ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

6- الأخوان

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

 

الفصل الرّابع

 

المشهد الأوّل (517-538)

كتيسيفون، سيروس

كتيسيفون: أتقول إنّ أبي انصرف إلى الرّيف؟

سيروس  : منذ حين.

كتيسيفون: اصدقني الخبر أرجوك.

سيروس  : هو في الضّيعة، والأغلب على ظنّي أنّه الآن منهمك في أحد الأعمال.

كتيسيفون: ليت الأمر كذلك. أتمنّى، بشأن صحّته، أن ينهك نفسه حتّى يظلّ هناك ثلاثة أيّام تباعا لا يستطيع النّهوض من الفراش.

سيروس  : ليكن ما تتمنّى، وأفضل إن أمكن.

كتيسيفون: آمين فإنّي أرغب بكلّ وجداني في قضاء هذا اليوم بأكمله بلا انقطاع كما بدأته في سعادة. لكم أمقت تلك الضّيعة لا لسبب سوى قربها، فلو كانت أبعد للفّه اللّيل قبل أن يستطيع العودة هنا ثانية. إذ سوف لا يجدني هناك فيعود إلى هنا. وبلا شكّ سيسألني أين كنتُ: "لم أرك هناك هذا اليوم بكامله." فبماذا أجيبه؟

سيروس  : ألا شيء في ذهنك؟

كتيسيفون: لا شيء إطلاقا.

سيروس  : مؤسف حقّا. أما لك من أحد هنا: مولى أو صديق أو محسوب؟

كتيسيفون: بل لي، ثمّ ماذا؟

سيروس  : قل إنّك تعهّدتهم.

كتيسيفون: وأنا لم أتعهّدهم؟ لا يجوز.

سيروس  : بل يجوز.

كتيسيفون: طيلة النّهار، ليكن. لكن إن أقض اللّيل هنا فبماذا أتعلّل يا سيروس؟

سيروس  : آه لكم أودّ لو جرت العادة بتعهّد الأصحاب ليلا كذلك! فيما يخصّك اطمئنّ. أنا خبير بنفسيّته. لمّا يكون في سورة الغضب، أعيده وديعا كالحمل.

كتيسيفون: كيف ذلك؟

سيروس  : هو يحبّ كثيرا سماع مديحك. أجعلك عنده إلها: أروي له محامدك.

كتيسيفون: محامدي؟

سيروس  : نعم، محامدك: وفي الحال تنهمر دموعه كالطّفل من الفرح. لكن مهلا: هو ذا صاحبنا في أثرك.

كتيسيفون: من تقصد؟

سيروس  : ذئب المثل*.

كتيسيفون: أهو أبي؟

سيروس  : هو بعينه.

كتيسيفون: سيروس، ماذا نفعل؟

سيروس  : اختف أنت بالدّاخل فورا، وسأتدبّر أنا الأمر معه.

كتيسيفون: إن يسلْك عنّي فلا تذكر قطّ أنّك رأيتني. أسمعت؟

سيروس  : هلاّ انتهيتَ؟

 

المشهد الثّاني (539-591)

ديميا، كتيسيفون، سيروس

ديميا     : ( مخاطبا نفسه) ما أتعسني! لا أجد أخي في أيّ مكان، وفوق ذلك، فيما أنا أبحث عنه، رأيت أجيرا أتى من الضّيعة نفى أن يكون ابني هناك. لا أدري ما العمل.

كتيسيفون: (  من الدّاخل) سيروس!

سيروس  : ( بصوت خفيض) ماذا؟

كتيسيفون: أهو يبحث عنّي؟

سيروس  : ( محتدّا لكن بصوت خفيض) بالتّأكيد.

كتيسيفون: يا ويلتي!

سيروس  : تشجّع.

ديميا      : أيّ نحس هذا يا للمصيبة! لا أستطيع فهم شيء، سوى الظّنّ بأنّي وُلدت لأقاسي المحن. أنا أوّل من يستشعر مصائبنا، وأوّل من يعلم بها كلّها، وأوّل من يخبر عنها، وإن حصلت بليّة أحمل وحدي همّها.

