس الّذي استشهد به ابن حجّاج وابن العوّام في عدّة مواضع، وظنّه البعض يونيوس كولوملاّ ورجّح آخرون أنّه تحريف لوندنيونيوس ( وجدير بالذّكر أنّ مترجم ماغون إلى اللاّتينيّة يدعى أيضا يونيوس). وقد وردت أسماء كتّاب في تلك التّرجمات لا تطابق كلّها الّذين ذكرهم فوتيوس ( بقراطيس وأرسطوطاليس وإرسيسطراطس وأذريطس ودمقراطيس وجالينوس وأفرقانوس وأبلطرخس وأبوليوس وسرابيون وأسقلبيون في ترجمة أسطات، وأفلاطون ويوبا في الأرمينيّة).

   ثمّ جمع معها كسّيانوس بسّوس Kassianos Bassos Scholastikos ( ق 6) نصوصا لديديموس وأخرجها في 12 كتابا، وفي هذه الصّيغة تُرجمت إلى الفارسيّة ( ق 6/7) وإلى العربيّة ( ق 8 ثمّ 9 من قبل سرجيس بن هليا وقسطا بن لوقا البعلبكّيّ 250-311 ه، وأبي زكريّا يحيى بن عديّ تحت عنوان "الفلاحة الرّوميّة" لقسطوس بن أسكوراسكينة في 12 كتابا: الأزمنة، اختيار المساكن والأرضين والسّماد وما يصلح لأعمال الزّراعة والرّيّ، البذور والمواسم، الكرم، البساتين، الأشجار، علاجها، المباقل، الخيل، الماشية، الطّير، أحوال البشر، متفرّقات. وفيها أسماء كتّاب غير معروفبن كسادهمس وإبرينوس وسدانيروس وهمسيريوس ومرقونوس صاحب كتاب المصلحات والمفسدات. ويزيد الصّورة تشوّشا أنّ كتابا بعنوان الفلاحة الرّوميّة نُشر في القاهرة في 1293 ه بعنوان الفلاحة الرّوميّة وعلى أنّه لقسطوس بن لوقا ( وهو خلط بين قسطوس الرّوميّ والمترجم قسطا بن لوقا البعلبكّيّ). ويرى البشير عطيّة أنّ الفلاحة الرّوميّة لعليّ بن محمّد بن سعد ( النّصف 2 من ق 10 م)، وجاء فعلا في الفهرست أنّه ترجم "كتاب الفلاحة للرّوم". وهناك كتاب فلاحة لكسينوس يبدو أهمّ مصادر كتاب قسطوس من استشهادات ابن العوّام بكليهما وخاصّة في القسم الحيوانيّ ( 31-34)، والحال أنّ نصوصا لكسيوس ديونسيوس وردت في هبياتريكا، وأخبرنا الكتّاب اللاّتين أنّه كتب في ذلك الباب نقلا عن ماغون. استشهد ابن العوّام كذلك بكسيوس كما ذكرنا. ولم يرد اسم ديوفانس في الكتب العربيّة الّتي ربّما خلطت بينه وبين ديمقريطس أو وندنيونيوس. كذلك نجد فقرات من فصل ج 2: 44 لفلورنتينوس عن القهرمان في ترجمة أسطات منسوبة إلى "ديمقراطيس الحكيم". ومع أنّ نصّ جيوبونيكا اليونانيّ من عصر متأخّر ( ق 10) ممّا يُضعف مصداقيّته في نسبة الفصول، نعلم من فوتيوس أنّ مجموعة بيروتيوس كانت تضمّ نصوصا لهذين الكاتبين اللّذين لم يردا في التّرجمات السّريانيّة والعربيّة والأرمينيّة.

