ترنتيوس

 

الأعمال المسرحيّة

 

1- فتاة أندروس

 

حواش 

 

 

 

 

 

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

 

الفصل الرّابع

 

المشهد الأوّل (625-683)

خارينوس، بنفيلوس، داووس

خارينوس: ( مخاطبا نفسه) أيصدّق أحد أو يذكر شيئا كهذا، أن يكون الشّرّ تأصّل في البعض إلى درجة أنّهم يسعدون بمآسي الآخرين ويستمدّون من أتراح الغير أفراحهم؟ أيوجد حقّا مثل هؤلاء؟ بل هناك فئة من النّاس أسوأ، لا يمنعهم من الرّفض إلاّ مسكة من حياء، حتّى إذا آن أوان الوفاء بوعودهم كشفوا تحت ضغط الضّرورة عن حقيقتهم ورغم التّحرّج* قهرتهم الظّروف في النّهاية على الرّفض. إذّاك تسمع منهم أسفه وأصفق الأقوال: "من أنت؟ من تكون بالنّسبة لي؟ ولم تطلب منّي ذلك؟ اسمع يا هذا: أقرب صديق لي نفسي." وإذا ذكّرتهم بوعدهم لا يمنعهم الحياء حينئذ وهو لازم، بينما حين لا يلزم، إذّاك يستحيون. لكن ما العمل؟ أأذهب إليه* ترى وأنعي عليه مساءته؟ أأوسعه شتما وتقريعا؟  لقائل أن يقول: "لن يقدّمك ذلك." بل سيقدّمني كثيرا: على الأقلّ سأغيظه وأنفّس عن غيظي.

بنفيلوس: خارينوس، لقد سبّبت لك ولنفسي بدون قصد الهلاك إن لم تتداركنا عناية الآلهة، بدون قصد.

خارينوس: "بدون قصد"؟ كيف ذلك؟ وجدت أخيرا ذريعة لتحلّ نفسك من الوعد.

بنفيلوس: "أخيرا"؟ ماذا تعني؟

خارينوس: أما زلت تحاول  تضليلي بهذه الأقوال؟

بنفيلوس: ماذا تعني؟

خارينوس: بعدما بحت لك بحبّي، صارت تعجبك. يا لشقائي أنا الذي حكمت على قلبك قياسا على قلبي.

بنفيلوس: أنت مخطئ في ظنّك.

خارينوس: ألم يبدُ لك وضعك مسرّة كافية حتّى خدعتَ محبّا بائسا وجررته وراء أمل كاذب؟ خذها.

بنفيلوس: آخذها؟ أنت تجهل في أيّة تعاسة وويلات أعيش، وأيّة هموم سلّط عليّ جلاّدي هذا بنصائحه.

خارينوس: وما الغرابة في ذلك إن  كان يقتدي بك؟

بنفيلوس: ما كنتَ تقول ذلك لو كنت تعرفني أو تعرف حقيقة حبّي.

خارينوس: أعرف: تشاددتَ السّاعة مع أبيك، لذا هو غاضب عليك، ولم يستطع حملك على الزّواج بها اليوم.

بنفيلوس: بل الأدهى وما لا تعلم من مصائبي هو أنّ هذا الزّفاف ما أُعدّ لي ولا كان أحد يودّ تزويجي اليوم.

خارينوس: أعلم: أنت أرغمت نفسك بمحض إرادتك!

بنفيلوس: صبرا، ما زلت لا تعلم.

خارينوس: أعلم علم اليقين أنّك ستتزوّجها.

بنفيلوس: لماذا تغيظني؟ اسمع ما سأقول: لم ينفكّ يلحّ عليّ بأن أقول لأبي إنّي أقبل الزّواج، وينصحني ويترجّاني حتّى أقنعني.

خارينوس: من ذاك؟

بنفيلوس: داووس...

خارينوس: داووس؟

بنفيلوس: خلط كلّ الأمور.

خارينوس: وبأيّ قصد؟

بنفيلوس: لا أدري، وإن أعلم أنّي بلا ريب أثرتُ على نفسي غضب الآلهة لمّا استمعت إليه.

خارينوس: أحصل ذلك حقّا يا داووس؟

داووس : حصل.

