ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

3- معذّب نفسه

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

الفصل الثّاني

 

المشهد الأوّل (213-229)

كليتيفون

كليتيفون: أيّ قضاة ظالمين هم الآباء في حقّ كلّ الشّبّان! هم الّذين يرون من الطّبيعيّ أن ننشأ شيوخا منذ نعومة أظفارنا، وألاّ نعير بالا بما يحمل الشّباب من ظواهر. هم يحكمون وفق ميولهم الحاضرة لا الماضية. لو رُزقت يوما ولدا ليجدنّ فيّ أبا سمحا. ستتاح لي الفرصة لأعرف وأغفر أخطاءه، لا كما يفعل أبي الذي يريني حكمه من مثل الآخرين. ويح نفسي كم يروي لي من مآثر كلّما شرب أكثر قليلا من الحدّ. الآن يقول لي: " لتتّخذ ممّا يحصل لغيرك تجربة لك، ولتكن لك فيه عبرة "، يا للدّاهية! هو لا يعرف إذن أنّ ما يروي لي لم يقع في أذن أصمّ. لكن تكدّرني الآن أكثر أقوال صاحبتي: "أعطني" و"هات لي". ولا أملك شيئا لأجيبها. حقّا لا يوجد أحد أتعس منّي. حتّى كلينيا، وإن يكن له من الهموم ما يكفيه، له على الأقلّ صاحبة ذات تنشئة صالحة، عفيفة، وتجهل أساليب المومسات*. بينما صاحبتي متسلّطة، رقيعة، متغطرسة، مسرفة، سيّئة الذّكر. ولا يسعني أن أقدّم لها إلاّ "حسنا"، إذ أستحي من إخبارها بأنّي لا أملك نقيرا. لقد عثرت على هذه اللّعينة منذ فترة قصيرة وأبي حتّى الآن لا يعلم بذلك.

 

المشهد الثّاني (230-241)

كلينيا، كليتيفون

كلينيا: ( مخاطبا نفسه) لو كانت أخبار هواي على ما يرام لكانتا قد وصلتا منذ لأي. لكن أخشى أن تكون خانت عهدي في غيابي. تتظافر على ترجيح هذا الظّنّ لديّ عدّة اعتبارات: خلوّ الجوّ، منزلتها، سنّها وأمّ خبيثة لا تؤثر على المال شيئا، تطيعها طاعة عمياء 

كليتيفون: كلينيا!

كلينيا: يا لشقائي!

كليتيفون: احترس من أن يراك صدفة أحد وهو يخرج من بيت أبيك.

كلينيا: سأفعل. لكنّ نفسي تحدّثني بأنّ مكروها حصل بالتّأكيد.

كليتيفون: أمستمرّ أنت في الحكم بالظّنّ بهذا النّحو قبل تبيّن حقيقة الأمر؟

كلينيا: لو لم يحصل مكروه لكانتا قد حضرتا.

كليتيفون: ستحضران قريبا.

كلينيا: متى؟

كليتيفون: كأنّك تجهل بعد هذا المكان نسبيّا، ثمّ إنّك تعرف عادات النّساء: يمرّ عام كامل قبل أن يتهيّأن ويشرعن في ما ينوين فعله

كلينيا: أنا خائف يا كليتيفون.

كليتيفون: بإمكانك أن تتنفّس بارتياح، فهاهما درومون وسيروس جاءا معا.

 

المشهد الثّالث (242-380)

سيروس، درومون، كلينيا، كليتيفون 

سيروس: ( مخاطبا درومون) أحقّ ما تقول؟

درومون: هو كذلك.

سيروس: لكن، في الأثناء، بينما نتجاذب نحن أطراف الحديث، تخلّفتا لوحدهما.

كليتيفون: ( مخاطبا كلينيا) هذه صاحبتك حضرت إليك، أتسمع يا كلينيا؟

كلينيا: أسمع فعلا والآن أرى كذلك، وتعود إليّ الرّوح يا كليتيفون!

درومون: ( مخاطبا سيروس) لا غرابة فقد عطّلهما اصطحاب جيش من الجواري.

كلينيا: ( مخاطبا كليتيفون) يا ويلتى! من أين جاءتا بكلّ هؤلاء الجواري؟ 

كليتيفون: أتسألني أنا؟

سيروس: ( دون أن يراهما) ما كان ينبغي تركهما، فهاهما تحملان كما هائلا من الأمتعة.

كلينيا: وامصيبتاه!

سيروس: ملابس وحلياّ، والمساء حلّ وهما لا تعرفان الطّريق. قد ارتكبنا حماقة، اذهب للقائهما يا درومون، أسرع، ما لك واقف؟

كلينيا: يا لتعاستي. هوَيت من حالق أملي.

كليتيفون: لِم تقول ذلك؟ عجبا لك، ماذا يكدّرك الآن؟

كلينيا: تسألني ما هو؟ ألا ترى؟ جواري، وحليّا وملابس، من أين تظنّها جلبتها وقد تركتها مع خادمة واحدة؟

كليتيفون: آه، بدأت الآن أفهم ما تفكّر به!