   تتضمّن النّسخة اليونانيّة الحاليّة لجيوبونيكا 20 كتابا في 521 فصلا ( مقابل 12 و306 في ترجمة سرجيس، و12 و318 في السّريانيّة، و14 كتابا أوّلها مفقود وتتضمّن البقيّة 332 فصلا في الأرمينيّة). وتتناول: 1 الدّلائل 2 الضّياع وإدارتها، الأراضي، الزّروع 3 رزنامة الأعمال الفلاحيّة حسب الشّهور 4-8 الكروم، النّبيذ، أشربة أخرى 9 الزّيتون 10 البستنة 11 أشجار وأزهار 12 البقيل 13 الآفات ومكافحتها 14 الطّيور 15 النّحل 16 الخيل وأمراضها 17 الأبقار وأمراضها 18 الغنم 19 الكلاب والخنازير 20 صيد وتربية السّمك. وفيها كما نرى توسّع في الكرم وكتاب عن صيد السّمك، وقد أهداها جامعها إلى الامبراطور البيزنطيّ قسطنطين 7 في ق 10. وترجمها إلى اللاّتينيّة في 1543 يانوس كُرناريوس.

   في نفس الفترة جُمعت موسوعة في البيطرة تُعرف بهبّياتريكا Hippiatrica أو Corpus Hippiatricorum Graecorum، وتتناول الخيل خاصّة. وتوجد مخطوطات منها في برلين ( ق 10) وباريس ( ق 11) وكمبردج ( ق 12) ولندن ( ق 13) وليون ( 15). ولها ترجمة لاتينيّة وضعها في 1528 جان رويل السّواسونيّ. وتتضمّن المجموعة البرلينيّة 125 بابا جُمعت فيها نحو 600 مادّة معظمها لأبسرتوس Apsyrtos ( 120) وهيرقليس Hierokles ( 115) وبيلاغونيوس ( 50)، وأوملوس ( 38) وأبقراط ( 32) وثيومنستوس ( 28) وأنطوليوس ( 10). وأبسرتوس أبرزهم بيثينيّ كما يستفاد من سويداس، وُلد في كلازومينة ( انظر مثلا ه باريس 1011) وتعلّم في الإسكندريّة ورافق الامبراطور قسطنطين في حروبه كطبيب للخيل، ومارس في بروسة ونيقوميدية في بداية ق 4، ولم تبق له إلاّ نصوص في الموسوعتين، لكنّه أثّر في خلفه هيرقليس وفي بيلاغونيوس وفيجيتيوس، وقد اتّبع فيها شكل الرّسائل. ومن النّصوص نرى أنّ هيرقليس نقل كذلك عن أوملوس وهيرونيموس اللّيبيّ ( غير المعروف)، وأنّ ثيومنستوس متأخّر عليه ( فقد ذكره في نصّ حول الجرب 69#: 16)، وقد ذكر في نصّ عن التّخشّب ( #34: 3) أنّه كان في الشّتاء مع الامبراطور على طريق العودة من بنّونية إلى إيطالية، وعلى أساسه أكّد بعض النّقّاد أنّ المقصود ليقينوس الّذي عاد فعلا من وسط أوروبة إلى ميلانو للزّواج بأخت قسطنطين في بداية 313- وذلك يخالف ما ذكرنا عن حياة أبسرتوس. نرى كذلك أنّ أبسرتوس متأخّر عن أوملوس الطّيبيّ ( 2: 7، 10: 1 و3)، وأنّ بيلاغونيوس متأخّر عن ثيومنستوس. وقد نقل مؤلّفو هبّياتريكا من مصادر أقدم. نرى مثلا أنّ نصوصا وردت باسم أوملوس وثيومنستوس وأفريكانوس تطابق حرفيّا نصوصا لكولوملاّ، ممّا يوحي بأنّهم نقلوا عنه أو بأنّهم نقلوا كلّهم من مصدر مشترك قد يكون ترجمة موسوعة ماغون. واقترن جمع نصوص على امتداد فترات طويلة لا شكّ بتناقص أهمّيّة الكتّاب الأقدم، لأنّ كتّابا أحدث عرضوا أفكارهم مع تعديلها وإضافة أشياء إليها، أو بنحو أوجز.

