ماغون القرطاجنّيّ

 

شذرات في الفلاحة

 

7- تأثيرات محتملة: كتب ا لفلاحة العربيّة

 

حواش 

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 7- تأثيرات محتملة في كتب الفلاحة العربيّة

 

مقدّمة:

   تُرجمت إلى العربيّة كتب الفلاحة اليونانيّة والفارسيّة المقتبسة جزئيّا على الأقلّ منها. وترجم ابن وحشيّة حسب قوله كتب الكسدانيّين. ولأنّ الكتّاب الّذين ذكرهم مجهولون ( بل يشكّ البعض في وجودهم أصلا وحتّى في شخص مؤلّف الفلاحة النّبطيّة الحقيقيّ) سندرس كتابه إجمالا ونحاول تبينّ العلاقة بينه وبين فلاحة ماغون فبين الثّقافتين اللّتين ينتميان إليهما قرابة، إن قبلنا طبعا أنّه تُرجم عن مصدر آراميّ أو سريانيّ. من جهة أخرى ذكر ابن حجّاج وابن العوّام كتّابا سندرس أهمّهم ونحاول مقارنتهم بكتّاب جيوبونيكا والتّعرّف على تأثير ماغون فيهم، تشجّعنا أمانتهما في النّقل ( إذ أعلن ابن العوّام مثلا في مقدّمته أنّه سيسوق أفكار كلّ كاتب دون أيّ تحوير، ولا ينسب إلى نفسه إلاّ ما جرّبه بنفسه وتأكّد منه، وتثبت فعلا صدقه مقارنة ما نسب إلى مصادر معروفة ومحفوظة كالفلاحة النّبطيّة والمقنع وطبائع الحيوان مع ما نجد فيها). لكنّ الأمر صعب، فأسماء جلّ الكتّاب الّنين ذكراهم لم ترد في المؤلّفات اللاّتينيّة واليونانيّة.

   حسب فوتيوس ( ق 9): جمع وندانيونيوس أنطوليوس بيروتيوس ( ق 4) نصوصا لديمقريطس، أفريكانوس، تارنتينوس، أبوليوس، فلورنتينوس، واليس، ليون، بمفيلوس، ديوفانس. والظّاهر أنّ كسيانوس بسّوس سكولستيكوس أعاد جمع تلك النّصوص ( ق 6/7) مضيفا كتّابا آخرين كديديموس ( ق 4/5؟). وجاء في مقدّمة النّسخة اليونانيّة، وهي من ق 10، أنّها تضمّ نصوصا لفلورنتينوس، وندانيونيوس، أنطوليوس، بيروتيوس، ديوفانس، ليونتينوس، ديمقريطس، تارنتينوس، أفريكانوس، بمفيلوس، أبوليوس، بارون، زرادشت ( Zoroastres)، فرنتون، بكساموس، دامغرون، ديديموس، سوتيون، كونتيليوس. أمّا ابن حجّاج وابن العوّام فأهمّ مصادرهما يونيوس وكسينوس وديمقراطيس وقسطوس الّذين اعتبراهم أمراء علم الفلاحة ( ع 1: 0). وقد ذكر ابن حجّاج أنّه اعتمد- فيما عدا المصادر العربيّة- على 23 كاتبا: يونيوس بارون لاقطيوس ( قطيوس) ديرقنطوس ( ديوقنطس) بيردون ( بيرون) بن معالوس ( نعالوس) ديمقراطيس كسينوس قروراطيقوس ( اطرووراطيغوس) لاون ( لاروز) سوديوس ( سودبور) قسطوس سادهمس تسمانوس ( كمانون) سيداعوس ( سيداعوس الإسباني/ سراعوس) أنوليوس سولون منهاريس مرغوطيس مرسال ( مرسينال الطّينسي) آنون بروراقطوس. ونقل ابن العوّام قائمته: يونيوس بارون لاقطيوس يوقنصوس طارطيوس بتدون بريعايوس ديمقراطيس الرّوميّ كسينوس طروراطيقوس لاون سود بورقسطوس عالم الرّوم سادهمس سمانوس سراعوس أنتوليوس سولون سيداغوس الأسيابيّ منهاريس مرغوطيس مرسينال الطّنيسيّ آنون برورانطس. ويلاحَظ أنّ كليمان-مولّيه ( الّذي لم تكن بيده نسخة من المقنع) ضمّ النّصف الأوّل من سودبور إلى لاون والأخير إلى قسطوس فصار "لاون سودبور قسطوس" عنده "ليون سود/ بورقسطوس" وفهم الشّخص الأوّل على أنّه أسود أي إفريقيّ، وكتب الثّاني بورقسطوس مع أنّه لم يذكر في كامل الكتاب بعد ذلك شخصا بهذا الاسم. وأنّ قائمة ابن حجّاج لم تتضمّن بادي الرّأي أنطوليوس مع أنّه استشهد به مرارا ( مع كتابة اسمه "أنطرليوس" وجاء في نسخة من ترجمة أسطات "أبطرليوس"). ربّما كان ببساطة إذن "أنوليوس" ( كما عند بنكويري وكليمان-مولّيه)، لكنّ في الكتاب استشهادين بأبوليوس. ويلاحَظ أنّ ابن العوّام في نقل قائمة ابن حجّاج أضاف نعت الرّوميّ لديمقراطيس وعالم الرّوم لقسطوس، وذكر لاحقا مصادر استخدمها ورمز لبعض الكتّاب بحرف: ف لأنتوليوس الإفريقيّ، ر للفرس، ق لقسطوس، ك لكسيوس، طط لأرسطوطاليس، م لمهراريس اليونانيّ ( وهو من الإسكندريّة). ووردت في ترجمة أسطات ( عن أنطوليوس) أسماء بقراطيس وأرسطوطاليس وإرسيسطراطس وأذريطس ودمقراطيس وجالينوس وأفرقانوس وأبلطرخس وأبوليوس وسرابيون وأسقلبيون. بينما ذُكر في فلاحة قسطوس بالأخصّ ( 15-20 فقرة): ديمقراطيس وسوديون، وبدرجة أقلّ (1-3) سادهمس ومرقونوس وإبرينوس وفيثاغور. وذكرت التّرجمة الأرمنيّة "جرق فستاكوز" أنّ مصدرها ملخّص أعدّه أنطوليوس البيروتيّ لنصوص من فلورنتينوس ولاغنتيوس وتارنتينوس، وذكرت أيضا يوبا الّذي استخدم مصادر بونيقيّة كما ذكرنا إلى جانب اليونانيّة. ولا يهمّنا التّعرّف على كلّ أولئك الكتّاب بل فقط على بعض منهم. لكنّ دراسة مقتضبة للآخرين تفيد في تقرير أيّ قدر من الثّقة يمكننا أن نمنح إسنادات جيوبونيكا وهبياتريكا وكتب الفلاحة العربيّة.

