ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

الحواشي

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

ملاحظات عامّة حول مسرح ترنس.

 

   عُرضت مسرحيّات ترنتيوس في التّواريخ التّالية: فتاة أندروس 166 ( في ألعاب الإلهة قُبيلة)، الحماة 165 ( في ألعاب قُبيلة حيث فشلت)، 160 ( في الألعاب المقامة عند وفاة باولوس أميليوس حيث فشلت من جديد، ثمّ نجحت في الألعاب الرّومانيّة لنفس السّنة)، معذّب نفسه 165 ( في ألعاب قبيلة)، الخصيّ 161 في ( ألعاب قبيلة)، فرميون 161 ( في الألعاب الرّومانيّة)، الأخوان 160 ( ألعاب وفاة باولوس أميليوس). وقد مثّلتها فرقة أمبيويوس الّذي يعود له الفضل في نجاح قيقليوس كما يذكر في تمهيد "الحماة" الثّاني. كانت المسرحيّات آنذاك تقدّم على ركح خشبيّ في ألعاب موسميّة هي: ألعاب قُبيلة ( بداية نيسان Ludi Megalenses) وكيريس ( أواخر نيسان L. Cereales) ومهرجان الرّبيع ( بداية أيّار L. Florales) وألعاب أبولّون ( منتصف تمّوز L. Appolinares) والألعاب الرّومانيّة ( منتصف أيلول L. Romani)، والألعاب الشّعبيّة ( بداية تشرين الثّانيL. Plebeii )، ناهيك عن الألعاب المقامة بمناسبات كموت أحد رجالات الدّولة ( L. Funebres). ,كانت التّواريخ الحقيقيّة للعروض في الفترة المذكورة متقدّمة بحوالي شهرين ونصف، بسبب عدم إضافة الشّهر النّسيء لكلّ سنتين خلال العقد 190-

   أوّل ما تجدر ملاحظته هو أنّ ترنتيوس اقتبس مسرحيّاته من اليونانيّة، متّبعا تقليدا بدأ منذ ليويوس أندرونيكوس (284-204 ق م) ونيويوس، وقد سمّيت تلك المسرحيّات اليونانيّة fabulae palliatae نسبة إلى الرّداء اليونانيّ ( pallium) مقابلة مع الرّومانيّة الأصيلة ( togatae). لكن بخلاف سلفيه بلاوتوس وقيقليوس اللّذين نوّعا مصادرهما، اختار مسرحيّاته من مينندر رائد المدرسة الواقعيّة وأبولّودوروس الّذي يعدّ من أقرب أتباعه. نجد كذلك أنّه اختار مسرحيّات تقوم كلّها تقريبا على قصّة حبّ بين شابّ وشابّة يتعرّض إلى حاجز اجتماعيّ كمعارضة الأب، يتمّ في النّهاية التّغلّب عليه، وتركّز على مشاكل الحياة الخاصّة، كتربية الأبناء ( في "الأخوين" مثلا أو في "معذّب نفسه") بعيدا عن كبريات القضايا العامّة، ممّا يجيز إعطاء مسرحه عنوان "انتصار الشّباب". ونجد في مسرحيّات بلاوتوس عُقدا مشابهة، إلاّ أنّ بلاوتوس أعطى مسرحيّاته طابعا أكثر تهريجا ( انتصار الابن على الأب والمرأة على الرّجل والعبد على السّيّد، ومشاهد أعنف). فمسرحيّات ترنتيوس من النّوع السّاكن stataria بخلاف ما يدعى بالحركيّة motoria، خالية تقريبا من مشاهد العنف والتّهريج ( المعتمدة عادة على شخصيّات كالطّفيليّ والعسكريّ وتاجر الجواري)، باستثنناء بضعة مشاهد اضطرّ فيها إلى مجاراة ذوق الجمهور كمشهد الحصار في "الخصيّ" ومشهد خطف الجارية في "الأخوين". ونجد عادة إلى جانب القصّة الرّئيسيّة قصّة حبّ ثانويّة ( وهو على الأرجح ما يعنيه "بأسلوب المعالجة المزدوج" لموضوع "معذّب نفسه" البسيط).