سيروس  : ( مخاطبا نفسه) يضحكني إذ يقول إنّه أوّل من يعلم، وهو وحده يجهل كلّ شيء.

ديميا      : ها قد رجعتُ. فلأذهبْ لأرى أوّلا إن كان أخي بالصّدفة قد عاد إلى بيته.

كتيسيفون: ( مخافتا) سيروس أرجوك، تصرّف للحيلولة دون أن يدخل رأسا إلى هنا.

سيروس  : هلاّ سكتّ؟ دع الأمر لي. سأحتاط لذلك.

كتيسيفون: لن أعوّل اليوم في ذلك عليك. سأختبئ معها في إحدى حجرات الخدم. ذاك آمنُ.

سيروس  : افعل، من جهتي سأبعده مع ذلك من هنا.

ديميا      : لكن مهلا، هو ذا ذاك الوبش سيروس.

سيروس  : ( مخاطبا نفسه بصوت مرتفع ومتظاهرا بعدم التّفطّن لديميا)  وحقّ هرقل* لا يستطيع البقاء هنا من يريد، إن استمرّت الأمور على هذه الحال. أريد حقّا أن أعرف كم لي من سيّد! يا لهذا البؤس!

ديميا     : ( مخاطبا نفسه) لم يتذمّر ترى؟ ماذا يريد؟ ( مخاطبا سيروس) ماذا تقول أيّها الرّجل الفاضل؟

سيروس  : لماذا تدعوني بالرّجل الفاضل، تبّا لي؟ اليوم نهايتي.

ديميا      : ماذا دهاك؟

سيروس  : تسأل؟ كتيسيفون أوسعنا ضربا حتّى كاد يقتلنا، أنا وتلك الجارية.

ديميا      : كيف؟ ماذا تقول؟

سيروس  : انظر كيف فلق شفتي.

ديميا      : لكن ما السّبب؟

سيروس  : يزعم أنّي أنا الّذي حرّضت على شرائها.

ديميا      : أما كنت السّاعة تقول إنّك رافقته من هنا إلى الضّيعة؟

سيروس  : بلى، لكنّه أتى من بعد وقد جنّ جنونه فلم يُبق ولم يذر. لم يستح من ضرب رجل عجوز.

ديميا      : أثني عليه: مرحى يا كتيسيفون، تصرّفت كأبيك. الآن أَعُدّك رجلا مكتملا.

سيروس  : ويحك، تثني عليه؟ إن أراد أن يعقل، سيكفّ يده مستقبلا.

ديميا     : عمل عظيم!

سيروس  : ممتاز. لغلبه امرأة بائسة وعبدا ضعيفا لم يكن يجرؤ على الرّدّ عليه. أيّ عمل عظيم بطوليّ حقّا!

ديميا     : ما أمكنه أن يفعل خيرا من ذلك. أَحَسّ نفس إحساسي: أنّك أنت الرّأس المدبّر. لكن قل: هل أخي بالدّاخل؟

سيروس  : كلاّ.

ديميا      : أتساءل أين يمكن أن أجده.

سيروس  : أعلم أين هو، لكنّي اليوم لن أدلّ عليه.

ديميا      : كيف؟ ماذا تقول؟

سيروس  : كذلك قرّرت.

ديميا      : سيُفصل رأسك في الحين.

سيروس  : في الواقع لا أعرف اسم ذلك الشّخص، لكنّي أعرف في أيّ مكان هو.

ديميا      : قل لي مكانه إذن.

سيروس  : أتعرف الرّواق الّذي بجانب للسّوق أسفل هذا الشّارع؟

ديميا      : وكيف لا أعرفه؟

سيروس  : اتّجه إلى هناك رأسا فإذا تجاوزت السّاحة تابع صعودا. لمّا تصل إلى القمّة ستجد منحدرا، فانزله. ثمّ ستجد على هذا الجانب معبدا، وقريبا منه زقاقا.

