ماغون القرطاجنّيّ

 

شذرات في الفلاحة

 

4- شذرات من المؤلّفات العربيّة

 

حواش 

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 4 شذرات من المؤلّفات العربيّة ( ابن العوّام)

 

كسيوس في فلاحة ابن العوّام

   نسب ابن العوّام 16 فقرة إلى "كسيوس" ( تقتضي 3 منها الرّجوع إلى المخطوطات ومقارنتها بسبب إمكانيّة الخلط بكاتب آخر: تضادّ الكرم والكرنب 12: 2، والاستدلال بالبرق على المطر 30: 10، والمجرِّد 30: 11). ويبدو أنّه قصد كاتبا غير كسينوس، ففي مقدّمته ذكر بين مصادره ابن حجّاج ومراجعه ومن بينهم كسينوس، ثمّ ذكر كتّابا آخرين منهم كسيوس الّذي أشار إليه لاحقا- طبق ما أعلن- بحرف ك من باب الاختصار، كما رمز بحرف خ لأبي الخير الإشبيليّ أو ق لقسطوس أو ط للفلاحة النّبطيّة ( مقدّمة: 7)، مع إيراد الاسم كاملا أحيانا أخرى. وتوحي مقارنة بعض هذه الفقرات بنصوص أخرى تعود إلى ماغون- بصفة محقّقة أو مرجّحة- بأنّه كسيوس ديونسيوس. خاصّة أنّ تسمية الأخير بكسيوس وردت في هبياتريكا ( ه 29: 6 و32: 3)، وأنّه قدّم وصفات لعلاج الخيل نقلها عن ابن أبي حزام تطابق وصفات لكسيوس ديونسيوس، ممّا يشير إلى أنّ مصادره تتضمّن نصوصا لديونسيوس. لكن يمكن أن يكون قد وقع خلط بينه وبين كسينوس الّذي يكتنف شخصيّته الغموض. من ناحية أخرى لم يذكر فوتيوس ديونسيوس ضمن كتّاب مجموعة بيروتيوس، فربّما استشهد به ديديموس أو كسيانوس باسّوس، وهو يقترن مثل كسينوس في فلاحة ابن العوّام بقسطوس الّذي يرجَّح أنّه كسيانوس باسّوس. هذا ويمكن أن يوحي اسمه واسم كسينوس بكسيانوس باسّوس، لكنّ هذا الأخير لم يُذكر في أيّ كتاب في البيطرة، بينما ذكر ابن العوّام كسيوس مرّة وكسينوس مرارا في القسم الحيوانيّ من فلاحته ( 31-34). وبوجه عامّ تصعب مطابقة الكتّاب المذكورين في المصادر العربيّة واليونانيّة. وهذه هي النّصوص المنسوبة إليه.

4-1 الرّماد لتسميد البقول 2: 8

   قال ك أفضل ما تزبَّل به البقول الرّماد بحرارته وقتله الدّود وغير ذلك من خشاش الأرض، ثمّ زرق الحمام يليق بها أيضا ولا يُكثر منه، وبعر الغنم أيضا وما سوى ذلك من الأزبال فيُستعمل عند الاضطرار إليها ولا يكون الزّبل رطبا فإنّه يولّد الهوامّ والدّود.

ملاحظات:

1- عبّر ديديموس عن أفكار شبيهة حول تزبيل البقول: "أفضل الزّبول للبقول الرّماد النّاعم الحارّ بطبيعته لأنّه يقتل الحشرات والدّود وما شابه ذلك من الخشاش. يليه زرق الحمام إذ يمكنه قتل الحيوانات، فإن وضعت منه كان يسيره ككثير غيره، لكنّ البعض يفضّلون روث الحمير لأنّه يجعل البقول أحلى. وبعر الماعز أيضا جيّد جدّا وإن خُلط بزبول أخرى كان له نفس الفعل. وإن لم تتوفّر لدينا هذه الزّبول، يمكننا استعمال أخرى على ألاّ تكون طريّة لأنّ الطّريّة تولّد الخشاش. أخيرا ينبغي إعداد الزّبول قبل سنة والإكثار من تحريكها وخلطها" ( ج 12: 4). وكتب الفلاحة العربيّة لم تذكر ديديموس، وقد يطابقه في فلاحة ابن العوّام كسينوس الّذي ربّما خُلط بكسيوس إن طابقنا قسطوس بكسيانوس باسّوس. وسنناقش ذلك في محلّه.

