ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

3- معذّب نفسه

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

 

الفصل الرّابع

 

المشهد الأوّل (614-667)

سُستراتة، خريمس، المرضعة، سيروس

سُستراتة: ( مخاطبة المرضعة) إن لم تخنّي الذّاكرة، هذا الخاتم الذي أظنّني  وضعته لابنتي يوم تخلّيت عنها.

 خريمس: (وقد سمع كلامها) إلى ماذا يرمي هذا الكلام في اعتقادك يا سيروس؟

سُستراتة: ( مخاطبة كنطارة) ما رأيك؟ ألا يبدو لك هو نفسه؟

المرضعة: أكّدت لك حالما أريتنيه أنّه هو بعينه.

سُستراتة: أرجو فقط، يا عزيزتي المرضعة أنّك تأمّلته بما فيه الكفاية.

المرضعة: نعم، بما فيه الكفاية.

سُستراتة: انصرفي الآن إلى الدّاخل وإن انتهت من الاستحمام فأخبريني. في الأثناء سأنتظر زوجي هنا.      

سيروس: ( مخاطبا خريمس) إنّها تبحث عنك، فانظر ماذا تريد. لعلّة ما هي حزينة، ما دون سبب هي كذلك، كم أودّ معرفة ما بها.

خريمس: ما بها؟ وحقّ هرقل ما كلّ هذه البلبلة الكبرى إلاّ لتقول حماقات كبرى!

سُستراتة: (وقد لمحت زوجها) إيه، زوجي!

خريمس: إيه، زوجتي!

سُستراتة: أبحث عنك تحديدا.

خريمس: قولي ماذا تبتغين.

سُستراتة: أوّلا، أترجّاك ألاّ تحسبني تجرّأت على فعل شيء ضدّ أوامرك.

خريمس: تريدين منّي تصديق ذلك منك وهو لا يصدَّق؟ أصدّق. 

سيروس: ( مخاطبا نفسه) هذا الاعتذار يحمل طيّه خطيئة ما.

سُستراتة:أتذكر أنّي كنت مرّة حاملا، وأنّك أمرتني مع التّشديد، في صورة إنجاب بنت، ألاّ أربّيها.

خريمس: أحزر ما فعلتِ: ربّيتها.

سيروس: (مخاطبا نفسه) ذاك ما فعلتْ، مضيفة لي سيّدة، ولسيّدي باب إنفاق.

سُستراتة: أبدا. لكن كانت توجد هنا عجوز كورنثيّة* لا غبار عليها أعطيتها لها لتتبنّاها.   

خريمس: وا يوبتر*! أيّ طيش هذا!

سُستراتة: يا ويلتي، ماذا فعلت؟

خريمس: تسألينني؟

سُستراتة:إن كنت قد أذنبت يا خريمس العزيز فقد فعلت بدون علم.

خريمس: بالفعل أعلم يقينا، وإن أنكرتِ، أنّك متهوّرة رعناء في كلّ ما تقولين وتفعلين. لقد أظهرت بهذا الشّأن عديدا من الأخطاء. أوّلا، لو كنت تريدين اتّباع تعليماتي لكان عليك إماتتها لا إيهامي بموتها قولا وإعطاؤها فرصة للعيش فعلا. لكن أسلّم لك بذلك: الرّحمة، حنان الأمومة، ليكنْ. لكن فكّري في مدى حسن تدبّرك لما أردت بلوغه. فقد سلّمت ابنتك بكلّ بساطة لتلك العجوز لتتمعّش من بغائها سرّا أو لتبيعها علنا. أعتقد أنّك فكّرت: " كلّ شيء يهون لو فقط تعيش". ما شأنك وأناسا لا يعرفون الحقّ والصّلاح والعدل، ولا يفرّقون بين خير وشرّ، نافع ومضرّ*، ولا يرون سوى ما يروق لهم؟

سُستراتة: خريمس العزيز، أعترف أنّي أخطأت: أسلّم، والآن أرجو، وقد صرتَ بحكم سنّك أكثر رزانة وحلما، أن يكون لحماقتي في عدالتك ملاذ.

