ماغون القرطاجنّيّ

 

شذرات في الفلاحة

 

2- شذرات من المؤلّفات اللاّتينيّة

 

حواش 

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 2-3-6 تربية الأبقار 2: 5: 18

   حول صحّة ( قطيع الأبقار) توجد عدّة تعليمات منسوخة من كتب ماغون أحرص على أن يقرأ سائس قطيعي شيئا منها بانتظام. ( وواصل: العدد الأمثل من الثّيران والأبقار أن يكون هناك ستّون من أبناء حول واحد ومثل ذلك من أبناء حولين. وعند البعض عدد أكبر أو أصغر).

ملاحظات:

1- يُظهر النّصّ انتشار ترجمة مؤلّف ماغون اللاّتينيّة أو اليونانيّة ( إذ كان سوّاس القطعان والوكلاء غالبا يونانا) في عصر وارّون، وأهمّيّة تربية الماشية في اقتصاديّات الضّيعة البونيقيّة كما نرى أيضا في 3: 2: 13-14، ومن وصف ديودوروس لمزارع الوطن القبليّ أثناء حملة أغاطقليس #( 20: 8: 3-4 قطعان البقر والغنم boon agelai kai poimnai والخيل في المراعي phorbadon hippon إلى جانب البساتين والمزارع kepeiais kai phytourgiais حيث غُرست الكروم والزّياتين وشتّى الأشجار المثمرة ampelophytos, elaiophoros, karpimon dendron)، ومن الماشية الّتي غنمها ريقولوس هناك في الحرب البونيقيّة الأولى ( بوليبيوس 1: 29: 7). ويبيّن اهتمامَ ماغون بصحّة القطيع أي وقايته من الأمراض ( بفضل التّغذية والإسكان والتّنعيل والاحتياطات المتعلّقة بتشغيل الثّيران) وعلاجها كما يشهد أيضا نصّ من هبّياتريكا ( م باريس). لكن لم ترد له أو لمترجمه نصوص في طبّ البقر فيما عدا نصّين عن خصي العجول. #ولم يذكر وارّون مصدرا حول صحّة الماشية سوى كتاباته، بينما ذكر مثلا كثرة ما كُتب باليونانيّة عن تصنيع الأجبان ( 2: 1: 28، وفعلا تكثر الإشارات إلى الجبن والمصنوع من حليب الماعز خاصّة في الأدب اليونانيّ من هوميروس إلى ثيوقريطوس)، وأكّد كولوملاّ اتّفاق كتّاب الفلاحة حول كيفيّة قرن الثّيران للحرث ( 2: 2). يعني ذلك أنّ ماغون كان أهمّ مصدر في البيطرة في القرن 1 ق م. لا شكّ أنّ آخرين كتبوا قبل وارّون عن أمراض الحيوان، لكن لا بنحو منهجيّ ومركّز على حيوانات الضّيعة ( أرسطوطاليس، "ديمقريطس"/بولوس، كاتون). وهناك قرائن تدلّ على تأثير ماغون في كولوملاّ الّذي تناولها بعده بنحو منهجيّ في الكتابين 6-7، #وفي بعض كتّاب جيوبونيكا وهبياتريكا كأوملوس وأنطوليوس وثيومنستوس وفي القسم الحيوانيّ من فلاحة ابن العوّام.

2- يوحي السّياق بأنّ جلّ التّعليمات الّتي قدّمها بعد هذه الفقرة لماغون خاصّة أنّه اقتبس منه دون ذكره مواصفات الأبقار المثاليّة ( 2: 5: 7-8). لكنّ حجم القطيع الّذي ذكره ( 100-120) يعني ضياعا تمتدّ على عشرات من الهكتارات- نظرا إلى الطّابع المتكامل لفلاحة ماغون- وقد يعكس أكثر ظروف الزّراعة في إيطالية في عصره.