ديميا     : أيّ زقاق؟

سيروس  : ذاك الّذي فيه شجرة تين فارعة.

ديميا      : أعرفه.

سيروس  : واصل معه.

ديميا      : لكنّ ذاك الزّقاق بلا منفذ.

سيروس  : صحيح وحقّ هرقل*! عفوا، أتظنّني ما زلت أملك عقلا؟ أخطأتُ: عد ثانية إلى الرّواق، لمّا تسير من هناك سيكون المكان أقرب بكثير واحتمال أن تضلّ الطّريق أضأل. أتعرف بيت الثّريّ كراتينوس؟

ديميا     : أعرفه.

سيروس  : لمّا تتجاوزه، هناك على يدك اليسرى شارع مستقيم. لمّا تصل على مستوى معبد ديانة*، در إلى اليسار: قبل أن تصل إلى الباب الخارجيّ، هناك عند الحنفيّة مخبز، ومقابله مشغل نجّار: هو هناك.

ديميا     : ماذا يصنع هناك؟

سيروس  : عهد إليه بصنع سرر* بقوائم من خشب الصّفصاف.

ديميا      : لتشربوا عليها؟ حسنا. لكن ماذا أنتظر للذّهاب إليه؟ ( ينصرف)

سيروس  : رح إذن: سأمرّن اليوم مفاصلك أيّها العجوز المتيبّس. تأخّر أسخينوس على مهله. سيتلف الغداء. أمّا كتيسيفون فيسبح في الغرام. فلأتعهّد نفسي: سأذهب وأنتقي لنفسي أحسن ما هناك وأقضي اليوم أحتسي على رسلي كبشة تلو أخرى. ( ينصرف)

 

المشهد الثّالث (592-610)

ميقيون، هيجيون

ميقيون   : لا أجد في هذا ما أستحقّ عليه كلّ هذا المديح يا هيجيون. فقد أدّيت واجبي: أصلحت ما حصل بذنبنا. إلاّ إن حسبتني من أولئك النّاس الّذين يعُدّون إهانة أن يشتكي أحد ممّا فعلوا بل فوق ذلك يصيرون هم المشتكين. ألأنّي لم أتصرّف مثلهم تشكرني؟

هيجيون  : أبدا: فما فكّرت أبدا أنّك غير ما كنت دوما. لكن أرجو يا ميقيون أن تذهب معي إلى أمّ الفتاة وتقول لها بنفسك ما قلت لي، أنّ الظّنّة نشأت بسبب أخيه، وأنّ القينة له. بذلك ستخفّف عن نفسها المضناة من الألم والبؤس، وتكون قد أدّيت واجبك كاملا. لكن إن كنت ترى غير ذلك، سأروي لها بنفسي ما قلت لي.

ميقيون  : بل سأذهب بنفسي.

هيجيون  : حسنا تفعل، فكلّ من لا تواتيهم الأيّام ظنونون أكثر من سواهم بنحو غريب: هم في كلّ شيء ميّالون أكثر  إلى رؤية الإساءة وبسبب فقرهم يظنّون أنفسهم دوما محلّ السّخرية. لذلك يستحسن أن تعتذر لها بنفسك أمامها.

ميقيون  : صدقت وأصبت.

هيجيون  : اتبعني إذن إلى داخل هذا البيت.