خارينوس: ماذا تقول يا مجرم؟ أهلكك الآلهة كما تستحقّ فعالك! قل لي لا أبا لك: لو أراد كلّ أعدائه أن يزجّوا به في هذا الزّواج، أكانوا سيقدّمون له غير نصيحتك؟

داووس : لقد أخفقت لكن لم تثبّط همّتي.

بنفيلوس: أعرف.

داووس : لم تنجح هذه الخطّة فلنجرّب غيرها: إلاّ إن كنت تفكّر بأنّا، لفشل خطّتنا الأولى، لن نستطيع تحويل هذا الفشل إلى نجاح.

بنفيلوس: كلاّ، أنا واثق بالعكس أنّك، إن اهتممت بالأمر، فستزجّ بي في زيجتين لا واحدة.

داووس : واجبي يا بنفيلوس أن أستعمل في سبيل خدمتك كلّ الوسائل وأجتهد ليل نهار، بل وأجازف بحياتي، إلى أن أوفّق. وأنت واجبك، إن وقع ما يخالف ما أمّلنا، أن تغفر لي. لم تفلح محاولتي، لكنّي أعمل بجدّ. وإلاّ فجدْ لك أفضل منّي، واصرفني.

بنفيلوس: أودّ ذلك: أعدني إلى الوضع الأصليّ الّذي تسلّمتني فيه.

داووس : سأفعل.

بنفيلوس: لكنّ المسألة مستعجلة.

داووس : دعني أفكّر...لكن مهلا، باب بيت غلكريوم يصرّ.

بنفيلوس: ذاك لا يعنيك.

داووس : ها أنا أبحث.

بنفيلوس: ألم تجد بعد؟

داووس : بعد قليل أقدّم لك الحلّ الّذي أجد.

 

المشهد الثّاني (684-715)

ميسيس، بنفيلوس، خارينوس، داووس

ميسيس : ( مخاطبة غلكريوم بالدّاخل) حالا، أينما يكن، سأحتال لأجد وأجلب لك حبيبك بنفيلوس: كفّي فقط، يا حبّة قلبي، عن تعذيب نفسك.

بنفيلوس: ميسيس.

ميسيس : من؟ أهو أنت يا بنفيلوس؟ ظهرت في الوقت المناسب.

بنفيلوس: ما الخبر؟

ميسيس : أمرتني سيّدتي بأن أطلب منك الحضور إليها فورا إن كنت تحبّها. قالت إنّها تريد أن تراك.

بنفيلوس: ( مخاطبا نفسه) يا ويلتي! اكتملت مصيبتي. ( مخاطبا داووس) أهكذا تتركنا أنا وإيّاها نتخبّط بسببك في الشّقاء والهموم؟ فإنّما أرسلت في طلبي لأنّها بلا شكّ سمعت بالزّفاف الّذي يتمّ إعداده لي.

خارينوس: والّذي كان في منتهى السّهولة حقّا تركه يستريح، لو بقي هذا مستريحا.

داووس  : ( مخاطبا خارينوس) واصل، لا عليك، إن لم يكن مهتاجا من تلقاء نفسه بنحو كاف فاستثره*.

ميسيس : ( مخاطبة بنفيلوس) الأمر كذلك فعلا وحقّ بولكس*، والمسكينة لذلك السّبب الآن في أسى مرير. 

بنفيلوس: أقسم لك يا ميسيس بكلّ الآلهة أنّي لن أتخلّى عنها أبدا ولوكان عليّ أن أعادي كلّ النّاس. هي من أحبّ فؤادي وقد أحبّتني وطباعنا تتّفق فبعدًا لمن يريدون تفريقنا. لا أحد سوى الموت يستطيع انتزاعها منّي.

ميسيس : الآن عادت إليّ الرّوح.

بنفيلوس: ليس ردّ أبولّون* نفسه أصدق ممّا أقول. إن أمكن التّوصّل إلى ألاّ يظنّني أبي مسؤولا عن عدم إتمام هذا الزّفاف فنعمّا، وإلاّ فسأجعله بسهولة يعتقد أنّ ذلك كان يتوقّف عليّ. ( مخاطبا خارينوس) كيف أبدو؟

خارينوس: بائسا، ومثلك أنا.

داووس : ما زلت أبحث عن حلّ.

بنفيلوس: أنت رائع. أعرف ما تحاول تحقيقه.

داووس : ثق أنّي سأتدبّر لك الأمر.

بنفيلوس: أنا بحاجة إلى الحلّ حالا.

داووس : وها أنا وجدته.