3- كما في نصّ شيشرون، نلاحظ هنا وفي مواضع أخرى ( 1: 36ok#، 2: 1: 23، 2: 2: 20، 2: 3: 8، 2: 7: 1، 2: 10: 10) فكرة احتفاظ سائس القطيع أو وكيل الضّيعة بتعليمات كتابيّة، وقائمة عن أمراض القطيع، خاصّة أنّ ندرة البياطرة في إيطالية في عصره كانت تحتّم تكليف الرّعاة والفلاّحين وسوّاس القطعان pastores, rustici, magistri pecorum بعلاج وتوليد الماشية، وقد فرّق بين الأمراض الّتي تقتضي بيطريّا والّتي يمكن للرّاعي علاجها ( 2: 1: 21، 2: 10: 10- وقد أشار كولوملاّ أيضا بأن يكون سائس القطيع عليما بالتّوليد 6: 3: 16). #ونجد فكرة تدوين التّعليمات ورزنامة الأعمال عند كتّاب آخرين: كفلورنتينوس ( ج. 2: 45)، وابن وحشيّة الّذي أكّد: "ينبغي لربّ الضّيعة أن يعمد إلى دفتر فيثبّت فيه لوكيله ما ينبغي أن يعمله في كلّ يوم من أيّام السّنة حتّى لا ينسى شيئا فيؤخّره النّسيان فيختلّ أمر الضّيعة بذلك ولا تترتّب الأعمال ترتيبها المستوي. والوكيل إذا أدمن النّظر صار بدربته لا يحتاج مع التّدريس الكثير إلى تذكاره" ( باب إصلاح الضّياع). وذلك يفترض وكيلا متعلّما، ولا بأس حسب كولوملاّ ألاّ يعرف القراءة والكتابة إن كانت له ذاكرة قويّة ( 1: 8).

4- #أشار وارّون بتدوين أمراض القطيع لمّا تناول الحيوانات عموما ( 2: 1: 23)، ثمّ الغنم ( 2: 2: 20) والماعز ( 2: 3: 8) والبقر ( 2: 5: 18) والخيل ( 2: 7: 16) والعبيد ( 2: 10: 10)، ولم يذكر ذلك بخصوص الحمير ولا البغال ولا الكلاب ولا الخنازير الّتي اكتفى في ما يتعلّق بصحّتها بذكر أغذية للخنانيص إن كان حليب الأمّ ناقصا ( 2: 4: 21). قد يكون إغفاله مبرّرا في حالة الحمير والبغال والكلاب فهي ليست قطعانا ( إذ تحدّث عن كلبين 2: 9: 16 للحراسة إن لم توجد قطعان تنتقل مع الرّعاة إلى أماكن بعيدة، و#ذكر أنّ قطعان الحمير توجد فقط عند التّجّار الّذين ينقلون البضائع إلى المواني في قوافل 2: 6: 5)، لكنّ الخنازير قطعان كبيرة ( 2: 4: 22). وصحيح أنّ للحيوانات أمراضا متشابهة يمكن علاجها بأدوية متشابهة ( كولوملاّ 6: 18: 2، 6: 25: 2، 6: 38: 1 و4، 7: 1: 3، 7: 5: 1 و14، 7: 7: 3-4، 7: 10: 7، 7: 13: 2، أوملوس ه #102: 3، ديديموس ج 17: 20 و19: 7، أنطوليوس ج 18: 17، بيروتيوس ج 18: 18، ثيومنستوس ج 19: 3، فيجيتيوس 3: 2 و75 و82، وقد قدّم وارّون نفسه