   فضلا عن صعوبة مطابقة بعض الكتّاب بآخرين ذكرتهم المصادر اليونانيّة، هناك كما سنرى اختلافات في إسناد كثير من الأفكار. مثلا: ما نسب ابن حجّاج لديمقراطيس عن قطع قضبان للغرس من كرم متوسّط لا قديم ولا حديث جاء في ج 5: 8 لكونتليوس، وأسلوب جمع ومعالجة اللّوز الّذي نسبه إليه ابن العوّام 7: 1 هو في ج 10: 58 لفلورنتينوس، والإشارة الّتي نقلاها عنه وعن يونيوس ( 18: 4) بزراعة الشّعير في الأرض الرّديئة والحنطة في الدّسمة هي في ج 2: 12 لتارنتينوس. وما نسب ابن حجّاج مثلا إلى قسطوس عن ترقيد الزّرجونة من الكرم المتقادم عهده أو عن استثناء عذرات النّاس من الزّبول الصّالحة للزّيتون ( وكذلك ابن العوّام 10: 0 و7: 1 وكذلك 11: 1) هو في ج 4: 2 و9: 15 لديديموس ( الّذي لم يذكره ولا كذلك ابن العوّام)، وما نقل عن يونيوس بخصوص صلاحيّة الأرض الرّقيقة كالّتي في أثينة للزّيتون جاء في ج 9: 4: 8 باسم فلورنتينوس، وما نسب إلى كسينوس ( كسيوس عند ابن العوّام 7: 1) عن وضع آنية الزّيت في غُرف شماليّة لتحسين مذاقته واجتناب الأماكن المعرّضة للشّمس قريب ممّا جاء في ج 9: 19: 11-12 باسم أبوليوس. نلاحظ أيضا أنّ ابن العوّام نسب إلى أنطوليوس "الإفريقيّ" أفكارا نسبتها جيوبونيكا إلى أنطوليوس ( كتقييم جودة الأرض بناء على النّباتات الطّبيعيّة 1: 6، ج 2: 10) وأخرى لم ترد فيها، كوصفة زراعة اللّوز ( 7: 20)- وهي الّتي نسبها بلينيوس إلى ماغون ( 17: 11 (63)).

7-1 ديمقراطيس

   نسبت المصادر العربيّة عدّة أفكار لديمقراطيس جاء بعضها في المصادر اليونانيّة واللاّتينيّة باسم كتّاب آخرين، فقد جاء مثلا باسمه في ترجمة أسطات نصّ فلورنتينوس ج 2: 44 عن وكيل الضّيعة. وذُكر في 15 فصلا في "فلاحة قسطوس"، وفي فلاحة ابن وافد ومباهج ابن الوطواط، وعدّة فقرات عند ابن حجّاج وابن العوّام، وفي مصادر أخرى غير فلاحيّة أساسا. ويبدو أنّ مقاطع من فلاحة "ديمقريطس" توجد في مخطوط بيزنطيّ ( ق 8) وآخر سريانيّ ( ق 9 بالمتحف البريطانيّ) وآخر عربيّ ( بالمكتبة الوطنيّة الفرنسيّة).