ميقيون  : بكلّ سرور. ( يدخلان في بيت سُستراتة)

 

المشهد الرّابع (610-635)

أسخينوس

أسخينوس: ( مخاطبا نفسه) كم تتعذّب نفسي: أيحصل لي كلّ هذا البلاء المفاجئ حتّى لصرت لا أدري ما أفعل بنفسي ولا كيف أتصرّف. أطرافي خائرة من الخوف، ونفسي مشلولة من الرّهبة وفؤادي لا يستطيع أن يقرّ على رأي. كيف سأخرج من هذا البلبال؟ تحوم الآن حولي ظنّة فظيعة، والحقّ أنّها لا تعدم مبرّرا: تظنّني سُستراتة ابتعت لنفسي هذه القينة، ذاك ما بلّغتها العجوز عنّي. فقد رأيتها صدفة لمّا أرسلتْها للبحث عن قابلة فدنوت منها في الحين وسألتها عمّا تفعل بنفيلة وإن قرب أجل الولادة، وهل أُرسِلت في طلب القابلة لذاك الغرض. فصاحت بي: "رح، هيّا رح يا أسخينوس، كفاك خداعا، كفى ما غرّتنا عهودك." قلت: "عفوا ماذا تقصدين أرجوك؟" فردّت: "سلاما، احتفظ بمن تعجبك." أدركت فورا ما يرتبن به، لكنّي تمالكت نفسي لئلاّ أبوح بشيء من سرّ أخي لتلك المهذار، فيصير معلوما للجميع. والآن ما العمل؟ أأقول إنّها صاحبة أخي؟ لكن لا حاجة بتاتا إلى إفشاء شيء من ذلك. لا، دعني من ذلك: جائز ألاّ يذعن السّرّ. أخاف أن يساورهنّ الظّنّ بي أنا، فكلّ الوقائع تتظافر على ترجيحه: أنا الّذي قمت بعمليّة الاختطاف، ودفعت النّقود، وأخذتها إلى البيت. أعترف بأنّ ذلك وقع بذنبي. لم أرو لأبي الحقيقة وإلاّ لحصلت بتوسّلاتي على إذنه بالزّواج بها. أخّرت الأمر حتّى هذا اليوم؛ والآن استيقظ يا أسخينوس. هذه أولى أولويّاتي: أذهب إليهما لتبرئة نفسي. لأدنُ من الباب. ويلي! فرائصي ترتجف لمّا أهمّ بطرقه. ( يطرق الباب) يا أهل الدّار! أنا أسخينوس. ليفتح الباب أحد فورا. لكن مهلا، شخص يخرج لا أدري من هو. لأنسحبْ إلى هنا. ( يتراجع)

 

المشهد الخامس (635-712)

ميقيون، أسخينوس

ميقيون  : ( مخاطبا سُستراتة بالدّاخل وهو يخرج) افعلي كما قلت لك يا سُستراتة. أنا من جهتي سأقابل أسخينوس، ليعرف كيف سوّينا الموضوع. لكن من طرق الباب الآن؟

أسخينوس: ( مخاطبا نفسه) هذا أبي وحقّ هرقل*! يا ويلتاه!

ميقيون  : ( مخاطبا أسخينوس) أسخينوس!

أسخينوس: ( مخاطبا نفسه) أيّ شأن له هنا؟

ميقيون  : ( مخاطبا أسخينوس) أأنت الذي طرقت الباب؟ ( مخاطبا نفسه) يسكت، لمَ لا أعبث به قليلا؟ لا بأس من ذلك لأنّه لم يشأ أن يثق بي قطّ. ( مخاطبا أسخينوس) ألا تجيبني؟

أسخينوس: هذا الباب؟ لا لم أقرعه على حدّ علمي.

ميقيون  : حقّا؟ كنت أعجب أيّ شأن لك هنا. ( مخاطبا نفسه) احمرّ وجهه: كلّ شيء على ما يرام.

أسخينوس: لكن أنت يا أبي، قل من فضلك، أيّ شأن لك هنا؟

ميقيون  : أنا لا شأن لي، لكنّ صديقا لي أتى بي السّاعة من القصبة* شاهدا.

أسخينوس: ما الخبر؟

ميقيون  : سأقول لك: تسكن هنا امرأتان فقيرتان، أظنّك لا تعرفهما، بل أنا واثق من ذلك، فقد استقرّتا هنا منذ عهد غير بعيد.

أسخينوس: ( باهتمام) وماذا بعد؟

ميقيون  : فتاة مع أمّها.