خريمس: سأغفر لك بطبيعة الحال تلك الفعلة وإن سبّب تساهلي كثيرا من تصرّفاتك السّيّئة يا سستراتة. لكن خبّريني أهذا هو الموضوع الّذي لأجله بدأت السّاعة حديثك معي؟

سُستراتة: كدأبنا جميعا، نحن معشر النّساء، في سذاجتنا ومعقتداتنا السّخيفة، لمّا تخلّيت للعجوز عنها، انتزعت من إصبعي خاتما وطلبت أن يبقى مع البنت، لئلاّ تُحرم، إن ماتت كفيلتها، من نصيبها في أملاكنا.

خريمس: حسنا فعلت، أنقذت نفسك وإيّاها.

سُستراتة: ها هو ذاك الخاتم.

خريمس: من أين لك به؟

سُستراتة: تلك الفتاة الّتي جلبتها باخيس معها ...

سيروس: ( مخاطبا نفسه) كيف؟

خريمس: ماذا تقول هذه المرأة؟

سُستراتة: لمّا ذهبت إلى الحمّام سلّمتنيه لأحفظه لها. في البداية لم أعره انتباها، لكن بعد النّظر إليه تعرّفته فورا فجئت إليك جريا.

خريمس: والآن ماذا تظنّين بشأنه وماذا تتصوّرين؟

سُستراتة: لا أدري، إلاّ أن تطلب إليها هي نفسها من أين حصلت عليه إن كان يمكنها البوح بذلك.

سيروس: ( مخاطبا نفسه) يا ويلتاه أرى من ابتسام الحظّ ما يفوق مناي: هي من الأسرة إن كان الأمر كما تقول.

خريمس: هل العجوز الّتي سلّمتها لها على قيد الحياة؟

سُستراتة: لا أدري.

خريمس: ماذا أعلنت لك يومئذ؟

سُستراتة: أنّها فعلت ما أمرتها.

خريمس: أعطيني اسم تلك المرأة لأستخبر عنها.

سُستراتة: فِلترة.

سيروس: ( مخاطبا نفسه) هي نفسها. سيكون عجبا إن لم تنجُ وأهلكْ. 

خريمس: سستراتة، هيّا اتبعيني إلى داخل البيت.

سُستراتة: عجبا فاق الواقع ما كنت آمل! لكم خفت يا خريمس ألاّ تزال على قسوتك الماضية بخصوص الاحتفاظ بها*!

خريمس: كثيرا ما لا يمكن للإنسان أن يكون كما يشاء، إن لم تسمح الظّروف. الظّرف الحاضر يحدوني  إلى الرّغبة في ابنة، بينما لم أكن في الماضي أرغب فيها قطّ.

 

المشهد الثّاني (668-678أ)

سيروس بمفرده

سيروس: إن لم يخنّي حدسي كثيرا، لن يغادرني كثيرا نكد الحظّ. ففي هذه القضيّة حوصرت قواي في  خندق ضيّق، إلا إن أجد وسيلة للحيلولة دون أن يعلم الشّيخ بأنّها عشيقة ابنه. أمّا ما أملت بخصوص النّقود وما افترضت عن إمكانيّة خداعه، فلا شيء من ذلك. أعُدّ  نصرا إمكانيّة الانسحاب بسلام. كم أتعذّب من الغبن أن تُنتزع من فمي هذه الغنيمة. ماذا أفعل؟ ماذا أبتكر؟ عليّ وضع خطّة من الأوّل. لا شيء من الصّعوبة بحيث لا يمكن بالبحث اكتشافه. ماذا لو بدأت الآن بهذا النّحو؟ كلاّ! وبهذا؟ النّتيجة مماثلة. أفكّر بهذا الحلّ: غير ممكن. بل ممكن تماما. مرحى: لديّ الحلّ الأمثل. ما أظنّ وحقّ هرقل* إلاّ أنّي سأسحبه إليّ في النّهاية، هذا المال الّذي أفلت اليوم من قبضتي.  