7-1-1 الأفكار المنسوبة إليه

عند ابن حجّاج: تخيّر البذر: البذور لا تتجاوز عامين، ما ينفع الزّرع ويكثره ويدفع عنه الآفات: الجارية العذراء، قطع خرق صوّر فيها رجل قابض على حلق أسد لاستئصال الحشائش، تخيّر وقت الزّراعة: 4-14 من الشّهر، ما يُحفظ به الطّعام من الفساد: الرّمّان والجصّ ورماد خشب البلّوط أو خلط جصّ منخول بالشّعير أو دفن جرّة مملوءة خلاّ وسطه، تخيّر الزّرجون في الغرس: قضبان من جفنة متوسّطة العمر وحفظها إن لزم في ماء أو أرض رطبة، وقت النّصب: الكرم في أيّار، تركيب الدّوالي: قضيب رطب من عامه، يُقطع في المحاق ثمّ 7 أيّام، الصّنوبر: نقع حبّه في الماء 3 أيّام وغرس 3 منكّسة في الحفرة في مايه ونقل الغروس بعد 2-3 سنوات، الفستق: ذرّ غبار ورق السّرو كيلا يسقط ثمره، نصب النّخل: صدع النّواة واستقبال المشرق بالرّقيق من أحد طرفيها، الزّيتون: الأرض البيضاء الجردة الجافّة غير النّديّة واجتناب الحمراء والمالحة والمشقّقة والّتي تبرد وفيها شدّة حرّ ولا تهبّ ريحها، السّرجين للزّيتون: زبل كلّ المواشي إلاّ عذرات النّاس كلّ 3-4 سنوات، ما يُغرس من الزّيتون: قضبان مُلس مستويات من ساق شابّة، زراعة الكرّاث.

عند ابن العوّام: 1: 0 الأرض الصّالحة: الّتي تشرب ماء المطر ولا تتشقّق، اختبارها بالطّعم بعد الخلط بماء، 5: 0 طرق إكثار الأشجار، 7: 1 غراسة الزّيتون: في الأرض الجافّة غير النّديّة، من قضبان ملس من ساق شابّة، وكلّ زبل الماشية جيّد له إلاّ عذرات النّاس، 7: 9 الشّاهبلّوط: إكثار بالقضبان والثّمار، 7: 10 الصّنوبر: إكثاره من حبوب في شباط ( مايه عند ح)، يحبّ المنحدرات الباردة والأرض الدّسمة القويّة، 7: 13 العنّاب: غراسته من قضبان، 7: 18 الرّمّان: إكثاره من قضيب مأخوذ من أعلى، 7: 20 اللّوز: موسم القطف، 7: 21 الصّنوبر ( عن ح): الحبوب 3 أيّام في الماء ثمّ غرسها في آذار ونقل الغروس بعد 2-3 سنة، 7: 23 التّوت: من قضبان في شباط، 7: 24 الجوز: بأرض معتدلة البرد في شباط، 7: 29 الأترجّ: من قضبان في آذار، 7: 36 السّفرجل: نقل فسائل في شباط، 7: 41 زرع نوى البرقوق في آب، 7: 42 الإجّاص ( العبقر): في شباط، 7: 43 النّخل: وصفة لزراعة النّوى، 7: 45: 0 الكرم: اتّخاذ قضبان من كروم متوسّطة العمر، حفظها في الماء، 8: 1 أنواع من الإنشاب، 13 لمنع سقوط ثمر الفستق: ذرّ مسحوق ورق السّرو عند إزهاره، 14 علاج علل الأشجار: وصفة للكمثرى، غراسة الغار قرب الكرم ليقيه اليرقان، 15 للحصول على عنب بلا عجم، 16: 1 مردود الحبوب من الخبز، 18: 0 تأثير النّباتات على الأرض: البقول تصلح الأرض والعدس والفاصوليا وخاصّة السّذاب إلاّ الحمّص، 18: 1 تخيّر الحبوب: سنة أو 2 لكن 3 للأرزّ والدّخن، تخيّر أفضل البذور، 18: 4 الأراضي المناسبة: للشّعير والعدس والكتّان والفاصوليا، 24: 6 الكرّاث: يُزرع في الأرض الرّمليّة في كانون2 وشباط وتُنقل الشّتل في آذار، 29: 3 الأهراء: الوقاية من السّوس بجصّ منخول أو بدفن جرّة مملوءة خلاّ وسط الشّعير، 34: 6 النّحل: الزّهور المفضّلة زهور الرّمّان والمردقوش والورد بينما تضايقه زهور الدّفلى.

7-1-2 دراسة

   لا يمكن أن يكون الأبديريّ ( كما توحي مثلا وصفته عن غراسة النّخل). لكنّ غراسة الكستناء ( وحتّى الفستق والصّنوبر) تبدو غريبة في مصر، وكذلك مواصفات الأرض الجيّدة ( تشرّب ماء المطر) والصّالحة للصّنوبر ( المنحدرات الباردة). وتذكّر طريقة زرع حبوب الصّنوبر بالّتي نقلها بلينيوس ومرتياليس عن ماغون بخصوص اللّوز. ما ذكر عن غراسة العنّاب نسبه وندنيونيوس ( ج 10: 43) إلى ديديموس. ذرّ مسحوق ورق السّرو لمنع سقوط ثمر الفستق فكرة وردت باسم مهراريس لكلّ الأشجار المثمرة ( ابن العوّام 12: 3). وقاية الحقل من الآفات بخرق يُرسم عليها رجل قابض على أسد أسلوب نُسب في جيوبونيكا إلى سوتيون ( ج 2: 42: 2). لم يورد له ابن العوّام شيئا عن الحيوان، خلافا للمصادر اللاّتينيّة واليونانيّة. نرى أنّه لا يتطابق تماما مع الّذي قدّمته تلك المصادر.

