ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

2- الخصيّ

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

الفصل الثّاني

 

المشهد الأوّل (207-231)

فدريا، برمينون

فدريا: رتّب لإيصال الهدايا مثلما أمرتك.

برمينون: سأفعل.

فدريا: لكن بحرص.

برمينون: سيكون.

فدريا: لكن بسرعة.

برمينون: اطمئنّ.

فدريا: أتكفيك هذه الأوامر؟

برمينون: تسألني، كما لو كان الأمر صعبا. ليتك يا فدريا تستطيع أن تجد شيئا بسهولة هذا الذي ستتلفه.

فدريا: إنّي أتلف في نفس الوقت ما هو أعزّ عليّ. فلا تغتمّ لذلك كثيرا.

برمينون: أبدا. سأنفّذ المطلوب، لكن هل تأمر بشيء آخر؟

فدريا: أشد بهديّتنا بأقوالك قدر ما تستطيع وأزح مزاحمنا عنها قدر ما تستطيع.

برمينون: ذاك ما يجول بذهني حتّى لو لم تنبّهني.

فدريا: سأذهب إلى الرّيف وأبقى هناك.

برمينون: حسنا.

فدريا: لكن أخبرني.

برمينون: ماذا تريد؟

فدريا: أتظنّ بوسعي الثّبات والصّبر، فلا أعود في الأثناء؟

برمينون: أنت؟ لا أظنّ وحقّ هرقل*. إمّا ستعود حالا أو لن يلبث الأرق أن يأتي بك إلى هنا.

فدريا: سأبذل مجهودا لأتعب فأنام  غصبا عنّي.

برمينون: ستسهر مُعنّى الجسم والرّوح: ذاك ما ستفعل بالأحرى.

فدريا: إليك عنّي فأنت تقول سخافات يا برمينون. لا بدّ وحقّ هرقل* أن أجتثّ من نفسي هذه الميوعة. أنا مفرط في التّساهل مع نفسي. ويحك ألا أستطيع الاستغناء عنها، إن دعت الحاجة، ثلاثة أيّام تباعا؟

برمينون: كيف؟ ثلاثة أيّام بتمامها؟ فكّر في ما تفعل.

فدريا: أنا ماض في قراري. ( ينصرف)

برمينون: ( مخاطبا نفسه) يا آلهة السّماء، أيّ سقم هذا؟ أإلى هذا الحدّ يتغيّر النّاس من الحبّ، حتّى ليتعذّر التّعرّف على نفس الشّخص؟ لم يكن هناك أقلّ منه طيشا وأكثر جدّا وسيطرة على النّفس. لكن من الآتي؟ تبّا إنّه غناطون طفيليّ العسكريّ: يحمل معه الفتاة هديّة لها. أيّ جمال باهر! لا عجب إن أبدُ اليوم مضحكا لمّا أتقدّم مع خصيّي المنهوك. إنّها تفوق جمالا ثاييس نفسها.

 

المشهد الثّاني (232-291)

غناطون، برمينون

غناطون: ( مخاطبا نفسه) أيّها الآلهة الخالدون، لم يتفوّق إنسان على إنسان؟ بم يختلف الذّكيّ عن الغبيّ؟ يخطر هذا بذهني وأنا أذكر كيف التقيت اليوم، وأنا قادم، شخصا من مثل منزلتي ووضعيّتي، إنسانا غير وضيع بذّر مثلي أملاك أسرته. رأيته بشعا قذرا واهنا، يحمل خِلقا وعبء السّنين*. قلت: "ويحك، ما هذه الهيئة؟" فردّ: "أضعت يا لشقائي كلّ مالي فوصلت إلى هذه الحال. تخلّى عنّي كلّ معارفي وخلاّني." ازدريته إذّاك وأنا أقارنه بنفسي وقلت: "كيف يا أخمل إنسان؟ أهكذا تدبّرتَ أمرك بحيث لم يبق لك بصيص أمل؟ وهل أضعت فكرك مع ثروتك؟ أتراني أنا المولود في نفس المنزلة، أيّ تألّق وأيّة نضرة وأيّة هيئة؟ عندي كلّ شيء ولا أملك شيئا، لا شيء لديّ ومع ذلك لا يعوزني شيء." ردّ: "لكنّي لسوء حظّي لا أستطيع إضحاك النّاس ولا تحمّل الضّرب." قلت: "ماذا؟ أتظنّني أتعرّض لهذه المخازي؟ تخطئ تماما. في الماضي كان ذاك النّوع من الكدّائين يكسب بعض البخشيش عند من سبقونا. لكن هوذا فنّ جديد في التّصيّد، أنا بالتّحديد مبتكره. هناك نوع من النّاس يريدون أن يكونوا الأوائل في كلّ شيء وما هم كذلك. فأنا أتبعهم، لا أتزيّى ليضحكوا منّي، بل أنا الذي أضحك منهم، وأشيد في نفس الوقت بمواهبهم الفذّة. أمدح كلّ ما يقولون، وإن يعودوا لينفوه، أُثن على هذا أيضا. إن ينفِ أحد أنف، وإن يثبت أثبت. في النّهاية أقنعت نفسي بالمصادقة على كلّ أقوالهم. هذه المهنة هي اليوم الأوفر كسبا."

برمينون: ( مخاطبا نفسه) شاطر وحقّ هرقل*! هو ببساطة يحوّل الأغبياء إلى مجانين.

