ماغون القرطاجنّيّ

 

شذرات في الفلاحة

 

2- شذرات من المؤلّفات اللاّتينيّة

 

حواش 

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 2-3-4 تسميد الأرض وأنواع الزّبول 1: 38: 1-3

   ينبغي أن ترى أيّة بقاع من الحقل تتطلّب التّزبيل، وكيف وبأيّ نوع من الزّبل يحبَّذ فعل ذلك؛ فهناك بعض الفروق فيه. يكتب كسّيوس أنّ أفضل الزّبول زبل الطّير ما عدا طيور المستنقعات والطّيور العوّامة، وأحسنه زبل الحمام لأنّه حارّ وقادر على تخمير التّربة؛ ويجب نشره في الحقل كالبذور لا تكديسه أكواما كما يأتي من الماشية. ( وبعدما ذكر أنّ ستولون يفضّل زبول السُّمن والشّحارير، واصل:) يكتب كسّيوس أنّ الثّاني بعد زبل الحمام زبل الإنسان. والثّالث زبل الماعز #والغنم والحمير، وروث الخيل غير صالح، لكن في الحقول المغروسة: فإنّه في المراعي مفضّل، كالدّوابّ الأخرى المغذّاة بالشّعير الّذي ينشئ كثيرا من العشب. ( وينبغي جعل حفرة الزّبل بجانب الضّيعة ليُفرَغ بأدنى قدر من الجهد؛ ويقال إنّها إن غُرست في وسطها خشبة صلبة لا تتولّد فيه الهوامّ).

ملاحظات:

1- #لا بدّ أنّ الزّبل استُخدم حيثما اقترنت الزّراعة بتربية الماشية. وهناك أكثر من شهادة على قِدم استخدامه: مثلا ذُكر في أسطورة هرقل ( حيث أدّى تواني أوجياس عن تنظيف الزّبل من اصطبلاته- ومن ثمّة انقطاع تزبيل الحقول- إلى عقم الأرض)، وفي الأوديسة ( 17: 297-299 حيث وُصف أرغوس كلب أوديسيوس جاثما على كومة من زبل الثّيران والبغال يتراكم حتّى يأتي رجال سيّده الغائب فيأخذوه إلى الحقل)، وفي نقيشة تأجير أرض بأمُرغوس، وفي العهد العتيق ( في تشبيهات لا تدلّ بوضوح على استخدامه في الزّراعة: إرميا 8: 2، مل4 9: 37، وربّما مز 82: 11، وحتّى أشعيا 25: 10- لكنّ بيع زبل الحمام للتّغذية أيّام مجاعة السّامرة حسب مل4 6: 25 يوحي بأنّه كان يُجمع في الظّروف العاديّة أيضا ويُستخدم للتّسميد)، وهناك مثل سومريّ يوحي باستخدامه في فترة أقدم بكثير أورده ألستر ( Bendt Alster: Proverbs of Ancient Sumer ، 1997، 5: 26)، وكذلك مثل في قصّة أحيقار يشبّه التّأديب للغلام بالزّبل للبستان ( 3: 32 من النّصّ السّريانيّ ليعقوب الرّهاويّ نقلا عن مار أفرام/2: 23 من الآراميّ الّذي عُثر على برديّة منه بجزيرة الفيلة من ق 5 ق م). واتّخذ الرّومان إلها له دعوه ستركولوس ( إيسيدوروس: أصول الكلمات 17: 1: 3، وفي عصر متأخّر حسب ما ذكر ترتلّيانوس في المنافحة 35: 10). وجاء في كتاب "التّدبير" المنسوب لأرسطوطاليس مثل لليبيّ عن أهمّيّة تولّي المرء ضيعته بنفسه وهو أنّ أفضل سماد للحقل أثر أقدام صاحبه ( 1345أ)، وهو يدلّ على استخدام الزّبول في ليبية والمفاضلة بينها.

2- #نسب وارّون ترتيب الزّبول إلى ديونسيوس لكنّه يعود في رأينا إلى ماغون لأنّه استبعد الخنزير ولم يرد عند كتّاب سابقين. #إذ لم يذكر هسيودوس استخدام الزّبل قطّ كما لاحظ شيشرون ( في الشّيخوخة 15: 54)، وذكره إكسينوفون لكن بدون ترتيب وتفصيل. وتناوله ثيوفرستوس في عدّة مواضع ( تأثيره على النّبات والتّربة ت.ن. 8: 6: 1 و8: 7: 7، اختلاف النّباتات والأراضي في الحاجة إليه أ.ن. 3: 9: 2 و3: 20: 2، والبقول مثلا تتطلّب أنواعا خاصّة ت.ن. 7: 5: 1 بينما لا تحتاج الحنطة إليه مثلا أ.ن. 3: 21: 4، بل هو مضرّ للسّرخس والفصّة ت.ن. 8: 7: 7، قلب الفول عند الإزهار في تسّالية ت.ن. 8: 9: 1)، ونقل عن خرطودراس ترتيبا مختلفا: #عذرات الإنسان فالخنزير فالماعز فالضّأن فالبقر فالدّوابّ ( ت.ن. 2: 7: 4). وذكر كاتون الأزبال في عدّة مواضع ودون ترتيب عامّ: 2: 3 إخراجها، 5: 8 كومتها، 7: 3 تسميد الرّمّان بزبل #وبول الخنزير، 10: 1 نقلها، 29 كيفيّة ووقت استخدامها، 33: 3 طمّها مع ثفل العنب في أصل الكرمة، 36 نشر زبل الحمام والماعز والضّأن والبقر وغيرها ( وغريب أنّه لم يذكر زبل الخنزير هنا، وقدّم استخدامات هامشيّة له فقط 7: 3 و102 مع أنّه ذكر تمليح لحمه 162 وتقديمه ذبيحة تكفير 139 أو تبريك 141، وراعي خنازير 10: 1)، 37: 2 الأتبان، 39: 1 العناية بها، 48: 2 استخدامها في المشتل، 61: أهمّيّة التّزبيل، 114: 1 الأرمدة، 151: 2 تسميد السّرو ببعر الماعز والضّأن، 161: 4 تسميد الهليون ببعر الغنم ( وكذلك غسل الزّيتون من الزّبل والوحل 65: 1، غمس الخشب في ماء وزبل لجعله أكثر مرونة 31: 1). ويوحي استخدام 3 حمير لنقل الزّبل بكمّيّات كبيرة، لكنّه لم يوضّح مصدرها إذ لم يشر إلى تربية حمام ولا قطيع ماعز أو بقر أو خنازير.