7-2 أنطوليوس:

   نسب أسطات الرّاهب كتاب الفلاحة الّذي ترجمه إلى أنطوليوس، وهو حسب فوتيوس جامع أوّل كنّاش فلاحيّ. وقد ذكره ابن حجّاج وابن العوّام الّذي نعته بالإفريقيّ ( ممّا يوحي بالأحرى بأفريكانوس ذي الشّخصيّة الغامضة أصلا وقد يكون صاحب وصفة في الفصل 15 "لأفريعايوس" حسب ما نقل النّسّاخ وقد يكون تحريفا لأفريقانوس، هي: إذا أردت أن ينبت شيء من غير بزر فصبّ الماء الحارّ في أرض معمورة فإذا مضى لها سنة ينبت في تلك الأرض شبت الشّهدانج وهو القنّب، وقد وردت كذلك في ف ن). وقد عثر Paul Sbath على مخطوط عربيّ ظنّه فلاحة أنطوليوس لكنّه حسب Fuat Sezgin كتاب الفلاحة المنسوب إلى باليناس بالأحرى.

7-2-1 الأفكار المنسوبة إليه

عند ابن حجّاج: ما يُعرف به جيّد الأراضي: النّبات يدلّ على جودة الأرض، تخيّر البذر: اختبار البذر قبل طلوع الشّعرى، ما ينفع الزّرع ويكثره ويدفع عنه الآفات: تغطية المكيال بجلد ضبع، قرن الأيّل وعظم الفيل، النّضح بماء ألقي فيه سرطان، ما يُحفظ به الطّعام من الفساد: نثر رماد قضبان كرم أو بعر أو أفسنتين، ما يسرع به نبات الكروم ويحفظه: تلطيخ موضع الزّرجونة بزبل بقر مدقوق ومعجون ببول، تركيب الدّوالي ( قضيب أملس 4 أعين في نيسان، طريقته)، حفظ العنب: في جرار مع الملء بطين غير رقيق، ما يُكثر حمل الشّجر: نصب التّين بحكّ حبل بحبوب التّين ثمّ طمره، غرس التّفّاح: لوقايته من التّدوّد وانتثار ورقه نصب ورق عنصل قريبا من أصله، غرس الرّمّان: رمّان بلا عجم، نصب اللّوز: الأرض الرّقيقة، وضع الحبوب في زبل نُقع في الماء وغرس 3 قائمة في كلّ حفرة، نصب الزّيتون: إقحام قضيبين في الشّجرة قليلة الحمل من أخرى كثيرته أو من دردار أو بلّوط، البراغيث: دم تيس في حفرة.

عند ابن العوّام: 1: 6 علامات جودة الأرض: النّبات الطّبيعيّ وعدم التّشقّق في الصّيف، 7: 20 اللّوز: 3 حبوب قائمة في الحفرة، 11: 0 التّسميد: يساعد النّبات لكنّ الأرض السّوداء لا تحتاج إليه والدّسمة تحتاج إلى قليل، 25: 1 ( الإفريقيّ)* طريقة لإنتاج قثّاء ( أو بطّيخ أو قرع) بلا زريعة ( =بزر).

7-2-2 دراسة

   قد يكون هو يونيوس الّذي نسبت إليه التّرجمة العربيّة الأخرى كتاب الفلاحة، وفي "المقنع" حسب ترتيب النّصّ الّذي بأيدينا جزءان: في الأوّل استشهد به دون يونيوس وفي الثّاني عرض آراء يونيوس في الزّيتون والكرم والبقول ولم يذكره، وبعض ما نسبه إليه نسبه ابن العوّام إلى يونيوس ( إقحام قضيبي زيتون أو دردار أو بلّوط بأسفل ساق الزّيتونة قليلة الحمل لزيادة إنتاجها 12: 2). كما نقل ابن العوّام عن يونيوس أنّ أهل المشرق بعد كشف أصول الكرم لا يغطّونها في الشّتاء وهو كلام ورد في نصّ من جيوبونيكا يحمل اسم أنطوليوس. تذكّر طريقة التّخلّص من البراغيث بأسلوب بمفيلوس ( ج 13: 15، ه 85: 10) وديوفانس ( ج 13: 9). ونسبت كتب الفلاحة بعض الوصفات إلى كتّاب آخرين، وليس ذلك غريبا إذا اعتبرناه جامع نصوص. ولم يذكره ابن العوّام في الجزء الحيوانيّ من فلاحته، بينما وردت نصوص بيطريّة لأنطوليوس في الموسوعتين البيزنطيّتين.

7-3 يونيوس

   هو أهمّ مصادر ابن حجّاج، وهو وقسطوس أهمّ كاتبين اعتمد عليهما ابن العوّام. 

