ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

2- الخصيّ

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

 

 

 

الفصل الخامس

 

المشهد الأوّل (817-839)

ثاييس، بيثياس

ثاييس: أما زلت يا مجرمة في أقوالك المتضاربة؟ "أعلم، لا أعلم، انصرف، سمعتُ، لم أحضر". أليس بنيّتك أن تخبريني بصراحة بما حدث؟ الفتاة تبكي ممزّقة الثّياب ولا تجيب، والخصيّ ترك البيت، فما الأمر؟ ماذا حصل؟ أما زلت مصرّة على الصّمت؟

بيثياس: ماذا أقول لك، وامصيبتي؟ يقولون إنّ ذاك الشّخص لم يكن الخصيّ.

ثاييس: من كان إذن؟

بيثياس: ذاك الشّقيّ خيريا.

ثاييس: ومن يكون خيريا؟

بيثياس: ذاك الفتى أخا فدريا.

ثاييس: ماذا تقولين أيّتها الأفعى؟

بيثياس: وقد تأكّدت من ذلك.

ثاييس: وما شأنه بنا بحقّ السّماء؟ ولماذا أتوا به إلينا؟

بيثياس: لا أدري، إلاّ أنّي أظنّه يحبّ الفتاة.

ثاييس: وامصيبتي، يا لي من بائسة، إن صدقتِ. ألذلك إذن تبكي الفتاة؟

بيثياس: أعتقد ذلك.

ثاييس: ماذا تقولين يا عديمة الضّمير؟ أذاك ما وصّيتك به عند خروجي؟

بيثياس: وماذا كان بوسعي أن أفعل؟ كما أمرتني، عهدت بها إليه هو وحده.

ثاييس: عهدت بالحمل إلى الذّئب يا مجرمة. يخزيني أن خُدعتُ بهذا النّحو. قولي: أيّ نوع من النّاس هو؟

بيثياس: سيّدتي، اسكتي، اسكتي أرجوك، أتانا الفرج. المعنيّ نفسه في أيدينا.

ثاييس: أين هو؟

بيثياس: انظري، إلى اليسار، ألا ترينه؟

ثاييس: أراه.

بيثياس: مري بالقبض عليه بأسرع ما يمكن.

ثاييس: لِماذا نفعل ذلك، يا حمقاء؟

بيثياس: تسألينني لماذا؟ لاحظي بحقّ السّماء كم يبدو رقيعا عندما تنظرين إليه أليس كذلك؟ ومدى ثقته بنفسه!

 

المشهد الثّاني (840-909)

خيريا، ثاييس، بيثياس

خيريا: عند أنتيفون، كان الأب والأمّ كلاهما بالبيت، كما لو تعمّدا ذلك، بحيث لم أستطع الدّخول خفية عنهما. في الأثناء، بينما أنا واقف بالباب، إذا بشخص أعرفه يأتي نحوي. حالما رأيته انطلقت أعدو بأقصى طاقتي في زقاق مهجور سلّمني إلى آخر فآخر، في محاولة بائسة للفرار لئلاّ يتعرّف عليّ أحد. لكن أثاييس أرى؟ هي بعينها. أنا محتار  ماذا أفعل. لكن ما يهمّ؟ ماذا ستفعل لي؟

ثاييس: ( مخاطبة بيثياس) لِندْن منه. ( مخاطبة خيريا) أهلا بدوروس الطّيّب. قل لي: أفررت؟

خيريا: حصل يا سيّدتي.

ثاييس: أيرضيك ما صنعت؟

خيريا: لا.

ثاييس: أتظنّ أنّك ستفلت من العقاب؟

خيريا: اغفري لي هذه الزّلّة فقط، وإن ارتكبت سواها أبدا فاقتليني.

ثاييس: أخفتَ صرامتي؟

خيريا: لا.

ثاييس: فلِم إذن؟

خيريا: خشيت أن تشي بي لديك هذه المرأة. ( يشير إلى بيثياس)

ثاييس: ماذا ارتكبت؟

خيريا: هفوة صغيرة.

ثاييس: تقول صغيرة يا سفيه؟ أيسير عندك اغتصاب فتاة مواطنة؟

خيريا: حسبتها جارية.