سيروس: يا لآلهة السّماء، أيّ حشد هذا؟ بالكاد يسعهنّ بيتنا، أنا واثق من ذلك. كم سيأكلن وكم سيشربن، وكم سيثقل الأمر على سيّدنا. لكنّي أرى من كنت أريد رؤيتهما.

كلينيا: وايوبتر أين الوفاء؟ بينما كنت أهيم على وجهي كالأخبل بعيدا عن وطني من أجلكِ كنتِ يا أنتفيلة تجمعين ثروة وتخلّيت في الضّرّاء عنّي أنت الّتي بسببك بتّ في قمّة الخزي وعصيت أبي الّذي يخجلني ويؤسفني الآن أنّه عبثا حدّثني عن طباعهنّ، وحذّرني منهنّ فما استطاع قطّ إبعادي عنها. لكنّي سأنفّذ الآن رغبته. لقد رفضت آنذاك ما كان يكفل لي نيل رضاه. لا أحد أتعس منّي. 

سيروس: ( مخاطبا درومون) واضح أنّ صاحبنا يخطئ في فهم ما قلنا قبل لحظة. ( مخاطبا كلينيا) كلينيا أنت تخطئ في نظرتك إلى محبوبتك. فحياتها لا تزال على حالها وفؤادها لك كما كان قبل، إن حكمنا بناء على الواقع.

كلينيا: ماذا تعني أرجوك؟ فلا أتمنّى الآن شيئا أكثر من أن تكون ريبتي في غير محلّها.

سيروس: أوّلا وكيلا تجهل شيئا بشأنها، اعلم أنّ العجوز الّتي يشاع أنّها أمّها ليست أمّها، فهذه قد ماتت. سمعتها صدفة تروي ذلك هي نفسها للأخرى في الطّريق.

كليتيفون: من تكون الأخرى إذن؟

سيروس: مهلا يا كليتيفون، دعني أوّلا أتمم الحديث الذي بدأت، ثمّ سآتي إلى ما طلبتَ. 

كليتيفون: عجّل!

سيروس: أوّلا وقبل كلّ شيء، حالما وصلنا إلى البيت قرع درومون الباب. فخرجت له العجوز، وما كادت تفتح الباب حتّى اندلق إلى الدّاخل، وتبعتُه بدوري، فأوصدت العجوز الباب وعادت إلى النّول. أمكن إذّاك، وأفضل من أيّ وقت آخر، أن نعرف أسلوب حياتها، إذ جئناها بغتة. وفّرت لنا تلك المناسبة مجالا كافيا للحكم على طريقة عيشها اليوميّة، التي تظهر أكثر من أيّ شيء سواها طباع كلّ منّا. لقيناها مكبّة على حياكة قطعة من النّسيج، متّشحة ببساطة بثوب حداد، حزنا على أمّها في ظنّي، بدون حليّ، متزيّنة فقط كما تتزيّن النّساء لأنفسهنّ بدون ما يشغفهنّ من زخرف، وقد سرّحت شعرها الغزير وأسدلته بإهمال حول رأسها. والسّلام.

كلينيا: سيروس العزيز، أرجوك، لا تلق بي في سعادة زائفة.

سيروس: كانت العجوز تحبك اللحمة، ولم يكن يوجد فضلا عنها سوى خادمة واحدة كانت تنسج معهما، مكسوة بأسمال بالية، مهملة الهيئة، ومنفّرة من القذارة. 

كليتيفون: إن كانت أقواله صحيحة يا كلينيا، كما يبدو لي، فمن أوفر منك حظّا؟ أتعلم ما تعني تلك الخادمة الوسخة المهملة*؟ هي دليل قويّ على أنّ سيّدتها أحصنت عرضها عمّا يشين، إذ لا يعنى مراسيلها قطّ بهندامهم. فمن عادة العشّاق الرّاغبين في الوصول إلى السّيّدات تقديم الهدايا أوّلا للخادمات.

كلينيا: ( مخاطبا سيروس) واصل أرجوك وإيّاك أن تحاول إرضائي باطلا. ماذا قالت لمّا ذكرت لها اسمي؟

سيروس: لمّا أخبرناها بعودتك وطلبك منها موافاتك، توقّفت فورا عن النّسيج وغمرت وجهها الدّموع، ومن السّهل معرفة أنّ سبب تأثّرها شوقها إليك.

كلينيا: من البهجة لا أدري أين أنا، حفظني الآلهة، فلشدّ ما خفت قبل.

كليتيفون: لكنّي كنت أعلم أنّ ظنونك في غير محلّها يا كلينيا. واصل يا سيروس وقل من المرأة الأخرى.

سيروس: أتينا بحبيبتك باخيس.

كليتيفون: ماذا؟ باخيس. أين اقتدتها يا بذرة السّوء؟

سيروس: أين اقتدتها؟ إلى بيتنا بالطّبع.

كليتيفون: عند أبي؟

سيروس: عند أبيك طبعا.

كليتيفون: يا لقحة هذا الوغد!