7-3-1 الأفكار المنسوبة إليه

عند ابن حجّاج: أبواب الزّيتون: الأرض الرّقيقة لذا يخصب في بلاد أطينا ( =أثينة)، البيضاء لاسيما اللّيّنة الرّطبة وكذلك السّوداء، اجتناب العميقة ( فهي تُربي الشّجر لكنّ ثمرتها كثيرة الدّرديّ قليلة الزّيت) واللّزجة المكرة ( أي الطّينيّة الّتي تبرد شتاء وتحمى صيفا)، الهواء الموافق للزّيتون: الحارّ اليابس كبلاد فليقية يعني سوس وما اتّصل بها من بلاد الشّام، لا ينبغي الإفراط في السّقي، ما يتّخَذ من شجر عتيق مشقّق اللّحا عسير النّبات، طول الغروس: ذراعان في الأماكن المتعالية و4 وفتر في المنخفضة، غرس القضيب غير مستقيم، وضع حجارة في الحفرة وغمر ¾ الغرس والاعتناء باستواء صفوف الزّيتون ولا ينبغي زرع الأرض الرّقيقة مع الزّيتون والأفضل تطعيم الغروس خاصّة من الزّنبوج ( وانفراد الزّيتون بأنّ نواه ينبت منه زنبوج) وجعل 4 غروس في حفر مربّعة ثمّ يُنقل ما يثبت منها، الأماكن الّتي تربّى فيها غروس الزّيتون: تؤخذ الأغصان من أشجار طريّة كثيرة الحمل من أعلى الشّجرة مع غرس قصبة وترك عمق قليل لقبول مياه الأمطار والتّحويل في السّنة الرّابعة، تعاهد غروس الزّيتون المنقولة: النّقل في الخريف وحفر سواق والتّزبيل في السّنة الثّانية، السّرجين للزّيتون: كلّ المواشي إلاّ الإنسان طرح تراب فسرجين فتراب والسّرجين كلّ 3-4 سنوات، توقيت غراسة الزّيتون: الخريف والرّبيع والأوّل أفضل والأجود حفر الحُفر قبل سنة بعمق ذراعين في الأرض المتعالية وأكثر في السّهلة، ما يُغرس من الزّيتون: من الأصل أو أغصان أو غروس مربّاة، سقي موضع الغرس قبل الحفر وتلطيخ الغرس بخثى البقر، الكسح: تفضيل كسح الرّبيع ( أو كسح خفيف في الخريف وآخر إضافيّ خاصّة في البلاد الباردة) والكسح في الضّحى ولا يجب ترك الكرمة تفرط في الزّيادة والاختلاف حسب أنواع الكروم وترك قضيب حافظ، حفْر الكروم: قبل إنبات الفروع كيلا تذهب الثّمرة والتّرقيد خاصّة من الكرم القديم، زراعات بين الكروم: باقلاّ وبقول لاسيما السّلق وقمح وقثّاء مرّة كلّ سنتين والأصلح ألاّ يُزرع ( الذّهاب بغذاء الكرم) اجتناب الكرنب والفجل والسّلجم والحمّص، التّقريض: أفضل بالأيدي ونزع الورق إن جاء مطر كثير في الخريف كيلا تعفن وتحمض العناقيد، السّرجين للكرم: أهل المشرق يحفرون حول الكروم ويتركونها محفورة كامل الشّتاء خلافا لسكّان الجنب#، البقول: بعيدا عن الأندر والتّزبيل بخثا البقر وخاصّة بالرّماد ( لطيف حارّ يقتل الهوامّ والدّود) والزّراعة والرّيح ساكنة ونقع البذور بماء غُلّيت فيه أصول قثّاء الحمار، الكرنب: في موضع مملوح وإذا بدأ يغلظ الحفر حوله وتلطيخ أصله بخثا البقر، زراعة الخسّ والكرّاث والفجل السّلجم والسّلق والسّذاب والثّوم والبصل والكنجر