غناطون: ( مواصلا نجواه) بينما نحن نتحادث في هذه المسائل وصلنا إلى السّوق. فهرع إليّ كلّ الباعة مستبشرين، من سمّاكين وجزّارين وطبّاخين ومربّيي دواجن وصيّادي سمك، كثيرا ما كنت أفيدهم، أيّام وجود ثروتي ثمّ فقدانها، ولا أزال. فحيّوني ودعوني إلى الغداء وشكروا لي تكرّمي بالمجيء. حالما رأى المسكين ما أنعم به من عزّ ويسر، أخذ يترجّاني أن أسمح له بتعلّم أصول المهنة منّي. فأمرته باتّباعي إن جاز القول فيمكن، على غرار مذاهب الفلاسفة المدعوّة بأسمائهم، أن يدعى الطّفيليّون غناطونيّين.   

 برمينون: ( مخاطبا نفسه) أرأيت ما تصنع البطالة والعيش عالة على الغير؟

غناطون: ( مخاطبا نفسه) لكن ماذا أنتظر لإيصال هذه الفتاة لثاييس ودعوتها للعشاء؟ لكن أرى برمينون خادم منافسنا أمام باب ثاييس مكسوفا: ذاك يبعث على الاطمئنان. يبدو أنّ الجماعة غير مرغوب فيهم هنا. سأجعل هذا الوغد لا شكّ أضحوكة الجميع.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) يتصوّرون أنّ ثاييس بهذه الهديّة باتت ملكهم.

غناطون: غناطون يقرئ برمينون المحترم جزيل السّلام. ما الأمر؟

برمينون: أنا واقف هنا. ( يشيح بوجهه)

غناطون: أرى ذلك. ما الذي لا تحبّ مرآه؟

برمينون: أنت.

غناطون: أعلم ذلك. لكن هل من شيء آخر؟

برمينون: ماذا تقصد؟

غناطون: ما الذي يحزنك؟

برمينون: لا شيء حقّا.

غناطون: أرجو ذلك. لكن قل لي: ما رأيك بهذه الهديّة؟

برمينون: لا بأس بها وحقّ هرقل*.

غناطون: ( مخاطبا نفسه) أحرق قلبه.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) كم يخطئ في ظنّه!

غناطون: كيف ستتلقّى ثاييس هذه الهديّة في اعتقادك؟

برمينون: كأنّك الآن تزعم أنّ هديّتكم ستزيحنا من هنا، فاسمع منّي: لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان.

غناطون: سأعطيك يا برمينون راحة طيلة الأشهر السّتّة هذه بأكملها فلن يكون عليك أن تجري في الرّبى والوهاد ولا أن تسهر إلى الفجر. ألا أسعدك؟

برمينون: أنا؟ من دون شكّ.

غناطون: هكذا أنا مع الأصدقاء.

برمينون: شكرا.

غناطون: أرى أنّي أمسكك عن حاجتك: ربّما كنت تقصد وجهة أخرى.

برمينون: أبدا.

غناطون: فهل لك إذن أن تقدّم لي خدمة بسيطة: توسّط لتقبلني في بيتها.

برمينون: لا عليك اذهبْ ولا تلو على شيء: مفتّحةٌ لك الأبواب الآن إذ تحمل هذه الهديّة.

غناطون: أتريد أن يناديك أحد من هنا؟ ( يذهب)

برمينون: ( مخاكبا نفسه) انتظر حتّى يمرّ هذان اليومان. أنت المحظوظ اليوم بفتح الباب لي بإصبع واحد، ستطرقه طويلا بقدميك ولا مجيب.

غناطون: ( يعود) ألا تزال واقفا هنا يا برمينون؟ هل تُركت هنا حارسا، لترى إن أتاها من العسكريّ مرسال.

برمينون: افعل ما تقول: ( مخاطبا نفسه) أعجب أن يروق شخص كهذا للعسكريّ؟ لكن أرى ابن سيّدي الأصغرَ قادما. عجبا، كيف غادر الميناء، فالآن نوبة حراسته*. لا داعي للانشغال. إنّه يأتي مسرعا، وينظر حواليه بحثا عن شيء ما.

 

المشهد الثّالث (292-390)

خيريا، برمينون

خيريا: ( مخاطبا نفسه) يا ويلتي! لا أثر للفتاة في أيّ مكان، تبّا لي أضعتها من ناظري. أين أبحث، أين أفتّش، من أسأل، أيّ طريق أسلك؟ لي هذا الأمل فقط: حيثما تكن لن تستطيع الاختفاء طويلا. أيّ وجه صبوح! منذ هذه اللّحظة أزيل من ذهني كلّ النّساء، فقد سئمت هذه الألوان العاديّة من الجمال.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) هوذا الآخر بدوره! يتحدّث هو أيضا عن حبّ امرأة أجهل من تكون. فيا لنكد حظّ الشّيخ سيّدي! إن يبدأ هذا، يبد ما فعل الآخر لعبا وهزلا أمام جنون هذا المسعور.

خيريا: ( مواصلا نجواه) لعنة الآلهة على ذلك الشّيخ الذي عطّلني اليوم وعليّ أنا الذي توقّفت عنده وكان أحرى بي ألاّ أعيره بالا. لكن هوذا برمينون. ( مخاطبا برمينون) سلاما.