3- #ذكر وارّون مرّة أخرى، في فصل تربية الحمام، تفضيل البعض زرقه على بقيّة الأزبال ( 3: 7: 5)، ولم يعلّق على غياب زبل الخنزير من ترتيب ديونسيوس، ممّا يوحي بأنّه لا يحبّذه، ويؤيّد ذلك تفضيله تربية الغنم على تربية الخنزير للاستفادة ببعرها ( 1: 19: 3#)، وقد يعود ذلك أيضا إلى أنّه يحفر بفنطيسته بحثا عن الجذور فيكثر المدر في الأرض ( كولوملاّ 2: 17). ولم يتحدّث فرجيليوس عن الخنزير إلاّ عرضا #( 1: : 400، 2: 72، 2: 520، 3: 255 و3: 497) خلافا للبقر والخيل والغنم والماعز وحتّى الكلاب في النّشيد 3. وأكّد كولوملاّ أهمّيّة التّزبيل فهو في رأيه يعيد للأرض خصوبتها الّتي تزعم بعض النّظريّات أنّها تفقدها تدريجيّا بطول الاستخدام، وقدّم ترتيبا مماثلا للزّبول مؤكّدا أنّ أسوأها زبل الخنزير ( 2: 14)، مع ذلك أشار به لزيادة إنتاج الرّمّان ( أشجار 23: 1، فلاحة 5: 10: 15، وكذلك ببول الخنزير لمعالجة الزّيتونة العقيم 5: 9)، بينما أكّد بلينيوس أنّه انفرد بين الكتّاب اللاّتين بنبذه 17: 6 (52)، وعرض الاختلافات حول ترتيب الزّبول دون إعطاء رأيه 17: 6 (51-52). واعتبره غ مرتياليس صالحا إن حُلّ في بول بشريّ ورُشّ على أصول الأشجار#، وأشار بذلك أنطوليوس للتّفّاح ( ج 18: 10: 3). قدّم كونتليوس ترتيبا مماثلا ( ج 2: 21): الطّيور ما عدا المائيّة، البشر، الحمير، الماعز، الغنم، البقر، الخيل والبغال، مع استبعاد الخنزير بسبب حرارته المفرطة ( "يحرق" البذور). ولم يتضمّن ترتيب بلاّديوس عذرات النّاس: "الأوّل روث الحمير ثمّ زبل الطّيور والماعز والخيل، أمّا زبل الخنازير فأسوأ الزّبول، والأرمدة جيّدة جدّا؛ لكنّ زبل الحمام هو الأكثر حرارة، وزبل بقيّة الطّيور ما عدا طيور المستنقعات، نافع" ( 1: 23-33). #أكّد ابن وحشيّة أهمّيّة الأزبال الّتي اعتبرها قثامى "ركنا كبيرا من أركان الفلاحة". وأوصى للأراضي الفاسدة "بأخثاء البقر فزبل الغزلان والحمير البرّيّة والماعز وزبل الخنازير والغنم الضّان والجواميس والخيل والحمير الأهليّة وخرو الحمام فإنّه عندنا أفضل الأزبال كلّها جملة، ثمّ الطّيور الأجاميّة، ثمّ خرو النّاس فإنّه أعدل من خرو الدّوابّ، و( زبل) الطّيور أكثر إسخانا لأنّه ألطف الأزبال كلّها... ويتلو الأزبال والأتبان الأرمدة" ( "باب ذكر عمل الأزبال الّتي تصلح بها الأرضين والمنابت والنّخل والشّجر"). وأضاف: "على ما ذكر ينبوشاد أفضل السّرقين كلّه خرو الحمام ويتلوه خرو النّاس ثمّ ساير الطّيور إلاّ طيور الماء فإنّها من الحيوانات كثيرة الرّطوبة جدّا مع البرد أيضا، ثمّ زبل الماعز فالضّان فروث الحمير فأخثاء البقر، والثّامن زبل الخيل والبغال، ثمّ يتساوى ما بقي. وللدّماء قوّة عجيبة". وذكر أنّ طامثرى الكنعانيّ يجيز استخدام زبل الخنزير، مع اعتباره أسوأ من روث الخيل والبغال، لكنّه استبعده لأنّه "شديد الإحراق لأصول الشّجر والنّبات كلّه"، ثمّ ناقش فكرة استخدامه مع أزبال أخرى كالخمير وردّ بأنّه بالأحرى كالسّمّ فلا ينبغي استخدامه. وليس قوله إضافة إسلاميّة، فقد ذكر في مواطن عديدة أمورا تخالف الإسلام، كتفضيل لحم الخنزير. ونجد ترتيبا شبيها عند الأندلسيّين والنّابلسيّ الّذي كتب: "وزبل كلّ الطّير نافع إلاّ الإوزّ وطير الماء فرديّ إلاّ إن خُلط بغيره. وقيل زرق الطّير سمّ قاتل للنّبات إلاّ زرق الحمام وأضرّها طير الماء والدّجاج والإوزّ وأجوده زرق الحمام، ثمّ زبل النّاس فالحمير فالمعز فالضّأن فالبقر فالخيل والبغال أخسّها". وقد جعل جلّ الكتّاب روث الخيل في المرتبة الأخيرة ( ودون ذكر السّبب#، مثلا كونتليوس ج 2: 21: 9)، لكنّ ابن العوّام ذكر مدح "كسينوس" له ( 2: 0)، وأشار به للأترجّ ( 7: 29)، وللقرع ( مخلوطا مع روث حمير وبغال 25: 7) وذكر أنّه يعطي مع زبل البقر سمادا مركّبا جيّدا لبعض الغراسات. #كما ورد في نصّ من جيوبونيكا منسوب إلى بارون ( لكن لم يرد ما يشبهه في فلاحة وارّون) علاج الأرض المالحة بخليط من روث الخيل وخثا البقر لحلاوتهما ( ج 2: 23).

