ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

6- الأخوان

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

 

الفصل الخامس

 

المشهد الأوّل (763-775)

سيروس، ديميا 

سيروس  : ( مخاطبا نفسه) وحقّ بولكس* لقد تنعّمتَ يا سيروس على هينتك وأدّيت واجبك على أكمل وجه! هنيئا لك! والآن هيّا انصرف. بعدما شبعتُ بالدّاخل من كلّ ما لذّ وطاب، راق لي أن أتمشّى هنا.

ديميا     : ( مخاطبا نفسه) انظر إليه: عيّنة مثاليّة لمنهجهم.

سيروس  : ( مخاطبا نفسه بعدما لحظ ديميا) هوذا سيّدنا الشّيخ قادما. ( مخاطبا ديميا) ما الخبر؟ لم أنت مهموم؟

ديميا      : آه يا مجرم!

سيروس  : أجئت تنشر تعاليم حكمتك!

ديميا      : لو كنت عبدي...

سيروس  : إذن لكنتَ غنيّا بالتّحقيق يا ديميا ولأنشأتَ لك ثروة متينة البنيان.

ديميا      : سأتدبّر لأجعلك مثالا للجميع.

سيروس  : لماذا؟ ماذا فعلت؟  

ديميا      : تسأل يا لئيم؟ في هذا البلبال والغلط الكبير الّذي بالكاد أصلحناه تشربون يا لئيم كما لو أنجزتم مأثرة باهرة.

سيروس  : ( مخاطبا نفسه) لكَم ندمتُ على هذه الخرجة.

 

المشهد الثّاني (776-786)

درومون، ديميا، سيروس 

درومون  : ( يخرج من بيت ميقيون) اسمع يا سيروس، كتيسيفون يطلب منك أن تعود.

سيروس  : ( محاولا ألاّ يسمع ديميا) رح.

ديميا      : ماذا يقول عن كتيسيفون؟

سيروس  : لا شيء.

ديميا     : ماذا يا عبد السّوء، هل كتيسيفون في البيت؟

سيروس  : ليس فيه.

ديميا      : لماذا ذكر اسمه إذن؟

سيروس  : يقصد شخصا آخر، طفيليّا قصيرا، أتعرفه؟

ديميا      : سأعرفه الآن. ( يهمّ بالدّخول)

سيروس  : ( يحاول منعه) ماذا تفعل؟ إلى أين تذهب؟

ديميا      : دعني.

سيروس  : لا، أقول لك.

ديميا      : ألا تكفّ عنّي يدك يا عبد السّوء؟ أم تفضّل أن أبعثر دماغك هنا؟ ( يدخل بيت ميقيون)

سيروس  : ذهب. إنّه وحقّ بولكس* جليس غير لطيف العشرة خصوصا لكتيسيفون. ما العمل الآن؟ سوى أن أنسحب، في انتظار أن تهدأ هذه القلاقل، في ركن ما، وأريح جسمي حتّى يروح السّكر. هذا ما سأفعل. (ينصرف)

 

المشهد الثّالث (787-854)

ميقيون، ديميا

ميقيون    : ( مخاطبا سُستراتة بالدّاخل وهو يخرج من بيتها) أعددنا كلّ شيء كما قلت يا سُستراتة، متى تشائين...لكن مهلا، من رجّ  باب بيتي بمثل ذاك العنف؟

ديميا       : ( خارجا من بيت ميقيون) يا لشقائي! ماالعمل؟ ماذا أصنع؟ ماذا أصرخ وماذا أشكو؟ أيّتها السّماء وأيّتها الأرض ويا بحور نبتون*!

ميقيون    : ( مخاطبا نفسه) ذاك ما جنيت على نفسك! علم بكلّ شيء، فهو الآن يصرخ وأعدّ العدّة للخصومة: عليّ أن أواجهه.

ديميا      : هذا مفسد ولديْنا قد أتى!

ميقيون    : أخيرا، تمالكْ غضبك وثب إلى رشدك.

ديميا      : تمالكت وثبت وأدع كلّ الشّتائم: لنفكّر بالوضع ذاته. أما قلنا، ومنك أتى الاقتراح، أنّك لن تهتمّ بابني ولا أنا بابنك؟ أجب هل حصل؟

ميقيون   : لا أنكر.

