ماغون القرطاجنّيّ

 

شذرات في الفلاحة

 

9- الخاتمة

 

حواش 

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

9- الخاتمة

    رغم الصّعوبات الّتي تكتنف دراسة ماغون وتأثّره وتأثيره، يمكن ممّا سبق استخلاص عدد من النّتائج المؤكّدة أو المرجّحة، نقدّم أهمّها في ما يلي.

1- عاش على الأرجح في ق 4 أو 3، لكن لا يمكن أن يكون أخ حنّبعل الأصغر كما افترض سبيرنتسا.

2- لا يدلّ ورود تسميات يونانيّة لنباتات أو لمعاليق الخصى في استشهادات بلينيوس وكولوملاّ/بلاّديوس المستمدّة من ترجمة موسوعته اليونانيّة ولا كتابته عن إفلاح الكستناء "الغريبة" عن بيئته الإفريقيّة على تأثّره بكتّاب يونان ومن ثمّة على عصره، إذ لا توجد في الأدب اليونانيّ واللاّتينيّ حتّى ق 1 ق م أيّة إشارة إلى غراستها. وذلك ينطبق أيضا على أشجار أخرى وردت في نصوص لديوفانس كالأترجّ والعبقر. والأرجح أنّ مصادره شرقيّة إلى جانب التّجربة المحلّيّة البونيقيّة والبربريّة. وحتّى إن افترضنا أنّه عاش في ق 3 يبدو احتمال تأثّره بأرسطوطاليس وثيوفرستوس ضعيفا، لا فقط لأنّ كتاباتهما نُشرت في ق 1 ق م، بل كذلك لأنّ غرضها نظريّ بالأساس رغم احتوائها على معلومات ذات طابع عمليّ يصعب على كاتب فلاحة أن يستفيد منها. على سبيل المثال، هناك إشارات متناثرة في ت.ن. وأ.ن. إلى الزّبول، لكنّها لم تُدرس في باب مخصّص لها كما في كتب الفلاحة. كذلك ليس من الواقعيّ افتراض تأثّره "بديمقريطس"- أي بولوس المنديسيّ ( وربّما كتّاب متأخّرين)- لا فقط لاعتبارات الزّمان بل كذلك لاختلاف الاتّجاه، وحتّى تأثّر ديونسيوس وديوفانس بالتّيّار الدّيمقريطيّ غير محتمل ولا تؤيّد نصوصهما افتراض فلّمانّ. بالعكس لا يستبعد أن يكون بولوس قد استفاد من أساليب بونيقيّة في الفلاحة.

3- تدلّ ترجمة موسوعته إلى اللاّتينيّة ( سيلانوس) واليونانيّة ( ديونسيوس) وتلخيصها ( ديوفانس، بولّيون) على قيمتها العمليّة. وكان ماغون ضحيّة النّجاح الّذي لاقته، فقد استخدمها كتّاب الفلاحة بشكل مكثّف، ودون ذكرها. ولو اكتفينا بالنّصوص اليونانيّة المحفوظة لما علمنا أنّ ديونسيوس وديوفانس اعتمدا بصفة أساسيّة على ماغون، وأنّ عدّة أساليب وأفكار وردت في كتب الفلاحة تعود إليه. لم ينتج ذلك عن محاولة طمس آثاره، بل هو في رأينا مثال موثّق على تملّك ثقافة لأفكار وأساليب ثقافة أخرى، وذلك لا يتمّ بالتّرجمة ولا حتّى بطريق الكتابة فقط. والأرجح أنّ "المعجزة اليونانيّة" تضمّنت حالات شبيهة من استيعاب تراث أمم أخرى ( كمصر وبلاد الرّافدين وسورية وفارس) ولم يبق ما يسمح بالتّعرّف عليه بوضوح- وذلك أيضا لا يعني إخفاء متعمّدا لتلك الاستعارة. والتّأثّر أسهل في ميادين عمليّة كالفلاحة والبيطرة أو الطّبّ خاصّة إذا لم يكن يستدعي استخدام معدّات يصعب توفيرها، وحتّى إذا كانت بعض الأساليب الزّراعيّة  ترتبط بظروف محلّيّة ( مناخيّة مثلا) يمكن تعديلها لتكييفها ببيئة مختلفة. ذاك ما فعل الكتّاب اللاّتين لمّا نقلوا من ماغون، وما فعل ابن العوّام في النّقل عن الفلاحة النّبطيّة فقد اقتصر حسب قوله على "ما أشبه عنده أنّه يوافق الجزء العربيّ من الأندلس...فإنّ إقليم بابل في الإقليم الرّابع". وتأثير ماغون واضح في بعض الكتّاب ككولوملاّ الّذي اعتبره أب علم الفلاحة وذكره في بعض المواضع واستمدّ منه أفكارا في مواضع أخرى دون ذكره، أو فرجيليوس الّذي لم يذكره قطّ، لكنّه يشمل كتّابا آخرين بصفة متفاوتة، وشتّى ميادين هذه الصّنعة الّتي هو أوّل من تناولها في كلّيّتها، جامعا بين الجانبين النّباتيّ والحيوانيّ بأقسامهما ( الحبوب والكرم والأشجار، ومن جهة أخرى الماشية والدّواجن والنّحل) وكذلك تصنيع منتجاتهما ( النّبيذ، الخلّ، المخلّلات، العسل والشّهد، حفظ الفواكه) والاستفادة من النّباتات البرّيّة. وقد صار ذلك دأب كتب الفلاحة. وقد تسمح دراسة مفصّلة لنصوص ثيومنستوس ولكتاب البيطرة العربيّ المنحدر منه ربّما ولشذرات ابن أبي حزام بكشف قنوات انتقل عبرها تراثه البيطريّ إلى العرب.

4- اهتمّ ماغون بجانب الرّبحيّة في الفلاحة، وهو جانب ركّز عليه أيضا ربّما بتأثيره وارّون وكولوملاّ. واعتبر حضور المالك في الضّيعة أساسيّا، ربّما في نقد لبعض معاصريه الّذين كانوا يستثمرون في الفلاحة أرباحهم في التّجارة الّتي احتفظوا بها باعتبارها نشاطهم الرّئيسيّ. وقد تعكس دعوته إلى ممارسة الفلاحة بجدّ وحسب الأصول التّحوّل الّذي شهدته قرطاج بعد معركة هيميرة.

5- ماغون أبرز ممثّلي تقليد بونيقيّ يمتدّ من ق 5 على الأقلّ وربّما فينيقيّ شرقيّ أقدم. يدفع ذلك إلى المقارنة بالتّقليد الّذي تضمّنته "الفلاحة النّبطيّة"، لكنّ بعض النّقّاد يرون أنّها من وضع ابن وحشيّة أو كاتبه أبي طالب الزّيّات وآخرين أنّها أُلّفت في ق 3 أو 4 م رغم احتوائها على عناصر تعود إلى عصور أقدم. وقد تتيح دراستها ومقارنتها بالتّراث الماغونيّ إلقاء أضواء جديدة على المصدرين.

6- توحي موسوعته الضّخمة بازدهار أدب بونيقيّ لم يبق منه شيء تقريبا ولم تُحفظ حتّى أسماء أساطينه، بحيث يصعب البحث فيه رغم حداثته النّسبيّة ( حتّى ق 2 ق م). وقد تعين على معرفة شيء منه دراسة كتّاب كيوبا وكذلك فنّ الخرافة الّذي يبدو إسهام اللّيبيّين فيه هامّا.

 

 

تابع