2- ورد استخدام الرّماد في مكافحة الخشاش والدّود وكذلك كسماد عند عدّة كتّاب. أشار ماغون بإحراق قشّ في الحُفر قبل غراسة الزّيتون ( بلينيوس 17: 16 (80))، وديوفانس بالرّماد ليكتسب الرّمّان حمرة قانية ( ج 10: 29: 4)، ونقل وصفته ديديموس ( ج 10: 33)، وكاتون بتسميد الكرم برماد متقادم للحصول على خمر جيّدة للمعدة ( 114: 1)، وفرجيليوس بنثر الرّماد ( 1: 81) وإحراق الجِلّ بعد الحصاد لتسميد الأرض وإبادة الطّفيليّات ومزايا أخرى ( 1: 84-93)، وبلاّديوس بإحراق المراعي ( 9: 4)، ويوحي تشريع خر 22: 6 حول تعويض الأضرار اللاّحقة بحقل الجار من نار خرجت من حقل بعادة إحراق التّبن بعد الدّراس ( متّى 3: 12) في البيدر لا الحقل ( كذلك قد يكون المقصود حريقا شبّ بسببٍ آخر إذ يتعلّق الأمر بوقوع النّار في "أكداس أو سنبل قائم" بينما يتمّ الإحراق المذكور بعد الفراغ من الحصاد واللّقط، أو حتّى حريقا متعمّدا كما في قضاة 15: 5 أو مل2 14: 30، ويوازي الموادّ 54-56 من تشريع حمورابي حول التّعويض على إغراق حقل الغير، ولا يعود طبعا إلى سني التّيه في عصر موسى المفترض). وأشار كولوملاّ بالرّماد ضدّ الطّحالب ( الأعشاب الطّفيليّة) مفضّلا الإحراق لأنّه يحرق بذورها ( 2: 17)، وأدرجه مع الأتبان بين الأسمدة ( 2: 14). وذكر بلينيوس استخدامه في الحقول في منطقة ما وراء نهر بو ( 17: 5 (49))، وتسميد الأرض برماد الزّراجين ( 17: 5 (55)) ورماد أفران الجير ( 17: 6 (53) الّذي اكتُشف "مؤخّرا" حُبّ الزّيتون له nuper repertum oleas gaudere maxime cinere e calcariis fornacibus)، واعتبر إحراق القشّ في الحقل طريقة جيّدة للقضاء على الطّفيليّات ( 18: 8 (46)). وأشار "بارون" به لعلاج الكرم الّذي يفقد ثمره ( ج 5: 41: 2)، وليونتيوس بطمّه مع خثى بقر على أصول الزّيتون ( ج 9: 11: 10). وفلورنتينوس لتسخين أصول الأترجّ برماد القرع ( ج 10: 7: 5، أو رماد الخيار حسب أنطوليوس ج 10: 8: 2، كذلك ابن حجّاج في أعمال تشرين1)، وبالرّماد كذلك لتسخين السّذاب ( 12: 25: 1) ولوقاية حبوب اللّوز عند غراستها بلا قشور من النّمل ( ج 10: 66: 2)، ووصفه أبوليوس ( ج 12: 8: 1-2) وديديموس ( ج 12: 4: 1) لوقاية الخضر من الذّراريح والدّود. وأشار بكساموس ( ج 13: 