أسخينوس: واصل.

ميقيون  : البنت فقدت أباها، وصديقي هذا أقرب شخص إليه، وبالتّالي تجبره القوانين على الزّواج بها*. 

أسخينوس: ( مخاطبا نفسه) يا للمصيبة!

ميقيون  : ما بك؟

أسخينوس: لا شيء. حسنا، واصل.

ميقيون  : لذا جاء ليأخذها معه إلى ميليتوس* حيث يسكن.

أسخينوس: عفوا، ليأخذ معه الفتاة؟

ميقيون  : هو كذلك.

أسخينوس: عفوا، تقول حتّى ميليتوس*؟

ميقيون  : نعم. ( مخاطبا نفسه) غُشي عليه.

أسخينوس: وماذا عنهما؟ ما قولهما؟

ميقيون  : وماذا تتصوّرهما ستفعلان؟ لا شيء طبعا. ادّعت الأمّ، للتّملّص، أنّ طفلا وُلد لابنتها من رجل آخر لم تسمّه، وأنّه أحقّ بها ومن ثمّة لا يجوز إعطاؤها لصاحبي.

أسخينوس: ويك، ألا ترى أنّهما تطلبان حقّهما؟

ميقيون  : لا.

أسخينوس: لم لا، أرجوك؟ بأيّ حقّ يأخذها من هنا يا أبي؟

ميقيون  : ولم لا يأخذها؟

أسخينوس: لقد تصرّفتما يا أبي بقسوة وبلا رحمة بل، إن سمحت أن أقول رأيي بصراحة، وبلا مروءة أيضا.

ميقيون  : لماذا؟

أسخينوس: تسألني؟ وماذا سيحسّ، في ظنّكما، ذلك المنكود الّذي كانت تعيش معه، والّذي ربّما ما زال لشقائه يحبّها، لمّا تفتكّ من بين يديه وتؤخذ بعيدا عن عينيه؟ هذه مخزية يا أبي.

ميقيون  : بم تبرّر حكمك؟ من وعده بها؟ من أعطاها له؟ من تزوّجت ومتى وبضمانة من؟ لم تزوّج أخرى إذن؟

أسخينوس: أيعقل أن تقبع فتاة في سنّها بالبيت تنتظر أن يأتي قريب ليأخذها؟ هذا ما كان يجب أن تقول وتطرح يا أبي.

ميقيون  : أيّ سخف هذا: أتريد منّي أن أحاجّ شخصا أتى بي شاهدا وضامنا؟ ثمّ ما لنا ولهذه الأمور يا أسخينوس؟ ما شأننا بهاتين المرأتين؟ هيّا بنا. ما الأمر؟ ماذا يبكيك؟

أسخينوس: أبي، استمع إليّ أرجوك.

ميقيون  : أسخينوس، سمعت وأعلم كلّ شيء: فأنا أحبّك، وذلك يجعلني أهتمّ أكثر بكلّ ما تفعل*.

أسخينوس: أودّ أن أستحقّ حبّك ما حييت يا أبd، كما آسف كثيرا وأخجل منك على اقتراف هذه الزّلّة.

ميقيون  : أصدّقك وحقّ هرقل*: فأنا أعرف كرم طبعك، لكن أخشى أن تكون متهاونا. في أيّة مدينة تتصوّر أنّك تعيش؟ اغتصبت فتاة ما كان يحقّ لك أن تمسّها. تلك غلطة أولى كبيرة، بل هي من الكُبر، لكنّها مع ذلك إنسانيّة، فكثيرا ما ارتكب مثلها غيرك، وأناس أفاضل. لكن قل لي: بعد وقوع ذلك، هل تفكّرت في الأمر؟ هل تدبّرت أمر ما سيحدث، وكيف سيحدث؟ وكيف تتدبّر، إن كنت تستحي من محادثتي بنفسك، لأعلم الخبر؟ بينما أنت تتردّد، مضت عشرة شهور*. خذلت نفسك وتلك المنكودة وابنك، قدر ما كان الأمر بيدك. كيف؟ أكنت تحسب الآلهة سيسوّون لك كلّ شيء وأنت نائم؟ وأن تُزفّ لك في غرفتك دون أن تجشّم نفسك أدنى عناء؟ لا أريد أن أرى لديك تهاونا مماثلا بالأمور الأخرى. تشجّع، ستتزوّج هذه المرأة.