سيروس: لسوء الحظّ لا يخلو من خطر كلّ عمل عظيم جدير بالذّكر!

كليتيفون: انظر إلى هذا اللّئيم: أتطلب لنفسك المجد والتّقريظ مجازفا بحياتي يا مجرم؟ لو فاتتك أدنى هفوة لهلكتُ. ( مخاطبا كلينيا) ماذا أنت فاعل به؟

سيروس: لكن في الواقع...

كليتيفون: ماذا "في الواقع"؟

سيروس: إن سمحتَ فسأقول.

كلينيا: اسمحْ له.

كليتيفون: أسمح.

سيروس: الوضع الآن كما لو...

كليتيفون: تبّا، أيّة خزعبلات شرع يقصّ عليّ؟

كلينيا: سيروس، إنّه على حقّ، فدع هذا وعد إلى الموضوع.

سيروس: لكنّي لا أستطيع السّكوت، أنت متحامل عليّ كثيرا يا كليتيفون، بل أنت لا تطاق.

كلينيا: بحقّ هرقل، ينبغي الإصغاء إليه، فاسكت.

كليتيفون: ماذا؟

سيروس: تريد أن تعشق، وتريد أن تظفر بالحبيبة، وتريد إيصال هداياك إليها، ولا تريد المخاطرة للفوز بها. أنت متعقّل ولا خطل في موقفك، إن كان التّعقّل يعني إرادة المستحيل. لا بدّ من قبول هذا مع ذاك، أو التّخلّي عن كليهما. فانظر أيّ الخيارين تفضّل. لكنّي واثق أنّ القرار الّذي اتّخذتُ سليم ومأمون. إذ يمكن لحبيبتك في بيت أبيك أن تكون معك دون أن تخشى شيئا، ناهيك أنّي سأجد طريقة لتسليمها المال الّذي طلبتَ منّي وتوسّلتَ حتّى أصممتَ أذنيّ. فماذا تريد أكثر من ذلك؟

كليتيفون: بشرط أن يحصل ما تقول.

سيروس: بشرط؟ بالتّجربة ستعلم.

كليتيفون: هيّا، هيّا، قدّم لنا خطّتك: ما هي؟

سيروس: سنتظاهر بأنّ صاحبتك هي صاحبته (يشير إلى كلينيا).

كليتيفون: حسنا، لكن ماذا سيفعل بصاحبته؟ أنقول إنّها له أيضا كما لو لم تكن واحدة تكفي لفضيحته؟

سيروس: بل سنحملها إلى أمّك.

كليتيفون: ولِم ذلك؟

سيروس: سيطول عليّ يا كليتيفون شرح مبرّراتي لفعل ذلك.

كلينيا: هو على حقّ.

كليتيفون: خزعبلات. لا أرى حقّا أيّ مبرّر متين يزيل مخاوفي لقبول هذه الخطّة.

سيروس: انتظر، إن كانت هذه الخطّة تخيفك فلديّ أخرى، سيقرّ كلاكما أنّها خالية من الخطر.

كليتيفون: حبّذا لو تجد شيئا من هذا القبيل.

كلينيا: هذا عين الصّواب.

سيروس: سأذهب للقائهما وأهيب بهما أن تعودا إلى بيتهما.

كليتيفون: كيف؟ ماذا قلت؟

سيروس: سأزيل بذلك كلّ مخاوفك، فتنام قرير العين.

كليتيفون: ماذا أصنع الآن؟

كلينيا: أنت؟ أيّ شيء مناسب...

كليتيفون: سيروس، قل الحقّ فقط.

سيروس: تصرّف الآن، فبعدئذ ستكون مساعيك متأخّرة وعديمة الجدوى.

كلينيا: قُدّمت لك فرصة فانتهزها ما دامت سانحة، إذ لا تدري...

كليتيفون: سيروس، أقول لك.

سيروس: هيّا، تابع، مع ذلك سأفعل ما قلتُ لك. ( ينصرف)

كلينيا: ( متمّا كلامه) إن كان بوسعك من بعد فعله أو لا.

كليتيفون: حقّ لعمري ما تقول. سيروس، سيروس، اسمع يا سيروس! 

سيروس: ( مخاطبا نفسه) انخلع قلبه. ( مخاطبا كليتيفون) ماذا تريد؟

كليتيفون: عد، عد!

سيروس: هأنذا، قل ما حاجتك. من جديد ستنفي أن تكون هذه الخطّة هي الأخرى مرضية بالنّسبة إليك.

كليتيفون: أبدا يا سيروس بل أسلّمك نفسي وحبّي وسمعتي. أنت الحكم، فاحرص على ألاّ تكون في موقع الاتّهام.

سيروس: مضحك أن تنبّهني إلى ذلك يا كليتيفون كما لو كان الأمر أقلّ خطرا عليّ ممّا هو عليك. إن حدث عرضا ما يفسد خطّتنا كان نصيبك تقريعا لفظيّا، أمّا مخاطبك فسينال تقريعا بالسّياط: لهذا السّبب عليّ ألاّ أتهاون بهذا الشّأن. أنت من جهتك اجهتد لإقناعه بالتّظاهر بأنّ تلك صاحبته.