ديميا      : إذن فلماذا هو الآن يعاقر الخمر في بيتك؟ لماذا تستقبل ابني عندك؟ لم اقتنيتَ له خليلة يا ميقيون؟ أمن الإنصاف ألاّ يكون لي عليك نفس الحقّ الّذي لك عليّ؟ ما دمتُ لا أهتمّ بابنك، لا تهتمّ بابني.

ميقيون   : ما تقول لا يجوز.

ديميا      : لا؟

ميقيون   : لأنّ المثل المأثور يقول: كلّ شيء بين الإخوان مشترك.

ديميا      : حسنا، آلآن نشأت لديك هذه الأفكار؟

ميقيون    : استمع إلى هذه الكلمات المعدودة يا ديميا إن لم يضايقك الاستماع. بدءاً إن كان يحزّ في نفسك ما ينفق ابنانا فأرجو أن تفكّر في هذا الأمر: كنتَ في الأصل تربّيهما الاثنين بحسب ثروتك وترى أنّ أملاكك ستكون كافية لهما معا، وحسبتني سأتزوّج بلا شكّ. والآن  أجْرِ نفس ذلك الحساب القديم: اقتصد، ووفّر، وتكسّب، وتدبّرْ لتترك لهما خيرا كثيرا، اصنع لنفسك هذا المجد. واسمح لهما باستهلاك أموالي الّتي أتتهما وما كنتَ ترجوها. هذا لا ينقص شيئا ممّا جمعت لهما: وكلّ ما يضاف إليه من مالي اعتبره بمثابة الرّبح. إن أردت وضع هذه الاعتبارات في ذهنك يا ديميا، ستوفّر علينا جميعا، أنا وأنت وهما، المنغّصات.

ديميا      : أدع المال جانبا، وأعتبر العادة التي اكتسباها.

ميقيون   : انتظر. أعرف ما ستقول: هو تحديدا ما كنت أسعى إليه. فللمرء أخلاق تدلّ على الفتى يسهل من خلالها الحكم على فعاله يا ديميا، بحيث لمّا يأتي اثنان نفس الفعل كثيرا ما يمكن القول بأنّه يحقّ لهذا أن يفعله دون عقاب ولا يحقّ لذاك، لا لاختلاف في الفعل بل في الفاعل. وأنا أرى في طباعهما ما يجعلني أثق بأنّهما سيكونان كما نريد لهما. أرى فيهما رزانة وفهما، وحذرا حيث ينبغي، وحبّا متبادلا، ونفسا حرّة وطبعا كريما. ولك أن تستعيدهما متى تشاء. قد تخشى عليهما لا محالة بعض التّسيّب في الشّؤون الماليّة. يا ديميا العزيز، بتقدّم السّنّ نصبح أكثر تعقّلا في كلّ الأمور إلاّ واحدا: رذيلة واحدة تحملها الشّيخوخة للنّاس: نصير أكثر تعلّقا ممّا يلزم بالمال. ستشحذ السّنّ لديهما هذا المنخاس بما فيه الكفاية.

ديميا      : كلّ ما أرجو يا ميقيون هو أنّ هذه الأفكار الجميلة المتفائلة وسلامة طويّتك لا تودي بهما.                           

ميقيون   : اسكت، لن يقع ذلك. دع عنك الآن هذه المخاوف، وسلّم لي اليوم مقودك، هيّا أطلق أساريرك.

ديميا      : يبدو أنّ الظّرف يقتضيه. لكن غدا سأذهب إلى الضّيعة مع ابني مع مطلع الفجر.

ميقيون   : بل في غبش السّحَر إن أردت رأيي. أمّا اليوم فانبسط فقط.

ديميا      : وتلك الجارية سآخذها أيضا معنا.

ميقيون   : وتكون بذلك قد احتلت لتربط ابنك بها. احتط فقط لتحتفظ بها.

ديميا      : سأتدبّر ذلك، وأيضا لتكون دوما مغبرّة من الرّماد والدّخان والطّحين من طول الطّبخ والرّحي. فضلا عن ذلك سأرسلها في حمّارة القيظ للحصاد حتّى أجعلها مشويّة سوداء كالفحمة.