أسخينوس: عفوا!

ميقيون  : أقول لك تشجّع!

أسخينوس: أبي أرجوك، أتستهزئ أنت الآن بي؟

ميقيون  : أنا أستهزئ بك؟ لماذا؟

أسخينوس: لا أدري. لأنّي بقدر ما أتمنّى من صميم قلبي البائس أن يكون كلامك جدّا، أخشى أن يكون هزلا.

ميقيون  : رح إلى البيت وادع الآلهة، لتذهب بعد ذلك لإحضار زوجتك، هيّا اذهب.

أسخينوس: ماذا؟ إيّاها أتزوّج؟

ميقيون  : إيّاها.

أسخينوس: الآن*؟

ميقيون  : الآن متى استطعت*.

أسخينوس: حلّت بي نقمة كلّ الآلهة يا أبي، إن لم أكن أحبّك الآن أكثر من عينيّ.

ميقيون  : حقّا؟ وأكثر منها هي؟

أسخينوس: بنفس المقدار.

ميقيون  : ما أسخاك!

أسخينوس: ماذا؟ وأين ذاك الميليتيّ*؟

ميقيون  : راح، مضى، أبحر؛ لكن لماذا تنتظر؟ 

أسخينوس: رح أنت بالأحرى يا أبي لتدعو الآلهة: أنا واثق أنّهم سيستجيبون لك أكثر فأنت خير منّي بكثير.

ميقيون  : أنا ذاهب إلى البيت لإعداد ما يلزم، أمّا أنت فافعل كما قلت لك، إن كنت عاقلا. ( ينصرف) 

أسخينوس: أيّة قصّة هذه؟ أكذا يكون الأب أم كذا يكون الولد؟ لو كان أخا أو رفيقا أكان سيظهر لي ودّا أكبر؟ أليس حريّا بحبّي؟ ألا يستحقّ أن أحمله في سويداء قلبي؟ لقد جعلني بسماحته أحرص على الاحتياط في المستقبل لئلاّ أفعل عرضا وبدون قصد ما يكره، سأحترس لذلك وأنا على علم. لكن لِمَ أتأخّر في العودة فأكون سببا في تأخير زواجي؟

 

المشهد السّادس (713-718)

ديميا

ديميا     : ( مخاطبا نفسه) أنهكني المشي. ألا سحقك يوبتر* العظيم يا سيروس مع إرشاداتك! جررت قدميّ في كلّ موضع في المدينة. البوّابة، الفسقيّة، أين لم أذهب؟ ما كان هناك في كلّ تلك النّواحي منجرة ولا من يقول إنّه رأى أخي. والآن لم يبق لي إلاّ أن أضرب حراسة على بيته حتّى يعود.

 

المشهد السّابع (719-762)

ميقيون، ديميا

ميقيون  : سأذهب وأقول لهما أن لا تأخير من جانبنا.

ديميا    : ( مخاطبا نفسه) لكن مهلا، هذا هو تحديدا. ( مخاطبا ميقيون) منذ مدّة وأنا أبحث عنك يا ميقيون.

ميقيون  : لماذا؟

ديميا    : أحمل لك خبر مخاز أخرى كبيرة لذاك الفتى الفاضل.

ميقيون  : ها أنت تعيد الكرّة!

ديميا    : جرائم نكراء جديدة.

ميقيون  : أفّ، كفى أرجوك! 

ديميا    : أنت لا تعرف أيّ إنسان هو.

ميقيون  : أعرف.