كلينيا: سأفعل طبعا. فقد وصلت الأمور إلى نقطة بات فيها ذلك ضروريّا.

كليتيفون: أنا أحبّك يا كلينيا وأنت أهل لذلك.

كلينيا: من جهتها، ينبغي ألاّ ترتكب أيّة هفوة.

سيروس: لقد علّمتها كما ينبغي ما عليها فعله.

كليتيفون: لكنّي أعجب حقّا كيف أمكنك بتلك السّهولة إقناعها، فقد اعتادت أن تستخفّ بالآخرين.

سيروس: جئتها في الوقت المناسب، وذاك أهمّ العوامل. وجدت هناك جنديّا يترجّاها منحه ليلة بنحو يثير الشّفقة. كانت تعامله بنحو يلهب نفسه المتيّمة من الحرمان ويرضيك تماما لا شكّ. لكن حذار أن تلقي بنفسك بدون تروّ. تعرف مدى تبصّر والدك بهذه الأمور، وأعلم عجزك عن تمالك نفسك كعادتك. فامتنع رجاءً عن الكلمات المحرّفة عن معانيها واللّفتات والانعطافات والآهات والنّأمات والنّحنحات والسَّعولات والضّحكات.

كليتيفون: سأكون أهلا لثنائك.

سيروس: احرص على أن تكون كذلك.

كليتيفون: ستعجب أنت نفسك منّي.

سيروس: ( بينما تدخل المرأتان مع تابعاتهما) لكن كم كانتا سريعتين في اتّباعنا.

كليتيفون: أين هما؟ ( مخاطبا سيروس الذي يمنعه من الاقتراب من باخيس) لم تحتجزني؟

سيروس: لم تعد هذه صاحبتك.

كليتيفون: أعرف، الأمر كذلك عند أبي، أمّا الآن، في الأثناء...

سيروس: ولا الآن أيضا.

كليتيفون: اسمح لي...

سيروس: لا أسمح، أقول لك.

كليتيفون: أرجوك، قليلا فقط.

سيروس: أرفض.

كليتيفون: لأحيّيها فحسب.

سيروس: اذهب إن شئت أن تتعقّل. 

كليتيفون: أنا ذاهب. وماذا عنه هو؟ ( يشير إلى كلينيا).

سيروس: سيبقى.

كليتيفون: ما أسعده فتى!

سيروس: هيّا انصرف!

 

المشهد الرّابع (381-409)

باخيس، أنتفيلة، كلينيا، سيروس

باخيس: ( دون أن ترى كلينيا وسيروس) وحقّ السّماء، يا عزيزتي أنتفيلة، أهنّئك، وأجد أنّك حقّا محظوظة، إذ حرصتِ على أن يكون خلقك في مثل جمال خلقتك، ولا أعجب، حفظتني الآلهة، أن يتمنّاك كلّ واحد. حديثك دلّني على طباعك، ولمّا أنظر بيني وبين نفسي إلى حياتك وإلى كلّ من يعشن مثلك بمعزل عن النّاس، لا أستغرب أن تكنّ ولا نكون بهذا الخلق. فمناسب لكنّ أن تكنّ صالحات، أمّا نحن فلا يتيح لنا ذلك من نتعامل معهم. فإنّما يدفع العشّاقَ إلى خطب ودّنا جمالُنا. فإذا اعتراه ذبول تحوّلوا إلى غيرنا. وإن لم نحسب في الأثناء للأمر حسابه نعشْ نسيا منسيّا. أمّا أنتنّ فلمّا تقرّر إحداكنّ قضاء حياتها مع رجل واحد تنسجم طباعه مع طباعها، يتعلّق بها، ويرتبط كلاهما بالآخر ارتباطا وثيقا بحيث لا  تستطيع أيّة محنة أن تعكّر أبدا صفو مودّتهما.

أنتفيلة: لا أدري كيف هنّ الأخريات لكن فيما يخصّني أعرف أنّي اجتهدت دوما لجعل راحتي توافق راحته.

كلينيا: ( مخاطبا نفسه) مرحى يا أنتفيلة الحبيبة، أنتِ الآن بمفردك تعيدينني إلى وطني. فمذ غبت عنك، وجدت كلّ ما زاولت من الأعمال هيّنا أمام الحرمان منك.

سيروس: أنا واثق ممّا تقول.

كلينيا: سيروس، لا أقوى على تحمّل الموقف. أيّ غبن ألاّ يُتاح لي أن أنعم على هواي بحبيبة بهذه السّجيّة؟

سيروس: حسبك! فكما أعرف عادة أبيك، سيوبّخك مرّة أخرى بكلّ فظاظة.

باخيس: ( ترى سيروس وكلينيا) من ذاك الفتى الّذي ينظر إلينا؟

أنتفيلة: آه، أسنديني، أرجوك.

 باخيس: ما دهاك، أرجوك؟

أنتفيلة: هلكتُ، متُّ، يا لبؤسي!