عند ابن العوّام: 1: 0 الأرض الصّالحة: السّوداء والمسقيّة بنهر ( والصّالحة للبقول) الحجارة على السّطح تبرّد في الشّتاء وتسخّن في الصّيف أمّا بالعمق فالعكس، الاختبار على قدم للزرع و3-4 لغراسة الأشجار، الاستدلال بالنّبات الطّبيعيّ والطّعم بعد الخلط بماء، 2: 0 ترتيب الزّبول، تعتيقها، للأرض الحلوة بعر الغنم والماعز وللبيضاء أخثاء البقر، 2: 8 الزّبول: تفضيل الرّماد للبقول على كلّ الأسمدة، 4: 0 البستان: قرب بيت المالك وتوفّر الماء وتفضيل القضبان والنّقل، 5: 0 إكثار الأشجار، المشتل: في مكان لم يُزرع بلا رطوبة ومعرّض للهواء وسقي النّبات فيه غير محبّذ وتعليمات أخرى، الحجارة مضرّة على السّطح ونافعة في العمق، 5: 1 وقت الغراسة: حسب البلدان والأفضل الخريف في البلدان الحارّة، 5: 5 تخيّر القضبان: من أعلى، 6: 0 حفر الحُفر قبل سنة لتطبخها الشّمس والرّيح والأمطار، تفضيل قضبان سنّها 2-3 سنوات وحُفر أعمق في السّهل ( كذلك للكرم) والرّياح جيّدة للأشجار والثّمار، طمّ الحفرة ورصّ التّربة، 7: 1 غراسة الزّيتون: الأرض الرّقيقة والأرض البيضاء مثل العتيقة، غراسة في الخريف أو الرّبيع والأوّل أفضل ذراعين في الأراضي المتعالية وأعمق في السّهل وإعداد الحفر قبل سنة، طرق إكثاره، ريّ الأرض قبل حفر الحُفر، لا إفراط في الرّيّ، لا قضبان من شجر عتيق مشقّق اللّحا، العمق ذراعان في المرتفع و4 وشبر في السّهل، يفضّل بعض الفلاّحين وضع حجارة، تفضيل الإنشاب خاصّة على الزّنبوج وانفراد الزّيتون بأنّ نواه لا تعطي زيتونا بل زنبوجا، معظم أشجار الزّنبوج أصلها نوى زيتون، تخيّر القضبان والتّحويل في السّنة 4، لا ينبغي الزّرع بين الأشجار لكن يمكن تقريبها، كلّ زبل الماشية جيّد إلاّ عذرات النّاس، 7: 12 الكمثرى: تحبّ الأماكن الباردة الرّطبة المعشبة يفضّل التّركيب، 7: 14 الفستق: غراسته من ثمره بقشرته كبقيّة الجوزيّات، 7: 18 الرّمّان: الأرض البيضاء، وحده يغرس بعد فتح ورقه، 7: 20 اللّوز: الأرض الرّقيقة وضع الحبوب 3 أيّام في زبل منقوع والإكثار من قضبان، 7: 21 الصّنوبر: تغرس حبوبه كالجلّوز وفي نفس الوقت، 7: 29 الأترجّ: من الخريف حتّى الاعتدال الرّبيعيّ تضرّه ريح الشّمال، 7: 37 التّفّاح: الأماكن الباردة والأرض السّوداء، 7: 41 الخوخ: الأرض النّديّة ويركّب على الإجّاص، 7: 42 الإجّاص ( العبقر): الأماكن الباردة النّديّة، 7: 43 النّخل: حفرة بعمق وعرض ذراعين النّواة أفقيّا، 7: 45: 0 الكرم: غراسة القضبان والأوتاد والملوخ في الرّبيع ( وهو كذلك رأي مرسال وفضّله ابن حجّاج على رأي قسطوس الّذي أشار بالخريف)، خلط التّراب بزبل جافّ، غراستته في الحفر والخنادق وهي مفضّلة في الأرض الدّسمة وبالنّسبة للكروم المعرّشة يمكن الزّرع بينها كلّ سنتين إذا كانت المسافات كافية والأرض المناسبة هي السّوداء غير الصّلدة والّتي تترك ماء المطر ينفذ* وبالنّسبة للزّاحفة التّلال وتحبيذ السّواحل للكلّ، لا يحبّذ الزّراجين المأخوذة من أسفل الجفنة ويمكن أخذها من كرم برّيّ دون 6 سنوات، إمكان الزّراعة بين الكروم المعرّشة إن كانت المسافات بينها كافية، بسط الأغصان نحو الشّرق والجنوب واجتناب الشّمال والغرب، 8: 0 التّركيب: وصف طريقة الثّقب ( إنشاب الكرم)، 8: 1 الإنشاب: الأترجّ* على الكرم والتّفّاح والتّوت، التّفّاح على الدّلب مع ثمر أحمر، الكرز على الكرم، الخوخ على العبقر/الإجّاص، 8: 11 التّركيب بالثّقب ( الإنشاب بالمعنى الصّحيح): إنشاب الكرم على ذاته، 9: 0 التّقليم: مشذب حديديّ وتفضيل الخريف، 9: 1 كسح الزّيتون بعد القطف مع تقليم إضافيّ في الرّبيع، 10: 0 عزق الكرم: عزق عميق قبل بزوغ البراعم ( كيلا يتلف العنب) والإكثار بالتّرقيد وفي المشرق لا يطمّون بعد الكشف الأصول بعكس من يسكنون في نواحي الجنوب ( الحيوب؟)، 12: 5 الرّيّ: الإكثار منه مضرّ للزّيتون، 18: 1 تخيّر الحبوب: سنتين، 18: 4 الأراضي المناسبة: الثّلج جيّد للأرض للشّعير الأرض الرّديئة العدس السّلت الدّخن الكتّان القنّب، 19: 0 موسم البذار: التّبكير وللحيطة توزيع البذار 4 فترات، 19: 7 إزالة الأعشاب في فترة تكوّن السّنبلة، 21: 1 الفول: في الأرض النّديّة الباردة، 23: 0 الخضر: غراستها بعيدا عن البيدر تجنّبا للسّفا الرّماد محبّذ وزرع البذور والرّيح راكدة ونقعها في طباخة قرع البرّ لوقايتها من الحشرات، 23: 3 زراعة بزور الخسّ، 23: 9 الكرنب: يحبّ التّربة المالحة التّزبيل بخثا البقر، 23: 11 السّلق: ليكون أكبر وأنصع وضع خثا بقر على أصوله وطمّها وسقيه، 24: 3 غراسة الفجل والسّلجم من الاعتدال الرّبيعيّ حتّى الانقلاب الصّيفيّ 24: 4 البصل: الأرض الحمراء، 24: 5 الثّوم: الأرض البيضاء الرّخوة، 24: 6 ريّ الكرّاث بعد نقله من المشتل لكن لا طوال الأيّام الثّلاثة الأولى، 28: 3 السّذاب/ الفيجن: الأماكن الحارّة المشمسة، 29: 1 موسم الحصاد: حصاد الشّعير حالما ينضج، 29: 3 بيوت الأهراء: تعريضها لريح المشرق والمغرب، موضعها، طرق مكافحة الآفات.

ملاحظة: لم نورد إشارات ابن العوّام إلى أفكار له ذكرها سابقا ( مثلا في 11: 0).