 

المشهد الثّالث (679-722)

كلينيا، سيروس

كلينيا: ( مخاطبا نفسه) لا يمكن بعد الآن أن يمسّني كدَر، لفرط الفرح الّذي بات يغمرني. سأقدّم نفسي بين يدي أبي وأعلن له أنّي أضحيت أعقل ممّا يبتغي هو نفسه. 

سيروس: ( مخاطبا نفسه) لم يخنّي حدسي في شيء: تمّ التّعرّف عليها، حسبما أفهم من أقواله. ( مخاطبا كلينيا) يفرحني أن تكون الأمور قد جرت بما كنت تشتهي.

كلينيا: سيروس العزيز، هل سمعت أرجوك؟

سيروس: بالتّأكيد، فقد ظللت على مقربة باستمرار.

كلينيا: من سمعت أنّ شيئا حصل له كهذا الحدث السّعيد؟

سيروس: لا أحد.

كلينيا: وإنّي وحقّ الآلهة لا أفرح لنفسي بقدر ما أفرح لها هي، وأعلم أنّها تستحقّ كلّ شرف وكلّ سعادة.

سيروس: أنا مقتنع بذلك لكن بدورك استمع إليّ الآن يا كلينيا! إذ ينبغي التّدبّر كذلك لتأمين أمر صديقك كما اتّفقنا، لئلاّ يعلم الشّيخ الآن بشيء بشأن صاحبته...

كلينيا: وايوبتر*!

سيروس: اهدأ!

كلينيا: حبيبتي أنتفيلة تتزوّج منّي.

سيروس: أهكذا تقاطعني؟

كلينيا: ماذا أصنع؟ سيروس العزيز، أنا فرح: فاصبر عليّ.

سيروس: أنا وحقّ هرقل* صابر عليك!

كلينيا: بتنا مؤهّليْن لحياة الآلهة.

سيروس: أظنّني أجشّم نفسي عناء لا يجدي!

كلينيا: تكلّم، أستمع إليك.

سيروس: لكنّك لن تستمرّ في ذلك.

كلينيا: سأفعل.

سيروس: أقول، ينبغي التّدبّر كذلك لتأمين أمر صديقك يا كلينيا كما اتّفقنا. فإن تغادرنا الآن تاركا باخيس هنا، يعلم الشّيخ فورا أنّها صاحبة كليتيفون. أمّا إن تحملها، فسيظلّ يجهل ذلك كما كان ولا يزال.

كلينيا: لكنّ لا شيء يا سيروس يعاكس زواجي مثل الّذي تقول. إذ بأيّ منطق أكلّم أبي؟ ألديك ما أقول له؟

سيروس: ولم لا؟

كلينيا: ماذا أقول له؟ وبأيّة ذريعة أتعلّل؟

سيروس: لا أريدك أن تكذب. ارو له القصّة بصراحة، تماما كما هي.

كلينيا: ماذا تقول؟

سيروس: أدعوك إلى إخباره بأنّك تحبّ هذه وتريد الزّواج بها، وأنّ تلك صاحبة كليتيفون.

كلينيا:  الآن أصدرت أمرا جيّدا ومنصفا وسهل التّنفيذ. تريد لا شكّ أن أدعو أبي إلى إخفاء ذلك عن شيخكم.

سيروس: بالعكس، ليرح مباشرة فيخبرَه بكلّ شيء بالتّفصيل.

كلينيا: ماذا؟ هل أنت بكلّ مداركك؟ إنّك ببساطة تودي به. إذ كيف سيمكنه تخليص نفسه، قل لي؟

سيروس: بدون تحفّظ أمنح خطّتي سعفة الامتياز. أجل يحقّ لي أن أفخر الآن بتيه، إذ أرى فيّ كلّ هذه الفطنة وقوّة الابتكار. فبقول الحقيقة المحض أخدعهما معا حتّى أنّ شيخكم لمّا يخبر شيخنا بأنّ تلك خليلة ابنه لن يصدّق مع أنّ تلك هي الحقيقة الخالصة.