بيثياس: جارية! لا أكاد أتمالك نفسي عن سفع شعره، الفاسق. ثمّ يأتي فوق ذلك ليهزأ منّا.

ثاييس: أما رحتِ من هنا يا مجنونة؟

بيثياس: لماذا؟ أظنّني لو فعلت فسأروح وفي نفسي شيء من هذا النّذل، خاصّة وقد اعترف أنّه عبدك.

ثاييس: ذرانا من كلّ هذا. أنت يا خيريا لا يليق بك ما فعلت. فحتّى إن كنتُ أستحقّ هذه الإهانة تماما، عار عليك فعلها مع ذلك. لقد بتّ بحقّ بولكس* لا أدري ماذا أصنع بشأن تلك الفتاة. فقد أربكتَ كلّ خططي ولم يعد بإمكاني ردّها إلى ذويها كما كان مفروضا أن يتمّ وكما اجتهدت لأفعل فأكسب بذلك الجميل عرفانا راسخا يا خيريا.

خيريا: لكنّي الآن يا ثاييس آمل أن يكون هذا فاتحة ودّ دائم بيننا. فكثيرا ما شيدت بناء على حادثة من هذا النّوع وانطلاقا من بداية سيّئة مودّة وثقى*. ماذا لو كانت هذه الحادثة من تدبير أحد الآلهة؟

ثاييس: بهذا المنظور طبعا أقبل عرضك وحقّ بولكس* وبكلّ سرور.

خيريا: ذاك ما أرجو من كلّ قلبي. أودّ فقط أن تعلمي أنّي فعلت ذلك لا بهدف الإساءة بل بدافع الهوى.

ثاييس: أعلم ولذا أغفر لك وحقّ بولكس*. فما أنا يا خيريا بالجافية ولا الغشيمة لأجهل جبروت الهوى.

خيريا: أنتِ كذلك يا ثاييس وحقّ كلّ الآلهة صرتُ أحبّك.

بيثياس: احترسي منه إذن بحقّ بولكس*!

خيريا: لن أتجاسر طبعا على الذي تقصدين.

بيثياس: لا أصدّق أيّ كلام يأتي منك.

ثاييس: كفى!

خيريا: والآن أتوسّل إليك أن تساعديني في هذه المسألة. أفوّض إليك أمري وأضع نفسي بيديك. أتّخذك يا ثاييس كفيلة وحامية إن قبلتِ رجائي. سأموت كمدا إن لم أتزوّجها.

ثاييس: وأبوك، ماذا لو...

خيريا: ماذا؟ سيقبل حتما، أنا واثق من ذلك، بشرط أن تكون مواطنة.

ثاييس: انتظر قليلا إن شئت، قريبا يأتي أخ الفتاة، فقد ذهب ليحضر المرضعة التي ربّتها صغيرة. وستحضر بنفسك مشهد تعرّف الأمارات فيطمئنّ قلبك.

خيريا: أبقى طبعا.

ثاييس: أتودّ أن نترقّب مجيئه داخل البيت، بدلا من الانتظار هنا أمام الباب؟

خيريا: حبّا وكرامة.

بيثياس: ما الذي تنوين فعله أرجوك؟

ثاييس: ماذا تقصدين؟

بيثياس: تسألينني؟ أتفكّرين حقّا في قبوله ببيتك بعد الذي بدر منه؟

ثاييس: ولم لا؟

بيثياس: صدّقيني، سيرتكب الملعون مجدّدا غشما.

ثاييس: اسكتي، رجاء.

بيثياس: لاحظتِ جيّدا أنّه يعتبر فعلته الأثيمة شأنا هيّنا لا يعتدّ به.

خيريا: بيثياس اسمعيني: لن أفعل ما تتصوّرين.

بيثياس: لا أصدّقك ما لم يثبت لي أنّك لن تفعل.

خيريا: ما قولك يا بيثياس في أن تتولّي مراقبتي بنفسك؟

بيثياس: لا أجرؤ وحقّ بولكس* على استيداعك شيئا لتراقبه ولا على مراقبتك. فاذهب أرجوك.

ثاييس: هذا أخوها حضر لحسن الحظّ في الوقت المناسب.

خيريا: هلكتُ وحقّ هرقل*. لندخل أرجوك يا ثاييس، لا أريد أن يراني في الطّريق بهذا اللّباس.