7-3-2 دراسة النّصوص: من هو يونيوس؟

   في معظم الحالات نقل ابن العوّام عن ابن حجّاج آراء يونيوس ( مثلا 24: 3 و4 و5، 28: 3، 29: 3) واستشهاداته توافق عموما ما جاء في "المقنع" ( لكنّ ما ورد عن بيوت الأهراء في نسخة المقنع الّتي بين أيدينا لا تنسبه إلى يونيوس)، ويبدو أنّ ابن حجّاج مصدره عن يونيوس في معظم الأحيان. وقد جاء ما نسبا إليه عن موافقة أرض أطينا والعتيقة للزّيتون في نصّ فلورنتينوس ج 9: 4: 8. وجاء ما نقل عنه ابن حجّاج عن موافقة فليقية أي سوس وما يليها من بلاد الشّام له في نصّ فلورنتينوس ( ج 9: 3: 1) والمقصود قيليقية. أشار بغرس قضيب الزّيتون مستقيما خلافا لقروراطيقوس ( انظر الفصل ج 5: 9 لفلورنتينوس عن الرّمّان). كذلك رأيه حول رصّ التّربة في الحفرة شبيه برأي فلورنتينوس ( ج 5: 9)، وخالفه قسطوس. انفراد الزّيتون بأنّ نواه تنبت زنبوجا فكرة بمفيلوس ( حسب ج 10: 86: 3). أهمّيّة استواء صفوف الزّيتون فكرة عبّر عنها وارّون. ورد التّرقيد كطريقة للإكثار من الكرم القديم في نصّ لديديموس ( ج 4: 2). ورد نهي مماثل عن الغراسة بين الكروم في نصّ بيروتيوس ( ج 5: 11 مع استشهاد بتارنتينوس) وفي الفلاحة النّبطيّة ( صغريث وينبوشاد مع اختلاف حول الحمّص). ورد رأيه حول إكثار الأشجار والمشتل منسوبا لديديموس ( ج 5: 3 و10: 3). يذكّر رأيه عن تخيّر القضبان من أعلى ( ع 5: 5) الّذي نقله ابن حجّاج أيضا في باب "الأماكن الّتي تربّى فيها غروس الزّيتون" بفلورنتينوس ( ج 10: 57: 4 و6) وذهب إليه ديمقراطيس بشأن الرّمّان ( ع 7: 18)، وبلاّديوس حول تطعيم اللّوز ( 2: 15: 12)، بينما أشار بكساموس ( ج 10: 62) وابن وحشيّة بتخيّر القضبان من الوسط ونهى فرجيليوس عن تخيّرها من أطراف الأغصان العليا ( بلينيوس 17: 24 (105)). يذكّر رأيه عن غراسة الجوزيّات بديوفانس ( ج 10: 11: 1)، وعن إكثار اللّوز بفلورنتينوس ( ج 10: 57- لكنّها أفكار مشتركة بين الكتّاب)، وعن زراعة نواة التّمر بليونتيوس ( ج 10: 4). وجاء مثل ما نسب إليه عن ترك أصول الكرم في المشرق مكشوفة طيلة الشّتاء في نصّ لأنطوليوس ( ج 5: 26: 1).

   شخصيّته غامضة. هو مصدر ترجمة كتاب الفلاحة السّريانيّة الّتي أُعدّت منها ترجمة عربيّة أُعدّت منها التّرجمة الأرمنيّة وذكر ابن البيطار في شرح ديسقوريدس ( نبات الحبق؟ cocimon) أنّه نقل عنه من الفلاحة الفارسيّة ( أي ترجمة الكتاب الفارسيّة حسب Daniel Le Clerc). ولأنّ مثل هذا الاسم لم يرد في جيوبونيكا، تصوّر البعض- بدءا من بنكويري ومولّيه وماير- أنّه يونيوس موديراتوس كولوملاّ، لتشابه الاسمين، ولأنّ المواضيع الّتي استشهد به حولها الكاتبان الأندلسيّان تناولها كولوملاّ، ولأنّ كثيرا من الأفكار الّتي نسباها إليه تشبه فعلا ما جاء في مؤلّفه. وذكروا كذلك أنّ كولوملاّ من أصل إسبانيّ فلا يُستبعد أن يكون كتابه ( وهو فعلا أفضل ما كُتب باللاّتينيّة حول الفلاحة) قد ظلّ يحظى في بلاده الأصليّة بالاحترام، وتُرجم إلى العربيّة. وممّا يؤيّد ذلك أنّ ابن حجّاج كتب مثله في صيغة رسالة، وأنّ كليهما ذكر كأوّل الحكماء- أو بعبارة أخرى الفلاسفة الطّبيعيّين- الّذين تناولوا الفلاحة ديمقريطس وفيثاغور. هذا فضلا عن أنّ بعض ما جاء باسم بارون مثلا في جيوبونيكا الّتي استخدم الكتّاب الأندلسيّون نسخا أقدم منها ربّما استُمدّ من كولوملاّ. وبعض الفقرات من هبياتريكا تطابق حرفيّا فقرات من فلاحة كولوملاّ. وربّما أُطلق اسم بارون ( وارّون) الّذي ذكرته جيوبونيكا على كتّاب لاتين آخرين ولا شكّ أنّ أهمّ من كتب بنحو متّسق ومتكامل ومركّز في الفلاحة بين الكتّاب اللاّتين كولوملاّ.