4- أشار كتّاب بزبل الخنزير واستبعده آخرون بسبب الحرارة #( ككونتليوس ج 2: 21: 8 رغم أنّها مع الرّقّة سبب تفضيل زرق الحمام)، وفي أيّامنا يستخدم مواطنو جزيرة نارو الصّغيرة في المحيط الهادي قبالة سواحل بيرو ذرق الطّيور البحريّة ويبيعونه. يوحي ذلك بأنّ لهذا التّرتيب إلى جانب الأسس الموضوعيّة أسسا ثقافيّة.

   مثلا قد يعود استقذار زبل الإوزّ #إلى عاداته الغذائيّة المقرفة فهو لا يعفّ عن شيء ( من صراصير وخنافس وثعابين، وتلك مزيّة في نفس الوقت) وإلى إفساده فهو عدوّ للفلاّح ( فرجيليوس 1: 119، كولوملاّ نقلا عن كلسوس 8: 13: 2، بلاّديوس 1: 30: 1) "يقضي الصّيف يلتهم التّمور والشّتاء يلتقط البذور" حسب نصّ تعليميّ مصريّ. مع ذلك كان المصريّون يقدّسونه ويقدّمونه لأمّون، لذلك عجب هيرودوت من أكل الكهنة له #( وفعلا تخبرنا كتابة هيرغليفيّة أنّ الفرعون "الأثيوبيّ" أوسُركون1 من الأسرة 22 خصّص لمعبدين إوزّة يوميّ)، وعلى قبور بطيبة صورة لقطيع من الإوزّ ومشاهد لذبحه وتوظيبه. ولخوفه الشّديد كان يُستخدم لحراسة الحصون والقصور وهو في ذلك أفضل من الكلب كما أكّد كولوملاّ ( 8: 13: 1) وكما تبيّن حادثة إوزّ الكابتوليوم ( ليويوس، كولوملاّ 8: 13: 3، بلينيوس 10: 26 (51) و29: 14 (57)). #وتتطلّب تربيته توفير الماء ( وارّون 1: 13: 3، كولوملاّ 1: 6، 8: 13: 3، كونتليوس ج 14: 22: 1، بلاّديوس 1: 30: 1) في شكل حوض إن لم توجد الأنهار والغدران والتّرع، الّتي تتوفّر في مصر لكنّها نادرة في إفريقية وكذلك في فينيقية كما يبيّن عدم ذكره في الكتاب المقدّس، حتّى أنّ حكمة أمنموفت# الّتي تطابق بيئة مصر: "إنّ الأغنياء صنعوا لأنفسهم أجنحة كالإوزّ وطاروا إلى السّماء" #( تعليم 10: 4-5 (177-178)) نُقلت في أمثال 23: 5 مع استبداله بالنّسر المعروف أكثر في فلسطين: "إنّ الغنى قد صنع لنفسه جناحين وطار كالنّسر في السّماء". #وهناك بين آثار مدن من ساحل فينيقية وفلسطين ( كوميدي، راس شمرا، مجدّو...) عاجيّات ( عُلب زينة، صفائح محفورة) من الألفيّتين 2 و1 فيها صور إوزّ لكنّها في الحقيقة تقلّد الفنّ المصريّ وتعود إلى فترات التّأثير المصريّ القويّ في السّاحل الآسيويّ ( وفي صفيحة من مجدّو يُرى طير شبيه بالإوزّ الّذي يُرى في بعض مشاهد القبور في مصر تحت كراسيّ الأكابر أو طائرا بين أيديهم كما في المثل لكنّه ليس إوزّا ( وفي الأدب السّومريّ مثل يشبّه الغنى بالطّيور المهاجرة لسرعة زواله، ألستر 1: 18). #وكان موجودا في بلاد الرّافدين حيث كان رمز باو إلهة أور وزوجة ننورتا. وقد عرفه اليونان قبل الدّجاج وذكره هوميروس دون الأخير #( في حلم بنلوبي في الأوديسة 19: 533-552)، وهو في أدبهم القديم أنيس للنّساء. ويوحي بقدمه ذكره في أسطورتي هركينة وبرسيفونة، وليدة/نيميسيس/هيلينة#. وتعود حادثة الإوزّ في تاريخ رومية إلى ح 390 ق م. #ويلاحَظ استخدام الكتّاب اللاّتين كلمة hara لحظيرة الخنازير وأقنان الإوزّ ( وارّون 2: 4: 13 و3: 10: 4، كولوملاّ 7: 9: 4-14 و8: 13: 3، 8: 14: 6، بلاّديوس 1: 30: 2)، واسمها باليونانيّة chenoboskion أي #مرعى الإوزّ ( وارّون 3: 10: 1، كولوملاّ 8: 14: 1، فلورنتينوس ج 14: 22: 1).