برمينون: ما لك حزين؟ ما لك مضطرب؟ من أين أتيت؟

خيريا: أنا؟ وحقّ هرقل* جئت لا أدري من أين ولا كيف أتيت: فقد نسيت نفسي كما ترى.

برمينون: ولم، أرجوك؟

خيريا: أنا أهوى.

برمينون: ماذا؟

خيريا: الآن يا برمينون أرني أيّ رجل أنت، تذكّر كم مرّة وعدتني: "خيريا، جد فقط شيئا تحبّ، وسأثبت لك مدى نفعي في هذا الباب"، لمّا كنت أجلب لك خفية وأركم في غرفتك كلّ مؤن صوان أبي.

برمينون: هيّا، يا أبله، هات ما عندك.

خيريا: ذاك وحقّ هرقل* ما حصل. فابذل ماغ بوسعك الآن لتفي بوعودك، إن كان الأمر يستحقّ أن تسخّر له طاقاتك. هناك فتاة لا تشبه فتياتنا اللائي تحرص أمّهاتهنّ على جعلهنّ محصورات الكتفين، ضامرات الخصر، ليكنّ فاتنات مشيقات، فإن كانت الواحدة ململمة قليلا قلن عنها: "ملاكم" وأنقصن لها الطّعام. بحيث حتّى إن كنّ على مسحة من الجمال جعلنهنّ بهذه العناية نحيلات كقصب الخوص، فبهذا النّحو يُحببن.

برمينون: وماذا عن فتاتك التي ذكرت؟ 

خيريا: جمال من نوع غير معهود.

برمينون: حقّا؟

خيريا: بشرة غضّة ناضرة، وجسم مكتنز ريّان.

برمينون: والسّنون؟

خيريا: السّنون؟ ستّة عشر.

برمينون: زهرة الشّباب.

خيريا: تدبّر لتأتيني بها بالقوّة أو الحيلة أو التّوسّل: لا تهمّ الطّريقة إن فزت بها فقط.

برمينون: كيف؟ لمن هي الفتاة؟

خيريا: لا أدري وحقّ هرقل*.

برمينون: ومن أين هي؟

خيريا: ولا ذاك أدري.

برمينون: أين تسكن؟

خيريا: ولا ذاك.

برمينون: أين رأيتها؟

خيريا: في الطّريق.

برمينون: كيف أضعتها؟

خيريا: هذا ما أجّجني، وأنا آت، نقمة على نفسي. ولا أحسب هناك من تنقلب كلّ الفرص المواتية وبالا عليه أكثر منّي. فأيّ ذنب جنيت؟ يا ويلتي.

برمينون: ماذا حدث؟

خيريا: تسألني؟ أتعرف أرخيدميس قريب أبي وتربه؟

برمينون: وكيف لا؟

خيريا: بينما أنا أتبعها، إذا به يعترض سبيلي.

برمينون: صدفة غير مناسبة وحقّ هرقل*.

خيريا: بل قل نحسة. فإنّما تُنعت " بغير المناسبة" أمور أخرى يا برمينون. يمكنني أن أقسم أنّي لم أره قطّ في هذه النّواحي منذ ستّة أو سبعة أشهر، إلاّ السّاعة لمّا كنت أقلّ ما أكون رغبة فيه وحاجة إليه. تبّا ألا يشبه ذلك نذيرا من السّماء. أليس كذلك؟

برمينون: بالتّأكيد.

خيريا: اتّجه نحوي فورا، ومن بعيد توقّف مقوّس الظّهر مرتجفا متهدّل الشّفتين متأوّها وابتدرني: "اسمع، اسمع يا أنت! أخاطبك يا خيريا". توقّفت فاستأنف: " أتدري ماذا كنت أريد أن أقول لك؟" أجبت: "قل". "غدا يُحكم في قضيّة لي". "وماذا إذن؟" "احرص على إخبار والدك، فلا ينسى أن يحضر صباحا لمساعدتي". مضت ساعة وهو يقول لي ذلك. ثمّ سألته إن كان يريد شيئا آخر، فأجاب: "كلّ شيء على ما يرام". انصرفت من عنده. ولمّا نظرت إلى هذه النّاحية باحثا عن الفتاة، كانت هي في الأثناء قد دارت إلى شارعنا هذا.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) لا أستبعد أن تكون الفتاة التي يتحدّث عنها هي التي أهديت السّاعة لثاييس.

خيريا: لمّا وصلت هنا لم أعثر لها على أثر.

برمينون: كان حتما بصحبة الفتاة مرافقون. 

خيريا: صحيح: كان هناك طفيليّ وخادمة.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) هي ذاتها، فُكّ اللّغز. ( مخاطبا خيريا) كفاك بحثا، المسألة منتهية.

خيريا: تتحدّث عن سواها.

برمينون: بل عنها هي بالتّحديد. 

خيريا: أتعرف من هي، أخبرني، أو هل رأيتها؟

برمينون: رأيتها، وأعرفها، وأعلم إلى أين جيء بها.

خيريا: قل أرجوك يا برمينون العزيز، أتعرفها حقّا؟

برمينون: أعرفها.

خيريا: أوتدري أين هي؟

برمينون: جيء بها هنا إلى المومس ثاييس: قُدّمت هديّة لها.

خيريا: من هذا الذي له من النّفوذ ما يتيح له تقديم هديّة بمثل قيمتها؟

برمينون: العسكريّ ثراسون، منافس فدريا.