ميقيون   : مرحى! تبدو الآن أكثر تعقّلا. " وكذلك سأجبر ابني قطعا، إن أبى، على النّوم معها."

ديميا      : أتسخر منّي؟ يا بختك بهذا الطّبع الخليّ! أمّا أنا فأحسّ...

ميقيون   : أخ، أستواصل التّذمّر؟

ديميا      : كلاّ كلاّ، أتوقّف فورا.

ميقيون   : ادخل إذن، ولنخصّص هذا اليوم لما جُعل له.

 

المشهد الرّابع (855-881)

ديميا

ديميا      : ما حسب أحد لحياته أدقّ حساب إلاّ وأتت الأحداث والسّنّ والتّجربة بما لم يتوقّع وعلّمته شيئا جديدا، فيكتشف جهله بما كان يحسب أنّه يعلمه، وتجبره التّجربة على اطّراح ما كان يعتقد. ذلك تحديدا ما يقع لي الآن. ها أنا بعدما شارفت على نهاية المسيرة أتخلّى عن الحياة القاسية الّتي عشتها حتّى اليوم. لم ذلك؟ من الواقع اكتشفتُ أنّ لا شيء أفضل للإنسان من الرّفق والسّماحة. يمكن لأيّ أحد أن يدرك هذه الحقيقة انطلاقا من مثلنا أنا وأخي. فهو أمضى حياته دوما في الفراغ والقصوف، ناعما باسما مستبشرا، لا يكشّر في وجه أحد ويبتسم للجميع، عاش لنفسه وأنفق ماله على نفسه، لذا يحمده ويمدحه ويحبّه الجميع. أمّا أنا الفظّ العابس المتقشّف الجافي العنيد فتزوّجت، ويا ما رأيت في الزّوجيّة من المنغّصات، وأنجبت ولدين فكان ذلك، وللأسف، مصدر شاغل إضافيّ، فبينما أُعمل جهدي لأجمع لهما أقصى ما أستطيع، أفنيت في الكدح عمري وكلّ حياتي دون أن أشعر. والآن بعدما أبليت عمري أجني منهما ثمرة جهودي: الكراهية. بينما أخي، بدون أدنى عناء يتمتّع بكلّ مزايا الأبوّة: يحبّانه ويفرّان منّي، يفاتحانه بكلّ مشاريعهما، ويعزّانه، ويبقيان عنده، بينما يهجراني، يتمنّيان له طول العمر ويترقّبان لا شكّ موتي. هكذا بعدما ربّيتهما بجهد جهيد ملكهما بأدنى التّكاليف، أنا أتلقّى كلّ ضرّاء وهو يحوز كلّ سرّاء. لكن رويدا، لنختبر هل أستطيع بدوري المزايدة عليه بمعسول القول وكيّس الفعل، لأرفع تحدّيه. أنا أيضا أطلب ودّ ةتقدير ولديّ. إن تمّ لي ذلك بإعطائهما ومجاراتهما فلن يكون لي في ودّهما آخر نصيب. سينقص مالي؟ لا يهمّ المال بعدما بلغت من العمر عتيّا.

 

المشهد الخامس (882-888)

سيروس، ديميا

سيروس  : عفوا! ديميا! أخوك يطلب ألاّ تبتعد كثيرا.

ديميا     : ( ملتفتا) من الرّجل؟ هو أنت يا عزيزي سيروس، كيف حالك، ما أخبارك؟

سيروس  : بخير.

ديميا     : ( مخاطبا نفسه) عال، ممتاز. هأنذا بدءا أضفت لسجلّي هذه العبارات الثّلاث المخالفة لطباعي: "يا عزيزي، كيف حالك، ما أخبارك؟". ( مخاطبا سيروس) تبدو حقّا عبدا على جانب غير قليل من دماثة الخلق، وإنّي لأودّ كثيرا أن أحسن إليك.

سيروس  : شكرا لك.

ديميا     : لكن هذا صحيح يا سيروس وعمّا قريب ستتأكّد منه.

 

المشهد السّادس (889-898)

غيتا، ديميا

غيتا      : ( مخاطبا سُستراتة بالدّاخل وهو يخرج من البيت) سيّدتي، أنا ذاهب إليهم لأسأل متى يرسلون في طلب العروس. لكن هوذا ديميا. دمت بخير.