باخيس: لم أنت منخطفة يا أنتفيلة؟

أنتفيلة: أهو كلينيا الّذي أرى أم لا؟

باخيس: من ترين؟

كلينيا: أهلا يا روحي!

أنتفيلة: أهلا، كلينيا حبيبي.

كلينيا: كيف حالك؟

أنتفيلة: أنا فرحة بعودتك بالسّلامة.

كلينيا: أفزتُ بك يا أنتفيلة، أنت من يهفو إليك فؤادي فوق كلّ ما في الوجود.

سيروس: هيّا ادخلي، فالشّيخ في انتظاركما منذ فترة.

 

 

الفصل الثّالث

 

المشهد الأوّل (410-511)

خريمس، مينيديموس

خريمس: ها قد طلع الفجر. ماذا أنتظر لطرق باب جاري ليعلم منّي قبل غيري عودة ابنه؟ حتّى وإن كنت أعلم أنّ الفتى لا يرغب في ذلك. لكن أأخفي عن المسكين وأنا أرى معاناته من البيْن هذه الفرحة الّتي ما كان يأملها ولا خطر من كشفها على فتاه؟ لا لن أفعل، بل سأساعد الشّيخ قدر طاقتي، وكما أرى ابني مع تربه ورفيقه في شؤونه، من الطّبيعيّ أن نتآزر نحن أيضا معشر الشّيوخ.

مينيديموس: ( مخاطبا نفسه وهو يخرج من بيته) إمّا وُلدت نحس الطّالع بنحو عجيب معدّا للشّقاء، وإلاّ فباطل ما يردّد النّاس عن قدرة الزّمن على محو الألم من قلوب الجميع، فلديّ يزداد الأسف على ولدي كلّ يوم، وبقدر ما يطول غيابه عنّي يزيد حنيني إليه.

خريمس: ( مخاطبا نفسه) لكن ها هو يخرج من باب منزله. سأذهب لأكلّمه. ( مخاطبا مينيديموس) مينيديموس، سلاما! أحمل لك خبرا تتمنّى سماعه أكثر من أيّ شيء.

مينيديموس: ماذا سمعت عن ولدي، يا خريمس؟

خريمس: هو حيّ بخير.

مينيديموس: أين هو، أرجوك؟

خريمس: عندي بالبيت.

مينيديموس: ابني؟

خريمس: نعم.

مينيديموس: أتى؟

خريمس: بالتّأكيد.

مينيديموس: أتى ولدي كلينيا؟

خريمس: كما أخبرتك.

مينيديموس: هيّا، أرجوك خذني إليه.

خريمس: لكنّه لا يودّ أن تعلم بعودته ويتجنّب مرآك مخافة أن تكون قسوتك القديمة قد زادت بسبب غلطته. 

مينيديموس: ألم تخبره بحقيقة مشاعري نحوه؟

خريمس: لا.

مينيديموس: لماذا يا خريمس.

خريمس: لأنّك ستسبّب لنفسك وله مضرّة، إن ظهرت له في موقف الضّعيف المغلوب.

مينيديموس: لا أستطيع، كفاني، نعم كفاني صرامة مع ولدي!

خريمس: إنّك تشطّ في كلا الاتّجاهين يا مينيديموس، فإمّا إفراط وإمّا تفريط. في كلتا الحالتين ستقع في نفس المتاعب. بالأمس عوض السّماح لابنك بمعاشرة فتاة لا خطر منها تقنع بالقليل وتشكر ما يأتيها منه أطردته، فاضطرّت كرها إلى تأمين عيشها من كافّة النّاس*. والآن حيث لا يمكن الظّفر بها دون نفقات باهضة، تريد أن تعطي بدون حساب. لتعرف مدى استعدادها لإيذائك اعلمْ أوّلا أنّها جلبت معها أكثر من عشر جوار محمّلات بالحلي والحلل. حتّى لو كان صاحبها مرزبانا لما استطاع أبدا سداد نفقاتها، فما بالك بك أنت؟

مينيديموس: أهي بالدّاخل؟

خريمس: تسأل إن كانت هناك؟ لاحظت ذلك إذ قدّمت لها ولمرافقاتها العشاء، ولو كان عليّ تقديم وجبة ثانية لخرب بيتي. إن أقتصر على ذواق النّبيذ، كم أتلفت منه قائلة: "هكذا. هذا حامز يا عمّاه، هات آخر أحلى لطفا". فتحتُ كلّ القوارير وفضضتُ أختام كلّ الجرار، وضعتُ في خدمتهنّ كلّ الخدم. هذا لليلة واحدة*. فإلام ستؤول حالك في ظنّك لمّا يأكلن عندك يوميّا؟ وحقّ الآلهة، إنّي لأرثي لثروتك يا مينيديموس.

مينيديموس: ليفعل ما يروق له، ليأخذ، ليستهلك، ليبذّر*، فقد قرّرت أن أتحمّل كلّ ذلك شرط بقائه معي فقط.

خريمس: إن كنت فعلا تعتزم التّصرّف معه بهذا الأسلوب، أرى في غاية الأهمّيّة ألاّ يشعر أنّك تتيح له ذلك بعلمك.

