ماغون القرطاجنّيّ

 

شذرات في الفلاحة

 

5- تأثيرات محتملة: الكتّاب اللاّتين

 

حواش 

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 5- تأثيرات محتملة: الكتّاب اللاّتين

 

مقدّمة:

   إلى جانب النّصوص الّتي نسبتها المصادر اللاّتينيّة واليونانيّة إلى ماغون وملخّصيه، تبدو نصوص أخرى للكتّاب الّذين استشهدوا بهم ولآخرين لم يذكروهم كلّيّا مستمدّة بصفة مباشرة أو غير مباشرة منهم وإن لم تذكرهم. وقد رأينا كيف ترد نفس الوصفة عند عدّة كتّاب مع تغييرات طفيفة، لا تتجاوز أحيانا مستوى الصّياغة الإنشائيّة. وكيف نقل عنه كولوملاّ في "الأشجار" عدّة تعاليم مع أنّه لم يذكره سوى مرّة واحدة. ويصعب طبعا تتبّع ذلك التّأثير وإثباته بصفة قطعيّة، ويكفي أن نتذكّر أنّه لولا إشارات الكتّاب اللاّتين، لما وجدنا في الشّذرات المحفوظة لديوفانس أو ديونسيوس ما يوحي بأنّ مؤلَّفيهما كانا بالأساس ترجمة وتلخيصا لماغون. وليس ذلك خاصّا بماغون إذ قلّما ذكر الكتّاب القدماء مصادرهم، ونُعت الّذين ذكروها بأمانة- كبلينيوس وابن حجّاج وابن العوّام- بالنّاقلين. مثلا تبيّن الشّذرات المتبقّية من كتاب غرغيليوس مرتياليس "في الأشجار المثمرة" حيثما تمكن مقارنتها بمؤلّف بلاّديوس أنّه نقل منه حرفيّا تقريبا في عدّة مواضع ولم يذكره إلاّ في بعضها. كذلك أورد وارّون في فلاحته حسب Gentili 30 فقرة من أرسطوطاليس ( مثلا 2: 1: 19، 2: 2: 4، 2: 5: 13-14، 2: 6: 4، 2: 7: 2، 2: 7: 9، 2: 7: 11، 3: 11: 4، 3: 16: 4، 3: 16: 6-8) ولم يذكره باسمه سوى 3 مرّات ( 1: 1: 8 عرض كتّاب الفلاحة، 2: 1: 3 مبدأ الكائنات، 2: 5: 13 هذه فقط عن موضوع يخصّ الفلاحة). ولم يكن أرسطوطاليس أفضل منه في هذا الباب، فهو لم يذكر إلاّ نادرا مصادره في كتب الحيوان، وفي "الآثار العلويّة" ذكر الكلدانيّين مرّة واحدة مع أنّه استخدم حسب سمبلقيوس مشاهدات فلكيّة أرسلها إليها كلّستينس من بابل تمتدّ على 1903 سنة، وللخبر دلالة حتّى إن اعتبرنا الرّقم مبالغا فيه والشّهادة من عصر متأخّر. في كتب أخرى يبدأ عادة عند معالجة قضيّة بسرد آراء السّابقين لدحضها ودعم رأيه دون توضيح ممّن استمدّه. في مجال آخر، اعتمد ليويوس لكتابة تاريخ الحروب البونيقيّة ( الكتب 21-30) بالأساس على بوليبيوس ولم يذكره إلاّ مرّة في النّهاية وبصفة عرضيّة ( في خبر عن صيفاقس 30: 24) باعتباره "مرجعا لا يُستهان به". كما ذكرنا يعود ذلك إلى رغبة الكتّاب في نسبة التّعاليم الّتي نقلوها إلى أنفسهم واكتفائهم بذكر مصادر الأفكار الّتي تبدو لهم غريبة، وإلى السّمة العمليّة لكتب الفلاحة. كذلك وكما يقول ابن وحشيّة "قد يخرج متعلّم أحذق من معلّمه" فتكسف كتبه كتب المعلّم وتُنسيها تدريجيّا لأنّها أشمل وأصحّ، وذلك يصحّ على العلوم التّطبيقيّة أكثر من الفلسفة والنّظريّات الّتي يصعب إثباتها أو تفنيدها بنحو قطعيّ. هكذا تُنسب الفكرة أحيانا إلى آخر مصدر، فمثلا نسب بلينيوس فكرة استبعاد روث الخيل سمادا لأرض الزّرع واستحسانه للمرعى ( 17: 6 (54)) إلى وارّون الّذي نسبها ( 1: 38: 2) إلى ديونسيوس الّذي نقلها على الأرجح من ماغون، الّذي كان هنا كما بالنّسبة لتعاليم أخرى ضحيّة لنجاح موسوعته الباهر. ومسألة التّأثير عموما، وبالأخصّ بين كتّاب من شعوب مختلفة، مسألة صعبة- خاصّة أنّ كثيرا من الكتّاب لا يعطون مصادرهم سواء من باب الانتحال أو للإيجاز. وتزيد عسر تلك المهمّة صعوبة مطابقة الكتّاب المذكورين في المصادر العربيّة ( خاصّة فلاحة ابن العوّام) بكتّاب المصادر اللاّتينيّة واليونانيّة. ويبدو تأثير ماغون أوضح في كتّاب كفرجيليوس وكولوملاّ وحتّى فلورنتينوس منه في كتّاب متأخّرين كأنطوليوس فهو عندهم غير مباشر ومشوب بتأثير آخرين. سنقتصر على بضعة أمثلة، بادئين بكاتون وفرجيليوس اللّذين لم يذكرا ماغون، ولا مصدرا آخر ( فقد أرادا تقديم إرشادات عمليّة لمواطنيهما ولم يكن على الثّاني كشاعر أن يذكر مصادره أصلا)، لأنّ معرفتنا بالكتّاب اللاّتين ومؤلّفاتهم أدقّ وأتمّ من معرفتنا بكتّاب المجموعتين البيزنطيّتين والمصادر العربيّة.