خارينوس: ما هو؟

داووس : له هو لا لك وجدته: اعلمْ ذلك كيلا تخطئ.

خارينوس: ذاك يكفيني.

بنفيلوس: ماذا ستفعل؟ قل أرجوك.

داووس : أخشى ألاّ يكفي ما بقي من هذا اليوم لأنفّذ خطّتي، فلا تظنّنّ عندي متّسعا من الوقت لأعرضها عليك. فابتعدا فورا من هنا، لأنّكما تعوقان حركتي.

بنفيلوس: أنا ذاهب لأراها. ( يذهب ويدخل بيت غلكريوم)

داووس : وأنت؟ إلى أين ستنصرف؟

خارينوس: أتريد أن أقول لك الحقيقة؟

داووس : طبعا، هيّا تكلّم. ( مخاطبا نفسه) ها هو سيبدأ في رواية بلا نهاية.

خارينوس: ماذا سيحصل لي؟

داووس : أما يكفيك أيّها السّفيه أنّي سأعطيك مهلة إضافيّة بتأجيل زواجه؟

خارينوس: لكن أريد أن تكفل لي...

داووس : ماذا؟

خارينوس: الزّواج بها.

داووس : طلب سخيف.

خارينوس: تفضّلْ بالمجيء إلى بيتي إن استطعت.

داووس : لماذا أجيء إليك؟ لا يعنيني أمرك.

خارينوس: مع ذلك، أرجوك، متى استطعت...

داووس : لا عليك، سآتي.

خارينوس: إن تأت تجدني بالبيت. ( ينصرف)

داووس : ( يتوجّه نحو بيت غلكريوم) أنت يا ميسيس انتظريني هنا لحظة ريثما أخرج.

ميسيس : لماذا*؟

داووس : لعمل ضروريّ.

ميسيس : عجّل إذن.

داووس : أقول لك: في لحظة أكون عندك. ( يدخل بيت غلكريوم)

 

المشهد الثّالث (716-739)

ميسيس، داووس 

ميسيس : ( مخاطبة نفسها) أما لأحد من خلّة دائمة بحقّ الآلهة! كنت أرى في بنفيلوس الخير الأعظم لسيّدتي: صديقا وحبيبا وزوجا يعوّل عليه في كلّ آن. والآن يا لما تقاسي المسكينة بسببه من المشقّة، ذائقة من الويلات أضعاف ما ذاقت من المسرّات. لكن هوذا داووس يخرج. لطفا، ما هذا يا عزيزي؟ أين تحمل هذا الصّبيّ؟

داووس : أنا الآن بحاجة إلى ذاكرتك الثّابتة وفطنتك لهذا الموقف.

ميسيس : ماذا ستصنع؟

داووس : تناوليه منّي بسرعة وضعيه أمام باب بيتنا.

ميسيس : عفوا، هكذا على الأرض؟

داووس : خذي من المذبح أغصان زيتون وافرشيها تحته.

ميسيس : لماذا لا تفعل ذلك بنفسك؟

داووس : لأستطيع إن اضطررتُ للقسم لسيّدي على أنّي لم أضعه، أن أحلف بصريح العبارة.

ميسيس : أفهم. ها قد تملّكتك تقوى لم نعتدْها فيك. هاته.

داووس : هيّا تحرّكي بسرعة لتفهمي ما سأفعل من بعد. وايوبتر*!

ميسيس : ما دهاك؟

داووس : وصل أب الخطيبة. سأتخلّى عن الخطّة الّتي وضعتها أوّلا.

ميسيس : لا أفهم ماذا تقول.

داووس : ولذا سأتظاهر بالقدوم من هنا على اليمين، أمّا أنت فاحرصي على أن توافق أقوالك أقوالي.

ميسيس : لا أفهم شيئا ممّا تفعل. لكن قد تحتاجون إلى مساعدتي، ونظرا إلى أنّك أفهم منّي، سأبقى، حتّى لا أعوق مأربكم.

 

المشهد الرّابع (740-795)

خريمس، ميسيس، داووس

خريمس: ( مخاطبا نفسه) هأنذا أعود بعدما أعددت اللاّزم لزفاف ابنتي، لأطلب منهم إحضارها. لكن ماذا أرى؟ هذا غلام وحقّ هرقل*. ( مخاطبا ميسيس بعدما رآها) اسمعي يا امرأة، هل أنت وضعته؟

ميسيس : (مخاطبة نفسها) أين هو الآخر؟

خريمس: ألا تردّين عليّ؟

ميسيس : ( مخاطبة نفسها) لا أرى له أثرا في أيّ مكان. يا لتعاستي! تركني ذلك الرّجل وراح.