مينيديموس: ماذا أفعل إذن؟

خريمس: كلّ ما يروق لك سوى ما تفكّر به الآن: يمكن أن تعطيه بواسطة أيّ أحد، أو أن تتظاهر بالانخداع بحيل أحد عبيدك، بل شعرتُ أنّهم بدؤوا في ذلك فعلا واتّفقوا عليه سرّا، فسيروس وخادمك يتهامسان ويقدّمان نصائح لولدينا. أفضل لك أن تخسر بهذه الكيفيّة وزنة* من أن تخسر بالآخر مينة*. فالآن لا يتعلّق الأمر بالمال بل بأيّ نحو فيه أدنى قدر من الخطر نعطيه لفتاك. فلو علم عرَضا بحقيقة موقفك، واستعدادك لتقديم نفسك وكلّ مالك  بدل فقدان وجوده بجانبك، تكون قد فتحت على طريق الرّذيلة ثغرة وأيّة ثغرة، وألقيت بنفسك في وضع سيفقدك لذّة العيش. فإنّا ننجرّ بسهولة إلى كلّ السّيّئات. كلّ ما سيخطر بباله سيريده ولن يتساءل إن كان صالحا أو سيّئا، سيبتغيه وحسبُ. أمّا أنت فلن تتحمّل رؤيته يضيع ماله ونفسه، وسترفض إعطاءه، وسيلجأ حينئذ إلى ما يراه الأنجع معك: سيهدّد بهجرك فورا.

مينيديموس: يبدو لي أنّك ترى وتصف الأشياء على حقيقتها.

خريمس: لم تذق عيناي، وحقّ السّماء، للنّوم طعما هذه اللّيلة، وأنا أبحث عن طريقة تردّ إليك ابنك.

مينيديموس: مدّ لي يدك أصافحك، أرجو أن تستمرّ في ذلك يا خريمس.

خريمس: وأنا مستعدّ لذلك.

مينيديموس: أتعرف ما أريدك أن تفعل الآن؟

خريمس: قل.

مينيديموس: بما أنّك شعرت أنّهم شرعوا في خداعي، فاجعلهم يعجّلون، فإنّي أودّ إعطاءه ما يريد، بل أرغب في رؤيته هو بنفسه.

خريمس: سأهتمّ بالأمر. لكنّ شأنا بسيطا يمنعني من ذلك الآن. فقد تخاصم جارانا سيموس وكريتون على حدود مزرعتيهما وحكّماني بينهما. سأذهب وأخبرهما بأنّي لا أستطيع اليوم التّفرّغ للأمر كما وعدتهما من قبل، ثمّ أحضر إليك في الحال.

مينيديموس: افعل بوركت.( يخرج خريمس) بحقّ الآلهة، هل جُبلت طبيعة كلّ البشر على أن يروا ويقيّموا بتبصّر شؤون غيرهم أكثر من شؤونهم؟ أمردّ ذلك ترى أنّ فرط فرحنا أو حزننا في شؤوننا يعوقنا؟ فلكم يبدو هذا الرّجل أحكم منّي في ما يخصّني!

خريمس: ( يعود) لقد ألغيت التزامي لأتفرّغ لمشكلتك. عليّ أوّلا أن آخذ سيروس على حدة وألقّنه. لكنّي أرى شخصا، لا أدري من يكون، يخرج من بيتي، فعد إلى بيتك كيلا يشعروا أنّا نتفاهم فيما بيننا.

 

المشهد الثّاني (512-561)

سيروس، خريمس

سيروس: ( مخاطبا نفسه، دون رؤية خريمس) اجر في كلّ صوب، لا بدّ أخيرا أن تجد المبلغ: لا بدّ من حبك حيلة للشّيخ.

خريمس: ( مخاطبا نفسه) أكنت مخطئا في ظنّي بأنّهم يعدّون لي حيلة؟ يبدو أنّ عبد كلينيا بطيء شيئا ما، لذا أسندوا المهمّة لعبدنا.

سيروس: ( يسمعه) من يتكلّم هنا؟ ( مخاطبا نفسه) يا ويلتي. هل سمع ترى أقوالي؟

خريمس: سيروس! 

سيروس: نعم، ماذا؟

خريمس: ماذا تصنع هنا؟

سيروس: خيرا لعمري. لكنّي أعجب من تبكيرك يا خريمس وقد شربت البارحة كثيرا.

خريمس: لا شيء فوق الحدّ.

سيروس: تقول "لا شيء"؟ بل هي على ما أرى شيخوخة النّسر كما يقال!

خريمس: بخٍ!

سيروس: امرأة لطيفة حقّا وظريفة تلك المومس*.

خريمس: بالتّحقيق.

سيروس: أتبدو لك أنت الآخر كذلك؟ وأيّ جمال صبوح وحقّ هرقل*!

خريمس: هي كما تقول.