4: 2) وبلاّديوس ( 1: 35: 11) برماد السّنديان لمكافحة فئران الحقول ( لأنّ ملامستها له تسبّب لها الجرب، وهو أمر غريب لأنّ الرّماد وماءه يُستخدمان في علاج الجرب تحديدا، كما نرى مثلا في نصّ بيلاغونيوس ج 16: 18، لكنّ المبدأ جيّد). ونسبت إليه "الفلاحة النّبطيّة" فائدتين فضلا عن تسميد الأرض: إبعاد الهوامّ ودفع مضرّة الجليد والثّلج أو الجمد. أقرّ ابن حجّاج فائدته في مكافحة الدّود، مشيرا "لطرد الدّود والهوامّ عن الشّجر والكروم" برماد خشب التّين، وبرماد البلّوط ورماد الزّرجون، ومؤكّدا أنّ الدّود لا يقرب الكرنب إن نُثر رماد التّبن عليه عند غراسته، وأنّ الرّماد المنخول يُذهبه عنه إن كان فيه، ونقل عن أنطوليوس استخدامه لحفظ الحبوب في الأهراء من الحشرات. لكنّه خالف يونيوس وأنكر فائدته كسماد، واستشهد بابن قتيبة وعلماء الهند ( وذلك لم يرد في "عيون الأخبار" ولا في "كليلة ودمنة")، وقدّم دليلا على رأيه أنّه "يبقى مجموعا في موضعه أعواما جمّة يباشره الهواء وتصيبه الأمطار فلا ينبت شيئا من النّبات وذلك لإفراط يبسه وعدم الرّطوبة والدّسم فيه" ( "في البقول المتّخذة في البساتين"). وذكر ابن العوّام رأي يونيوس ( 23: 0 و2: 8) وردّ ابن حجّاج، وأشار به نقلا عن آنون لعلاج التّفّاح من الدّودة الحمراء والعناكب ( 14)، وبسكب ماء الرّماد على البقول لوقايتها من الذّراريح ( 14، 23: 2)، وبطلي جدران الأهراء بملاط فيه رماد وماء ورق الزّيتون لوقاية الحبوب من الحشرات ( 29: 3)، وأشار به لتسميد الجوز ( 7: 24) والتّين ( 13 نقلا عن "الفلاحة النّبطيّة") والكرم ( 14 رماد زرجون أو سنديان مع رمل) والأترجّ والنّارنج واللّيمون والزّنبوع ( 14- ووردت نفس الوصفة عند النّابلسيّ في الباب 6 وبنفس العبارة مع استبدال "والزّنبوع" ب"ونحوه") والقطن ( 22: 1 رماد الحشائش) والسّذاب ( 28: 3 نقلا عن أبي الخير الّذي أكّد أنّه يعطي حرارة للنّبات). ويعود تفضيل الرّماد على بقيّة الأسمدة للخضر إلى أنّه حارّ ويقتل الدّود والحشائش، ولحرارته نهى قسطوس عن استخدامه إذا لم تكن الأرض تتلقّى ماء كافيا ( 23: 0). وألحّ النّابلسيّ على استخدام رماد الأتبان، وأشار مثلا برماد الكرم لعلاج الاسترخاء وهو المرض الّذي يصيب ورقه فيبيضّ من ظهره.