ديميا      : ( ملتفتا) عفوا...ما اسمك؟

غيتا       : غيتا.

ديميا   : غيتا، لقد قدّرتُ اليوم في سريرتي أنّك شخص ذو قيمة عالية، فإنّه لعبد فذّ عندي من يتفانى- كما رأيتك تفعل يا غيتا- في خدمة سيّده لذا يسرّني أن أقدّم لك خدمة إن سنحت الفرصة. ( مخاطبا نفسه) ها أنا أتدرّب على تصنّع اللّطف وهناك تقدّم واضح.

غيتا      : من طيبتك أن ترى ذلك. ( ينصرف)

ديميا      : ( مخاطبا نفسه) شيئا فشيئا بدأت أتألّف الدّهماء.

 

المشهد السّابع (899-923)

أسخينوس، ديميا، سيروس، غيتا

أسخينوس : ( مخاطبا نفسه وهو يخرج من بيت ميقيون) إنّهم يقتلونني بحرصهم على إقامة زفاف بمراسيم احتفاليّة، ويمضون كامل اليوم في الإعداد له.

ديميا      : ما الخبر يا أسخينوس؟

أسخينوس : عفوا، أكنت هنا أبي العزيز؟

ديميا      : نعم، أنا وحقّ هرقل* بالجسد والرّوح أبوك الّذي يحبّك أكثر من عينيه. لكن قل لي: لم لا ترسل لإحضار عروسك؟

أسخينوس : يا حبّذا! لكن ثمّة ما يؤخّرني: عازفة مزمار وفرقة غنائيّة لإنشاد أهازيج الزّفّة.

ديميا      : قل لي، أتحبّ أن تسمع رأي الشّيخ الواقف أمامك؟

أسخينوس : ماذا؟

ديميا      : دع عنك الأهازيج وموكب الزّفّة والمشاعل وعازفات المزمار، ومُرْ بهدم ذاك الجدار في الحديقة بأسرع ما يمكن: من هناك أحضر عروسك واجمع البيتين في واحد، واجلب أمّها وخدمها جميعا إلى بيتنا.

أسخينوس  : تعجبني فكرتك يا ألطف الآباء!

ديميا     : ( مخاطبا نفسه) مرحى! صار الآن يقول عنّي: "لطيف". فليُفتح بيت أخي لمن هبّ ودبّ، ولينفق مالا طائلا على الجماعة، ما يهمّني؟ أنا أُستلطَف وأُشكَر. ( مخاطبا أسخينوس) مره بأن يدفع للبابليّ* عشرين مينة*. ( مخاطبا سيروس) سيروس، ماذا تنتظر لتذهب وتفعل ما أُمرت؟

سيروس  : ماذا؟ 

ديميا      : اهدم الحائط، واذهب لتأتي بهم وأدخلهم إلى البيت.

غيتا       : جزاك الآلهة خيرا يا ديميا، فإنّي أراك تحبّ الإحسان لأسرتنا.

ديميا      : أعتقد أنّهم أهل لكلّ خير. ( مخاطبا أسخينوس) ما قولك؟

أسخينوس : أشاطرك رأيك.

ديميا      : ذاك أفضل بكثير من جلب نفساء لم تُبلّ بعد من آلام الوضع على الطّريق.

أسخينوس : فعلا لم أر أفضل ممّا تقول يا أبي.

ديميا      : هكذا أنا. لكن ها هو ميقيون يخرج من الباب.

 

المشهد الثّامن (924-958)

ميقيون، ديميا، أسخينوس

ميقيون    : أخي يأمر بهذا؟ أين هو؟ أأنت تأمر بهذا يا ديميا؟

ديميا      : فعلا آمر به كي ندمج بنا تماما، بهذا وببقيّة التّراتيب، هذه الأسرة ونتعهّدها ونساعدها ونتألّفها*( نتعهّدها، نساعدها، نتألّفها: ف5، م8 فصل).

أسخينوس : ذاك ما أرجو يا أبي.

ميقيون    : لا أرى خلاف ذلك.

ديميا      : ذاك وحقّ هرقل* واجبنا. أوّلا للعروس أمّ.

ميقيون   : نعم. ثمّ ماذا؟

ديميا      : نزيهة ورزينة.