خيريا: مصاعب جمّة تنتظر أخي إذن مع منافسه.

برمينون: فما بالك لو علمت أيّة هديّة أعدّ في المقابل، إذن لتقولنّ ذلك أكثر وأكثر.

خيريا: ماذا أعدّ، قل أرجوك، بحقّ هرقل*؟

برمينون: خصيّا.

خيريا: عفوا أهو ذاك الرّجل البشع الذي اشتراه أمس، ذاك العجوز المخنّث؟

برمينون: هو ذاته.

خيريا: سيُقذف به لا شكّ مع هديّته إلى الخارج. لكن ما كنت أعلم أنّ ثاييس هذه جارتنا.

برمينون: لم يمرّ على إقامتها زمن طويل.

خيريا: وأنا التّعيس لم أرها بعد مرّة واحدة. لكن قل لي بربّك: أهي بالجمال الذي يشاع عنها؟

برمينون: لا مراء في ذلك.

خيريا: لكن لا يقاس بجمال فتاتنا؟

برمينون: من طراز آخر.

خيريا: أرجوك يا برمينون، بحقّ هرقل*، ساعدني على الفوز بها.  

برمينون: سأعتني بتحقيق ما تريد وأبذل جهدي، سأساعدك. هل من حاجة أخرى؟

خيريا: إلى أين تذهب الآن؟

برمينون: إلى البيت لآتي بالهدايا إلى ثاييس كما أمر أخوك.

خيريا: يا سعد ذاك الخصيّ الذي سيقدّم هديّة في هذا البيت.

برمينون: كيف ذلك؟

خيريا: تسألني؟ سيرى باستمرار في البيت رفيقة رقّ بمثل ذاك الحسن الفريد، وسيكلّمها، وسيكون وإيّاها معا في نفس البيت، وسيتناول معها الطّعام مرارا، وسينام بقربها أحيانا.

برمينون: والآن ماذا لو تصير أنت ذاك المحظوظ؟

خيريا: ما القصّة يا برمينون؟ أجب.

برمينون: أن ترتدي لباسه.

خيريا: لباسه، ثمّ ماذا؟

برمينون: سآخذك مكانه.

خيريا: أدرك.

برمينون: وأزعم أنّك هو.

خيريا: أفهم.

برمينون: وانعمْ إذّاك بالمزايا الّتي ذكرت: ستتناول الطّعام معها، وستقترب منها وتلامسها وتعابثها وتنام بجانبها، إذ لا تعرفك ولا تعلم أيّ منهنّ من أنت. ثمّ سيسهل عليك التّمويه نظرا لشكلك وعمرك.

خيريا: جميل ما قلت: ما رأيت قطّ في حياتي نصيحة أفضل من هذه قدّمت لأحد. هلمّ بنا الآن إلى البيت، فألبسني وخذني وائت بي إليها في أقرب وقت ممكن.

برمينون: ماذا تقول ويحك؟ كنت أمزح معك طبعا.

خيريا: هراء.

برمينون: يا لبؤسي جنيت على نفسي. ماذا فعلت؟ إلى أين تجرّني؟ رقّ السّاعة لك قلبي. الحقّ أقول انتظر.

خيريا: هيّا بنا!

برمينون: أما زلت مصرّا؟

خيريا: بالتّأكيد.

برمينون: أحذّرك مع ذلك من مغبّة هذا التّصرّف، فهو متسرّع وأهوج.

خيريا: قطعا هو ليس كذلك. كفاك مطالا.

برمينون: لكن على جلدي أنا سيٌدقّ الفول!*

خيريا: هيّا.

برمينون: إنّنا نأتي شينا.  

خيريا: وهل من الشّين أن تأخذني إلى بيت مومس وأردّ المِثل لمعذّباتنا اللاّئي يسمن شبابنا ألوان الخسف والنّكال، وأخدعهنّ تماما كما يخدعننا. أم الصّواب بالأحرى أن أصنع ذلك مع أبي فأتلاعب به بخزعبلات؟ على هذا سيؤنّبني من يعلمون به، أمّا ذاك فالجميع سيرون أنّي حسنا فعلتُ.

برمينون: ما هذا الذي تقول؟ إن كانت تلك مشيئتك فافعل ما شئت، لكن لا تلق عليّ التّبعة بعدئذ.

خيريا: لن أفعل.

برمينون: أتوعز إليّ؟

خيريا: أوعز؟ بل أجبرك، وآمرك: لن أتهرّب أبدا من مسؤوليّتي، هيّا اتبعني.

برمينون: فليكن!

 

 

الفصل الثّالث

 

المشهد الأوّل (391-453)

ثراسون، غناطون، برمينون

ثراسون: أحقّا تشكرني عزيزتي ثاييس؟

غناطون: أجزل الشّكر.

ثراسون: أتقول إنّها مبتهجة؟

غناطون: لا بالهديّة قدر ابتهاجها بأنّها منك. بجدّ أقول كسبها ذلك لك حقّا.

برمينون:  ( مخاطبا نفسه) جئت أستطلع لأجلب الهديّة إذا كان الأوان مناسبا. لكن هوذا العسكريّ.

ثراسون: ( مخاطبا غناطون) لقد أوتيت حقّا أنّ كلّ ما أفعل يعود عليّ بالحمد والثّناء.

غناطون: ذاك ما لاحظت فعلا.

ثراسون: الملك نفسه كان يخصّني دون سواي بأعظم الثّناء على كلّ ما أفعل.