وصفة لعلاج الحمّى صالحة لكافّة الحيوانات 2: 1: 23)، لكنّ للخنازير أمراضا خاصّة، أشار هو نفسه إلى واحد منها إذ يتضمّن بند من عقد الشّراء إعلان البائع عن خلوّ قطيعه من مرض الإسهال ( #ربّما التهاب المعي الوبائيّ enteritis أو الإصابة بالسّلمونلاّ salmonellosis)، وذكر كولوملاّ تعرّضها أكثر من بقيّة الحيوانات لأمراض الطّحال لإفراطها في الأكل والشّرب في الصّيف ( 7: 10: 8) كما تتعرّض الغنم أكثر من سواها للجرب ( 7: 5: 5). فضلا عن ذلك اقتضب وارّون وصفها رغم طول الفصل المخصّص لها 2: 4 والّذي يعود إلى توسّع في التّحاليل التّاريخيّة والثّقافيّة واللّغويّة أكثر من الجانب التّقنيّ ( ففي هذا الجانب يتساوى تقريبا مع البقر 2: 5 والخيل 2: 7 والكلاب 2: 9 ويزيد عليه فصل الغنم 2: 2 بنسبة النّصف بينما يبلغ فصل الماعز 2: 3 ثلثيه وفصلا الحمير 2: 6 والبغال 2: 8 أربعة أعشاره). حتّى الفصل الّذي خصّصه كولوملاّ لأمراضها ( 7: 10) يبدو معظمه منقولا من فصول حيوانات أخرى ( كما توحي مثلا مقارنة 7: 10: 1-3 بوصفة البقر 6: 14: 3 والحمية 6: 10: 1، أو علاج #الأورام المدعوّة بالخنازير 7: 10: 3 بوصفة أوملوس للخيل ه #16: 3، أو الإشارة عند الإصابة بالوباء بحبس القطيع في الحظيرة بما ذكر بخصوص وباء الغنم 7: 7: 1 أو مغص وحمّى البقر 6: 6: 2 و6: 9: 2، وحتّى وصفة مرض الطّحال 7: 10: 8 الّتي وردت وصفة شبيهة لها في ج 19: 7: 6 نسبها ديديموس لديمقريطس، وأخرى في ه #40: 5 للخيل تُستخدم كذلك في الطّبّ ( ج 19: 7: 6، ابن الجزّار: الاعتماد 2: 72)#. تلك الإشارات لا توازي حقّا أهمّيّة الخنزير في إيطالية #الّتي نراها مثلا في وصف بوليبيوس لقطعان الخنازير الإترسكيّة 12: 4، ووصفات كتاب الطّبخ المنسوب لأبيكيوس والآثار المتبقّية من المدن والمعسكرات الرّومانيّة حيث تتجاوز عظام الخنزير 50% من المجموع. وحتّى في جيوبونيكا نرى الفصلين المخصّصين للخنزير ( 19: 6-7) أقصر من فصول الخيل والبقر والغنم والكلاب ووردا في آخر الكتاب 19 بعد الكلاب والأرانب والأيائل، ولا تعكسان أهمّيّة الخنزير في الاقتصاد البيزنطيّ. لا يبدو الأمر غريبا إن افترضنا أنّ أهمّ مصدر في تربية الماشية في كتب الفلاحة هو ماغون الّذي لم يول الخنزير اهتماما يناسب أهمّيّته في مجتمعات مختلفة عن مجتمعه السّاميّ اللّيبيّ.