   ومع أنّه احتفظ بأسماء يونانيّة للأماكن والأشخاص وبعناصر محلّيّة لا يوجد مثلها عند الرّومان وغالبا ما تكون ذات أهمّيّة لسير الأحداث كالحريم* وقانون تزويج اليتيمة من أقرب شخص إليها ( في "فرميون" و"الأخوين")، لم يترجم المسرحيّات الّتي نقلها حرفيّا، بل تصرّف فيها، فزاد وأنقص وطعّمها بمشاهد من مسرحيّات أخرى contaminatio للتّنويع وزيادة الحركيّة، ( كما في مشهد الافتتاح في "فتاة أندروس"، وإقحام شخصيّتي الجنديّ المغرور والطّفيليّ المتملّق في "الخصيّ" عوضا عن التّاجر الأصليّ)، وأسقط بعض التّفاصيل المحلّيّة غير المهمّة والّتي تسيء إلى عموميّة المغزى ( كما في حمية النّفساء في "فتاة أندروس" 3-2) أو غيّر مواقف بعض الشّخصيّات ( كموقف ميقيون من الزّواج بحماة أسخينوس في "الأخوين" حسب دوناتوس)، بل لا نجد في تقديمه لمكان الأحداث أيّ لون، فهو يثير قضايا تهمّ كلّ النّاس على اختلاف ثقافاتهم.

   فرغم واقعيّة مسرحيّاته ( أكثر من مسرحيّات مينندر نفسه، حيث تخلو من العناصر الخارقة كتدخّل الآلهة، بينما يقدّم لنا مينندر مثلا في تمهيد مسرحيّة "الفظّ" duskolos الإله بان* ليخبرنا كيف ألقى في قلب سستراتوس حبّ بنت كنيمون، ولا غرابة في ذلك إن تذكّرنا أصول فنّ المسرح الدّينيّة، وإن لم تخل من صدف استثنائيّة ومفاجآت غير متوقّعة)، تكتسي طابعا إنسانيّا عامّا يتجلّى في مواضيعها وفي تركيز ه على الشّخصيّة أكثر من الموقف ( نجد ذلك لاحقا عند أفرانيوس أحد كتّاب ال togatae)، وعرضه لشخصيّات كالمومس* أو العبد، بل تصلح القولة الشّهيرة لأحد أشخاص "معذّب نفسه": "أنا إنسان ولا أعدّ غريبا عنّي أيّ شأن إنسانيّ" شعارا للمذهب الإنسانيّ. ولعلّ رسالته الأساسيّة هي الاعتدال والوسطيّة وفق فلسفة أرسطو ( الّتي يمثّلها عند الإسلاميّين خاصّة ابن مسكويه ويمكن تلخيصها في هذا البيت: "حبّ التّناهي شطط  خير الأمور الوسط"). ولا غرو فقد تتلمذ مينندر* على ثيوفراستس تلميذ أرسطو. ويبدو تأثير أرسطو حتّى في عناوين مسرحيّاته، فمثلا إلى جانب مسرحيّة الفظّ المذكورة كتب "المتملّق" kolax. وهذان الطّبعان بالذّات يظهران في تحليل أرسطو الشّهير للفضيلة كوسط بين رذيلتين كالطّرفين اللّذين تقع بينهما السّماحة أو الدّماثة philia ( كالمثل المأثور عن الإمام عليّ: لاتكن ليّنا فتُعصر ولا يابسا فتكسر).

   وقد انتقده على تصرّفه في المسرحيّات الأصليّة خصمه لسكيوس* فردّ عليه في تمهيدات مسرحيّاته بينما كان التّمهيد في الأصل يلقى لعرض الأحداث السّابقة ( و اللاّحقة أحيانا) لتيسير متابعة المسرحيّة على المتفرّجين. ولئن سبقه بلاوتوس* إلى التّخلّي عن التّمهيد التّقليديّ، ( في "إبيديكوس" و"كُركوليو")، فهو قد جعل ذلك نهجا ثابتا. وذلك يزيد الحركيّة والتّشويق، وإن أحدث أحيانا غموضا ومفاجآت غير مبرّرة بنحو كاف ( كقدوم كريتون في "فتاة أندروس"، أو معرفة فرميون بحياة ديميفون المزدوجة في "فرميون"، أو عثور خريسيس على أخ محميّتها في "الخصيّ"). يساهم كذلك في تشويقنا التّأخير المتعمّد في إظهار وتعريف بعض الشّخصيّات، ومن ذلك التّعتيم على بطلة القصّة في "فتاة أندروس" أو في "الحماة".