كلينيا: لكنّك بهذه الخطّة تنزع منّي كلّ أمل في الزّواج بها بعدئذ. فلن يسلّمني ابنته إذا كان يظنّ هذه صاحبتي. كأنّي بك لا تهتمّ بما يحدث لي ولا تُعنى بغير مصلحة صاحبك.

سيروس: تبّا، أتظنّ بنيّتي الاستمرار في اللّعبة مدى الحياة؟ إن هو إلاّ يوم واحد ريثما أستلّ منه النّقود، ثمّ سلاما، انتهى الأمر.

كلينيا: أذلك كاف في اعتقادك؟ أسألك: ماذا لو علم أبي بالأمر؟

سيروس: ماذا لو التفتّ إلى من يسألون :" ماذا لو سقطت السّماء علينا كِسفا؟"

كلينيا: أخاف ماذا سأصنع.

سيروس: تخاف؟ كما لو لم يكن بإمكانك التّخلّص متى شئت وكشف الحقيقة.

كلينيا: هيّا بنا، هيّا، أحضر لنا باخيس.

سيروس: هي ذي تحديدا تخرج من الباب.

 

المشهد الرّابع (723-748)

باخيس، كلينيا، سيروس، درومون، فريجية

باخيس: ( مخاطبة نفسها) ها قد أتت بي سفها وحقّ بولكس* وعود سيروس بإعطائي عشر مينات*. لو أخلف اليوم وعده ليأتينّي بعد مرارا مترجّيا بلا طائل أن آتي، وإن أعده بالقدوم وأضرب موعدا وأعلم أنّه بلّغ الرّسالة وأنّ كليتيفون ينتظرني متحرّقا قلقا، لأخلفنّ ليدفعَ لي سيروس الثّمن جلدا على ظهره.

كلينيا: ( مخاطبا سيروس) ما ألطف ما تعدك به!

سيروس: ( مخاطبا كلينيا) أوتظنّها تمزح؟ ستفعل بالتّأكيد إن لم أحترس.

باخيس: هما نائمان، وحقّ بولكس* سأوقظهما. عزيزتي فريجية، أسمعت ذاك الرّجل إذ دلّنا السّاعة على ضيعة خارينوس؟

فريجية: سمعته.

باخيس: أهي المتاخمة لهذه على اليمين؟

فريجية: أذكر ذلك.

باخيس: اذهبي إلى هناك جريا: فعند صاحبها يحتفل صاحبي العسكريّ بعيد ديونيسوس*.

سيروس: ( مخاطبا نفسه) أيّة مكيدة تحيك ترى؟

باخيس: أخبريه أنّي محبوسة هنا غصبا عنّي، لكن سأجد طريقة للتّمويه على مرتهنيّ والقدوم إليه.

سيروس: ( مخاطبا نفسه) يا ويلتى! ( مخاطبا باخيس) باخيس، انتظري: إلى أين ترسلينها، أرجوك؟ مريها بالبقاء.

باخيس: ( مخاطبة فريجية) اذهبي!

سيروس: لكنّ المبلغ جاهز.

باخيس: لكنّي باقية هنا.

سيروس: وسيعطى لك عمّا قريب.

باخيس: كما يحلو لك. هل أصرّ من جهتي؟

سيروس: لكن أتعرفين الخبر الآخر، أرجوك؟

باخيس: ماذا؟

سيروس: سيتمّ الآن الانتقال بك إلى بيت مينيديموس وسيكون على أتباعك التّحوّل أيضا إلى هناك.

باخيس: ماذا تدبّر لنا يا ألعبان؟

سيروس: أنا؟ أسكّ نقودا لأعطيها لك.

باخيس: أتظنّني أستحقّ أن تسخر منّي؟

سيروس: لا أفعل ذلك بدون رويّة.

باخيس: هل من حاجة إلى بقائي هنا معك مزيدا من الوقت؟

سيروس: أبدا: سأعيد إليك كلّ ما لك.

باخيس: فلنذهب.

سيروس: اتبعيني من هنا. ( مناديا درومون) اسمع، يا درومون!

درومون: من يناديني؟

سيروس: سيروس.