5- #لم يورد وارّون فيما عدا وصفة الحمّى المذكورة أيّة تفاصيل عن أمراض الحيوانات وعلاجها. أشار فقط إلى وجود أمراض أخرى لها أسباب مختلفة، واكتفى بجملة عامّة حول أهمّ أسبابها، وهي: "الحرارة أو البرد، وكذلك العمل المفرط أو بالعكس قلّة الشّغل، أو تقديم الطّعام والشّراب لها فور الانتهاء من الشّغل" ( 2: 1: 22). وذكر كولوملاّ مثل ذلك عن أسباب معظم أمراض الخيل ( الإرهاق والحرارة، والبرد أحيانا، وعدم التّبوّل في الوقت المناسب، أو الاندفاع إلى الشّرب وهي عارقة أو دفعها بعد طول الرّاحة إلى الرّكض بنحو فجائيّ 6: 30: 3)، وهي نفس الأسباب الّتي عرضها أوملوس ( ه #105: 3) وبحرفيّتها، وذكرها أبسرتوس كأهمّ أسباب حمّى الخيل ( ه #1: 1) الّتي ذكر كذلك أنّها تتعرّض إلى الحمّى من فرط الشّغل في ج 16: 4: 2. وحذّر ابن العوّام من سقي الدّابّة الماء أو تعليفها الشّعير على الإعياء الشّديد وبعد الرّكض الكبير لأنّ ذلك يُعقب الرّبو وكذلك النّفخ والقراقر في الجوف والتّشبيك والنّفخ في العراقيب وفساد الحوافر ( 33: 12). وأشار الملك الأشرف إلى أنّ قلع السّرج عن الفرس وهو تعبان من أثر الحرّ قد يؤدّي إلى الخنان أو الكزاز- وهو غير ما يدعى اليوم بهذا الاسم- ووقوفه في الإصطبل بلا حركة إثر التّعب أو الجري إلى التّخشّب ( 8 و25، 39). كذلك أكّد كولوملاّ أنّ الثّيران قد تصاب بالحمّى إن أُجبرت على الجري ( 6: 5: 1) ونهى عن أخذها إلى المعلف قبل أن يكفّ عنها العرق واللّهاث ( 2: 3). ولا تتعرّض الغنم والخنازير والماعز إلى أمراض بسبب العمل المفرط أو طول الجمام. يبدو إذن أنّ وارّون اقتبس الفكرة وعمّمها، وكان يمكن أن يضيف بالأحرى التّسمّم الغذائيّ بنباتات سامّة أو مخزّنة في ظروف غير صحّيّة أو بغلّة فجّة أو بابتلاع حشرات كبعض الذّراريح والعناكب.