   كما قد تفسّر استبعاد الخنزير تقاليد فينيقيّة وساميّة ( ناهيك عن استقذاره لعاداته الغذائيّة وتمرّغه في الوحل الّذي ذكره عدّة كتّاب: أرسطوطاليس تا.ح. 8: 6، وارّون 2: 4: 5 و2: 4: 8، كولوملاّ 7: 10: 6، بلينيوس 8: 77 (207)، بلاّديوس 3: 26: 3#- ومثل لأحيقار س33: 114/آ7: 27 وآخر سومريّ: ألستر 8 Sec A5). ففضلا عن الشّريعة اليهوديّة أكّد لقيانوس ( الإلهة السّوريّة) استنكاف السّوريّين منه وسوزومين الغزّيّ نفس النّظرة عند السّاراكينوي ( أي العرب)، وسترابون تربية كلّ المواشي في اليمن سوى الخيل والبغال والخنازير. ولم يكن الامبراطور السّوريّ الأصل إلاجبل Elagabal- الّذي شجّع وحوّر عبادة بعل في سورية وأدخلها إلى رومية- يأكل الخنزير ( ديون كسّيوس 79: 11: 1-3 وهيرُديانوس 5: 5: 3-10). وفي أسطورة أدونيس الفينيقيّة الأصل قتل خنزير برّيّ ذلك الشّابَّ والإله رمز دورة الحياة النّباتيّة. وفي العراق حيث #كان الخنزير طعاما عاديّا في زمان سومر وظلّ يربّى حتّى الفترة البابليّة الحديثة ( إذ توجد بقايا منه في إيسين مثلا) تُظهر النّصوص المسماريّة أنّه كان مسترذلا ( كما نرى في المثلين السّومريّين اللّذين نشرهما ألستر 8 أ5 و9 أ13 عن قذارته وعاداته الغذائيّة المقرفة). كذلك كان المصريّون يربّونه ( وقد عُثر على عظام خنازير من شتّى فترات تاريخهم) لكنّهم يعتبرونه نجسا ( هيرودوت 2: 47)، ويستعملونه مثلا لدوس الأرض بأظلافه بعد بذر الحبوب إثر فيضان النّيل ( كما يُرى من مشهد على إحدى مقابر طيبة من عصر الدّولة الحديثة، هو من مشاهد قليلة صوّرت الخنزير عندهم، وكما ذكر هيرودوت 2: 14 وبلينيوس 18: 47 (168)، وتوحي ملاحظة سترابون 1: 36 عن استخدامهم حيوانات لطمّ البذور). وربّما كذلك لأكل الجذور والحشائش الّتي تظهر بعد فيضان النّيل، وكان يؤكل مرّة واحدة في السّنة في عيد إله الخمر حسب إليانوس، لكنّ شهادته تخصّ العصر الهلّينستيّ حيث وُجدت في مصر جالية إغريقيّة هامّة. كذلك لم تكن نساء برقة يأكلنه ( هيرودوت 4: 186). #وعظام الخنازير نادرة من النّيل إلى بابل بعد ق 10 ق م، وربّما وُجد قليل منها في بعض مدن فلسطين الّتي يرى البعض أنّ أقوام البحر سكنوها. كذلك يرجَّح أنّه كان يوجد عند البونيقيّين، إذ كانت تتواجد معهم جاليات تأكله كاليونان والإترسك والأناضوليّين في إفريقية وصقلّية والإيبريّين في إسبانية، وهو قربان ديميترة الّتي عُبدت منذ بداية ق 4 ق م،# ولم يصل استنكافهم منه حدّ التّحريم المطلق، كما تدلّ مثلا نقيشة في معبد إشمون بطبربة توصي بالامتناع عن لحمه 3 أيّام قبل دخول المعبد. وأنّهم كانوا يصطادون الخنزير البرّيّ ( ومع أنّ بلينيوس نفى وجوده بإفريقية، رُسم على لوح فسيفساء من العصر الرّومانيّ مشهد لصيده، وما زال يوجد إلى اليوم في الشّمال). على أيّة حال لا تبدو تربية الخنزير والإوزّ موافقة تماما لبيئة إفريقية، فكلاهما بحاجة إلى ماء كثير للشّرب وللسّباحة ( كولوملاّ: 7: 10: 6 و7: 13: 3). #ويبدو أنّ كتب الفلاحة لم تول الخنزير اهتماما يناسب أهمّيّته الاقتصاديّة، وربّما يعود ذلك إلى اعتمادها الكبير- على الأقلّ في البداية- على ماغون.