   لكنّ هذه الأدلّة غير مقنعة. إذ لم يستشهد أيّ مصدر لاتينيّ بكولوملاّ باسم يونيوس، الّذي يحمله كذلك مترجم ماغون إلى اللاّتينيّة دكيموس يونيوس سيلانوس ( وهو ينتمي إلى أسرة ذات شأن عند الرّومان وهو أوْلى بأن يدعى بيونيوس). إضافة إلى ذلك قد يكون الاسم تحريفا وتخفيفا لوندنيونيوس أي بيروتيوس ( فوتيوس 163). وأسلوب الرّسالة أسلوب متداول في العربيّة كما في اليونانيّة واللاّتينيّة ونجده كذلك في أدب البيطرة عند أبسرتوس وبيلاغونيوس، فهذا لا يقوم دليلا على تأثّر ابن حجّاج بمؤلّف كولوملاّ. وذكر ديمقريطس وفيثاغور ( على افتراض أنّه المقصود "بيريغورش" أو "يريقوريش الغريقيّ"، وبغضّ النّظر عن أشخاص آخرين ذكرهم كوملاّ قبلهما وبعدهما دون ابن حجّاج) غير حاسم إذ لا يخلو منهما كتاب فلاحة يونانيّ أو مستمدّ من مصدر يونانيّ. وأمّا تشابه المواضيع والأفكار فهو مشترك تقريبا بين كلّ كتب الفلاحة- على الأقلّ كما يبدو لأوّل وهلة، وهي سمة ذكرها فوتيوس ( 163) وابن العوّام ( 8: 1 مثلا). ويعود الشّبه بين بعض النّصوص في جيوبونيكا ( وكذلك هبياتريكا) وفي مؤلّف كولوملاّ ( والّذي يصل أحيانا إلى حدّ التّطابق الحرفيّ) إلى استخدام مصادر يونانيّة أقدم. فضلا عن ذلك نُسبت إلى يونيوس أفكار وأقوال لم ترد عند كولوملاّ وتوحي بأنّ الكاتب شرقيّ بالأحرى. فكولوملاّ لم يذكر زراعة النّخيل ولا إنشاب الأترجّ على الكرم ( ع 8: 1) ولا كراهة عذرات النّاس سمادا للزّيتون والإكثار من ريّه وتزبيله ( وإن كان قد نهى كجلّ الكتّاب عن الإكثار من الرّيّ والتّزبيل بوجه عامّ 2: 15-16، بل وأشار بسقيه كلّما حلّ الجفاف). ونقل ابن حجّاج ( السّرجين للكروم) وابن العوّام ( 10: 0) عن يونيوس أنّ أهل المشرق يحفرون حول الكروم ويتركونها محفورة كامل الشّتاء خلافا لسكّان "الجنب"، وورد شبه ذلك في جيوبونيكا باسم أنطوليوس ( ج 5: 26: 1 وعبارته: ليبية- أي إفريقية- وآسية خلافا للبلدان المطيرة). وأكّد أنّ الزّيتون يحبّ الأرض الرّقيقة لذا يخصب في أرض أطينا ( ح) أو "العتيقة" ( ع)، والمقصود أثينة أو أتّيكة كما جاء في نصّ لفلورنتينوس ( ج 9: 4: 8)، بينما لم يذكر كولوملاّ ذلك. وما نسب إليه ابن حجّاج عن موافقة هواء فليقية أي سوس وما اتّصل بها من بلاد الشّام ورد في ج 9: 3: 1 لفلورنتينوس ( والمقصود قيليقية). وما نقل عنه عن انفراد نوى الزّيتون بإنبات شجرة غير الشّجرة الأصليّة هي الزّيتون البرّيّ الّذي يسمّى "قوطينون" ( kotinon وهي تسميته اليونانيّة وتقابلها اللاّتينيّة oleaster) جاء في ج 10: 86: 3 باسم بمفيلوس ( ولا غرابة في أن يُنسب إلى جامع النّصوص الّذي قدّم ذلك النّصّ). ولم يذكره ابن العوّام قطّ في أبواب تربية الحيوان مع أنّ كولوملاّ خصّص لها ثلث مؤلّفه ( الكتب 6-9). ثمّ إنّ مؤلّفه يضمّ 12 كتابا بينما يضمّ النّصّ السّريانيّ 14 كتابا ( لكن تضمّ التّرجمة الأرمنيّة لمجموعة أنطوليوس، ومؤلّف قسطوس 12 ومع اختلاف في توزيع المادّة بين كلّ منهما ومؤلّفه). من ناحية أخرى لم تذكر جيوبونيكا ولا هبياتريكا كولوملاّ. ولم يرد عنده بعض ما نُسب في جيوبونيكا أو في فلاحة ابن العوّام إلى بارون. وإذن فيونيوس ليس كولوملاّ. والأرجح أنّ هذا الكاتب هو بالأحرى وندنيونيوس- وإن كانت عدّة أفكار منسوبة إليه أفكار كتّاب سابقين جمع نصوصا لهم. والظّاهر أنّه هو وأنطوليوس شخص واحد. جدير بالذّكر أنّ ابن أبي أصيبعة ذكر طبيبا باسم يونيوس البيروتيّ، وأنّ التّرجمة الأرمنيّة أُعدّت عن مؤلّف أنطوليوس البيروتيّ.

7-3-3 تأثير ماغون

   توجد بين ما نسب الكاتبان الأندلسيّان إلى يونيوس أفكار تشبه ما نُسب إلى ماغون ومترجميه وفلورنتينوس. ولا غرو فهو جامع نصوص متأخّر، لكنّ قسطوس متأخّر عنه كما تشير قرائن في فلاحة ابن العوّام. 

 

تابع