درومون: ما حاجتك؟

سيروس: أوصلْ إلى بيتكم كلّ جواري باخيس بسرعة.

درومون: لماذا؟

سيروس: لا تسل، وليحملن كلّ ما جلبن معهنّ. سييسرّ الشّيخ بانخفاض النّفقات بانصرافهنّ. لا يعرف بتاتا أيّة خسارة فادحة سيسبّب له هذا التّوفير الطّفيف. درومون، لا تعلم ممّا تعلم شيئا* إن تلزم جانب التّعقّل.

سيروس: حدّثت أخرس.

 

المشهد الخامس (749-804)

خريمس، سيروس

خريمس: ( مخاطبا نفسه) حفظتني الآلهة إنّي لأرثي لمينيديموس أن حلّت به كارثة بهذا الحجم: إطعام تلك المرأة وكلّ تابعاتها! وإن كنت أعلم أنّه لن يشعر بذلك في الأيّام الأولى، لشدّة شوقه إلى ابنه. لكن لمّا يرى النّفقات اليوميّة الباهظة تحلّ به ولا يرى لها حدّا محدّدا، سيفضّل أن يغادره ابنه مجدّدا. لكن هوذا سيروس يأتي في الأوان.

سيروس: ( مخاطبا نفسه) ماذا أنتظر لأخاطبه؟

خريمس: سيروس!

سيروس: نعم.

خريمس: ماذا وراءك؟

سيروس: منذ مدّة أريد التّحدّث معك.

خريمس: أرى أنّك دبّرت شيئا ما مع الشّيخ.

سيروس: بخصوص ما تحادثنا به السّاعة؟ أنجزت قولأ وفعلا.

خريمس: بأمانة؟

سيروس: بأمانة وحقّ هرقل*!

خريمس: لا يسعني إلاّ أن أربّت على رأسك. اقترب يا سيروس، سأكافئك، وبكلّ سرور، على ما فعلت.

سيروس: ماذا لو عرفت إذن أيّة خطّة محكمة خطرت ببالي! 

خريمس: أراك تفخر بأنّ كلّ شيء تمّ كما شئت.

سيروس: كلاّ وحقّ هرقل*: بل الحقّ أقول.

خريمس: قل لي ما هناك.

سيروس: قال كلينيا لمينيديموس إنّ باخيس صاحبة كليتيفون، وقد حملها معه لئلاّ تتفطّن أنت لذلك.

خريمس: حسن.

سيروس: قل أرجوك...

خريمس: أقول ممتاز.

سيروس: كيف لو كنت تعلم كلّ الحقيقة؟ لكن استمع إلى بقيّة الكذبة. يقول إنّه رأى ابنتك ففتنه جمالها ويودّ الزّواج بها.

خريمس: ابنتي الّتي عثرنا عليها منذ حين فقط؟

سيروس: هي ذاتها وسيخطبها منك لا شكّ.

خريمس: لكن لم ذاك يا سيروس؟ أنا لا أفهم شيئا على الإطلاق.

سيروس: أفّ إنّك بطيء الفهم.

خريمس: ربّما.

سيروس: سيعطى مالا للزّواج بها، للحليّ والملابس الّتي...أتفهم؟

خريمس: ينوي إعدادها؟

سيروس: بالضّبط.   

خريمس: لكنّي لا أعطيها له ولا أقبل خطوبته.

سيروس: لا؟ ولِماذا؟

خريمس: لماذا؟ تسألني؟ لشخص...؟

سيروس: كما يحلو لك. لم أكن أقصد أن تعطيه إيّاها على مدى الحياة، إنّما أن تتظاهر.

خريمس: ما من عادتي التّظاهر. أعدّ طبختك دون أن تخلطني بها. أعد بابنتي شخصا لا أنوي تزويجه بها؟

سيروس: كنت أحسب...

خريمس: مستحيل.

سيروس: كان يمكن ترتيب ذلك بإحكام. أنا من جهتي بدأت في تلك المهمّة لأنّك أمرتني السّاعة بها.

خريمس: أصدّقك.