5-1 كاتون

5-1-1 التّأثير اليونانيّ

   رغم عدائه لتأثير الثّقافة اليونانيّة وما أشيع عن تعلّمه اليونانيّة في سنّ متأخّرة، وعدم استشهاده بكتّاب يونان، فيما عدا حديثه عن فوائد الكرنب حسب الفيثاغوريّين الّذين يعتبرهم بعض الكتّاب اللاّتين جزءا من التّراث الإيطاليّ، يظهر في كتابه التّأثير اليونانيّ بوضوح، في استخدام كلمات ووصفات أطعمة يونانيّة ( كخمر قوس والخمر المطبوخة وبعض الحلويّات)، وأساليب زراعيّة ( كالتّلقيم) يُستبعد أن تكون مستعملة عند الرّومان في عصره، ووجود أشياء شبيهة عند كتّاب يونان متقدّمين من ضمنهم بولوس الّذي يلتقي معه حسب فلّمانّ في بعض الوصفات ( كالفصول: 36 الزّبول، 72 وقاية أظلاف البقر، 94 منع سقوط التّين، 95: 2 مستحضر ضدّ اليساريع، 96 علاج الجرب في الغنم، 103 رشّ العلف بالثّجير، 110 تخليص النّبيذ من الرّائحة الكريهة، 115 و122 و127 خمور ضدّ الإمساك والحصر والمغص، 116 حفظ العدس، 128 ملاط للمسكن في الضّيعة) وبصفة عامّة في المزج بين الفلاحة والطّبّ والبيطرة وإعداد الأطعمة، وفي الطّابع السّحريّ لبعض الوصفات. لكن إذا اعتبرنا أنّ فلاحة "ديمقريطس" على الأرجح لم تُعرف إلاّ في ق 1 م بعدما نشرها ثراسيلوس، على الأقلّ عند الرّومان، يثير رأي فلّمانّ شكّنا، وربّما نقلا من مصادر مشتركة، فقد عرف مثلا فيثاغوريّين عند نيارخوس التّارنتيّ ( شيشرون: في الشّيخوخة 39).

5-1-2 التّأثير البونيقيّ

   كتب كاتون قبل ترجمة ماغون ( بعد 146)، لكن يبدو لنا أنّه تأثّر كذلك بالزّراعة البونيقيّة الّتي لا بدّ أنّه اطّلع عليها أثناء مشاركته في حملة شبيون على إفريقية ( 204) ثمّ في حملته على إسبانية بعدما بسط الرّومان نفوذهم على جزء منها ( 195) وتردّده على قرطاج في أواخر حياته للحكم في نزاعاتها مع ماسّنيسا ( 153)، ولا بدّ أنّه عرف عن فلاحتها ( الّتي لا شكّ أنّها كانت تشبه ما في مؤلّف ماغون بدرجة معقولة)، هو الّذي اتّخذ من تينة حملها منها حجّة لإقناع الرّومان بضرورة تدميرها ( بلينيوس 15: 20 (74)، أفلوطرخوس: كاتون 27: 1- وإلى هذا النّوع من التّأثّر يشير خبر أورده ابن حجّاج عن أسير أندلسيّ في بلاد الرّوم ذكر موسم كسح الكرم عندهم). ولنذكّر بأنّه قدّم وصفة العصيدة البونيقيّة puls punica 85، كما قد تكون بونيقيّة وصفات أطعمة أخرى ككعكة الجبن والسّميذ ( libum 75، فقد ذكر فستوس كعكة شبيهة دعاها libum punicum في "ملخّص مآثر الشّعب الرّومانيّ" 255، وذكر بلينيوس 18: 20 (89) أنّ أفضل أنواع السّميذ similago الإفريقيّ، واسمها مشتقّ من اسم التّنّور clibanus ذي الأصول الشّرقيّة المحتملة)، أو جريش الحنطة ( granea triticea 86، الشّبيه بalica adulterina الّتي كانت تُستخدم في إفريقية حسب بلينيوس 18: 29 (115)). وأشار بغراسة الفاكهة البونيقيّة أي الرّمّان الّذي اشتهرت به قرطاج فعلا ( mala punica 7: 4) والتّين الإفريقيّ ficus africana ( 8) واستخدام طاحونة إسبانيّة molae hispanienses ( 10: 4) ووُصل بونيقيّة punicanis coagmentis ( 18: 9) قد تكون قطعا خشبيّة لدولاب المعصرة، ومن الأساليب البونيقيّة أيضا استخدام وُصل خشبيّة constibilis وlingulae بين عُمد المعصرة ( 12، 18: 6 و19: 2)، وتثبيتها في مرتكزها الحجريّ بقطعة من خشب البلّوط ثمّ ملء الفراغ بالرّصاص المذاب ( 18: 5)، والقناني المغلّفة بالحلفا amphorae et urnae sparteae ( 11: 2) واستخدامات أخرى ( 3: 5) للحلفا الّتي موطنها إسبانية وشمال إفريقية؛ كذلك تذكّر وصفته لإعداد الملح الأبيض ( 88) بوصفة نقيع الملح لماغون ( كولوملاّ 12: 6). كما يوحي بتأثير بونيقيّ ما ذكر ( 7: 2) عن حفظ عنب الأكل المدعوّ duracina ( والّذي نعلم من إشارات كولوملاّ وبلينيوس أنّ ليبية وإفريقية وإسبانية امتازت به كما ذكرنا) في دخان ورش الحدادة ( وهو أسلوب ذكره كولوملاّ 1: 6: 20 وبلينيوس 14: 16 (94) الّذي أكّد انتشاره في إفريقية وولع تيبريوس به 14: 2 (16)). نلاحظ كذلك أنّ كاتون، حسب سرفيوس، قال في كتاب إلى ابنه مثل الحكمة الّتي جاءت عند فرجيليوس ( 2: 412-413) والّتي ردّها كولوملاّ إلى أصل بونيقيّ.