غناطون: كثيرا ما يحوّل اللّبق إلى نفسه بعذب الكلام ما اكتسب غير من فضل بعظيم الجهد. وكذا الشّأن فيك.

ثراسون: صدقت.

غناطون: إذن فقد كان الملك يحملك...

ثراسون: من دون شكّ.

غناطون: في قرّة عينه.

ثراسون: أجل، كان يكل لي الجيش برمّته، وكلّ خططه.

غناطون: عظيم.

ثراسون: وكلّما ألمّ به الضّجر من النّاس أو الضّيق من شؤون الدّولة، كلّما أراد أن يستريح كما لو..تعرف؟

غناطون: كما لو أحبّ أن يجلو عن النّفس أكدارها.

ثراسون: تماما. إذّاك يصطحبني بمفردي إلى مائدته.

غناطون: بخٍ. ملكا لبيبا وصفتَ.

ثراسون: كذلك هو الرّجل، نظير أناس قلائل.

غناطون: بل منقطع النّظير في اعتقادي، ما دام قد عاش معك.

ثراسون: كان الجميع يحسدونني ويغتابونني. أمّا أنا فما كنت أعيرهم بالا. كانوا يحسدونني بنحو يدعو إلى الرّثاء، خاصّة واحد كان الملك قد كلّفه بفيَلته الهنديّة، وكان يكرهني بشكل خاصّ. مرّة بدا مزعجا إلى أقصى حدّ، فابتدرته: "استراتون، قل أرجوك، أمن إشرافك على الوحوش اكتسبت هذه الشّراسة؟"

غناطون: قولة رائعة وحقّ هرقل* كلّها حكمة. حقّا أصبت من الرّجل مقتلا. فماذا ردّ؟

ثراسون: خسئ في الحال.

غناطون: وهل كان له سوى ذلك؟

برمينون: ( مخاطبا نفسه) وحقّ الآلهة، أيّ أخبل حقيق بالرّثاء، والآخر أيّ منافق!

ثراسون: وما صفعت به الرّودسيّ* يوما في مأدبة، ألم أروه لك أبدا يا غناطون؟

غناطون: أبدا، لكن ارو أرجوك. ( مخاطبا نفسه) ألف مرّة سمعته.

ثراسون: كان الشّابّ الرّودسيّ* الّذي أحدّثك عنه معنا في مأدبة. واتّفق أن كانت معي إحدى بنات الهوى، فراح يغازلها ويسخر منّي. فانتهرته: "ويلمّك، خرينق وتبغي لحم الطّرائد؟"*

غناطون: ( مقهقها بتكلّف) هاهاها. 

ثراسون: ما قولك؟

غناطون: طريف وظريف وآخر روعة! عفوا هل القولة كلّها بنت لسانك؟ كنت أحسبها من حكم القدماء.

ثراسون: أسبق أن سمعتها؟

غناطون: أكثر من مرّة وتعدّ من فصوص الحكم.

ثراسون: هي من عندي.

غناطون: قولة موجعة لذاك الفتى النّزق المتطاول.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) ألا لعنك الآلهة!

غناطون: وهو، ماذا كان ردّه أرجوك؟

ثراسون: أبلس. وفطس من الضّحك كلّ الحاضرين. لذلك صار الجميع يخشونني.

غناطون: ما أخطؤوا.

ثراسون: لكن قل لي، رجاء، هل أبرّئ نفسي لدى ثاييس التي ترتاب بأنّي أحبّ تلك الجارية؟

غناطون: إيّاك أن تفعل. بالعكس ضاعف شكوكها.

ثراسون: لماذا؟

غناطون: تسألني؟ أترى كم تحترق غيرة كلّما ذكرتْ فدريا أو امتدحته؟

ثراسون: ذاك ما أحسّ فعلا.

غناطون: ذاك هو الدّواء الوحيد الذي يزيل عنك ذلك. كلّما ذكرتْ فدريا، أجبْ سريعا ببنفيلة. إن تقل: "سأرسل في طلب فدريا للعشاء معنا" ندع بنفيلة للطّرب*، وإن أثنت على بهائه رددتَ لها بالمثل. كِل لها صاعا بصاع، وخِزْ في النّقطة الحسّاسة.

ثراسون: إذا كانت تحبّني فعلا، عندئذ يكون ذلك مجديا يا غناطون.

غناطون: ما دامت تتمنّى وتحبّ ما تهديها، فهي إذن تحبّك. وإذّاك يسهل إيلامها. وتظلّ تخشى أن تحوّل، في سورة الغضب، إلى غيرها ما تجني الآن من إنعامك.

ثراسون: أحسنت قولا. لم يجل ذاك بخاطري قبل اليوم.  

غناطون: يضحكني قولك. ببساطة لم تفكّر بالأمر، وإلاّ لاكتشفته بنفسك يا ثراسون، وبنحو أفضل بكثير.

 

المشهد الثّاني (454-506)

ثاييس، ثراسون، غناطون، برمينون، بيثياس

ثاييس: خيّل إليّ قبل لحظة أنّي أسمع صوت العسكريّ*. وهوذا تحديدا. أهلا بك عزيزي ثراسون. 

ثراسون: عزيزتي ثاييس يا حلوتي، كيف حالك؟ ألا نطمع بقليل من حبّك لقاء تلك القينة؟

برمينون: ( مخاطبا نفسه) يا للذّوق! منذ وصوله بادر بذكر هديّته.