6- دعا ماغون إلى دمج تربية الماشية بالزّراعة كنشاطين متكاملين، وذلك كان ممكنا في إفريقية على السّواحل خاصّة. وليس المقصود تربية حيوانات في الضّيعة لاستخدامها في أعمال الزّراعة كالثّيران للحراثة والحمير للنّقل، بل قطعان من الماشية وحتّى الدّواجن، وهو أمر مختلف كما أشار وارّون ( 1: 2: 20). تاريخيّا تزامنت تقريبا نشأة النّشاطين ( منذ 12-10 آلاف س)، وكثيرا ما كان الفلاّحون المستقرّون والرّعاة الرّحّل مجموعتين منفصلتين وأحيانا متضادّتين. في مصر مثلا كان أصحاب الضّياع يربّون عادة المواشي الكبرى فقط ( مثلا في قصّة الأخوين كان باطا يملك حقلا وقطيع بقر) أمّا الحيوانات الصّغرى فلها رعاة متنقّلون، وكان المصريّون يحتقرون الرّعاة البدو وخاصّة الآسيويّين، وفي رسالة فنحسي الّتي ذكرناها تحدّث عن المزارعين والمكلّفين بقطعان الماشية كمجموعتين منفصلتين. ويوحي بانفصال المجموعتين في سومر المثا القائل: "مالك الفضّة سعيد ومالك الحبوب رضيّ البال أمّا مالك الماشية فلا يعرف النّوم" ( ألستر 3: 23، ويشير وروده في مجموعات أخرى على انتشاره، ويشبهه آخر يقول إنّ مالك الماشية من الإجهاد لا يستطيع التّعرّف حتّى على أمّه 3: 12، وحسب المثل 7: 104 "لا ينبغي أن يتحوّل الرّاعي إلى فلاّح"). وفي كنعان كانت المجموعات الرّعويّة تعيش على أطراف المدن والقرى وتبادل منتجاتها بالمنتجات الزّراعيّة والصّناعيّة ( وتوحي بذلك مثلا ملحمة أقهات الأوغاريتيّة 3: 4: 50). وقد ذكر العهد العتيق الحرّاثين والرّعاة في أكثر من موضع كمجموعتين مختلفتين ( أخ2 26: 10، إرميا 31: 24، 51: 23). وتبيّن ذلك أيضا قصّة حكْم سليمان بين صاحب الحقل وصاحب الغنم في القرآن ( 21: 78). وهي تُظهر تعارضا بين الفئتين عبّرت عنه كذلك المناظرة السّومريّة بين لهار إله الماشية وأشنان إلهة الغلّة أو تحاكم الأخوين إيمش الرّاعي وإيتن الفلاّح إلى إنليل ( الّذي حكم كذلك بفضل الفلاّح) أو المنافسة بين دموزي الملك الرّاعي وأنكيمدو الفلاّح على إنانّا ( الّتي انتهت بانتصار الأوّل لكن مع تصالحهما وعقد صداقة بينهما)، المناظرة الفرثيّة/البهلويّة بين النّخلة والمعزاة ( وهي ذات جذور بابليّة)، قصّة قاين وهابيل ( حيث تبدو غلبة الفلاّح غريبة من مجتمع رعويّ- إن كان فعلا كذلك- قد يعكس نظرته مع ذلك تفضيل الرّبّ لقربان هابيل وتأثيم قاين)، تقسيم العرب إلى عدنان وقحطان، وفي التّراث الشّعبيّ السّيرة الهلاليّة ( خاصّة في صيغتها التّونسيّة)، والنّشاطان حسب ابن خلدون يخصّان أهل البادية مع اقتران الزّراعة غالبا بالمقام والقيام على الأنعام بالظّعن وبينهم وبين الحضر يقع التّناقض الرّئيسيّ ( 1: 2: 2). ولم يتّخذ التّناقض دوما شكلا عنيفا، فمثلا حسب المؤرّخين تمكّن الأكّديّون ذوو الأصول الرّعويّة من التّغلغل تدريجيّا في المجتمع السّومريّ الزّراعيّ. وتوحي كتب الفلاحة بتعارض مصالح المزارعين ومربّيي الماشية في إيطالية في القرنين 1 ق م و1 م. ونلاحظ أنّ كتابي هسيودوس وإكسينوفون اقتصرا على الجانب النّباتيّ لكنّ الأخير أكّد اقتران النّشاطين ( تدبير 5)، والحقّ أنّه كان يوجد في بلاد اليونان في ق 5 قدر من التّخصّص، إذ كانت مناطق كأيتولية وأكرنانية تعتمد على تربية الماشية وأخرى كتسّالية ومقدونية وبيوتية أكثر على الزّراعة وتركّزت في بعض المدن الأنشطة الصّناعيّة والتّجاريّة. وبدا كاتون حريصا على دمجهما لكنّ إشاراته إلى الماشية غير متّسقة، بل لا تخلو من تناقض. وفصّل شيشرون الّذي لم يمارس الفلاحة إلاّ كهواية أقسامها وفق نظرة شبيهة بأفكار ماغون إلى حبوب وكروم وأشجار مثمرة ومراع للماشية وزهور للنّحل ( في الشّيخوخة 15: 54). وألحّت كتب الفلاحة اللاّحقة على أهمّيّة دمج النّشاطين. فقد ناقش وارّون ( 1: 2: 12-21 ثمّ 2: مقدّمة: 5 و3: 1: 5 مع تغيير في موقفه بين الكتاب الأوّل والكتابين 2 و3 على ما يبدو) وكولوملاّ ( 6: مقدّمة: 1-7) علاقتهما، وأكّدا تكاملهما، إذ يتيح دمجهما الاستفادة من المرعى والزّبل ( بدلا من تأجير الأوّل وبيع الثّاني، فضلا عن دوس الجِلّ المتبقّي من الحصاد كما ذكر وارّون 2: 2: 12 وبلينيوس 17: 5 (55)) وهو قديم ومربح ( كولوملاّ 6: مقدّمة: 3). وتبنّى فرجيليوس تقسيم وارّون الرّباعيّ للفلاحة في جيورجيكا ( أمّا في بوكوليكا السّابقة فلا تبدو الضّيعة المندمجة صورة الرّيف السّائدة رغم ذكر أعمال زراعيّة في 1: 67-73، 2: 66 و70-71، 3: 10-11 و80-82، 4: 29 و34 و40-41، 5: 36-37 وربّما 8: 99)، وكذلك جامعو نصوص جيوبونيكا وإيسيدوروس ( أصول 15: 13: 6) وابن العوّام وغيرهم. مع ذلك اقتصرت رزنامة أعمال الضّيعة عادة على الجانب النّباتيّ إلاّ عند كولوملاّ وبلاّديوس واكتفى ابن العوّام بالإشارة فيها إلى مواعيد السّفاد.