   وتوحي جزئيّات بعض فصوله بتأثير بونيقيّ لا يبدو لأوّل وهلة. لنأخذ مثلا وصفته لعلاج الثّيران (70): نجد أنّه ذكر فيها ( وكذلك في 71) الثّوم والنّوع المدعوّ ulpicium الّذي اشتهر البونيقيّون بتناوله: فقد وصف معاصره بلوتوس، في ملهاة "البوينيقيّ" ( 187/ 186 ق م) المقتبسة من مسرحيّة يونانيّة من القرن 4 ق م، التّاجر حنّون بأنّه امتلأ بالثّوم والألبكيوم أكثر من جدّافين رومان: plenior ali ulpicique quam Romani remiges ( 1315)، ودعاه كولوملاّ "الثّوم البونيقيّ" أو aphroskorodon "كما يدعوه اليونان" ووصف غراسته بين النّخيل ( 11: 3: 20-21) وبيّن موعدها ( 10: 112-113 و11: 3: 23)، وذكره في وصفة بيطريّة مع النّوع العاديّ ( 6: 4: 2 allium uel ulpiciumودعاه بلينيوس "ثوم قبرص" ( وكان ثيوفرستوس قد وصف هذا الثّوم الضّخم والّذي لا يُطبخ بل يُستخدم في صلصات فيُحدث رغوة ويزيد حجمها ت.ن. 7: 4: 1، وذاك أصل تسمية أفروسكورودون، فأفرو هي الرّغوة كما في أفروديت المولودة من زبد البحر). ودعاه كذلك antiskorodon، وذكر شهرة استخدامه في إفريقية في الأحسية في الرّيف 19: 34 (112)، وهو فعلا في مسرحيّة "البيت المسكون" لبلاوتوس طعام الفلاّحين 39-47، كما ذكر بلاّديوس مواعيد غراسته ( 2: 14: 5، 4: 9: 5، 12: 6)، وقد يكون ما دعاه ابن العوّام "المُقشتنولي" ( 24: 5)، وفي كتب الفلاحة اللاّتينيّة وصفات بيطريّة أخرى يقترن فيها هذان النّوعان من الثّوم، بينما لم تذكر جيوبونيكا النّوع الثّاني ( لكن ورد في هبياتريكا في وصفة لبيلاغونيوس- وهو لاتينيّ- 2: 61: 3 كما ذُكر ثوم قبرص في نصّين لأبسرتوس وهيرقليس 1: 22: 1-2 والثّوم الغالّيّ في وصفة لأنطوليوس 2: 70: 2، وكذلك عند فيجيتيوس#). من الملفت كذلك إشارته بزراعة البصل المغاريّ ( bulbus Megaricus) في الضّواحي، والمقصود ضاحية قرطاج ( سيدي بوسعيد؟) الّتي وصف أبّيانوس جنائنها ( شؤون بونيقيّة 117) لا المدينة اليونانيّة المشهورة ( بالمفارقة المنطقيّة المعروفة) ولا الصّقلّيّة ( الّتي هي هبلة القريبة من الجبل المشهور بعسله كما ذكر سترابون 6: 2: 2)، نرى ذلك مثلا ممّا جاء عند كولوملاّ 10: 106-107 فقد ذكر أنّ الغيتوليّين يغرسونه في سكّة ( المدينة المعروفة بمعبد "فينوس" فيها وربّما كانت في إفريقيّة الوحيدة الّتي مورس فيها البغاء المقدّس ودُعيت لاحقا Sicca Veneria- بلدة أرنوبيوس والكاف حاليّا- وربّما لم تعد مغارة موجودة في زمانه) ونسب إليه خاصّيّة إثارة الرّغبة الجنسيّة الّتي ذكرها بلينيوس أيضا ( 20: 40 (105)) دون تحديد أصله، لكن يوحي به ما ذكر عن تناوله مع نبيذ العنب المشمّس passum وأكل نوع برّيّ منه مع السّلفيون الّذي لم يعد يوجد تقريبا في عصره، ونقل إشارة كاتون بغراسته وذكر نوعا من البصل الإفريقيّ ( 19: 30 ( 93، 95)، وأشار إليهما لاحقا نصّ من هبياتريكا ( bolboi Megarikoi, Aphroi)، وقد ذكر ثيوفرستوس منه أنواعا برّيّة وبعضها يؤكل ( ت.ن. 1: 6: 7-9، 1: 10: 7، 7: 2: 1-3، 7: 4: 12، 7: 9: 4، 7: 12: 1-2، 7: 13: 1-9، 8: 8: 3) دون ذكر أيّ نوع من مِغارة ولا خاصّيّة إثارة الشّبق الّتي لم تذكرها كذلك الفلاحة النّبطيّة حيث يدعى بلبسا أو القعبل، ومن الملفت أيضا أنّ كلمة "المغاريّ" جاءت في بعض مخطوطات مؤلّفي كاتون وبلينيوس Magaricus وهو ما لم نره في اسم مِغارة اليونانيّة في أيّ مصدر. وذكر الغار الّذي تبيّن نصوص اهتماما خاصّا به عند ماغون. ونجد بعض العقاقير الّتي أشار بها في وصفة لعلاج الثّيران في الكتاب 6 من مؤلّف كولوملاّ ( 6: 4: 1-2) الّذي يحمل تأثير ماغون وفي وصفة تشبهها لأوملوس ( ه باريس 917). وورد في وصفة بيطريّة لماغون العددان 3 و12 اللّذان يكتسيان أهمّيّة شبه سحريّة في وصفة كاتون.