ثاييس: لكن لماذا؟ هل تخجل من حمله؟

خيريا: ذاك بعينه.

بيثياس: ذاك بعينه؟ والفتاة إذن!

ثاييس: امض أمامي، وأنا أتبعك. أمّا أنت يا بيثياس، فابقي هنا لتُدخلي خريمس.

 

المشهد الثّالث (910-922)

بيثياس، خريمس، صُفرونة

بيثياس: أيّة فكرة يمكن الآن أن تخطر بذهني لأردّ كيلا بكيل لذلك المجرم الّذي أعطانا هذا بدلا من الآخر.

خريمس: ( مخاطبا صفرونة التي تدبّ دبيبا) هيّا أيّتها المرضعة، تحرّكي بسرعة أرجوك.

صفرونة: هأنذا أتحرّك.

خريمس: أرى ذلك، لكنّك لا تتقدّمين أنملة.

بيثياس: ( مخاطبة خريمس) هل عرضت الأمارات على المرضعة؟

خريمس: كلّها.

بيثياس: وماذا قالت؟ خبّرني أرجوك. هل تعرّفتها؟

خريمس: وبذاكرة أمينة.

بيثياس: جميل ما تقول وحقّ بولكس*، فإنّي أميل إلى هذه الفتاة. تفضّلا بالدّخول: سيّدتي منذ لأي في انتظاركما. ( مخاطبة نفسها) لكن أرى ذاك الصّالح برمينون. انظر كيف يختال خليّ البال. آمل أن أجد بمشيئة الآلهة وسيلة لتعذيبه على طريقتي. سأدخل أوّلا للتّحقّق من صحّة تعرّف الأمارات. ثمّ أخرج وأرعب ذاك الفاجر. ( تدخل)

 

المشهد الرّابع (923-970)

برمينون، بيثياس

برمينون: ( مخاطبا نفسه) ها أنا أعود لأرى كيف تدبّر خيريا الأمور هنا. إن ساس المسألة بفطنة، فكم سينال برمينون بحقّ الآلهة من الثّناء، وأيّ ثناء. فبغضّ النّظر عن نجاحي رغم ما في هذا الحبّ من صعوبة وتكلفة- في الوصول إلى فتاته التّابعة لمومس جشعة بدون متاعب ولا نفقات ولا أدنى تكاليف، أرى هذه المأثرة الأخرى تؤهّلني حقّا لسعف الامتياز: أنّي أتحت لشابّ غشيم معرفة طبائع المومسات وأخلاقهنّ في سنّ مبكّرة ليكرههنّ إلى الأبد إذا عرفهنّ على حقيقتهنّ. فلمّا يكنّ بالخارج، ما أحلى وما أبهى، بل لا شيء يبدو أكثر منهنّ رونقا ورقّة وتأنّقا. وإن تعشّين مع العشيق فأيّة كياسة. لكنّ رؤية قذارتهنّ وعوز وخسّة أنفسهنّ، وكم هنّ معيبات وشرهات حين يختلين لوحدهنّ في البيت وكيف يقعن على الخبز الأسود يلتهمنه منقوعا في مرق البارحة، معرفة كلّ هذه الأمور أسلم عقبى لشبابنا الأغرار.

بيثياس: ( مخاطبة نفسها) وحقّ بولكس* لأنتقمنّ منك يا مجرم على هذه الأقوال والفعال كيلا يمرّ تلاعبك بنا دون عقاب. ( رافعة صوتها) يا للجرم الشّنيع بحقّ الآلهة ولذاك الفتى التّعيس ولبرمينون المجرم هذا الذي جلبه لنا.

برمينون: ماذا يجري هنا؟

بيثياس: لهفي عليه! لكم أرثي له! فررت إلى الخارج كيلا أرى شيئا يا لبؤسي! أيّ عقاب مخز هذا الّذي يتحدّثون عن إنزاله به؟

برمينون: ( مخاطبا نفسه) ربّاه! ما هذا الارتباك؟ أوقعت في مهلكة ترى؟ سأذهب لأسألها. ( مخاطبا بيثياس) ما الخطب يا بيثياس؟ عمّ تتحدّثين؟ على من يسلّط العقاب الذي ذكرت؟

بيثياس: تسألني يا مجرم؟ أهلكت ذاك الفتى الغرّ الذي جلبته عوض الخصيّ إذ دبّرت لنا خدعتك السّوءى.  