ثاييس: بل بالكثير لقاء فضلك.

غناطون: لنتّجه إلى المائدة. لم بقيت واقفة؟

برمينون: ( مخاطبا نفسه) وهذه الثّانية: أمن بشر وُلد هذا الجلف؟

ثاييس: متى تريد، بدون تأخير.

برمينون: ( مخاطبا نفسه) سأدنو منهما وأتظاهر بالخروج. ( مخاطبا ثاييس) أتنوين الذّهاب إلى مكان ما يا ثاييس؟

ثاييس: هوذا أنت يا برمينون. أحسنت صنعا. اليوم أنوي الذّهاب...

برمينون: إلى أين؟

ثاييس: كيف؟ ألا ترى هذا الرّجل معي؟

برمينون: بلى، أراه، ويسوؤني مرآه. حين تشائين، تكون عندك الهدايا المرسلة من فدريا.

ثراسون: ما لنا وقوف هنا؟ هلاّ ذهبنا من هنا؟

برمينون: فلتأذن أرجوك، بحقّ هرقل*، أن نقدّم لثاييس ما نودّ إهداءها، وأن نزورها ونحادثها.

ثراسون: هدايا فائقة الجمال في ظنّي، شبيهة بهدايانا.

برمينون: سنرى ذلك. ( مخاطبا العبيد) هيّا أخرجوا بسرعة ما أمرتكم بإحضاره. أنتِ، تقدّمي إلى هنا. جلبناها من الحبشة مباشرة إلى هنا.

ثراسون: هذه تساوي ثلاث مينات*.

غناطون: بالكاد.

برمينون: أين أنت يا دوروس؟ تعال إلى هنا. حسنا. هذا الخصيّ لكِ. انظري نضرة شبابه ونبل محيّاه!

ثاييس: وحقّ الآلهة وسيم فعلا.

برمينون: ما قولك يا غناطون؟ ألديك ما تعيب فيه؟ وأنت يا ثراسون؟ خرسا، هذا منهما بمثابة المديح. اختبريه في الأدب، في الرّياضة البدنيّة أو في شتّى الفنون: ستجدين لديه كلّ ما تجدر بشابّ حرّ معرفته.

ثراسون: هذا الخصيّ، لو دعت الحاجة، أو لو لم أشرب...

برمينون: ثمّ إنّ الذي بعث إليك بهذه الهدايا لم يطلب منك أن تقفي حياتك عليه وحده وتطردي من أجله الآخرين، ولا يروي لك معاركه، ولا يعرض عليك جراحه، ولا يقف في وجهك كامل الوقت شأن البعض. لكن عندما لا يزعجك الأمر، عندما تودّين ويتوفّر لديك الوقت، سيكون مسرورا إن تستقبليه حينئذ.

ثراسون: واضح أنّه مملوك لسيّد فقير بائس.

غناطون: أنا واثق وحقّ هرقل* أنّ لا أحد له ما يقتني به غيره يستطيع الصّبر على مثله طويلا.

برمينون: صه، أنت يا أسفل الأسافل في نظري. إذا كنت ترضى أن تعيش بذلّة متملّقا صاحبك هذا فما إخالك تأنف عن التقاف الطّعام من نار المحرقة.

ثراسون: هلاّ انصرفنا فورا؟

ثاييس: سأُدخل أوّلا هذه الهدايا وأملي في نفس الوقت أوامري، ثمّ أخرج فورا.

ثراسون: ( مخاطبا غناطون) أنا الآن ذاهب، وأنت انتظرها.

برمينون: ( ساخرا) لا يليق بقائد أن يمشي مع صاحبته في الطّريق العامّ.

ثراسون: ما الجدوى من إطالة الكلام معك؟ أنت شبيه بسيّدك.

غناطون: هاهاها.

ثراسون: ماذا يضحكك؟

غناطون: ما قلتَ الآن. كذلك عاد إلى ذهني ما قلتَ للفتى الرّودسيّ*. لكن هي ذي ثاييس تخرج.

ثراسون: ( مخاطبا غناطون) اسبقنا إلى البيت، اجر ليكون كلّ شيء جاهزا عند وصولنا.

غناطون: سمعا وطاعة.

ثاييس: ( مخاطبة بيثياس) أنتِ يا بيثياس، إن اتّفق أن قدم خريمس، فلا تنسي أن تطلبي منه أوّلا أن يبقى في انتظاري وإن كان ذلك لا يناسبه فليعد يوما آخر، فإن لم يستطع فائتيني به.

بيثياس: سأفعلِ.

ثاييس: ماذا؟ ماذا أردت أن أقول أيضا؟ تذكّرت: اعتنين بتلك الفتاة جيّدا واحرصن على البقاء بالبيت.

ثراسون: هيّا بنا.