   وبولوس الّذي أكّد فلّمانّ تأثّره به في عدّة فصول من كتابه، وفي مزجه بين الفلاحة والبيطرة والطّبّ وإعداد وحفظ الأطعمة، ربّما تأثّر هو نفسه بماغون الّذي مزج بينها هو أيضا وأكثر من كاتون، وإن كان الطّابع السّحريّ لا يظهر بنحو بيّن من النّصوص المنسوبة إليه وإلى ملخّصيه، أو على الأقلّ بالدّرجة الّتي يبدو بها عند بولوس.

   وبولوس الّذي أكّد فلّمانّ تأثّره به في عدّة فصول من كتابه، وفي مزجه بين الفلاحة والبيطرة والطّبّ وإعداد وحفظ الأطعمة، ربّما تأثّر هو نفسه بماغون الّذي مزج بينها هو أيضا وأكثر من كاتون، وإن كان الطّابع السّحريّ لا يظهر بنحو بيّن من النّصوص المنسوبة إليه وإلى ملخّصيه، أو على الأقلّ بالدّرجة الّتي يبدو بها عند بولوس.

   وقد يفسّر ذلك التّأثيرُ جزئيّا على الأقلّ انعدام الاتّساق في كتابه ( الّذي يبدو كتجميع لمعلومات لم يتمّ تنسيقها)، فمثلا يبدو لنا أنّ وصفاته لإعداد وحفظ بعض الأطعمة تتماشى مع إطار الفلاحة الماغونيّ حيث يقيم المالك في الضّيعة، لا مع الإطار الّذي وصفه ووصفه الكتّاب اللاّتين الآخرون، كما أنّ ما ذكر حول الأزبال لا يتّفق تماما مع ما ذكر حول تربية الحيوانات في الضّيعة. وقد يفسّر كذلك بعض الأمور الغريبة كمساحة حقل الزّيتون الّتي استغربها وارّون فعلا ( ربّما حوّل مثلا مساحة بوحدة أخرى، فهي تساوي مثلا بالفرسوس uersus 800 بينما تقارب مساحة المِكرمة 300)، وفرن الجير ( 38) إذ يذكّر وصفه بالأسلوب الفينيقيّ كما عرضه ثيوفرستوس ( في الأحجار 64-69، في النّار 65-66).