   أمّا الحمام فكان القرطاجنّيّون يربّونه ( وذكر وارّون نوعا بونيقيّا من التّماريد 3: 7: 3) ولا يأكلونه، شأن الفينيقيّين وسكّان سورية لقداسته عندهم ( لوقيانوس: الإلهة السّوريّة 31-32)، وعُثر على تماثيل له في كريت تعود إلى العصر المينويّ وفي سوسة شرقا، وأسطورة تحوّل سميراميس إلى حمامة ذات دلالة ( ديودوروس 2: 20)، وهو رفيق عشتار ومن رموز تانيت إلهة قرطاج الكبرى ( مع القمر والنّخيل والعنب وربّما الرّمّان، وكلّها ذات أهمّيّة في فلاحة ماغون). وهو طير أفروديت/فينوس الّتي كان اليونان والرّومان يعبدونها في قبرص وكوثرة وجبل إركس Eryx في صقلّيّة حيث كانوا يقدّمون لها في العصور المتأخّرة قرابين من الحمام ( بروبرتيوس 4: 5: 62)، وكلّها أماكن تحمل تأثيرا فينيقيّا. وله قداسة عند شعوب ساميّة أخرى كالعرب ( فربّما رمزوا به لإحدى الإلهات في الكعبة) واليهود ( كما في قصّة نوح الّتي تشبه تقاليد سومريّة وبابليّة، وفي ذبائح إبراهيم تك 15: 10، ونشيد الأناشيد حيث شُبّهت الحبيبة بالحمامة، وكان من الذّبائح عندهم ويقدَّم في طقوس تطهّر) وفي الأدب المسيحيّ ( كرمز للرّوح القدس الّذي نزل على يسوع عند تعميده، والّذي كان يطعم العذراء، ولها هي ذاتها) وفي التّراث الإسلاميّ ( حمامة غار ثور، الحمامة المطوّقة، طوق الحمامة، عينيّة ابن سينا ورسالة الطّير، تغنّي عدّة شعراء ومطربين به، #انظر كذلك ابن العوّام 34: 1). وقد يعود تفضيل زبله إلى هذه القداسة فضلا عن مزاياه الحقيقيّة كواحد من أخصب الأسمدة للحدائق، فهو أسخن وأفضل الأزبال ( فلورنتينوس ج 14: 1)، يصلح الأرض الرّطبة المالحة والمرّة ( كولوملاّ 2: 9) ويقتل الحشرات ( #فلورنتينوس 10: 90: 3، ديديموس ج 12: 4#: 1، ابن العوّام 14#: 0 نقلا عن #مهراريس وقسطوس و23: 0-1#، النّابلسيّ الّذي أكّد نجاعته ضدّ الدّود والأرضة) ويُستخدم في الطّبّ #( بلينيوس 30: 33 (107) و41 ( 120)، كلسوس، السّويديّ، الخ) والبيطرة ( الحصر حسب أبسرتوس ج 16: 13، القداد عند أنطوليوس: #ه 45: 4، الانتفاخ عند أبسرتوس وهيرقليس: ه 46: 1و2، الكسور حسب هيرقليس: ه 99: 2). وقد استُخدم في مصر خاصّة في عصر البطالمة والرّومان حيث انتشرت تربيته في قراها (# Rostovtzeff)، ربّما لأنّه أرخص أنواع التّرف في المأكل ( ولا أدلّ على ربحيّته آنذاك من فرض أغسطس ضريبة على تربيته). وعدّد فلورنتينوس ج 14: 1 فوائده: زبله، وسرعة تكاثره إذ تبلغ دورته التّناسليّة 40 يوما ( كما ذكر وارّون أيضا أو 8 حضنات بالسّنة حسب كولوملاّ بل 10-11 حسب أرسطوطاليس وبلينيوس 10: 74 (147) و12 في مصر حسب ابن العوّام 34: 1)، ولحم فراخه الّذي يعيد للمرضى صحّتهم و"لا يمضغ النّاس شيئا أطيب منه ولا ألذّ" ( ابن وحشيّة)، وبحثه عن القوت بالخارج فيما عدا فترة الشّتاء؛ وذكر أفريكانوس ( ج 14: 3) وبلاّديوس ( 1: 24: 2) جلبه حماما برّيّا معه إلى أبراجه، وبلينيوس فوائد لحمه وزرقه الطّبّيّة ( 29: 26 (81) و30: 22 (70)). وأكّد ابن حجّاج أنّ "الحاجة إلى اقتنائه واتّخاذه شديدة في الفلاحة لما في زبله من المنفعة لجميع الثّمار والأرضين، ولا غنى عنه ولا عوض عنه، ويسيرُه يُغني عن كثير غيره. وفيه رفق عظيم ومنافع جمّة. وهو أشبه الحيوان أفعالا بالإنسان في دعابته لزوجه وطلبها وتقبيلها ومسارّته لها عند السّفاد" ( كما ذكر أرسطوطاليس، بلينيوس 10: 52 (104) و79 (158) الخ). #وفيما عدا الاستفادة من زرقه كان الفينيقيّون يستخدمونه لاستكشاف الأرض مثل اليونان حسب دانيال هاغ ( Haag-Wackernagel: Die Taube, Schweiz 1998).

4- فيما عدا زرق الحمام للجنائن، لم يكن المصريّون بحاجة إلى أزبال للحقول، إذ كان يغنيهم عنها طمي النّيل الغنيّ بالموادّ العضويّة، #والظّاهر أنّ الفلاّحين كانوا يجمعونها لاستخدامها جلّة ( ربّما لأنّ الفلاّح المصريّ يكره قطع الشّجر، ولأنّ مصر تفتقر إلى الحطب) وهي عادة توجد حتّى في بيئة أكثر حطبا ( حزقيال 4: 12 و15، ثيوفرستوس: في الأحجار 69 استخدام أخثاء البقر لشيّ الكلس في فينيقية)، من هنا ملاحظة هيرودوت عن جمعهم الفضلات ( 2: 136)، ويرجَّح أنّ ذلك استمرّ في العصر البطلميّ فقد ظلّ مصريّون يفلحون الأرض وفق صيغ قانونيّة شتّى، #وهذا يثير الشّكّ في صحّة نسبة ابن العوّام بعض وصفات التّزبيل إلى ديمقريطس أي بولوس إلاّ إن افترضنا أنّه لم يقتصر على بيئة مصر أو أنّ الأدب الفلاحيّ الدّيمقريطيّ استمرّ في التّوسّع بعد بولوس.

5- مع هذا التّرتيب العامّ آثر كتّاب الفلاحة أزبالا معيّنة لحالات معيّنة. ففضّل ديونسيوس لأراضي المرعى دون الزّرع روث الحصان لأنّه ينبت حشائش ( وهي فكرة نسبها بلينيوس 17: 6 (54) إلى وارّون الّذي نسبها إلى ديونسيوس الّذي أخذها على الأرجح من ماغون #إذ نعلم أنّه اهتمّ بأمراض الخيل وبتربيتها من ثمّة حتما بروثها)، ولاعتبارات مماثلة فضّل كاتون للهليون بعر الغنم 161: 4، وكولوملاّ للجنائن زبل الحمير فالخيل فالغنم. وذكر ابن العوّام تحبيذ بعر الغنم والماعز للأرض الحلوة وخثا البقر للأرض البيضاء حسب يونيوس ( 2: 0) والرّماد للبقول حسب كسيوس وقسطوس ( 2: 8) وكراهة عذرات النّاس للزّيتون ( 7: 1) حسب قسطوس ويونيوس وديمقراطيس وكسيوس ( كسينوس عند ابن حجّاج، وهو رأي ديديموس في ج 9: 15)#، وأشار بأزبال مختلفة لأشجار مختلفة ( 11: 1). #كذلك حبّذ كسيوس للبقول الرّماد فزرق الحمام فبعر الغنم وما سواه من الأزبال ( ابن العوّام 2: 8)، ويشبه رأيه ما كتب ديديموس ( ج 12: 4). #كذلك تختلف حاجة الأشجار إلى الأزبال، #وقد جاء في الفلاحة النّبطيّة وعند النّابلسيّ مثلا أنّ هناك أشجارا لا تحتاج إلى تزبيل وأخرى يضرّ بها بل قد يهلكها الزّبل.