برمينون: كيف؟ ماذا حدث؟ انطقي.

بيثياس: سأخبرك: أتعلم أنّ الفتاة التي أهديت اليوم لثاييس مواطنة من هنا؟ وأنّ أخاها من خيرة الأشراف؟

برمينون: لا أعلم.

بيثياس: هذا ما اكتشف بشأنها. وذاك التّعيس اغتصبها! لمّا علم أخوها بالأمر جنّ جنونه...

برمينون: ماذا فعل؟

بيثياس: قيّده بنحو يثير الرّثاء.

برمينون: تقولين: قيّده؟

بيثياس: هذا رغم توسّلات ثاييس ألاّ يفعل.

برمينون: ماذا تقولين؟

بيثياس: وهو الآن يهدّده فوق ذلك بعقاب الزّنا التّقليديّ. وهو عقاب لم أر أبدا ولا أودّ أن أرى تنفيذه.

برمينون: أيّ تحدّ سافر للقانون أن يقدم على فعلة بهذه الحجم.

بيثياس: ما معنى: "بهذا الحجم"؟

برمينون: ألا يشطّ في نظرك؟ من رأى أحدا يُقبض عليه في بيت مومس بتهمة الزّنا؟

بيثياس: أجهل ذلك.

برمينون: لكن كيلا تكوني جاهلة بهذا على الأقلّ، أقول لكم وأكرّر: إنّ الشّخص المحبوس عندكم ابن سيّدي.

بيثياس: أهو حقّا كذلك؟ أجب أرجوك.

برمينون: وحذار أن تسمح ثاييس بإلحاق أدنى أذى به. ومن بعد، لم لا أدخل بنفسي؟

بيثياس: انتبه يا برمينون إلى ما تفعل. قد لا تنفعه وتضرّ نفسك، إذ يعتقدون أنّك المتسبّب في كلّ ما حدث.

برمينون: ماذا أصنع إذن يا ويلتاه؟ وبماذا أبدأ؟ لكن هوذا الشّيخ يعود من المزرعة. هل أخبره أم لا؟ بل فلأخبره وحقّ هرقل* رغم علمي بأنّ عقابا أليما بانتظاري، إذ لا بدّ من مساعدة ابن سيّدي.

بيثياس : أصبت. من جهتي سأدخل إلى البيت. فارو له أنت كلّ ما حدث أوّلا بأوّل. ( تدخل إلى بيت ثاييس)

 

المشهد الخامس (971-1001)

الشّيخ، برمينون 

الشّيخ: ( مخاطبا نفسه) توفّر لي مزرعتي القريبة من المدينة هذه الفائدة: أنا دوما بمنأى من سآمة حياة الرّيف والمدينة على السّواء. كلّما بدأ الملل يلمّ بي في محلّ انتقلت إلى الآخر. لكن أليس ذاك الذي أرى هناك خادمنا برمينون؟ هو بعينه دون أدنى شكّ. ( مخاطبا برمينون) من تنتظر بالباب هنا يا برمينون؟

برمينون: من يخاطبني؟ أهلا أهلا، أنا سعيد بعودتك سالما يا سيّدي.

الشّيخ: من تنتظر؟

برمينون: ( مخاطبا نفسه) يا ويلتي، انعقد من الخوف لساني.

الشّيخ: قل، ما الأمر؟ لماذا ترتجف؟ هل أنت بصحّة جيّدة؟ أخبرني.

برمينون: سيّدي، أودّ أوّلا أن تأخذ الأمر على حقيقته. فما الذّنب ذنبي في كلّ ما جرى.

الشّيخ: ماذا؟

برمينون: من حقّك أن تسأل وكان حريّا بي أن أخبرك أوّلا بما جرى. اشترى فدريا خصيّا ليقدّمه هديّة لها.

الشّيخ: لمن؟

برمينون: لثاييس.

الشّيخ: اشتراه؟ خرب بيتي وحقّ هرقل*! بكم؟

برمينون: بعشرين مينة*.

الشّيخ: قُضي عليّ.

برمينون: كذلك توجد هنا قينة يحبّها خيريا.