7- اعتبر عدّة كتّاب قدماء ( كوارّون 1: 2: 16) أنّ الرّعي سبق الزّراعة، وردّ تك 4 نشأتهما إلى بدايات الإنسان ( قاين وهابيل، لكنّ السّفر ذكر بعد ذلك نشأة تربية الماشية في طور لاحق). ومع أنّ كثرة الرّعاة في أساطير جلّ الشّعوب ( كاليونان مثلا) توحي بأهمّيّة الرّعي في بداياتها إثر "الثّورة" النّيوليثيّة، يبدو أنّهما نشآ معا، وفرضت الطّبيعة نفسها توجّه المجتمعات البشريّة إلى الزّراعة أو الرّعي أو كليهما. وفي تاريخ الهلال الخصيب مثلا فترات جفاف تحوّلت فيها جماعات فلاحيّة مستقرّة إلى الرّعي وأخرى تمّ فيها العكس.

2-3-7 تربية الحيوان في المزرعة 3: 2: 13-14

   هناك نوعان من تربية الحيوان: أحدهما في الحقول حيث ترعى المواشي، والآخر في الضّياع حيث يربّى الدّجاج والحمام والنّحل ودواجن أخرى تُعلف عادة في الضّيعة، ترك ماغون البونيقيّ وكسّيوس ديونسيوس وآخرون تعليمات عنهما متفرّقة وبنحو منفصل separatim et dispersim في كتبهم يبدو أنّ سيوس قرأها، ولذلك هو يجني من تربية الحيوان من ضيعة واحدة مردودا يفوق ما يحصل عليه آخرون من العقار بأكمله. قال ميرولا: بالتّحقيق فإنّي رأيت هناك أسرابا كبيرة من الإوزّ والدّجاج والحمام والكراكيّ والطّواويس، هذا سوى القرقذونات والأسماك والخنازير البرّيّة وغيرها من الطّرائد.

ملاحظات:

1- #هنا أيضا نرى تبنّي ماغون لفلاحة متكاملة تجمع الزّراعة وتربية الحيوان بنوعيها، ولا تشكّل ضيعة سيوس نمطها المثاليّ، فهي مع وجود طيور ونحل ( 3: 2: 11) فيها لا تتضمّن مثلا معصرة نبيذ أو زيت ( 3: 2: 8).

2- يتخلّل هاجس الرّبح مؤلّف وارّون كلّه، سيما الكتابين 2 و3 ( 2: مقدّمة: 5، 3: 1: 9-10، 3: 2: 10-11 و15 و17، 3: 3: 1، 3: 4: 1-2، 3: 5: 8، 3: 6: 1، 3: 7: 3 و10-11، 3: 8: 3، 3: 9: 2، 3: 10: 5، 3: 16: 9-11...) ومع أنّه يوجد أيضا في الكتاب 1 ( 1: 2: 7-8 و10، 1: 3، 1: 16: 4 و6، 1: 53...) رفض وارّون إدخال كلّ مصدر دخل على أرض الضّيعة كالمحاجر في دراسة الاقتصاد الزّراعيّ ( 1: 2: 23). وقد أشار كذلك في الكتاب الثّاني إلى أهمّيّة تربية الدّواجن كمصدر لأرباح لا يستهان بها ( 2: مقدّمة: 5).

3- ربّما تعني separatim "في فصول خاصّة منفصلة"، مقابلة ب dispersimأي متفرّقة متناثرة في تلك الكتب.