ميقيون    : هي كذلك على ما يقال.

ديميا      : متقدّمة في السّنّ.

ميقيون    : أعلم.

ديميا      : لم تعد منذ سنين في سنّ الإنجاب. وليس لديها من يعتني بها فهي وحيدة.

ميقيون    : ( مخاطبا نفسه) إلى ماذا يرمي يا ترى؟

ديميا      : المفروض أن تتزوّجها* وأن تبذل وسعك ليتمّ ذلك.

ميقيون    : أنا أيضا أتزوّج؟

ديميا      : نعم.

ميقيون    : أنا؟

ديميا      : أنت، أقول لك.

ميقيون    : هراء!

ديميا      : ( مخاطبا أسخينوس) إن تكن حازما فسيفعل.

أسخينوس : أبي!

ميقيون    : أتسمع أنت أيضا كلامه يا أبله؟

ديميا      : ليس أمامك خيار، لا بدّ من ذلك.

ميقيون    : أنت تهرف.

أسخينوس : ( متوسّلا لميقيون) أبي، اسمح بتحقيق رجائي.

ميقيون    : تنحّ عنّي يا أخبل.

ديميا      : هيّا حقّق رجاء ابنك.

ميقيون    : أتملك بكامل مداركك؟ أصير عريسا وأنا في الخامسة والسّتّين؟ وأتزوّج عجوزا في الغابرين؟ بئس ما تنصحاني به!

أسخينوس : افعل يا أبي أرجوك، فقد وعدتهما بذلك.

ميقيون    : ووعدتهما أيضا؟ تكرّم بما عندك يا بنيّ!

ديميا      : هيّا! ماذا إذن لو ترجّاك شيئا أهمّ؟

ميقيون    : كما لو لم يكن هذا في حدّ ذاته أمرا بالغ الأهمّية!

ديميا      : أرضِه!

أسخينوس : لا تطل عذابنا!

ديميا      : افعلْ. عِده.

ميقيون    : أما تكفّان؟

أسخينوس : لا، إلاّ إن استجبت لرجائي.

ميقيون    : هذا قسر لعمري.

ديميا      : هيّا يا ميقيون تصرّف بلطف وكياسة.

ميقيون    : حتّى إن بدا لي الأمر شاذّا وأخرق ولامعقولا وغريبا عن منحى حياتي، ما دمتما تريدانه بكلّ هذا الإلحاح فليكن.

أسخينوس : أحسنت صنعا. أحبّك حقّا وأنت أهل لحبّي.

ديميا      : ماذا أقول وقد تحقّق الآن ما أريد؟

ميقيون    : كيف؟ ماذا تبقّى؟

ديميا      : هيجيون أقرب شخص لهما، وقريبنا الآن بالمصاهرة، رجل فقير. يحسن بنا أن نفعل له شيئا.

ميقيون    : ماذا نفعل له؟

ديميا      : لك هنا على باب المدينة قطعة أرض صغيرة تؤجّرها، لنعطها له ليستغلّها.

ميقيون    : أهذا أيضا شيء قليل؟

ديميا      : حتّى إن كان كثيرا يجب فعله، فهو بمثابة أب العروس وهو كذلك رجل فاضل وصديقنا وقريبنا، وهذه هديّة في أهلها. باختصار، أنا الآن أعيد، كما لو كانت لي، أقوالك الرّائعة والحكيمة يا ميقيون: "هي رذيلة مشتركة بين جميع البشر، أنّا في الشّيخوخة نزداد تعلّقا بالمال وبإفراط." لذا يجدر بنا أن نفرّ من هذه الوصمة. صدقت قولا وحريّ بنا تنفيذه فعلا.

أسخينوس : ( متوسّلا لميقيون) أبي!

ميقيون    : ماذا دهاكما؟ سأعطي هيجيون الحقل ما دام ابني يريد ذلك.

أسخينوس : لكم يسرّني ذلك!

ديميا      : أنت الآن لي أخ شقيق بالرّوح كما بالجسد. ( مخاطبا نفسه) بخنجره أنحره.

 

المشهد التّاسع (959-997)

سيروس، ديميا، ميقيون، أسخينوس

سيروس  : ( يعود) فعلنا ما أمرتَ يا ديميا.