5-2 فرجيليوس

5-2-1 تأثير وارّون

   ذكرنا تأثّر فرجيليوس على المستوى "الأدبيّ" بهسيودوس وأراتوس ونيقندر... أمّا بشأن الجانب "التّقنيّ" فيتبادر إلى الذّهن هسيودوس والكتّاب اللاّتين السّابقون، أي بالأخصّ كاتون وصاصرنا وسكروفا ووارّون. أمّا هسيودوس فالجانب الفنّيّ في قصيدته مقتضب وينحصر في الحبوب والرّزنامة ( ولم يتناول تربية الماشية ولا التّزبيل مثلا) لأنّ هدفه أخلاقيّ بالأساس، وأمّا كاتون فلا نجد له تأثيرا يُذكر. في المقابل ذكر كولوملاّ شاعرنا مع كتّاب لاتين ينبذون استخدام الحديد للتّشذيب ( 4: 11)، وأخبرنا أنّه قصد في البيتين 1: 77-78 ما ذهب إليه سكروفا عن إضرار الحمّص والكتّان بالأرض. ويعتقد عدّة نقّاد أنّه تأثّر في الجزء التّقنيّ بوارّون خاصّة، إذ يوجد شبه بين بعض نصوصهما: كدعاء الآلهة الافتتاحيّ ( جيورجيكا 1: 5-23، فلاحة 1: 1: 5-6)، وتهيئة مكان البيدر ( جر 1: 178-186، فلا 1: 51)، ومديح إيطالية ( جر 2: 136-176، فلا 1: 2: 3-8)، وتمجيد حياة الرّيف ( جر 2: 458-540، فلا 2: مقدّمة: 1-3)، وذبائح الماعز ( جر 2: 393-396، فلا 1: 2: 19-20)، ومواصفات البقر المثاليّ ( جر 3: 51-71، فلا 5: 7-8)، وتأثير لون أسفل لسان الكبش على لون صوف الحمل ( جر 3: 387-390، فلا 2: 2: 4)، ووصف مرعى النّحل ( جر جنينة شيخ كركيرة 4: 125-146، فلا بستان الأخوين ويانوس في إسبانية 3: 16: 10).

   تأثّره بوارّون وارد فعلا، فقد نُشر مؤلّف وارّون في 37/36 ق م، بينما انتهى فرجيليوس على الأرجح في 29 من أناشيده الّتي قضى في نظمها 7 سنوات حسب ما ذكر شارحاه سرفيوس ودوناتوس. وقد أورد دوناتوس تأكيد بروبوس أنّه تأثّر بثيوقريطوس في بوكوليكا وبهسيودوس ووارّون في جيورجيكا. لكنّ تقاربهما في الزّمان يضعف ذلك الاحتمال، لا فقط لسبب عمليّ ( فربّما لم يكن قد قرأ مؤلّفه لمّا بدأ في النّظم، ممّا جعل بعض النّقّاد يتصوّرون تأثّرا أقلّ في النّشيد الأوّل ممّا في البقيّة- وهو أمر لا يؤيّده فحص الكتاب المفصّل ويفترض أنّه ألّفه بالتّرتيب الّّذي أخرجه به) بل كذلك لأنّ الاقتباس من كاتب معاصر تقريبا مستهجن، خاصّة أنّ الشّاعر أهداها لميكيناس الواسع الاطّلاع وبطلب منه ( قد يقتبس أديب من أديب معاصر، وقد حدث ذلك بين كلّيماخوس وثيوقريطوس وأبولونيوس، لكن بلا إفراط وغالبا مع الإشارة إليه ومن باب التّحيّة على الأقلّ بالنّسبة للأوّلين). كما أنّ بعض ذلك التّشابه عرضيّ ولا يدلّ حتما على اقتباس. فدعاء الآلهة مثلا تقليد نجده عند هوميروس أو هيرودوت أو إنّيوس، وهو لم يدع نفس الآلهة وبنفس التّرتيب: فقد ذكر وارّون يوبتر الأب وتلّوس الأرض الأمّ، الشّمس والقمر، كيريس إلهة الحبوب وليبر إله الخمر، روبيقوس حافظ النّبات من اليرقان وفلورة ربّة الإزهار، مينرفة وفينوس ربّتا الزّيتون والجنائن، لمفة وإيفنتوس ربّ التّوفيق، مغفلا الآلهة الرّعويّة بعكس فرجيليوس الّذي ذكر ليبر وكيريس، وآلهة الحقول وجنّيّات الغاب ونبتونوس ربّ الخيل وبان الإله الرّاعي ومينرفة وسلوانوس ربّ السّرو، وهي آلهة كان قد ذكرها في "أغاني الرّعاة" الّتي لا تحمل أيّ تأثير لمؤلّف وارّون ( 5: 58 و79، 5: 35 و59 و6: 27، 10: 26، 10: 24، فضلا عن يوبتر 3: 60 و7: 60، وأبولّون/ فويبوس 3: 62، 4: 10 الخ). كذلك ورد مديح إيطالية عند عدّة كتّاب سابقين ولاحقين كبوليبيوس وديونيسيوس هلّيكرناسّوس وسترابون وبلينيوس ( 3: (39)، 37: 77 ( 201-202)) وجاء مثله عند كتّاب يونان عن بلادهم، وفي "الفلاحة النّبطيّة" عن إقليم بابل "ملتقى النّهرين العظيمين الّذي فُضّل باتّفاق عناية الشّمس والمشتري" و"ينبت ذهبا وفضّة" و"أرضه أجود من كلّ أرض على وجه الأرض، متوسّطة يُفلح فيها من المنابت ما لا يُفلح في غيرها، تزكو فيها أشياء بأكثر ممّا تزكو في غيرها" مع ردّ مديح اليونان وأهل الشّام لبلادهم، وربّما ورد مثله عند ماغون عن إفريقية، "فكلّ فتاة بأبيها معجبة". بل قد يعود التّناقض في كتاباتهما وكتابات كولوملاّ وبلينيوس عن حالة الفلاحة الإيطاليّة بين الإشادة بازدهارها ونعي انهيارها إلى اقتباس تلك الإشادة من مصدر مشترك أو استخدامهما لكليشيه أدبيّ، بينما لم يذكر كاتون الرّجل العمليّ رغم إشادته بالفلاحة ذلك الازدهار. وأمر عاديّ أن يلجآ إلى الأسلوب القصصيّ في الانتقال إلى مواضيعهما لإضفاء حيويّة على موضوع جافّ بطبيعته ولم يقتصرا عليه في وصف بستان النّحّال.