داووس : ( مخاطبا نفسه وكما لو كان آتيا من مكان ما) بحقّ الآلهة، أيّ هرج ومرج في القصبة*! وكم من الخصام بين النّاس! وما أغلى موادّ التّموين! ( مخافتا) لا أدري أيّ كلام آخر أقول.

ميسيس : لم تركتني هنا لوحدي؟

داووس : كيف؟ ما هذه الحكاية؟ ميسيس، من أين جاء هذا الصّبيّ؟ ومن أتى به إلى هنا؟

ميسيس : أتملك كلّ مداركك، أنت الّذي تسألني ذلك؟

داووس : ومن أسأل ترى وأنا لا أرى هنا أحدا سواك؟

خريمس : ( مخاطبا نفسه) عجبا، ترى من أين أتى؟

داووس : ( مخاطبا ميسيس) ألا تنوين الإجابة عمّا طلبت منك؟ ( يقرصها لتسايره)

ميسيس : أي.

داووس : ( مخافتا) انزاحي إلى اليمين.

ميسيس : أنت تهذي: ألست أنت بنفسك...

داووس : ( مخافتا) إيّاك أن تقولي كلمة واحدة غير ما أطلب. ( رافعا صوته) تتأبّين؟ من أين؟ قولي بوضوح.

ميسيس : من بيتنا.

داووس  : هاها! عجيب أن تتصرّف المومس* بمثل هذا الاستهتار.

خريمس : ( مخاطبا نفسه) هذه خادمة من بيت فتاة أندروس* إن صدق ظنّي.

داووس  : ألهذا الحدّ نبدو لكم حريّين بأن تسخروا منّا بهذا النّحو؟

خريمس : ( مخاطبا نفسه) جئتُ في الأوان.

داووس  : هيّا، خذي هذا الطّفلّ من أمام الباب بسرعة. امكثي هنا، حذار أن تبتعدي من هذا المكان.

ميسيس : قاتلك الآلهة! أهكذا ترهب امرأة مسكينة؟

داووس  : أتسمعين ما أقول لك أم لا؟

ميسيس : ماذا تريد منّي؟

داووس  : وتسألينني فوق ذلك؟ قولي: لمن الطّفلّ الّذي وضعتِ هنا؟ هيّا أخبريني.

ميسيس : ألا تعرف لمن هو؟

داووس  : دعيك ممّا أعرف وأجيبي على ما أسألك.

ميسيس : لكم.

داووس  : لمن منّا بالتّحديد؟

ميسيس : لبنفيلوس.

داووس  : ( متظاهرا بالاستنكار) ماذا تقولين؟ لبنفيلوس؟

ميسيس : وهل ستزعم أنّه ليس له؟

خريمس : ( مخاطبا نفسه) كنت محقّا في تهرّبي دوما من هذا الزّواج.

داووس  : أيّة جريمة جديرة بأشدّ عقاب!

ميسيس : لم تزعق هكذا؟

داووس  : أليس هذا هو الصّبيّ الّذي رأيته مساء أمس جيء به إلى بيتكم؟

ميسيس : يا لهذا المفتري!

داووس  : بل الأمر صدقاً كما أقول، فقد رأيت كنطارة تحمل صرّة كبيرة.

ميسيس : حمدا للآلهة وحقّ بولكس* أن حضرت الولادة شاهدات حرائر!

داووس  : سيّدتك لا تعرف جيّدا الرّجل الّذي ابتدعتْ هذه الحيلة الرّخيصة للتّأثير عليه: "لمّا يرى خريمس الطّفلّ ملقى أمام الباب، سيرفض إعطاء ابنته." بل ليزيدنّه ذلك إصرارا على إعطائها وحقّ هرقل*.

خريمس : ( مخاطبا نفسه) كلاّ، لن يفعل وحقّ هرقل*.

داووس  : والآن اسمعي لتكوني على علم، إن لم ترفعي فورا هذا الطّفلّ لأدحرجنّه إلى وسط الطّريق ولألحقنّك به وسط الأوحال.

ميسيس : أنت يا رجل وحقّ بولكس* مخمور.