الشّيخ: ماذا؟ يحبّها؟ وهل يعرف أنّها مومس؟ وهل أتى إلى المدينة؟ مصيبة إثر أخرى.

برمينون: سيّدي لا تنظر إليّ هكذا، فما فعل ذلك بتحريضي.

الشّيخ: كفاك حديثا عن نفسك. سترى يا سافل ما أصنع بك إن عشت...لكن اشرح لي أوّلا ما يجري هنا.

برمينون: جُلب خيريا لثاييس بدل الخصيّ.

الشّيخ: بدل الخصيّ؟

برمينون: هو كذلك. فيما بعد قُبض عليه داخل البيت وقُيّد بتهمة الزّنا.

الشّيخ: يا للكارثة!

برمينون: انظر إلى أيّ حدّ تصل جسارة المومسات.

الشّيخ: هل بقيت مصيبة أو مضرّة لم تذكرها؟

برمينون: هذا كلّ شيء.

الشّيخ: ماذا أنتظر لاقتحام هذا البيت اللّعين؟ ( يدخل بيت ثاييس)

برمينون: سيلحقني من ذلك بلا شكّ أذى عظيم. لكن لأنّي فعلت ذاك بحكم الضّرورة يسرّني أن سيحصل بسببي أذى لهؤلاء. منذ أمد والشّيخ يبحث عن مبرّر للقيام ضدّها بعمل حازم والآن وجده.

 

المشهد السّادس (1002-1024)

بيثياس، برمينون

بيثياس: ( مخاطبة نفسها) منذ أمد وحقّ بولكس* لم يقع لي ما أتمنّى وقوعه من كلّ قلبي كما حصل السّاعة لمّا دخل علينا ذلك الشّيخ ضالاّ طريقه. أنا وحدي استملحت الحادثة لأنّي كنت أعرف ما يخشى.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) ما هذا ترى؟

بيثياس: ( مخاطبة نفسها) ها أنا أخرج لعلّي ألقى برمينون. لكن أين هو ترى؟

برمينون: ( مخاطبا نفسه) إنّها تبحث عنّي.

بيثياس: ( مخاطبة نفسها) ها هو. سأدنو منه. ( تغرق في الضّحك)

برمينون: ما الأمر يا لئيمة؟ ماذا تريدين؟ ما الّذي يضحكك؟ ألا تنتهين؟

بيثياس: فطست وخارت قواي من الضّحك عليك.

برمينون: لم ذلك؟

بيثياس: تسألني؟ لم أر ولن أرى قطّ شخصا أغبى منك. لا أدري حقّا كيف أروي لك أيّة مادّة للتّندّر قدّمتَ لنا بالدّاخل، وكم أضحكنا ذلك العجوز الّذي دفعته إلى الدّخول علينا مرتجفا متداعيا شأن كلّ من في سنّه. وأنا حسبتك في البداية شخصا أريبا فطنا! ويحك، أكان عليك أن تصدّق فورا ما قلت لك؟ أما كانت تكفيك حسرة تلك المخزية التي ارتكبها بتحريضك الفتى حتّى تزيد عليها، يا شقيّ، التّبليغ عن نفسك لأبيه؟ بماذا تظنّه شعر لمّا رآه أبوه مرتديا ذلك اللّباس؟ ماذا؟ أتعرف الآن في أيّة مهلكة وقعت؟ 

برمينون: كيف؟ ماذا قلت يا ماكرة؟ كذبت عليّ إذن؟ وتضحكين فوق ذلك؟ استطبتِ يا سافلة أن تسخري منّا؟

بيثياس: فوق ما تتصوّر.

برمينون: هذا إن استطعت الإفلات من العقاب...

بيثياس: حقّا؟

برمينون: سأردّ لك كيلا بكيل وحقّ هرقل*.

بيثياس: أصدّقك. لكن قبل اليوم الذي قد تنفّذ فيه وعيدك، تكون بالتّحقيق قد عُلّقت على الخشبة بتلطيخك سمعة فتى غير راشد بالمخازي، والوشاية به. وكلتا الفعلتين تستوجب العقاب.

برمينون: تلاشيتُ!

بيثياس: رأيتُ هذا ثمنا مناسبا لسابق معروفك. والآن أدعك. ( تدخل)

برمينون: على نفسي جنيت اليوم كالفأر بتبليغي عن نفسي.