   وقد يعود بعض التّشابه الآخر إلى استخدام مراجع مشتركة منها ماغون، كما في أوصاف البقر. وممّا يدلّ على التّأثّر المباشر بماغون وجود أمور في جيورجيكا لم ترد عند وارّون، يعود بعضها إلى ماغون: كوضع أحجار في حُفر الكرم، وإنشاب بعض أنواع الأشجار، وربّما كذلك إنشاء النّحل من جثّة الثّور. وحتّى إن استخدم فلاحة وارّون، فذلك لا يمنع استخدامه في نفس الوقت مصادر وارّون ومنها ماغون، كما هو الشّأن في كولوملاّ أو بلينيوس، إذ استخدم كلاهما كلّ المصادر المتاحة له، قديمة وحديثة.

5-2-2 تأثير ماغون

   تشير عدّة قرائن إلى تأثّر فرجيليوس بماغون من خلال ترجمته اليونانيّة، لا عبر وارّون.

أ- وصفته المتمثّلة في وضع قواقع وأحجار في الحفر المعدّة لأغراس الكروم لحفظ الرّطوبة والبرودة ( 2: 284-287) مستمدّة من ماغون كما أخبرنا كولوملاّ ( 3: 15) ولم يوردها وارّون. وكذلك حديثه عن إعداد الحفر لغراسة الكرم قبل مدّة طويلة ليتسنّى طبخ التّربة بالشّمس والرّيح والمطر والصّقيع ( 2: 259-264).

ب- مواصفات الأبقار المثلى ( 3: 51- 71) قريبة لا محالة من وصف وارّون 2: 5: 7-8 لكنّ بعض تفاصيلها تظهر أنّه لم يقتبسها منه بل من مصدر مشترك، من ذلك وصف الأقدام، أو وصف اللّغد الّذي يطابق أكثر ما كتب كولوملاّ نقلا عن ماغون ( 6: 1: 2-3) أو ما جاء في تعليق على لقيانوس نقلا عن ديونسيوس.

ج- فكرة إنشاء النّحل من جثّة ثور ( 4: 281-558) مقتبسة من ماغون أو من ديمقريطس أي بولوس المنديسيّ، كما يستفاد من نصّ كولوملاّ ( 9: 14: 6)، فوارّون ألمع إلى الفكرة دون وصف ذلك الأسلوب بدقّة كفرجيليوس.

د- شهد كولوملاّ على تأثّر فرجيليوس بالكتّاب البونيقيّين، أي ماغون على الأرجح، إذ علّق على بيتي فرجيليوس ( 2: 412-413) "تغنّ بالحقول الكبيرة وافلح واحدا صغيرا" قائلا: "أعتقد أنّ ذلك الرّجل الواسع الثّقافة قد نظم شعرا حكمة قديمة مأثورة، ولقد أصاب البونيقيّون، أولئك القوم الحذّ، إذ قالوا: لأهونُ أن تكون الأرض لا الفلاّح أضعفَ الطّرفين، فلكونهما في صراع يعني تفوّق المِلك اندحار المالك" ( 1: 3). وتوجد فكرة الصّراع بين الفلاّح والأرض ( الّتي عبّر عنها بقوّة في الأدب العربيّ الحديث م المسعديّ في "السّدّ") عند فرجيليوس ( 1: 99 و104-105)، ومع أنّ إكسينوفون عبّر عنها أيضا في إشارة عابرة ( تدبير 5)، توحي شهادة كولوملاّ باقتباسها من كتّاب بونيقيّين ( أي ماغون على الأرجح). ويؤيّد شهادته حكم بلينيوس بأنّ فرجيليوس وافق في ذلك الرّأي القدماء ( 18: 7 (35) والأرجح أنّه عنى ماغون الّذي ذكر في نفس الفقرة رأيه عن أهمّيّة إقامة المالك في ضيعته). أمّا سرفيوس فعلّق على هذين البيتين بأنّ كاتون قال ذلك أيضا في كتاب في الفلاحة وجّهه إلى ابنه ( hoc etiam Cato ait in libris ad filium de agricultura) مخالفا مثل هسيودوس: "ليعجبك المركب الصّغير، لكن في الكبير ضع متاعك" ( أعمال 643)، ولا يعني قوله بالضّرورة أنّه اقتبس حكمته من كاتون، وحتّى لو تصوّر ذلك فإنّ رأيه لا يعتدّ به، لأنّ عصره أبعد، وهو لم يقرأ ديوفانس، ولأنّا لا نلمس عند فرجيليوس تأثيرا لكاتون ( ويلاحظ كذلك قرب ذلك المثل من حكمة شربّاك السّومريّ 101-102: "حسن توسيع المِلك لكنّ لا شيء يعدل مِلكي الصّغير"، ومن مثل لأحيقار في إيثار الثّروة الصّغيرة على الكبيرة المشتّتة آ2: 50، ممّا يوحي بأنّ لها جذورا شرقيّة قديمة).