  وبينما تبدو إسنادات هبّياتريكا جديرة بالثّقة، تدعو إسنادات جيوبونيكا إلى الاحتراز ( كما تبيّن النّصوص المنسوبة إلى بارون مثلا). فضلا عن ذلك، لا نملك عن عدّة كتّاب معلومات كافية. تارنتينوس Tarantinos مثلا غير معروف ( وغير الفيلسوف الفيثاغوريّ الّذي ذكره وارّون وكولوملاّ وبلينيوس ضمن كتّاب الفلاحة أو هرقليدس الطّبيب الّذي ازدهر حوالي 75 ق م). بمفيلوس Pamphilos ( ق 2 م) كتب "الطّبائع" Physika حيث يظهر تأثّره بتيّار بولوس. فرنتون Fronto على الأرجح معاصر الامبراطور الإسكندر سفيروس 176-192. يُنسب إلى دمغرون Damegeron ( الّذي ذكره أبوليوس في المرافعة) كتاب في "طبائع الأحجار" peri lithon/ de virtutibus lapidum، وهو من ممثّلي التّيّار "الدّيمقريطيّ". كتب سوتيون Sotion ( سوديون؟ ابن حجّاج وابن العوّام) "في الأنهار والينابيع والبحيرات" ( فوتيوس 189). الأخوان ( قُنديانوس وفالريوس مكسيموس) سكستوس كونتليوس Quintilius قنصلان في 151 م وعاملا مرقس أورليوس على اليونان، فقدا حظوتهما في عهد الامبراطور كومّودوس وربّما قتلا في 182، وقد ذكرهما غ مرتياليس. فلورنتينوس Florentinus من بيثينية ومتأثّر بديوفانس كما توحي النّصوص 4: 1، 5: 2، 5: 17 و6: 15: 2، 10: 29: 4، 11: 26: 3؛ وعاش على الأرجح في ق 2/3. أنطوليوس ووندانيونيوس وبيروتيوس نفس الكاتب ( ق 4). ديديموس Didymos حسب سويداس إسكندرانيّ ( ق 5) وضع مؤلّفا في الفلاحة في 15 كتابا. وبعض النّصوص منحولة. فالمنسوبة إلى ديمقريطس هي لبولوس. كذلك يشكّ النّقّاد في صحّة نسبة الّتي تحمل اسم أبوليوس Apuleius ويغلب على أكثرها الطّابع السّحريّ إلى كاتب "التّحوّلات" الّذي نُسب إليه كذلك كتاب في الأعشاب يرجّح أنّه من القرن 4 ( ربّما لأنّه كان كاهنا وكتب عن أسكلابيوس الإله الملهم لكتب أسرار طبّيّة ونباتيّة). ويشكّون في نسبة فصول أفريكانوس Africanus الّتي لبعضها طابع سحريّ ووثنيّ إلى سكستوس يوليوس أفريكانوس ( ح. 160-240). 

      تضمّ جيوبونيكا فصلا لديونسيوس ( ربّما مترجم ماغون 1: 11 الرّياح)، و19 فصلا لديوفانس ( 1: 6 الشّهر القمريّ وأعمال الفلاحة، 2: 7 جمع ماء المطر، 2: 11 اختبار للأرض، 5: 7 معرفة نوع النّبيذ الّذي ستحمله الأرض، 5: 31 وربّما 5: 32 وقاية الكروم من الجليد والشّقران، 5: 44 السّياج، 5: 45 وقت جني العنب، 6: 12 حفظ السّلافة في الجرار، 7: 3 أنواع النّبيذ، 7: 17 نقل النّبيذ بالبحر، 9: 20 إعداد زيت معطّر، 10: 11 غراسة الفستق، 10: 20 إنشاب التّفّاح، 10: 23 غراسة الكمّثرى وإنشابها، 10: 76 التّركيب، 12: 9 إالصّراصير، 13: 9 العقارب وجاء كذلك في هبياتريكا، 15: 7 العسل، 18: 14 الذّئاب) و4 فقرات ( 6: 15: 2 ترسيب الثّفل من السّلافة، 10: 29: 4 ريّ الرّمّان بغاسول الحمّامات، 11: 3: 2 جمع حبوب الغار، 11: 26: 3 تجفيف الزّعفران) 3 منها ( 1 و2 و4) من فصول لفلورنتينوس الّذي يبدو متأثّرا بماغون وكذلك كتّاب آخرون بدرجات متفاوتة. ووردت في هبياتريكا وصفة لماغون لربو الخيل ( 27: 6) واستشهد به أبسرتوس وهيرقليس حول الحصر ( 33: 8 و16)، وورد نصّ لكسيوس عن مرض الرّئة ( 5: 4) وآخران عن القلب ( 29: 6) والكبد ( 32: 3) ضمّنهما ثيومنستوس.

تابع