#6- يرتبط استخدام الأزبال بالفلاحة المندمجة الّتي #دعا إليها ماغون. وقد أشار كتّاب الفلاحة كذلك باستخدام موادّ نباتيّة وغير عضويّة لتسميد الأرض #تعوّض عن الزّبول إن لم تكن في المزرعة ماشية أو دواجن. من ذلك الأتبان خاصّة قشّ التّرمس والفول وقلب النّباتات ( إكسينوفون: تدبير 16 عن ممارسة الفلاّحين في مقدونية، ثيوفرستوس: ت.ن. 8: 9: 1 مع ذكر تسّالية كذلك، كاتون 37: 2، وارّون 1: 23: 3، كولوملاّ 2: 10: 7 و2: 14، بلينيوس 17: 6-7 (54-56)، قسطوس حسب ابن العوّام 18: 0 الخ)، وهي فعلا سماد جيّد يمدّ النّبات بالنّيتروجين. ومن قبيله الطّحالب البحريّة ( الّتي أشار فلورنتينوس ج 2: 22: 2 وبلاّديوس 1: 33: 2 بغسلها وخلطها بالأزبال- وتلك من الإشارات العديدة في كتب الفلاحة القديمة إلى بيئة ساحليّة). ومن ذلك أيضا ثفل العنب والخمر، والأرمدة والجير والتّربة المجلوبة من مكان آخر ( كولوملاّ نقلا عن ماغون وعن عمّه، ابن وحشيّة) وحتّى قذر الدّباغ من حمأة الدّبّاغين ( فلورنتينوس ج 2: 22: 1، ابن وحشيّة)، ومياه الأمطار الجارية في الطّرق بما تحمل من طمي إذ تُخلط مع الأزبال فتكون سمادا جيّدا ( فلورنتينوس ج 2: 22: 3، بلاّديوس 1: 33: 2، ابن وحشيّة، وأكّد إكسينوفون أنّ الموادّ الّتي توجد في المياه الرّاكدة تصير سمادا: تدبير 20). #وهناك شهادات على بيع وشراء الأزبال بما فيها عذرات النّاس في بعض البلدان ( مثلا في العراق في العهد العبّاسيّ كما ذكر د عبد العزيز الدّوريّ في "تاريخ العراق الاقتصاديّ في ق 4 ه، وكما يستفاد من الدّلائل والاعتبار في الخلق والتّدبير للجاحظ). ومن الأساليب الطّريفة في استخدام الزّبل بالنّسبة للزّراعات السّقويّة خلطه بالماء في قنوات الرّيّ كما جاء في "الفلاحة النّبطيّة" ( وهو أسلوب يُتّبع اليوم في الزّراعات بلا أرض Hydroponics).

2-3-5 البغلة تلد في إفريقية 2: 1: 27

    ( قسّم وارّون المولع بالتّصنيف المنطقيّ أصناف الحيوانات الّتي تربّى في الضّيعة إلى 3 مجموعات تضمّ كلّ منها 3 أنواع، وتناول 9 جوانب تتعلّق بتربية كلّ منها أحدها التّناسل. وفي حوار حول تربية البغال، أشار إلى أنّ الأمور مماثلة فيها لتربية الخيل باستثناء النّزو والولاد#. فردّ محاوره واكّيوس:) الولاد#؟ ألم نسمع أحيانا أنّ بغلة ولدت في رومية كذلك؟ وأضيف تأييدا لذلك أنّ ماغون وديونيسيوس #كتبا أنّ البغلة والفرس لمّا تحملان تضعان في الشّهر الثّاني عشر. لذا إن كانت ولادة بغلة هنا في إيطالية من العجائب فليست كلّ البلدان على رأينا.

ملاحظات:

1- اهتمّ البونيقيّون بتربية البغال المعروفة بقدرتها على الأعمال الشّاقّة ( بلينيوس 8: 69 (171))، وربّما استخدموها في الأعمال الّتي لا تقوى عليها الخيل كحمل الأثقال والتّنقّل في الأماكن الوعرة وحراثة الأراضي الصّلبة #وإن كانت المناطق الّتي استقرّوا فيها سهلة في الغالب. #كتب السّلطان المجاهد: "والبغال لا خير في ركوبها إلاّ في الوعر والعقاب والجبال والسّير الرّقيد الهيّن، وهي أقوى وأصلب حوافر لا تعرف الحفاء ولا تحتاج إلى النّعال، وهي للحمل أقوى من السّروجيّات وأصبر على الكدّ" ( الأقوال الكافية 6: 1). #كانت صور تستوردها من توجرمة ( أرمينية) وتتاجر بها ( حزقيال 27: 14). وكانت الأمم الشّرقيّة تستطيب ركوبها ( مل2 2 13: 29 و18: 9 ومل3 1: 33أبناء داود، 10: 25 هدايا "ملوك الأرض" لسليمان، 18: 5 أحآب، أستير 8: 10 و14 رُسل ملوك الفرس، أشعيا 66: 20، مز 31: 9، قرآن 16: 8، بغلة الرّسول)- فضلا عن استخدامها لحمل الأثقال ( مل4 5: 17، أخ1 12: 40، عزرا 2: 66)- وإشارات العهد العتيق إليها غريبة لأنّ الدّين اليهوديّ لا يبيح التّهجين ( أحبار 19: 19) وإن لم يمنع استخدام الهجائن. وعند اليونان والرّومان كان ثمنها يفوق ثمن الخيل المعدّة لأعمال الضّياع ( بلاوتوس: "القِدر الذّهبيّة" Aulularia 494 اقتباسا من مينندر على الأرجح). #أمّا في مصر- حيث يسهل نقل الأحمال بالحمير وقيمة البغل دون الحصان- فيبدو أنّها كانت قليلة كما تبيّن ندرة الإشارات الأدبيّة إليها والرّسوم الّتي تظهرها: منها رسم على قبر بالسّقّارة يعود إلى المملكة القديمة ( الألفيّة 3) تُرى فيه بغال تدرس سنابل، وآخر بطيبة لموظّف يدعى نبامون  يعود إلى السّلالة 18 يُرى فيه هجينا حصان وأتان يجرّان عربة، ورسالة من عهد رمسيس2 كتبها فنحسي من منف أشار فيها ربّما إلى بغال ضمن ممتلكات معبد أمون بطيبة في الشّمال. #وكثيرا ما كان نسب البغل موضع التّندّر ( كما في المثل الأكّديّ عن الحصان الّذي أوصى الأتان إذ نزا عليها أن تلد مهرا مثله لا جحشا حمّال أثقال، والسّومريّ ألستر UET 6/2 233 الشّبيه بخرافة ببريوس ولافونتين الّتي ترجمها الأب نقولا أبوهنا المخلصيّ "البغل يفاخر بنسبه" وروى أفلوطرخوس في "مأدبة الحكماء السّبعة" على لسان إيسوب خرافة شبيهة بها عن بغل "ليديّ"، ويقول مثل من تونس: "قالوا للبغل من أبوه فقال: خالي الحصان"، وآخر من المغرب الأقصى: "البغل العاقل لا يفتخر بنسبه").

2- العقم أهمّ عيب في البغال ( خاصّة الإناث#- وجاء في ذمّ بعضهم للبغل كما روى السّلطان المجاهد: "هو عقيم الصّلب")، فهو ينقص مردودها الاقتصاديّ ( وارّون 2: 8: 2) ويحدّ من التّهجين، ويعود إلى عدد الصّبغيّات ( 31+32 مقابل 32+32 للحصان و31+31 للحمار)، لكنّ بعض الاختصاصيّين يؤكّدون أنّها تلد في حالات نادرة. #والتّوالد معيار التّصنيف العلميّ الحديث للأنواع- ولا تفنّده إمكانيّة التّهجين بين نوعين متقاربين لأنّ الهجائن تكون عقيمة ( خلافا لنتاج سلالتين من نفس النّوع كصنفين من التّفّاح أو من البقر). ولم يفهم القدماء سرّ عقم بعض الهجائن. كتب هيرودوت مثلا: "البغال لا تتوالد في إيليس مع أنّها ليست بالمكان البارد، والنّاس هناك يعلّلون هذه الظّاهرة بلعنة نزلت بالبغال" ( ك4). وكتب أفلوطرخوس: "يرى ألقماون أنّ الذّكور من البغال لا ينتجون من قِبل رقّة منيّهم وبردٍ فيه؛ وأمّا الإناث فمن قِبل أنّ أرحامهنّ تكون غير متفتّحة. ويرى أنباذقليس أنّ ذلك من صغر أرحامهنّ وانخماصها وضيقها ولاعوجاجها وأنّ وضعها كالوضع للبطن أنّ المنيّ لا يصير إليها على استقامة ولا يبلغ الموضع الّذي يُحتاج إليه فيه. ويشهد ديوقليس بأنّه قد رأى في تشريح البغال أرحاما على هذه الصّورة. وقد يمكن أن تكون النّساء عقّرا لمثل هذه العلّة" ( الآراء الطّبيعيّة، المقال 5). وأكّد أرسطوطاليس أنّ التّهجين ممكن فقط بين نوعين متقاربين ولا يختلفان كثيرا بالشّكل والحجم وفترة الحمل. وفي تا.ح. 6: 24 577 كتب: "البغل مهيّأ لمسافدة الأنثى بعد بزوغ أسنانه، وفي سنّ السّابعة يلقّحها وحيثما يسافد فرسا من المعروف أنّ هجينا يدعى innos يولد من العمليّة. وقد عُلم أنّ بغلة لُقّحت لكن دون أن يصل الحمل إلى الوضع. وفي سورية وفينيقية تلقّي إناث البغال للذّكور وتلد صغارا لكنّ الصّغير رغم شبهه بالبغل العاديّ مختلف عنه وله خصوصيّته. تلد الفرس البغل النّاقص القامة لمّا تمرض أثناء الحمل، ويطابق ذلك القزم في النّوع الإنسانيّ." لكنّه أكّد في "تولّد الحيوان" 2: 7 746: "والمثل السّائر حول ليبية ( أي #شمال إفريقية)، القائل بأنّ ليبية تأتي دوما بالجديد، أصله على ما يقال أنّ الحيوانات من مختلف الأنواع تتسافد في تلك البلاد، لأنّها بسبب البحث عن الماء تلتقي في أماكن قليلة توجد فيها ينابيع فلذلك تتسافد حتّى أنواع مختلفة. وكلّ الحيوانات الّتي تولد من ذلك السّفاد إلاّ البغال تتّحد بدورها وهي قادرة على إنتاج صغار من الجنسين، لكنّ البغال وحدها عقيمة". وقد يعود الاختلاف بين النّصّين إلى عامل الزّمان أو إلى أنّ تلاميذ مختلفين جمعوا دروسه أو إلى تعديلات لاحقة. #وأشار إلى نوع من البغال البرّيّة تلد توجد في سورية ( تا.ح. 6: 36 580ب) لكنّها نادرة، ويبدو أنّها سلالة كالأخدريّ #أو الفرإ onager، وقد انقرض هذا الحيوان لكنّه استُخدم في بلاد ما بين النّهرين كالحصان في الأعمال الفلاحيّة في الألفيّة 2 ق م #وذُكر في تعاليم شربّاك وفي قصيدة وُضعت على لسان شولجي عن رحلته من أور إلى نفّر وفي عدّة مواضع من ملحمة غلغامش وملحمة الطّوفان البابليّة، وعُثر بتلّ عقرب على تمثال نحاسيّ صغير لملك سومريّ على عربة يجرّها 4 فراء يعود إلى الألفيّة 3). وذُكر اليحمور في ملحمة بعل وعنات ( 6: 1: 29)، وتُظهر نقوش على البلق في نينوى تعود إلى أشوربانيبال ( ق 7) مشاهد صيد للحمر الوحشيّة الّتي ذكر إكسينوفون ( صعود 1: 5) وجودها في بلاد الرّافدين في ق 5 وكذلك دانيال 5: 21 ( لكنّ السّفر كُتب في غير عصر ومسرح الأحداث المرويّة فيه) والفلاحة النّبطيّة ( ولا ندري إن كانت لا تزال موجودة في العراق في عصر ابن وحشيّة). وكانت توجد كذلك في شمال الجزيرة العربيّة وارتبطت بالبرّيّة والصّحراء في العهد العتيق حيث ذُكرت خاصّة في سفر أيّوب ذي الأصل الأدوميّ/الأراميّ ( 6: 5، 11: 12، 24: 5، 39: 5-8)، وفي مز 103: 11، أشعيا 32: 14، إرميّا 2: 24 و14: 6، هوشع 8: 9). وذكرها القرآن ( 74: 50). #في الجنوب ذكر السّلطان المجاهد وجود قليل منها في بعض نواحي اليمن، لكنّها كانت تأتي خاصّة من مقديشو ( الصّومال).