ه- حسب بلينيوس ( 17: 2: (19-20)) يعني استبعاد فرجيليوس اتّجاه الغرب لحقل الكرم اختيار الشّمال، أي ما أشار به ديمقريطس وماغون، ويناسب بالأحرى البلاد الحارّة ( كولوملاّ 3: 12)- لكنّ تلك جزئيّة لا يدقّق فيها شاعر، بينما عدّل وارّون بعض تعاليم ماغون بما يوافق مناخ إيطالية ( 1: 26).

و- ما ذكر عن إنشاب بعض الأشجار ( 2: 33-34 و69-72)، قريب ممّا كتب ديوفانس ( ج 10: 76 و10: 20)، ولم يرد بنفس التّفصيل عند وارّون.

ز- ما كتب عن اختبارات الأرض ( 2: 226-258) يشبه ما ورد عند ديوفانس ( وارّون 1: 9: 7، ج 2: 11 و5: 7)، ولم يرد إلاّ جزئيّا عند وارّون. وتصنيف الأراضي الّذي قدّمه ( 2: 177-225) والّذي يشبهه تصنيف بلاّديوس اللاّحق ( 1: 5: 1) يبدو أيضا مستمدّا من ماغون ( لا فقط الأرض الصّالحة للزّيتون بل كذلك المعدّة للحبوب والأرض الّتي ينتشر فيها الفلّيس الصّلب المجدب حيث  تعيش الثّعابين).

ن- لم يذكر تربية الخنزير رغم أهمّيّته في الاقتصاد الزّراعيّ في إيطالية ( إلاّ عرَضا في 1: 400 مع نعته بالقذر immundi sues، 2: 72، 2: 520 عن عودة الخنازير في الشّتاء وقد شبعت من البلّوط، 3: 255 عن شبق الحيوانات و3: 497 في وصف وباء الحيوانات)، بينما خصّص له وارّون فصلا من مؤلّفه 2: 4 يتجاوز بطوله الفصول عن بقيّة الحيوانات ( وإن كان طوله يعود إلى توسّع في التّحاليل اللّغويّة والتّاريخيّة والثّقافيّة أكثر من الجانب التّقنيّ)، وهو نفسه في "أغاني الرّعاة" ( 10: 19) ذكر رعاة الخنازير مع رعاة الغنم، كذلك توسّع أرسطوطاليس في تغذية الخنزير ( تا.ح. 8: 6 594أ) وأمراضه ( 8: 8: 21 603أ-ب) أكثر من البقر مثلا ( 8: 7 و8: 23). صحيح أنّه لم يذكر كذلك البغال والدّواجن الّتي تناولها ماغون ووارّون ولا الحمير إلاّ عرضا ( 1: 119، 1: 273) لكنّ أهمّيّتها دونه بكثير، ففصل الحمير عند وارّون 2: 6 مبتسر ولا يتضمّن مواصفات للحمار شأن حيوانات الضّيعة الأخرى، وتربية الدّواجن في الضّياع الصّغيرة هي غالبا عمل الزّوجة الّتي لم يذكرها أصلا أو القهرمانة ( كاتون 143: 3). من جهة أخرى تحدّث عن كلاب الصّيد الّتي استبعدها وارّون وذكر صيد الأخدريّ بها ( وهو لا يوجد بإيطالية 3: 409، بينما كان يوجد بكثرة في إفريقية حيث كان لحمه مستطابا).

ح- يوحي وصفه لترويض الثّيران ولأمراض الحيوان وعلاجها ( 3: 440-508) باطّلاعه على كتاب في تربية الماشية هو على الأرجح مؤلّف ماغون الّذي لم يذكر وارّون سواه في ما يتعلّق بصحّة الماشية ( وجدير بالذّكر أنّ وارّون نفسه لم يصف تلك الأمراض ولا علاجاتها وأنّ فرجيليوس لم يعط وصفا للحمّى كوصفه، وأنّ علاج الجرب الّذي ذكره يشبه وصفات قدّمها لاحقا كلسوس الّذي نعلم تأثّره بماغون).

ط- وردت عنده عدّة تفاصيل أقرب إلى بيئة الفلاحة البونيقيّة منها إلى أيّة بيئة أخرى:

   1 ذكر النّورج ( tribulum 1: 164) وهو آلة بونيقيّة لدراس الحبوب ( كما ذكر وارّون 1: 52 وسرفيوس في شرح هذا البيت)؛