سيروس: لكنّي واثق أنّ الخطّة جيّدة ومناسبة يا خريمس.

خريمس: وأنا من جهتي أودّ حقّا أن تتدبّر لإنجاز الغرض، لكن بطريقة أخرى.

سيروس: ليكن، عليّ أن أبحث عن طريقة أخرى. لكن بشأن المبلغ الّذي يجب أن تردّه ابنتك لباخيس كما أخبرتك، لا بدّ من تسديده الآن. ولا أظنّك ستلجأ إلى تعلّة مثل :" ما شأني؟ أأعطتني ذلك المبلغ أو أعطته بإذني؟ كيف جاز لها رهن ابنتي بدون علمي؟" فكما يقول المثل: "غالبا ما يكون منتهى العدل منتهى الظّلم*".

خريمس: حاشا أن أفعل.

سيروس: بل حتّى لو سُمح بذلك للآخرين، لا يُسمح به لك: فالجميع يعتبرونك من الفئة الموسرة المحظوظة.

خريمس: سأذهب توّا لأسلّمها المبلغ بنفسي.

سيروس: بل مر بذلك ابنك بالأحرى.

خريمس: لماذا؟

سيروس: لأنّ ظنّة الحبّ تقع عليه هو.

خريمس: وماذا إذن؟

سيروس: سيبدو أقرب للعقل أن يعطيها هو المبلغ. وفي نفس الوقت سيكون أسهل عليّ إنجاز ما أريد. هوذا بالتّحديد يأتي. اذهب وأحضر بالمبلغ.

 

المشهد السّادس (805-828)

كليتيفون، سيروس

كليتيفون: ( دون الانتباه لسيروس) لا شيء مهما يسر، إلاّ ويعسر إن أكره المرء على فعله. هذه النّزهة مثلا، وإن لم تكن مرهقة، أعيتني. ولا أخشى الآن شيئا أكثر من أن أُقصى من هنا مرّة أخرى، يا ويلتاه، ولا يسمح لي بالاقتراب من باخيس. ( ينتبه لسيروس)  قاتلك كلّ الآلهة والإلهات بلا استثناء يا سيروس مع فكرتك هذه وابتكارك! لا تنفكّ تبتدع أشياء من هذا النّوع نكاية بي.

سيروس: ألا فلتذهب إلى حيث تستحقّ! إن كادت خلاعتك لَترديني!

كليتيفون: ليت ذلك وحقّ هرقل* تمّ كما تستحقّ.

سيروس: أستحقّ؟ كيف ذلك؟ يسرّني أن قلتَ لي ذلك قبل أن تستلم المال الّذي كنت أنوي تسليمك.

كليتيفون: ماذا تريد أن أقول لك إذن؟ ذهبتَ وجلبتَ صاحبتي دون السّماح لي بمسّها.

سيروس: الآن لم أعد غاضبا، لكن أتعرف أين صاحبتك باخيس الآن؟

كليتيفون: عندنا.

سيروس: كلاّ.

كليتيفون: إذن أين؟

سيروس: عند كلينيا.

كليتيفون: يا ويلتي.

سيروس: كن شجاعا: ستحمل الآن لها المبلغ الّذي وعدتها به.

كليتيفون: أنت تهزل. من أين لي به؟

سيروس: من أبيك.

كليتيفون: أتسخر ويحك منّي؟

سيروس: سترى ذلك بالتّجربة.

كليتيفون: كم أنا سعيد وكم أحبّك يا سيروس!

سيروس: لكن هذا أبوك يخرج. حذار أن تبدي دهشتك من إعطائه المال لك. أعنّي عند الحاجة. افعل ما يأمرك وأقلل من الكلام.

 

المشهد السّابع (829-841)

خريمس، كليتيفون، سيروس

خريمس: أين كليتيفون الآن؟

سيروس: ( بصوت منخفض) قل :" هأنذا".

كليتيفون: لبّيك، هأنذا.

خريمس: هل أخبرته بالموضوع؟

سيروس: قلت له كلّ شيء إجمالا.

خريمس: ( مخاطبا كليتيفون) خذ هذا المبلغ واحمله إليها.