سيروس: حسناء فعلا، لا حسن نساء الماضي، بل بمعايير أيّامنا. لا غرابة حقّا في أن يتيّم كلينيا بحبّها. لكنّ له أبا حريصا، جارنا ذاك التّعيس الشّحّيح: أتعرفه؟ كما لو لم يكن يملك أموالا  طائلة، سافر ابنه من الفقر. أتعلم أنّ ذلك حدث كما أقول لك؟

خريمس: وكيف لا؟ ( مخاطبا نفسه) يا له من عبد لئيم، جدير بإدارة رحى الطّاحونة*!

سيروس: ( سمع قوله) من؟

خريمس: أتكلّم عن عبد الشّابّ، الّذي...

سيروس: ( مخاطبا نفسه) سيروس، خفتُ حقّا عليك!

خريمس: ( متمّا) سمح بحدوث ذلك.

سيروس: وماذا كان عليه أن يصنع؟

خريمس: تسألني؟ أن يجد حلاّ، أن يستنبط حيلة توفّر للشّابّ ما يعطي لخليلته وينقذ العجوز العنيد غصبا عنه!

سيروس: أنت تمزح.

خريمس: بل ذاك حقّا ما كان يجدر به فعله يا سيروس.

سيروس: أأنت إذن تمدح العبيد الّذين يخدعون أسيادهم؟

خريمس: في موقف كهذا أمدحهم بدون شكّ.

سيروس: ممتاز!

خريمس: بما أنّ ذلك غالبا ما يكون علاج أدواء كبرى، كأن يتيح مثلا بقاء ابني الأوحد في البيت.

سيروس: ( مخاطبا نفسه) لا أدري إن كان جادّا أو هازلا لكنّه على أيّة حال قوّى عزمي على مواصلة خطّتي.

خريمس: ماذا ينتظر الآن يا سيروس؟ أن يرتحل الفتى مجدّدا لعجزه على سداد نفقات صاحبته؟ ألا يفكّر في تدبير حيلة للشّيخ؟

سيروس: إنّه غبيّ.

خريمس: يجدر بك والحال تلك أن تساعده من أجل الفتى.

سيروس: أستطيع فعل ذلك بسهولة إن أمرتني. فأنا بالفعل أعرف جيّدا كيف تُتدبّر عادة هذه الأمور.

خريمس: التّباهي سهل وحقّ هرقل*.

سيروس: ليس الكذب شيمتي.

خريمس: افعل إذن.

سيروس: لكن احرصْ من جهتك على تذكّر ذلك في صورة ما لو أتى ابنك صنيعا مماثلا، كما هو الشّأن الأمور الإنسانيّة.

خريمس: أرجو ألاّ يصل به الأمر إلى مثل هذه الحال.

سيروس: أنا أيضا أرجو ذلك وحقّ هرقل*! لم أقل ذلك لشعوري بشيء من هذا النّوع لديه بل كيلا يقع مثل ذلك في موقف مماثل، إذ لا يخفى عليك عمره وبوسعي إسداء خدمة جلّى لك يا خريمس إن أتت المناسبة. 

خريمس: بخصوص هذا الأمر سنرى إن عرضت الحاجة ما يجب فعله. أمّا الآن فافعل ما قلت لك. ( يخرج)

سيروس: ما سمعت أبدا سيّدا يقول كلاما بهذه الودادة ويشجّعني على التّفكير بفعل سوء بدون عقاب. لكن من يخرج من باب بيتنا؟

 

المشهد الثّالث (562-613)

خريمس، كليتيفون، سيروس

خريمس:( يخرج مع كليتيفون) ما هذا أرجوك؟ ما هذا السّلوك يا كليتيفون؟ أيُعقل أن يصدر ذلك عنك؟

كليتيفون: ماذا فعلت؟

خريمس: ألم أرك منذ لحظة تولج يدك في حضن تلك الغانية؟

سيروس:  ) مخاطبا نفسه) يا ويلتي كان الّذي خفت أن يكون!

خريمس: بعينيّ هاتين رأيتك، فلا تنكر. إنّك ترتكب في حقّ صديقك إساءة شائنة بعدم كفّ يدك، فإنّها إهانة بالغة أن تستقبل في بيتك صديقك وتتلمّس صاحبته. ثمّ إنّك البارحة أفرطت في الشّرب حقّا!

سيروس:)  مخاطبا نفسه) حصل.

خريمس: ولكم كنت مزعجا حقّا! حتّى خفت، وحقّ الآلهة، ما قد يحدث بسبب تصرّفك! أنا أعرف شعور العشّاق: إنّهم شديدو الحساسيّة من أشياء لا تخطر على البال!

كليتيفون: لكنّه يثق تماما في أنّي لا يمكن قطّ أن أفعل ذلك يا أبي.

خريمس: ليكن. على الأقلّ توار بعض الوقت عن وجهيهما. فالهوى تصحبه أشياء كثيرة يمنعهما من إتيانها وجودك معهما. أحكم على ذلك قياسا على نفسي، فليس اليوم من بين أصحابي من أجرؤ على إبداء كلّ عواطفي بحضرته يا كليتيفون. أمام هذا يمنعني الوقار، وأمام ذاك الحياء من الفعل ذاته مخافة أن أبدو بمظهر السّفيه أو الرّقيع: وذاك ما أظنّه يحسّ. فلنفهم متى وكيف نداريهما.