   نجد نفس التّنويع في القالب الشّعريّ الّذي اتّخذه ترنس على عادة زمانه لكنّه نحا به أكثر من سابقيه نحو النّثر والخفّة. اعتمد خصوصا على بحرين خفيفين: سداسيّ مجموع الأوتاد senarii ، وسباعيّ مفروق الأوتاد، يستهلّ بالأوّل وينهي بالثّاني وينوّع فيما بين ذلك باستخدام هذين البحرين وبحور أخرى، ناهيك عمّا تسمح به أنواع الزّحافات والعلل من تنويع داخل البحر الواحد. والبحران لا يحتاجان إلى مرافقة الموسيقى الّتي يبدو أنّ ترنتيوس، رغم احتفاظه بها على عادة عصره ( وبعكس المدرسة الواقعيّة اليونانيّة) حدّ من دورها ( بينما نجد بلاوتوس بالعكس أعطى مسرحيّاته في شيخوخته طابعا غنائيّا أبرز). والسّداسيّ المجموع يتركّب نظريّا من ستّة أوتاد مجموعة iambi، يتألّف كلّ واحد منها من مقطع صوتيّ قصير متبوع بسبب خفيف، مع القطع caesura في الوتد الثّالث أو الرّابع، أي أنّه تقريبا، ومع اختلاف النّطق والتّنبير بين العربيّة واللاّتينيّة ( فالعربيّة تخلو من المقاطع ذات الانغلاق المزدوج والمجموعات الّتي تحتوي على أكثر من حرفين ساكنين)، كموقوص الكامل أو مقبوض الهزج أو مخبون الرّجز عندنا ( مفاعلن مفاعلن مفاعلن) ومنه: ( يدبّ عن حريمه بسيفه  ورمحه ونبله ويحتمي) أو هذا المجزوء المقبوض في تفعيلتين فقط: (فقلت لا تخف شيئا  فما عليك من بأس). وينسب للرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في فتح مكّة: ( أنا النّبيّ لا كذب  أنا ابن عبد المطّلب) وهو من مخبون الرّجز وشبيه الثّمانيّ octonarii المجموع الّذي يستخدمه ترنس أيضا. ونجد في شعر السّيّاب كثيرا منه أحيانا مع تذييل، في قصائد من الحرّ منها: ذهبتِ، اللّيلة الأخيرة، من رؤى فوكاي، إرم ذات العماد، أمام باب اللّه، دار جدّي، مدينة السّراب، سروبروس في بابل، الوصيّة. ونعجب من قلّة تداوله رغم عذوبة موسيقاه كما في هذا البيت للسّيّاب: ( تثاءب المساء والسّماء ما تزال  تسحّ ما تسحّ من دموعها الثّقال). تطبيقيّا لا يرد هذا البحر عند ترنس وغيره إلاّ مزاحفا فيرد الوتد الأخير بشكل سبب ثقيل (أ) وترد الأوتاد الأخرى في شكل ثلاثة مقاطع قصيرة (ب) أو اثنين ممدودين أي سببين خفيفين (ت) أو قصيرين وممدود (ث) أو ممدود وقصيرين(ج). هذان مثلا بيتان من مشهد الافتتاح في "الأخوين": (ستوراكس! لم يعد الليلة أسخينوس من المأدبة، ولا أيّ من الغلمان الّذين ذهبوا للقائه): 