داووس  : كذبة تدفع أخرى، أسمع الآن همساتهم بأنّها مواطنة أتّيكيّة*.

خريمس : ( مخاطبا نفسه) تبّا!

داووس  : "سيُرغم بمقتضى القانون على الزّواج".

ميسيس : ويحك، أتدّعي أيضا أنّها ليست مواطنة؟

خريمس : ( مخاطبا نفسه) كدت أقع، دون أن أشعر، في ورطة عجيبة غريبة.

داووس  : من يتكلّم هنا؟ آ، هو أنت يا خريمس، جئت في أوانك: اسمع.

خريمس : سمعت كلّ شيء.

داووس  : أسمعت حقّا كلّ أقوالنا؟

خريمس : أقول لك سمعت منذ البداية.

داووس  : قل أرجوك، أسمعت كلّ ما قالت؟ تبّا للمجرمين! يجب أخذها من هنا رأسا إلى دولاب التّعذيب. هوذا صاحبكم فلا تظنّي أنّك تتحايلين على داووس.

ميسيس : واشقوتي، ما كذبتُ وحقّ بولكس* أيّها الشّيخ الجليل.

خريمس : أعرف الحكاية كلّها. ( مخاطبا داووس) هل سيمون في البيت؟

داووس  : نعم. ( ينصرف خريمس إلى بيت سيمون)

ميسيس : لا تمسسني يا ألعبان. لو لم تفعل غلكريوم كلّ هذا...

داووس  : ويحك يا حمقاء! ألا تعرفين ماذا حصل الآن؟

ميسيس : وكيف لي أن أعرفه؟

داووس  : ذاك هو الصّهر، ولم تكن هناك طريقة أخرى لإعلامه بما نريد أن يعلم.

ميسيس : لولا أخبرتني مسبقا.

داووس  : أتظنّين الفرق قليلا بين تصرّف تلقائيّ على الطّبيعة، وآخر مصطنع؟

 

المشهد الخامس* (796-819)

كريتون، ميسيس، داووس

كريتون : ( مخاطبا نفسه) قيل لي في هذا الشّارع يوجد مسكن خريسيس الّتي كانت توثر كسب ثروة طائلة بطريقة غير شريفة على العيش فقيرة في وطنها: بموتها تؤول إليّ أموالها. لكنّي أرى شخصين سأسألهما. ( مخاطبا ميسيس وداووس) سلاما.

ميسيس : عفوا من أرى؟ أليس هذا كريتون ابن عمّ  خريسيس؟ بل هو بعينه.

كريتون : ميسيس! سلاما.

ميسيس : سلامتك يا كريتون!

كريتون : هكذا إذن فارقتنا خريسيس؟

ميسيس : وتركتنا وحقّ بولكس* في التّعاسة.

كريتون : ما أخباركم؟ كيف الحال هنا؟ أكلّ شيء على ما يرام؟

ميسيس : حالنا؟ نعيش هكذا وكما يقال كيفما نستطيع، ما دمنا لا نستطيع أن نعيش كيفما نحبّ.

كريتون : وبخصوص غلكريوم؟ هل وجدتْ أبويها؟

ميسيس : يا ليت!

كريتون : لم تجدْهما بعد؟ لم آت معي باليمن. وحقّ بولكس* لو علمتُ بذلك لما جررت قدمي إلى هنا. كان النّاس يظنّونها، وهي نفسها تعتبرها، أختها فسيؤول إليها ما كانت تملك. أحريّ بي أنا الغريب أن أرفع عليها قضيّة وأمثلةُ آخرين تنذرني بمدى سهولتها وجدواها؟ في نفس الوقت أعتقد أنّها حتما صارت تعرف صديقا وسندا، إذ كانت يافعة لمّا ذهبت من عندنا. سيقال إنّي أفّاك وشحّاذ طامع في الميراث. ثمّ إنّي لا أرغب في اغتصاب حقّها.

ميسيس : مرحى يا خير الضّيفان! أما وحقّ بولكس* إنّك لعلى خلقك القديم يا كريتون.

كريتون : خذيني إليها بما أنّي جئت لأراها.

ميسيس : بكلّ سرور. ( يدخلان بيت غلكريوم)

داووس  : ( مخاطبا نفسه) فلأتبعهما: لا أريد أن يراني الشّيخ في هذا الوقت.

 

<<