سيروس:( مخاطبا كليتيفون)  أيّ كلام يحكي هذا؟

كليتيفون: يا ويلتى!

سيروس: كليتيفون، أهذا ما لقّنتك؟ لقد أدّيت حقّا دور الشّخص الحليم المتحكّم في شهوته!

كليتيفون: اسكت أرجوك!

سيروس: جيّد، حسن!

كليتيفون: سيروس، أشعر بالخجل.

سيروس: أصدّقك، ولك أن تخجل فعلا، فما فعلت يسوؤني حقّا.

كليتيفون: ( هامسا) أهلكتني وحقّ هرقل!

سيروس: ( بصوت مرتفع) أقول ما يبدو لي الحقّ.

كليتيفون: ( مخاطبا  خريمس) ألا أذهب إليهما؟

خريمس: لكن أجبني، هل هناك ولو طريق واحدة للذّهاب إليهما؟

سيروس: (مخاطبا نفسه) وقع ما كنت أخشى: سيبوح بسرّه قبل أن أحصل على المال. (بصوت مرتفع) خريمس، هل تريد الاستماع إلى رأيي رغم حماقتي؟

خريمس: ماذا أفعل؟

سيروس: مره بالانصراف إلى مكان آخر.

كليتيفون: إلى أين أذهب؟

سيروس: أين تشاء: افسح لهما المجال، اذهب لنزهة.

كليتيفون:نزهة؟ أين؟

سيروس: أفّ، كما لو كانت الأمكنة تعوزك! اذهب بوركت في هذا الاتّجاه، أو ذاك، حيثما تريد!

خريمس: أرى أنّه على حقّ.

كليتيفون: لتمحقك الآلهة يا سيروس الّذي أقصيتني من هنا!

سيروس: وأنت، بحقّ بولّكس*، أمسك يديك بعد الآن! ( مخاطبا خريمس بعد خروج كليتيفون) ما رأيك بصراحة؟ وما تظنّه سيفعل يا خريمس إن لم تستمرّ، بفضل عون الآلهة، في مراقبته وتقريعه ووعظه؟

خريمس: سأتولّى الأمر.

سيروس:لكن عليك الآن يا سيّدي مراقبته ورعايته.

خريمس: سيتمّ ذلك.                  

سيروس: ذاك عين الحكمة، أمّا أنا فقد صار أقلّ فأقلّ طاعة لي.

خريمس: وأنت يا سيروس هل فعلت شيئا ممّا حدّثتك به السّاعة، هل وجدت خطّة تعجبك أم لم تجد بعد؟  

سيروس: تقصد الخدعة؟ نعم، وجدت منذ قليل خطّة.

خريمس: شاطر أنت حقّا، لكن أخبرني ما هي؟

سيروس: سأخبرك، لكن حيث أنّ الحديث ذو شجون...

خريمس: ماذا وراءك يا سيروس؟

سيروس: تلك المومس أسوأ امرأة.

خريمس: هكذا تبدو لي فعلا.

سيروس: فما بالك لو عرفت عنها الحقيقة؟ انظر ماذا تدبّر: كانت هنا عجوز كورنثيّة* أقرضتْها ألف درهم*.

خريمس: ثمّ ماذا؟

سيروس: ماتت العجوز وتركت بنتا شابّة، كانت هي الرّهن المقدّم مقابل ذلك المبلغ.

خريمس: أفهم ذلك.

سيروس: جلبت المومس معها تلك الفتاة، وهي الّتي توجد الآن عند زوجتك.

خريمس: ثمّ ماذا؟

سيروس: إنّها تطلب الآن من كلينيا إعطاءها ذلك المبلغ، واعدة بأن تعطيه الفتاة إذّاك. هي تطلب ألفا عينا.

خريمس: أتطلب ذلك حقّا؟

سيروس: نعم، ألديك شكّ في ذلك؟ فكّرت بهذا النّحو..

خريمس: ماذا تفكّر أن تصنع الآن؟

سيروس: أنا؟ سأذهب إلى مينيديموس، وأخبره أنّ الفتاة كريمة الأصل ثريّة وقد أُسرت في كارية*. إن افتداها سيجني من ورائها ربحا كبيرا.

خريمس: تخطئ.

سيروس: كيف ذلك؟

خريمس: أجيبك نيابة عن مينيديموس: " لا أشتري"، فما أنت فاعل إذّاك؟

سيروس: قلتَ تحديدا ما كنت أنتظر.

خريمس: كيف ذلك؟

سيروس: لا لزوم لقوله!

خريمس: لا لزوم؟

سيروس: أجل، وحقّ هرقل!

خريمس: كيف ذلك، فما تقول يثير عجبي؟

سيروس: ستعلم في الإبّان. ( ينصرف)

خريمس: انتظر، انتظر! لكن لِم ترى قرقع بابنا بهذه القوّة؟

 

 

<<