storax!| non redi| it hac| noct(e) a| cen(a) Aes|chinus

neque ser|volo|rum quis|quem qu(i) ad|vors(um) i|erant

    التّفعيلات 3 و6 و8 و12 سالمة، وكلّ من 4 و5 و8 و9 و10 من الصّنف ث، و2 من الصّنف ج، و7 من صنف ث، بينما لا يسمح الشّعر العربيّ بتغيير الوزن من بيت إلى آخر. ولا يرافق هذا البحر عزف. ويشكّل في "الأخوين" حيث يغيّر ترنس البحر أكثر من 50 مرّة حوالي نصف الأبيات: 479 من أصل 997 . أمّا السّباعيّ المفروق  فيتركّب من 7 أوتاد مفروقة trochaei  كلّ منها عبارة عن مدّ متبوع بمقطع قصير مع إضافة سبب خفيف ( كالتّرفيل في الوتد المجموع)، أي: ( فاعلن مفاعلن مفاعلن مفاعلن) كمخبون للرّجز مع تشعيث في التّفعيلة الأولى ورد ما يشبهه من الرّمل المكفوف المحذوف: (فاعلات فاعلات فاعلن  فاعلات فاعلات فاعلاتن : ليس كلّ من أراد حاجة  ثمّ جدّ في طلابها قضاها)، أو ( فاعلات فاعلات فاعلاتن فاعلن: حالت السّماء بيننا وبين المسجد)، وأورد بعضهم نوعا من طيّ المقتضب وزنه ( فعْل فعْل فعْل فعْل) عروضا وضربا ووردت أبيات قليلة على وزن ( فعْل فعْل فعْل فعلْ): ( أقبلتْ فلاح لها عارضان كالبرَدْ/ أدبرتْ فقلت لها والفؤاد في وهجْ/ هل عليّ ويحكما إن عشقت من حرجْ). والأخير غنّته جارية زمن الرّسول (ص) وفي الحديث الشّريف ما يشبهه: ( يسّرا ولا تعسّرا وبشّرا ولا تنفّرا). والقطع غالبا في رابع وتد. تطبيقيّا يرد هذا البحر مزاحفا كما نرى في هذين البيتين من "الأخوين" ف2 م1 (لا أعجب أن يصل بهم الظّلم حدّ الجنون. لقد أخرجني عنوة من بيتي وجلدني، وأخذ معه جاريتي غصبا عنّي):

minime| miror | qu(i) insa|nir(e) oc|cipiunt| ex in|iuri|a

domo m(e) e|ripuit,| verbe|ravit;| me invi|t(o) abdu|xit me|am.

فالقافية مقطع ممدود في كليهما والأوتاد 1-7  و2-3 و2-7 سالمة، ومُدّ المقطع الثّاني من الأوتاد 1-2 و1-3 و1-4 و1-6 و2-4 و2-5 و2-6 وصار 1-5 مجموعا بينما يتركّب 1-1 و2-1 و2-2  من مقطعين قصيرين وثالث ممدود.

   وممّا يعطي شعره حركيّة وتنويعا أيضا إكثاره من التّرخيم والحذف والإدغام، والمعاضلة ( عدم الالتزام بالبيت كوحدة معنويّة قائمة) والحوار داخل البيت الواحد، وإكثاره من حروف التّعجّب وصيغ النّدبة والمدح والذّمّ، وقطع الجمل بمقاطعة المخاطب للمتكلّم أو بفصل الشّرط وجوابه (aposiopesis). وقد يؤخذ عليه الإكثار من التّناجي بهدف إخبار المتفرّجين بمجرى الأحداث، وإن كان بعضه، وهو ذاك الموجّه إلى الجمهور لتشريكه في حيلة أو سرّ، مستملحا وقد لاقى نجاحا عند الكتّاب المسرحيّين اللاّحقين.

    أسلوبه سلس نقيّ كما وصفه يوليوس قيصر وإن انتقد نقص القوّة المسرحيّة فيه، ربّما مقارنة ببلاوتوس ( وهذه كلماته كما يوردها سويتونيوس: tu quoque, tu in summis, o dimidiate Menander,| poneris et merito, puri sermonis amator.| lenibus atque utinam scriptis adjuncta foret vis| comica, ut aequato virtus polleret honore,| unum hoc maceror ac doleo tibi desse, Terenti). هذا الأسلوب الّذي انتقده بشدّة لسكيوس ( كما يذكر ترنس في تمهيد "فرميون") من قبيل "السّهل الممتنع" ينحو إلى الاعتدال وينأى عن المبالغة والألفاظ الفضفاضة، وإن لم يخل من المحسّنات البديعيّة كالجناس والمقابلة والسّجع ( علما بأنّ الشّعر اللاّتينيّ لا يهتمّ بالتّقفية بل بالإيقاع والتّنبير أو الارتكاز: فإلى جانب التّنبير في الكلمة هناك حركة البيت العامّة التّصاعديّة arsis أو التّنازليّة thesis). وقلّما نجد لديه الكلمات أو الصّيغ المهجورة باستثناء الصّيغة المصدريّة للفعل المبنيّ للمجهول الّتي نجدها خصوصا للتّقفية كما في "فتاة أندروس" deludier 203, inmaturier275, adipiscier332, adsimularier500, claudier573 وقلّما نجدها وسط البيت: كما في "الأخوين" laudarier5350 وقد جعله أسلوبه الرّصين من الأدباء المعتمدين في التّدريس، بينما أثّر بلاوتوس بأسلوبه الشّعبيّ بل التّهريجيّ في الملهاة أكثر.

 

<<..