4- لم يرد فيما عدا هذه الفقرة، عند وارّون أو غيره من كتّاب الفلاحة اللاّتين واليونان والعرب، أيّ استشهاد بماغون أو بملخّصيه حول الدّواجن. لكنّ بلينيوس ذكر ترجمة مؤلّفه وملخّصها ضمن مراجع الكتاب 10 حيث تناول الطّيور البرّيّة والدّاجنة وبعض الهوامّ، ووردت في أدب الفلاحة عناصر توحي بتأثيره في هذا الباب. فقد ذكر وارّون نوعا بونيقيّا من تماريد الحمام ( 3: 7: 3) يبدو لنا أنّه هو الّذي وصفه فليمون صاحب كتاب الفراسة Physiognomonika مصدر ابن حجّاج ( في باب الحمام) وابن العوّام ( 34: 1). ويذكّر وصفه لطلي جدران برج الحمام الدّاخليّة برخام سحيق للوقاية من الزّواحف والفئران #( وكذلك قنّ البطّ 3: 11: 3) بالملاط البونيقيّ الّذي أشار به كولوملاّ لنفس الغرض في المنحل ( 9: 7: 4) #وذكره كذلك في غراسة الكبر ( 11: 3: 54) في أصوص ( وغراسة نباتات في أصوص عادة سوريّة/فينيقيّة كما تبيّن تسميتها القديمة: جِنان أدونيس، وقد ذكرها أفلاطون وكانت السّوريّات في الفترة الهلّينستيّة يزرعن بذورا في أصوص يسقينها بماء حارّ لينمو نباتها بسرعة للاحتفال بعيده الرّبيعيّ، وفي أشعيا 17: 10-11 وعبارة "غراس أنيق" إشارة واضحة إلى أعياده، كما نرى كذلك من 1: 29). وقد عُثر فعلا في موقع كركوان على جصّ أبيض ناعم ( مثلا في "البيت ذي المذبح") قد يكون هو المقصود، وليس الجصّ حكرا على البونيقيّين طبعا وذلك في حدّ ذاته يشير إلى مصدر الوصفات. وذكر كتّاب الفلاحة بين أنواع الدّجاج الصّنف الإفريقيّ أو النّوميديّ أي الغرغر ( وارّون 3: 9: 1 و16 و18، كولوملاّ 8: 2: 2، بلينيوس 10: 38 (74)، ج 14: 19 "لفارون"). وتذكّر مواصفات الدّجاج المثاليّ في كتب الفلاحة بمواصفات البقر الّتي تعود إلى ماغون. وقد حبّذ وارّون ( 3: 9: 5) وكولوملاّ ( 8: 2: 11) وفلورنتينوس ( ج 14: 16: 4) أن يكون الدّيك شجاعا يحمي الدّجاج من "الحيوانات الضّارّة"، وحدّدها كولوملاّ بالثّعابين الّتي لا نظنّها خطرا كبيرا عليه في إيطالية واليونان، لكنّها في إفريقية ومصر وبلدان المشرق خطر حقيقيّ على الدّواجن. وفي تغذية الدّجاج والحمام سُمّي الزّؤان بكلمة ساميّة ( زيزنيون) في جيوبونيكا ( ج 10: 87: 1 لسوتيون، و14: 4: 1 لفلورنتينوس)، وذكره باسمه اللاّتينيّ كولوملاّ في الحالتين ( 8: 8: 6 و8: 4: 1)، ووارّون بين أعلاف الدّجاج ( 3: 9: 20)، بينما أكّدت المصادر القديمة أنّه ضارّ بالحيوان والإنسان: ثيوفرستوس وبلينيوس 18: 44 (153 و156) الّّذي ذكر مع ذلك 22: 77 (160) استخداماته الطّبّيّة وكذلك ابن وحشيّة، ونعته فرجيليوس بالنّكِد العقيم infelix lolium ( 1: 154، وفي النّعت معنى الإضرار كما في بوكوليكا 5: 37 أو الإنياذة 3: 649 فضلا عن العقم كما يدلّ عطف عبارة steriles auenae)، ولم يدرجه بلاّديوس بين أغذية الدّواجن، لكنّه اعتُبر في الفلاحة النّبطيّة غذاء جيّدا للدّجاج والبطّ والحمام ( باب أشباه الحنطة والشّعير)، وقد نقل ابن العوّام ذلك ( 34: 5) ولم يذكره بين الأغذية الّتي أشار بها فيلمون وكسينوس وقسطوس أهمّ مصادره الأخرى ومصادر ابن حجّاج ( #وقد يكون كسينوس الّذي استمدّ منه ومن قسطوس النّاقل عنه مواصفات الدّجاج الجيّد وكثيرا من وصفاته لتربية الطّيور كسيوس مترجم ماغون). #بل نقل عن ابن بصّال وصفة طعم لإمساك الكراكيّ والغربان والوراشين يتمثّل في فول نُقع مع الزّؤان في الخمر لأنّه يدوّخها ( 29: 7- وهذه الخاصّيّة معروفة في القديم وتظهر في تسميته العلميّة lolium temulentum، ويلاحَظ أنّه أشار مع ابن حجّاج لإمساك الطّيور بنقع حبوب مع عقاقير أخرى كالحلتيت والجرجير والبنج الّذي جاء في وصفة لقسطوس لصيد طير الماء تذكّر بالفقرة ج 14: 11: 1 حيث أشار ديديموس بوضع نبيذ في مشارب البطّ الدّاجن لتدويخه ومن ثمّة إمساكه).

 

تابع