 

المشهد السّابع (1025-1030)

غناطون، ثراسون، برمينون

غناطون: والآن ما العمل؟ بأيّ رجاء أو بأيّة خطّة أتينا إلى هنا؟ ماذا تنوي يا ثراسون؟  

ثراسون: أنا؟ أن أفوّض أمري لثاييس وأفعل كلّ ما تأمرني.

غناطون: لكن لماذا؟

 ثراسون: وهل خدم هرقل* أُمفالة*؟

غناطون: المثال يعجبني. ( مخاطبا نفسه) عسى أن أرى قبقابها يليّن رأسك العنيد. لكنّي أسمع صرير بابها.

ثراسون: ويلي أيّة داهية جديدة هذه؟ لم أر من قبل هذا الشّخص أبدا. لماذا يجري مسرعا باتّجاهنا؟

 

المشهد الثّامن (1031-1048)

خيريا، برمينون، غناطون، ثراسون

خيريا: أيّها النّاس أيعيش اليوم أحد أسعد منّي؟ لا أحد وحقّ هرقل*؛ فيّ جلّى الآلهة كامل قدرتهم وحبوني في رفّة جفن بكلّ النعم.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) ما الذي يُفرحه ترى؟

خيريا: عزيزي برمينون، يا صانع ومُبدئ ومكمل كلّ مسرّاتي، أتدري في أيّة أفراح أُحبَر الآن؟ أتعرف أنّ حبيبتي بنفيلة مواطنة كما تبيّن قبل حين؟

برمينون: سمعت.

خيريا: أتعرف أنّها الآن خطيبتي؟

برمينون: خبر سعيد وحقّ الآلهة.

غناطون: ( مخاطبا ثراسون) أتسمع ما يقول؟

خيريا: لذا أنا مبتهج كذلك لأنّ أخي فدريا سينعم بحبّه بكلّ هناء. فقد بات يجمعنا في الحبّ بيت واحد. لقد دخلت ثاييس تحت حماية أبي وصارت من موالينا.

برمينون: إذن ثاييس الآن لأخيك خالصة؟

خيريا: بالتّأكيد.

برمينون: لدينا بالتّالي سبب آخر للابتهاج: سيُقذف بالعسكريّ إلى الخارج.

خيريا: فاجتهد أرجوك لتبليغ هذه الأخبار لأخي حيثما يوجد.

برمينون: سأذهب إلى البيت لأرى.

ثراسون: ( مخاطبا غناطون) هل من شكّ لديك يا غناطون في أنّي اندحرت الآن نهائيّا؟

غناطون: أعتقد ذلك، وبدون أدنى شكّ.

خيريا: بم أنوّه أوّلا وأشيد أكثر: أبمن أشار عليّ بما فعلت، أم بي أنا الذي وجدت الجرأة على التّنفيذ، أم بالحظّ الذي قاد الدّفّة وجمع كلّ هذه الوقائع في يوم واحد وبنسق موات عجيب، أم بحلم ولين أبي. وايوبتر* أدعوك متوسّلا، أدمْ علينا هذه النّعمِ.

 

المشهد التّاسع (1048-1094)

فدريا، خيريا، ثراسون، غناطون

فدريا: وحقّ الآلهة، أمور لا تصدّق هذه التي قصّها عليّ السّاعة برمينون منذ حين. لكن أين أخي؟

خيريا: هأنذا بين يديك.

فدريا: ما أسعدني.

خيريا: أعرف. أخي، لا توجد امرأة أجدر بحبّك من ثاييس هذه. هي بلا شكّ حامية أسرتنا كلّها.

فدريا: ألمثلي تشيد بها؟

ثراسون: واأسفى، كلّما قلّ رجائي زاد حبّي. أترجّاك يا غناطون، كلّ أملي فيك.

غناطون: ماذا تريد أن أفعل؟

ثراسون: اجتهد، بالتّوسّلات، بأيّ ثمن، لإبقاء ارتباطي بثاييس بوجه من الوجوه رغم كلّ ما يجري.

غناطون: ذاك أمر عسير.

ثراسون: بل يسير إن شئتَ أن تفعل، فإنّي أعرفك. إن تنجز ما طلبت فستنال أيّة هديّة تختار مكافأة منّي.