   2 الانطباع الّذي تتركه فينا جيورجيكا عن كثرة الزّيتون البرّيّ أو الزّنبوج ( 2: 182-183، 2: 314، 4: 20) وذلك من ميّزات إفريقية كما ذكر بلينيوس الّذي أكّد أنّها تتّخذ فسائل منه تطعّمها ( 17: 30 (129))، وهو أسلوب يعود إلى البونيقيّين الّذين مارسوه أيضا في إيبيسة ( ديودوروس 5: 16: 2، سكولاكس: استخدامه في جربة للحصول على الزّيت الّذي لا ينتج منه إلاّ نزرا ممّا يوحي بكثرته، وربّما اشتُقّ منه اسم قرية أزمور بالوطن القبليّ فذاك معناه بالأمازيغيّة، وكذلك اسم زمورة الشّبيه الّذي يُطلق على أماكن في الجزائر ومصراتة وحتّى إسبانية وكذلك المكسيك والإكوادور حيث حمله الإسبان). ويرجّح أنّه كان يوجد بكثرة في إسبانية، فقد ذكر ابن حجّاج وابن العوّام ( 7: 1) كثرته على جبل الشّرف بإشبيلية والسّهل المحيط به وتركيب الزّيتون عليه. وكان يوجد في كلّ بلدان حوض المتوسّط ( مثلا شجرتا أولمبية ومِغارة: ت.ن. 4: 13: 2 و5: 3: 3 وبلينيوس 16: 76 (199)، وشجرة روى نونّوس 40: 474 أنّها كانت توجد على موقع جزيرة صور الأصليّ)، لكنّ تلك الكثرة تميّز شمال إفريقية وربّما إسبانية.

  3 إشارته باستخدام خشب الأرز في بناء بيت الفلاّح ( 2: 452) وبإحراقه لطرد الثّعابين ( 3: 414-415) إذ كان يتوفّر بالأحرى لفينيقيّي الشّرق والغرب، وحتّى عندهم يرمز للفخامة ( كما في العهد العتيق: مل3 6-7 هيكل وقصر سليمان، إرميا 22: 14-15، حزقيال 31: 3-14).

  4 وصف المنحل، مثلا تظلّله نخلة أو زنبوجة ( 4: 20)، وصورة الرّيح الشّرقيّة الجنوبيّة الّتي تفاجئ في آخر الصّيف النّحل في المرعى فتقذف به في البحر ( 4: 27-29)، وكذلك على وجه الاحتمال وصف النّحل ومرضه وتعداد آفاته ( 4: 13-14 و239-250)، وتفاصيل أخرى كما توحي دراسة شتّى النّصوص حول الموضوع،

  5 ذكره نبيذ العنب المشمّس 2: 69، 4: 269 الّذي قدّم ماغون وصفة لإعداده ( كولوملاّ 12: 39)،

  6 استخدامه كلمة بونيقيّة على الأرجح في وصف أكواخ الرّعاة اللّيبيّين هي mapalia ( 3: 340) القريبة من لفظة كُتبت على تابوت أحيرام ملك جبيل "مفلت" بمعنى الأنقاض ( mplt والتّاء للجمع) ومن اللّفظ العبريّ "نفل" الّذي جاء في أشعيا 17: 1 بنفس المعنى ( والفعل يعني عادة: سقط وتداعى، بينما يعني في الأكّديّ "زاد" كما في العربيّة حيث تعني "انفُلْ" كذلك "انفِ")، واستخدمها في الإنياذة ( 1: 421، 4: 259) برسم مختلف ( magalia) شبيه بلفظة عبريّة تعني المنهج أو السّبيل عادة ( في الأمثال والمزامير مثلا) ووردت في مل1 17: 20 و26: 5 و7 بمعنى المعسكر والمترسة، ونجدها عند سالّستيوس المتقدّم عنه قليلا والّذي اعتمد عبر همبسال على مصادر بونيقيّة في وصف سكنى النّوميديّين ( يوغرطة 18: 8، 46)، وعند ليويوس المتأخّر عنه قليلا في وصف معسكر صيفاقس ( 29: 31 و30: 3-5)، وعند بلينيوس 5: (22) و16: 70 (178) في وصف سكنى النّوميديّين، وعند مرتياليس ( قصائد ساخرة 10: 10: 8) ولوقانوس ( 2: 89)، وفي تسمية شارع في قرطاج في عصر قبريانوس ( Via Mappaliensis، ربّما لأنّه يصلها بضاحية فقيرة)، بينما أشار في "أغاني الرّعاة" إلى الأكواخ في بيئة مختلفة بكلمة tuguris 1: 68 الّتي نجدها عند وارّون 3: 1: 3 وسالّستيوس 12: 5، أو بكلمة casas 2: 29 الّتي استخدمها كذلك وارّون ( 2: 10: 6، 3: 1: 3)؛

  7 ربّما كذلك حديثه عن استخدامات شعر الماعز 3: 312 ( الّذي كرّره كولوملاّ 7: 6: 2، ويشبه إلى حدّ ما نصّ وارّون 2: 11: 11، وقد يكون مستمدّا كنصّ فلورنتينوس الأوضح ج 18: 9 من ترجمة ماغون اليونانيّة)، وعن الممشاط ( 1: 94-95، فهو يذكّر بالمجرّد الّذي وصفه ابن العوّام نقلا عن كسيوس 30: 11، ولا معنى له إن لم يكن مثله مجرورا بثورين)، والأعشاب الطّفيليّة ( 1: 150-159) الّتي ربّما استخدم بكساموس في نصّ عنها ماغون، والوزّال ( 2: 12 و434) والأترجّ ( 2: 126)، وأدوية الغنم ( 3: 448-451) المستمدّة على الأرجح من نفس المصدر الّذي استخدمه كلسوس لعلاج الجرب ( كولوملاّ 7: 4: 8 و7: 5: 5-8).

   ولا يُستبعد أيضا أنّه تأثّر بماغون في وصف الوباء وفي أفكار عامّة كنظرته إلى العمل والشّبق.

 

تابع