3- #أورد كولوملاّ خبر ولادة البغلة في إفريقية وأسنده إلى وارّون وديونسيوس وماغون ( 6: 37: 3). وكتب بلينيوس ( 8: 69 ( 173-174)) أنّ هجين نوعين مختلفين كالخيل والحمير ( حمار وحجْر أو حصان وأتان) لا يلد، لكنّ ذلك حدث في إيطالية مرارا وهو ظاهرة شاذّة تنبئ بكوارث. ونقل عن ثيوفراستوس حدوثه بمرأى من الجميع في كبّادوقية، وخصوبة هجين الأتان والأخدريّ، وأكّد وجود الأخير خاصّة في فريجية وليقأونية، وفي إفريقية حيث لحمه مرغوب ( 8: 69 (171-175))؛ وأورد المثل اليونانيّ القائل بأنّ إفريقية تأتي دوما بالجديد ( 8: 17 (42)). ومع ولعه بالطّرائف لم يورد ما نقل وارّون وكولوملاّ عن ماغون وديونيسيوس. وأشارت كتب الفلاحة والبيطرة بإرضاع الجحش المعدّ لتهجين الخيل من حجْر حتّى ينمو جسمه ويتعوّد على عشرة الخيل ( وارّون 2: 7: 2، كولوملاّ 6: 37: 8، أبسرتوس: ه #13: 8، أو ج 16: 21)، وفضّل كولوملاّ أن يتمّ ذلك بنتاج أتان وأخدريّ فيرث الهجين قوّة وطباع الأخدريّ دون وحشيّته ( 6: 27: 4، ورأى وارّون 2: 6: 3 وأبسرتوس ج 16: 21 أنّ الأخدريّ سهل التّدجين ولا يعود إلى وحشيّته الأصليّة #وربّما عنت حكمة شربّاك 48: "لا تشتر فرأً فإنّه يدوم حتّى آخر النّهار" نزوعه إلى الفرار). ويلاحَظ أنّ فرجيليوس في حديثه عن كلاب الصّيد ذكر صيد الأخدريّ الّذي لا يوجد في إيطالية ( 3: 409)- لكنّه كان يُستورد إليها في عصره فقد ذكر بلينيوس أنّ لحم الجحش كان مفضّلا على لحمه في أيّام معاصره ميكيناس قبل أن يستهجنه الرّومان ( 8: 68 (170)- وورد كذلك في "المنصوريّ" أنّ كثيرا من النّاس يستطيبون لحمه ويجدون فيه طعم لحم الدّرّاج" 8 116ب، وذُكر في خرافة إيسوب "الأسد والحمار"، وهو لا يوجد باليونان ولا بالهند الّتي يردّ البعض إليها خرافاته). وبدا القزوينيّ في "عجائب المخلوقات" متردّدا حول ولادة البغلة وأكّد أنّ المنيّ لا يعلق أو أنّها تلد وتموت.

4- في كتب القدماء أخبار غريبة عن توالد الحيوان، كبيض الدّيك وتلقيح الرّيح للبيض ( ت.ح. 6: 2)، وللأفراس ( هوميروس: إلياذة 16: 150-151 و20: 223-224، وارّون 2: 1: 19، فرجيليوس 3: 272-279، كولوملاّ 6: 27: 7، بلينيوس 8: 47 (166))، وتلقيح الحجلة من صوت الذّكر ( وارّون 3: 11: 4)، والتّولّد التّلقائيّ ( تا.ح. 5: 1 الخ). وعن التّهجين بين حيوانات مختلفة كالجمل والخنزير #( فلورنتينوس وديديموس ج 16: 22)، #أو الجمل والفهد ( فلورنتينوس ج 16: 22: 8)، وشيل الفرس على البقر ( النّاصريّ 2: 9)، الخ.

5- ذكر وارّون مع ماغون مترجمه الّذي أيّد #قوله. وهذا يعطينا فكرة عن بعض إضافاته إلى المؤلّف الأصليّ.

 

تابع