سيروس: رح، ماذا وقوفك كالصّخرة؟ هلاّ أخذت؟

كليتيفون: (لخريمس) هات إذن!

سيروس: اتبعني بسرعة من هنا. ( مخاطبا خريمس) انتظر هنا حتّى نخرج. لا شيء يؤخّرنا طويلا هناك.

خريمس: ( مخاطبا نفسه بعد انصرافهما) لقد استلمت منّي ابنتي عشر مينات* هي منّي الآن بمثابة عطيّة ترحاب، وستتبعها أخرى للحليّ والملابس. فضلا عن ذلك يطلبون وزنتين* للمهر. كم في عاداتنا من بدع سقيمة وفاسدة! صار عليّ الآن أن أتخلّى عن كلّ شيء وأجد من أعطيه ما اكتسبت بكدّي!

 

المشهد الثّامن (842-873)

مينيديموس، خريمس

مينيديموس: أراني الآن أسعد النّاس قاطبة، إذ أراك يا ولدي ثبت إلى رشدك.

خريمس: ( مخاطبا نفسه) كم يخطئ!

مينيديموس: ( مخاطبا خريمس) عنك تحديدا كنت أبحث يا خريمس: أنقذْنا، قدر ما هو بيدك، أنا وابني وأسرتي.

خريمس: قل لي ما تطلب منّي فعله.

مينيديموس: وجدتَ اليوم ابنتك.

خريمس: ماذا بعد؟

مينيديموس: يريد كلينيا أن تزوّجها له.

خريمس: قل لي أيّ شخص أنت يا رجل!

مينيديموس: ماذا تعني؟

خريمس: أنسيت ما قيل بيننا السّاعة بخصوص الخدعة، لابتزاز المال منك بواسطتها؟

مينيديموس: أعرف.

خريمس: ذاك بالذّات ما نحن بإزائه.

مينيديموس: ماذا تقول يا خريمس؟ أأخطأتُ؟ أكان ذلك تمثيلا؟ يا لخيبة أملي! لكنّ الّتي في بيتي صاحبة كليتيفون: هذا ما يقولون.

خريمس: وأنت تصدّق أقوالهم. يقولون كذلك إنّه يريد الزّواج لتعطيه لمّا تخطبها ما يشتري به الحليّ والملابس وبقيّة المتطلّبات.

مينيديموس: هو ذاك بالتّأكيد: سيعطي المبلغ لصاحبته.

خريمس: بدون شكّ سيعطيه لها.

مينيديموس: واحسرتاه! بدون مبرّر فرحتُ إذن. مع ذلك أفضّل أيّ شيء على فقدانه. والآن بأيّ ردّ منك أخبره يا خريمس، كيلا يدرك أنّي أدركت اللّعبة فيغتمّ؟

خريمس: يغتمّ؟ إنّك تتساهل معه أكثر ممّا ينبغي يا مينيديموس.

مينيديموس: دعك من هذا، وواصل يا خريمس حتّى النّهاية اللّعبة الّتي بدأتم.

خريمس: قل إنّك قابلتني وحادثتني بشأن الزّواج.

مينيديموس: سأقول. ثمّ ماذا؟

خريمس: اذكر أنّي سأفعل كلّ المطلوب، وأنّي أرتضيه صهرا. بل إن شئت أيضا، قل إنّي أعده بها.

مينيديموس: هذا ما كنت أريد.

خريمس: ليطلبَ منك المزيد سريعا ولتعطيَه أنت ما يريد بأقصى سرعة.

مينيديموس: أنا راض بذلك.

خريمس: كما أرى سير الأمور، ستملّه قريبا لا شكّ. لكن، نظرا لما هي عليه الآن، ستعطيه، إن تعقّلت، باحتياط ودون إفراط.

مينيديموس: سأفعل.

خريمس: ادخل إذن وانظر ماذا يطلب. أنا ذاهب إلى بيتي فيما لو أردتني في شيء.

مينيديموس: لا شكّ أنّي أريدك. فسأخبرك بما أفعل.

 

<<