ثاييس: اتبعاني. ( ينصرفون)

 

المشهد الثّالث (507-538)

خريمس، بيثياس

خريمس: ( مخاطبا نفسه) يتّضح لي أكثر فأكثر عند التّفكير أنّ ثاييس هذه ستسبّب لي بالتّأكيد متاعب كبرى. أراها قد أوقعت بي بدهاء مذ طلبت منّي موافاتها. لو سألني أحد: "ما شأنك بها؟" لما عرفت بماذا أجيبه. لمّا جئت، وجدتْ تعلّة لاستبقائي هنا. تزعم أنّها أقامت حفلا للآلهة، وتريد محادثتي حول مسألة هامّة. مذّاك صرت أرتاب في أنّ ذلك مكر سيّء. تجلس الماكرة معي وتبالغ في مجاملتي وتتبسّط معي في الحديث. ولمّا ترى لامبالاتي تتهرّب بالسّؤال عن كذا وكذا: متى مات أبي وأمّي فأجيب منذ دهر، وهل أملك أرضا بسونيوم* وكم تبعد على البحر، أظنّ عينها عليها وتريد انتزاعها منّي، وهل لي أخت صغيرة اختُطفتْ من هناك وما إذا كان معها أحد وماذا كانت تحمل عند اختطافها وإن كان هناك من يستطيع التّعرّف عليها، فلماذا ترى تسأل عن كلّ هذه الامور؟ إلاّ إن كانت تنوي ربّما الادّعاء أنّها هي أختي الصّغيرة التي اختطفت منذ سنين. في الواقع إن لم تزل على قيد الحياة فسيكون عمرها ستة عشر عاما لا أكثر بينما ثاييس تكبرني سنّا. ثمّ ها قد أرسلتْ تطلب منّي الحضور مع التّشديد. عليها إمّا إخباري ماذا تريد منّي أو الكفّ عن إزعاجي. فوحقّ هرقل* لن أعود مرّة ثالثة. هاي هاي أما من أحد هنا؟ هذا أنا خريمس.

بيثياس: أهلا وسهلا ومرحبا بألطف زائر.

خريمس: ( مخاطبا نفسه) أأقول إنّ مكيدة تدبَّر لي؟

بيثياس: ثاييس تلتمس منك، مع أوكد الرّجاء أن تعود غدا.

خريمس: أنا ذاهب إلى مزرعتي.

بيثياس: عد بورك فيك.

خريمس: أقول لك: لا أستطيع.

بيثياس: فابق إذن عندنا هنا حتّى تعود وتكلّمك بنفسها.

خريمس: مستحيل.

بيثياس: لماذا يا عزيزي خريمس؟

خريمس: هل ستذهبين من هنا للإيقاع بي؟ 

بيثياس: إن كنت مصرّا على ذلك فحبّذا لو تلتحق بها حيث هي الآن.

خريمس: نعم أذهب.

بيثياس: روحي يا دورياس واقتادي هذا الرّجل إلى بيت العسكريّ.

 

المشهد الرّابع (539-548)

أنتيفون

أنتيفون: اتّفقنا أمس، أنا وثلّة من الشّبّان في الميناء أن نتغدّى اليوم معا مع دفع كلٍّ حصّته*. عهدنا بالأمر إلى خيريا وأعطينا خواتمنا عرابين، واتّفقنا على زمان الموعد ومكانه. وها قد مرّ الوقت ولم يتمّ إعداد شيء في المكان المتّفق عليه. أمّا هو فلا أثر له ولا أدري ماذا أقول ولا ماذا أفترض. من ثمّة كلّفني بقيّة الأصحاب بمهمّة البحث عنه والتّثبّت من وجوده بالبيت. لكن من يخرج هناك من بيت ثاييس؟ أيكون هو أم شخص آخر؟ بل هو بعينه. ما له ترى؟ ما هذا الزّيّ؟ هل أصابه مكروه؟ لا أجد تفسيرا لما أرى بل يتجاوز حتّى حدود الخيال. مهما يكن من أمر، بودّي الاختباء بعيدا من هنا لأستطلع جليّة الأمر.

 
المشهد الخامس (549-614)

خيريا، أنتيفون

خيريا: هل من أحد هنا؟ لا أحد. هل يتبعني أحد هنا؟ لا أحد. أيتاح لفرحي أن ينفجر إذن؟ وحقّ يوبتر* يمكن الآن أن أرضى بالموت كيلا يشوب فرحي ترح من أتراح الحياة. لكن ليتني ألقى هنا فضوليّا يعرض لي في طريقي فيتتبّعني أينما أذهب ويضايقني بسيل من الأسئلة: لِم أنا مهتاج، أو لِم أنا مبتهج، إلى أين أتّجه ومن أين طلعت، وأين عثرت على هذا اللّباس، ماذا ألتمس، هل أنا سليم العقل أم بي مسّ؟

أنتيفون: ( مخاطبا نفسه) سأدنو منه وأسديه الجميل الذي يبغي كما أرى من كلامه. ( مخاطبا خيريا) خيريا لم أنت مهتاج هكذا؟ من أين لك هذا اللّباس؟ لم أنت مبتهج؟ ماذا تلتمس؟ أصاح أنت؟ لم تنظر إليّ؟ لم لا تتكلّم؟

خيريا: ما أسعد هذا اليوم. أهلا وسهلا يا صديقي: ليس بين النّاس من أتمنّى الآن رؤيته أكثر منك.

أنتيفون: أخبرني ما الحكاية أرجوك.

خيريا: بل أنا الذي أرجوك بحقّ هرقل* أن تنصت لي. أتعرف تلك المرأة التي يحبّها أخي؟

أنتيفون: أعرفها. هي في اعتقادي ثاييس، أليس كذلك؟

خيريا: هي ذاتها. 

أنتيفون: أذكر ذلك.