غناطون: حقّا؟

ثراسون: أؤكّد لك ذلك.

غناطون: إن حقّقتُ طلبك أودّ أن يفتح لي بيتك في حضورك وغيابك*، أن يكون لي وإن لم أُدع مقرّا ومقاما.

ثراسون: أعطيك عهدي على ذلك.

غناطون: سأعدّ للأمر عدّتي.

فدريا: من أسمع هنا؟ هو أنت يا ثراسون.

ثراسون: عمتما مساء.

فدريا: ربّما لا تعرف المستجدّات هنا.

ثراسون: أعرفها.

فدريا: فلِماذا أراك إذن في هذه النّواحي؟

ثراسون: عليكم معوّلي.

فدريا: أتعرف أيّ معوّل؟ أنذرك أيّها العسكريّ أنّي لو لقيتك في هذه السّاحة يوما بعد الآن، فقلت لي: "كنت أبحث عن شخص آخر، وقادتني الطّريق من هنا"، فالويل لك منّي.

غناطون: ويحك، لا يجوز لك هذا.

فدريا: ها قد أنذرتك.

ثراسون: لا أعرفك بمثل هذا الاعتداد...

فدريا: هكذا أفعل.

غناطون: أصغيا أوّلا لبضع كلمات. وإن أعجبكما ما أقترح، فافعلا.

خيريا: ها نحن نصغي لك.

غناطون: أنت يا ثراسون تراجع قليلا إلى هناك. ( منفردا بفدريا وخيريا) أريد أوّلا أن تصدّقا تماما أنّ ما أفعل بهذا الشّأن أفعله لمصلحتي أساسا، لكن إن كان ذلك يوافق مصلحتكما، يكون من الحمق ألاّ تفعلاه.

فدريا: ما المطلوب؟

غناطون: الرّأي عندي أن تقبل بالعسكريّ منافسا.

فدريا: ماذا، تقول لي أن أقبله؟

غناطون: فكّر قليلا: أنت يا فدريا وحقّ هرقل* تعيش معها في هناء، فأنت فعلا تعيش في قناعة وهناء، ليس عندك سوى القليل لتعطيها وثاييس بحاجة إلى الكثير. لتأمين كلّ حاجيات حبّك بدون تحمّل أيّة تكاليف، لا أحد يناسبك ويوافق مصلحتك أكثر منه. أوّلا لديه ما يعطي، ولا أحد يفوقه جودا. ثمّ إنّه غبيّ وسمج بليد الذّهن، يغطّ في النّوم ليل نهار: فلا خوف من أن تحبّه امرأتك، ومن السّهل طرده متى شئت.

خيريا: ماذا نفعل؟

غناطون: فضلا عن كلّ ذلك، وبالأخصّ لم أر من يستقبل مدعوّيه بمثل احتفائه وسخائه.

خيريا: لا شكّ أنّا نحتاج بنحو ما إلى مثله.

فدريا: أعتقد نفس الشّيء.

غناطون: نِعم ما تريان. من جهتي أطلب منكما فقط أن تقبلاني في جماعتكما: فأنا منذ أمد أجرّ هذا الجلمود.

فدريا: نقبلك.

خيريا: وبكلّ سرور.

غناطون: وأنا في المقابل، يا فدريا ويا خيريا، أقدّم لكما هذا المغفّل للنّتف والتّفكّه.

خيريا: هديّتك مقبولة.

فدريا: وهو يستحقّ ذلك.

غناطون: ثراسون تعال متى شئت.

ثراسون: رجاء ما العمل؟

غناطون: ماذا؟ كانا يجهلانك، وبعدما أطلعتهما على طباعك ومدحت مآثرك وخصالك حصلت على مبتغانا.

ثراسون: مرحى، أنا ممتنّ لك غاية الامتنان. ما كنت أبدا في مكان إلاّ كنت محلّ حبّ جمّ من الجميع.

غناطون: أما ذكرت لكما أنّ فيه لباقة الأتّيكيّين*؟

فدريا: لا شيء يخالف ما وعدت. تفضّلا من هنا.

رئيس الفرقة: وأنتم دمتم بصحّة جيّدة، ولتصفّقوا.