3- هذا التّرتيب للزّبول خاصّ بالخضر، ولا يتضمّن خرو البشر، ولا روث الخيل، لأنّ الخضر تتأذّى أكثر من الأشجار بالحشائش الّتي ينبتها وتحتاج أكثر إلى الحرارة. وقد أشار كولوملاّ لها بأزبال الحمير والبقر والغنم والإنسان ( 10: 81-85، 11: 3: 12) ووصف قثامى ( ف ن) أسمدة مركّبة  فيها خرو الإنسان وروث الحمير. واستُخدمت لها فعلا عذرات النّاس الغنيّة بالنّيتروجين في عدّة بلدان ( من أشهرها هولندة والصّين) ولا تزال.

4- أجمعت كتب الفلاحة على عدم الإفراط في استخدام الزّبول لأنّها حارّة، فالإكثار منها "يحرق" الأرض ( كولوملاّ 2: 15، كونتليوس ج 2: 21: 2، ابن وحشيّة، ابن حجّاج: "اعلم أنّ الأرض إذا لم تزبَّل بردت وإن كثر زبلها فوق ما تحتاج إليه احترقت"، النّابلسيّ: "والأرض كلّها إذا زُبّلت فوق الحاجة احترقت واحترق ما فيها"). ونهت كذلك عن إلقائها على الأصول، محبّذة مثلا طمّها بين طبقتين من التّربة ( كونتليوس ج 2: 21: 3، ابن وحشيّة نقلا عن قثامى الّذي نهى كذلك عن إلقائها على فروع المنابت الكبار معا في زمان واحد لأنّها تحظى بحرارة كافية من الشّمس، بخلاف البقول وما لطف من النّبات، حيث "لا بأس من وقوعها على أوراقها وسوقها" لأنّها تحتاج أكثر إلى الحرارة). وأكّدت أنّ الحاجة إلى التّزبيل تختلف حسب النّباتات، فقارن بلينيوس مثلا بين أنواع الزّروع من هذا المنظور ( 18: 53 (192))، وذكرت الفلاحة النّبطيّة أنّ بعض الأشجار كشجرة إبراهيم والجوز والبندق لا تحتاج إلى تزبيل، وأنّ الحاجة إليه تختلف أيضا باختلاف الأراضي، وأكّد النّابلسيّ أنّ من الأشجار ما لا يحتاج إلى زبل وما لا يحتمله وما يفسده الزّبل. كما أشارت بتعتيقها على الأقلّ سنة ( مثلا كولوملاّ: 2: 14: 9، بلينيوس 17: 6 (53)، كونتليوس ج 2: 21: 10، ابن وحشيّة: باب الأزبال، ابن حجّاج، ابن العوّام، النّابلسيّ الخ) كيلا تولّد "هوامّا رديّة وديدانا" ( ابن وحشيّة) ولا تنبت حشائش طفيليّة ( كولوملاّ 2: 14: 9، كونتليوس ج 2: 21: 2، بلاّديوس 1: 33: 2، النّابلسيّ الخ). وهناك أيضا بعض الاختلافات حول التّعتيق، فحسب كولوملاّ بعد السّنة الأولى يتناقص مفعول الأزبال على الأقلّ بالنّسبة للزّروع وأراضي الكلإ ( 2: 14: 9) وهو رأي ردّده بلاّديوس ( 1: 33: 2)، لكنّ ابن وحشيّة أكّد نقلا عن قثامى وكذلك النّابلسيّ أنّه "كلّما عتق كان أحسن ليذهب نتن رائحته وطراوته لأنّ الطّريّ يتولّد منه الهوامّ المفسدة للبقول"، وذهب ابن حجّاج إلى نفس الرّأي. لكن أشار ابن العوّام بالزّبل الطّريّ للقرع والقثّاء والباذنجان ( 23: 0)- ربّما لأنّها- ككلّ البقول- مائيّة وتُستحبّ لها الزّبول السّائلة، ومنها عذرات النّاس الغضّة كما ذكر ثيوفرستوس ( أ.ن. 3: 9: 2، ت.ن. 7: 5: 1) وأشار كولوملاّ ( 10: 81-85). ويأتي تعفّن الجذور والتّدوّد من الموادّ العضويّة الغضّة، لذلك يبدو تعتيق الرّماد في وصفة كاتون غريبا.

4-2 نبش الحُفر المعدّة لتلقّي الأغراس 6

   قال ك ينبغي أن يُحفر حفر الأشجار الّتي تراد للغراسة قبل الغراسة بعام لتصل الشّمس والرّياح والأمطار إلى أعماق الحفر فيكون ذلك التّراب أحرى أن تعلق العروق به وتغوص فيه. ( وقال يونيوس نحوا من هذا وهو قوله أجود الغروس هو الّذي يكون في الحُفر، والأجود هو أن تحفر الحُفر قبل الغرس بسنة فإنّك إن فعلتَ ذلك تروي أرضها من حرارة الشّمس وسقوط الأمطار واختلاف الرّياح والهويّ وتكون سببا لطول الغرس وتحترق أيضا بقايا العشب القديم وتسترخي الأرض استرخاء أكد. وقال في موضع آخر من كتابه أن تحفر الأرض الّتي تراد للغراسة في أوقات الحرّ...)