خيريا: قدّم لها اليوم شخص جارية: فيم مدح أو تقريظ حسنها لك يا أنتيفون وأنت تعلم أيّ ملاحظ ذوّاقة أنا، مولع بكلّ ألوان الجمال؟ لكنّ هذا الجمال أخذ بشغاف قلبي.

أنتيفون: حقّا؟

خيريا: أنا واثق أنّك لو رأيته لعددته الأوّل بين أنواع الجمال. لم أطيل عليك؟ بدأت أهيم بها. بالصّدفة والبخت كان عندنا بالبيت خصيّ ابتاعه أخي لثاييس، ولم يبعث به بعد إلى بيتها. فأوحى إليّ خادمنا برمينون بفكرة التقفتها فورا.

أنتيفون: ما هي؟

خيريا: استمع إليّ ولا تقاطعني، ربحا للوقت: أن أبادله اللّباس وأوخَذ مكانه إلى هناك.

أنتيفون: مكان الخصيّ؟

خيريا: هو ذاك.

أنتيفون: لكن أيّ غنم تكسب من وراء ذلك؟

خيريا: تسأل؟ أن أرى وأسمع من أحبّ، وآكل معها، يا أنتيفون. أفذاك غرض يسير أم دافع ذميم* ( يسير/ذميم: parva/prava جناس.)؟ نُقلت إذن إلى تلك المرأة. فحالما تسلّمتني أخذتني فرحةً إلى بيتها وعهدت إليّ بالفتاة.

أنتيفون: إلى من؟ إليك أنت؟

خيريا: نعم إليّ.

أنتيفون: ويحها، أذاك مستودع مأمون؟

خيريا: حظرتْ أن يدنو منها أيّ رجل وأمرتني ألاّ أفارقها، وأن أبقى معها لوحدنا داخل الحريم*. قبلتُ مطرقا إلى الأرض بخفر. 

أنتيفون: يا لك من شقيّ!

خيريا: قالت: "أنا الآن ذاهبة إلى حفل عشاء." وأخذت معها خادماتها. بقيت قليلات على ذمّة الجارية الجديدة. وعلى الفور حضّرنها للحمّام. فاستحثثتُهنّ. أثناء استعدادها جلست الفتاة في غرفتها تتأمّل لوحة تحمل رسما يصوّر كيف أرسل يوبتر* يوما مطرا من التّبر في حضن دناية*. بدأت بدوري أتأمّل اللّوحة، وأنا أهتزّ بهجة إذ أستعرض في ذهني كيف لها إله ذلك اللّهو في الأحقاب الخوالي، وكيف تحوّل إلى بشر ودخل خفية من على سقف بيت الغير وسط البهو وأوقع امرأة في خدعته*. وما أدراك من هو بين الآلهة! ذاك "الذي تخرّ من رعده قبّة السّماء". أفلا أفعل ذلك أنا الإنسان المهين؟ ففعلت وبكلّ سرور. بينما أنا أقلّب في ذهني شتّى تلك الفكر، أتت الخادمات يأخذن البنت إلى الحمّام. ذهبت فاغتسلت وعادت. ثمّ وضعنها على فراشها. وفيما أنا واقف أنتظر أن يأمرنني بشيء، جاءت إحداهنّ وقالت: "أنت يا دوروس خذ هذه المروحة وروّح عليها هكذا ريثما نغتسل. وحالما ننتهي لك أن تستحمّ بدورك إن شئت." قبلت منكسفا.

أنتيفون: لكم أحبّ أن أرى وجهك الرّقيع إذّاك محدّقا فيها، وأنت ممسك بالمروحة في بلاهة الحمار.

خيريا: لم تكد تنتهي من قولها حتّى اندفعن خارج الغرفة معا، وانصرفن إلى الحمّام، ولغطن كما يفعل الخدم في غياب أسيادهم. في الأثناء غلب النّعاس الفتاة. فأخذت أسترق النّظر إلى العتبة، هكذا من خلال المروحة، وألتفت حواليّ في نفس الوقت للتّأكّد من سلامة الموقف. رأيت أنّه كذلك، فعشّقت المزلاج.

أنتيفون: وبعد؟

خيريا: ماذا "وبعد" يا غبيّ؟

أنتيفون: أعترف...

خيريا: تسألني إن فوّتّ فرصة ذهبيّة كتلك سنحت للحظات، كم تمنّيتها ولم يكن لي أدنى أمل فيها. إذن لكنت فعلا، وحقّ بولكس*، ذاك الذي كنت أتقمّصه*.

أنتيفون: الصّواب فعلا ما تقول وحقّ هرقل*. لكن في الأثناء ماذا تمّ بخصوص عشائنا؟

خيريا: تمّ الإعداد له.

أنتيفون: شاطر: أين؟ بالبيت؟

خيريا: بل عند المعتوق دسكوس.

أنتيفون: إنّه بعيد جدّا، لكن لنعجّل بأسرع ما نستطيع: هيّا غيّر لباسك.

خيريا: أين أغيّره؟ ويلي، أنا الآن منفيّ من البيت. أخشى أن يكون أخي بالدّاخل. لكن أخشى أكثر، من جهة أخرى، أن يكون أبي قد عاد من المزرعة.

أنتيفون: هيّا بنا إلى بيتي، فهو أقرب مكان لتغيّر لباسك.

خيريا: هذا عين الصّواب. فلنرح. في نفس الوقت أريد كذلك استشارتك حول طريقة أستطيع بها حيازتها*.

 

<<