ديميا    : يا لك من أخرق! أنت تظنّني أتحدّث عن الجارية: الخطأ هذه المرّة كان في حقّ فتاة مواطنة.

ميقيون  : أعرف.

ديميا    : ويحك، تعرف وتتغاضى؟

ميقيون  : ولم لا أتغاضى؟

ديميا    : قل لي: ألا تصرخ؟ ألا يُجنّ جنونك؟    

ميقيون  : كلاّ.

ديميا    : حقّا أفضّل ذلك، وُلد له صبيّ.

ميقيون  : حفظه الآلهة!

ديميا    : والفتاة لا تملك شيئا.

ميقيون  : سمعت بذلك.

ديميا    : يجب أن يتزوّجها بدون مهر*.

ميقيون  : بطبيعة الحال.

ديميا    : والآن ما العمل؟

ميقيون  : ببساطة ما يستدعيه الوضع: سيأتي بالفتاة من بيتها إلى هنا.

ديميا    : وايوبتر*! أيجوز زواج بذلك النّحو؟

ميقيون  : ماذا أفعل أكثر ممّا فعلت؟

ديميا    : ماذا تفعل؟ إن كنت لا تتألّم حقّا ممّا فعل، فتظاهر على الأقلّ. ذاك من الإنسانيّة.

ميقيون  : بل أنا قد خطبتها له وسوّيت المشكلة وسيتمّ الزّواج. أزلت كلّ المخاوف: هذا لا شكّ أقرب إلى الإنسانيّة.

ديميا    : أيرضيك مع ذلك ما حصل يا ميقيون؟

ميقيون  : لا لو كنت أقدر على تغييره. أمّا وأنا لا أقدر فأقبله بطيب خاطر. تلك هي حياة النّاس كلعبة الزّهر: إن لم ينزل في رميتك ما أنت بأشدّ الحاجة إليه، فلتصلح بمهارتك ما نزل لك على سبيل الصّدفة*.

ديميا    : يا للمصلح الماهر! ما وقع هو أنّ عشرين مينة* بُدّدت بفضل مهارتك على عازفة القيثارة الّتي يجب أن تتخلّص منها بأسرع ما يمكن وبأيّة طريقة، إن لم يكن بيعا فمجانا.

ميقيون  : ليس هناك من داع ولا أنا أسعى إلى بيعها.

ديميا    : ماذا ستفعل بها إذن؟

ميقيون  : ستبقى بالبيت.

ديميا    : بحقّ الآلهة، كيف يُظلّ سقف واحد مومسا وربّة بيت؟

ميقيون  : ولم لا؟

ديميا    : أأنت بكامل مداركك؟

ميقيون  : أعتقد.

ديميا    : قسما بكلّ الآلهة، ما أحسب حسب ما أرى من خبلك، إلاّ أنّك ستقتني جارية تغنّي معها.

ميقيون  : ما المانع؟

ديميا    : وستتعلّم منها عروس ابنك.

ميقيون  : بدون شكّ.

ديميا    : وأنت ترقص جاذبا الحبل بينهما!

ميقيون  : تماما.

ديميا    : تماما؟

ميقيون  : وأنت معنا كذلك إن لزم.

ديميا    : يا للخزي! أما تخجل من هذه التّرّهات؟

ميقيون  : بل أقول لك فوق ذلك، دع عنك يا ديميا هذا الغضب واجعل نفسك هاشّا باشّا كما يحسن بك في زفاف ابنك. والآن عفوا، أنا ذاهب للقاء الجماعة ثمّ أعود إليك. ( ينصرف)

ديميا    : ( مخاطبا نفسه) وايوبتر*! أيّ زمان! وأيّة أخلاق! وأيّ جنون! عروس تزفّ بدون مهر* وفي بيت زوجها قينة، عيش ترفٍ، وشابّ أفسدته الشّهوات، وشيخ خرف مسترسل في الهذيان. حتّى لو أرادت سالوس* نفسها حفظ هذه الأسرة لما استطاعت. 

 

<<