ديميا      : نعم العبد أنت! أما وحقّ بولكس* إنّي اليوم أرى أنّ سيروس أهل بأن تعتقه.

ميقيون    : أعتقه؟ لأيّ سبب؟

ديميا      : لأسباب عديدة.

سيروس  : أنا يا ديميا الطّيّب، وحقّ بولكس*، قد اعتنيت بولديكما منذ الطّفولة بتفان. ربّيتهما وعلّمتهما ولقّنتهما كلّ ما استطعت.

ميقيون    : ذلك جليّ: ولا تنس كذلك التّسوّق لهما بأمانة، وجلب المومسات، وإعداد مجالس القصف في وضح النّهار، وتلك مهامّ ليس أيّ شخص يؤدّيها.

سيروس  : ما ألطفك.

ديميا      : الحقّ أنّه اليوم ساعد في شراء تلك القينة. لقد اعتنى بالمسألة ومن العدل مكافأته فيتحسّن الآخرون. ثمّ إنّ أسخينوس أيضا يريد ذلك.

أسخينوس : ليته يفعل!

ميقيون    : إن كنت حقّا تريد ذلك فليكن. سيروس، تعال بقربي هنا: أنت حرّ.

سيروس  : خيرا تفعل. وإنّي مدين بالجميل لكم جميعا، ولك أنت خاصّة يا ديميا.

ديميا      : يسرّني ذلك.

أسخينوس : وأنا أيضا.

سيروس  : أنا واثق من ذلك. ألا ليت سعادتي تكتمل بأن أرى فريجية زوجتي حرّة مثلي.

ديميا      : تلك المرأة الرّائعة.

سيروس  : والأولى الّتي قدّمت اليوم ثديها لحفيدك، ابن ولدك هذا.

ديميا      : بجدّ وصدق، إن كانت الأولى فهي وحقّ هرقل* تستحقّ العتق بدون شكّ.

ميقيون    : بأيّ مبرّر؟

ديميا      : بهذا إن لم تقتنع بما سبق: خذ منّي ما تحدّد لها ثمنا.

سيروس  : حقّق كلّ الآلهة على الدّوام كلّ أمانيك يا ديميا.

ميقيون   : سيروس، حقّقتَ اليوم الكثير.

ديميا      : حبّذا لو أدّيت يا ميقيون معه الواجب وأعطيته زيادة على حرّيته قليلا من المال ليستفيد منه، وسيردّه لك سريعا.

ميقيون    : لا شيء فوق ذلك.

ديميا      : هو شخص ثقة.

سيروس  : سأردّ وحقّ هرقل*، أعطني فقط.

أسخينوس : لطفا يا أبي.

ميقيون    : سأنظر في الأمر لاحقا.

ديميا      : سيفعل.

سيروس  : يا خير النّاس.

أسخينوس : يا ألطف الآباء.

ميقيون    : ماذا دهاكم؟ ما الّذي غيّركم بغتة تجاهي؟ أيّة نزوة؟ ما هذا السّخاء المفاجئ؟

ديميا      : سأقول لك: ذاك لأبيّن أنّ ما يريانه فيك طيبة لا يعود إلى توخّيك الصّدق* في حياتك ولا العدل والخير في سلوكك، بل إلى تملّقك لهما، وتساهلك وإعطائك بإسراف يا ميقيون. والآن يا أسخينوس، إن كان أسلوب عيشي ينفّركما لأنّي لا أقبل بدون تحفّظ كلّ الأشياء، صالحها وطالحها، فلن أقول شيئا: بدّدا، اقتنيا، افعلا ما شئتما*. لكن إن كنتما ترغبان بالأحرى في من ينتقد ويصحّح ما لا تريان بسبب شبابكما، ويدفعكما إليه جموحُ أهوائكما، ويعوزكما فيه الرّشاد، ويساعدكما في تلك المناسبات، فهأنذا على استعداد لأقدّم لكما ذلك.

أسخينوس : إليك يا أبي نفوّض أمرنا، فأنت أعلم منّا بما يجب فعله. لكن بخصوص أخي، ماذا سيحصل؟

ديميا      : أسمح له بالاحتفاظ بها، فليكتف بها.

ميقيون    : ذاك عين الصّواب.

قائد الفرقة: وأنتم فلتصفّقوا.