ملاحظات:

1- ذكر ابن حجّاج ذلك في بابي "نصب الزّيتون" و"توقيت غراسة الزّيتون" ودون ذكر المصدر تلك الوصفة الّتي ردّها بلينيوس إلى ماغون ( 17: 16 (80) الزّيتون)، ودون تقديم رأي يونيوس، وذلك يعني أنّ ابن العوّام اعتمد هنا كما في بعض المواضع على يونيوس مباشرة لا عبر ابن حجّاج الّذي نقل عنه آراءه في مواضع أخرى. ويوحي النّصّ بأنّ كسيوس سابق ليونيوس، وإن طابقنا كسينوس ( الّذي ربّما خُلط بكسيوس) بديديموس ويونيوس ببيروتيوس فذلك لا ينطبق عليهما، وهو يدعم مطابقة كسيوس بمترجم ماغون، وإن كانت تلك الفكرة قد انتشرت في أدب الفلاحة- كما أشار ابن العوّام بخصوص يونيوس.

4-3 تزبيل الزّيتون 7: 1

   قال ديمقراطيس وكسيوس: كلّ الأزبال نافعة ليسمّد بها شجر الزّيتون ما خلا عذرات النّاس، ولا ينبغي أن يُسرجن إلاّ في كلّ ثلاث سنين مرّة. قال ابن حجّاج رحمه الله: هذا إجماع من حذّاق أصحاب الفلاحة على كراهة سماد النّاس وكراهة الإفراط في الزّبل لشجر الزّيتون. وقد بين الوجه فيه وتقصّاه مرغوطيس. قال: الزّبل المتوالي على شجر الزّيتون ينتج فيها آفتين كثرة الماء والدّرديّ في ثمره، وما يحدثه في فرعه من الرّخوصة المفرطة المحلقة له، وذلك أنّ أغصانه مَدّة يابسة، فإذا استمدّت أصوله من الزّبل قبلت رطوبة كثيرة ليبسها فانقصفت بالرّياح الهابّة عليها، وتقطّعت أطرافه كثيرا بالخشب النّافضة لها حتّى لا يبقى منه إلاّ النّزر. ولم يكره المتقدّمون غرس شجر الزّيتون في الأرض النّديّة الرّطبة إلاّ لما قدّمنا آنفا. 

ملاحظات:

   تذكّر عبارة "ديمقراطيس وكسيوس" بعبارة "ديمقريطس وماغون" عند كولوملاّ، ويبدو من السّياق أنّ مصدر ابن العوّام هنا أيضا قسطوس. وردت الفقرة عند ابن حجّاج لكنّه نسب الفكرة إلى ديمقراطيس وكسينوس ( "السّرجين للزّيتون") وأضاف بعد ذكر آفتي كثرة الماء والدّرديّ: "والأخصّ بهاتين الآفتين سماد النّاس لإفراط حرّه ورطوبته وكثرة تنعيمه للنّبات". وأكّد النّابلسيّ دون ذكر مصدره أنّ "الزّيتون لا يزبَّل بقاذورات النّاس أبدا" ( الباب 1). ونعلم أنّ ماغون رأى أنّ غرس الزّيتون في الأرض السّهليّة الرّطبة والدّسمة ينتج ورقا كثيرا بلا ثمر ( كولوملاّ: أشجار 17: 1). قد تعود كراهة عذرات النّاس كذلك إلى اقتران الزّيتون بالطّهارة كما أشار فلورنتينوس وبلاّديوس وابن وحشيّة والنّابلسيّ، وقد ألحّ عليها- كما رأينا- ماغون وكتّاب آخرون في إعداد وحفظ الأطعمة.

4-4 الهواء الموافق للزّيتون والزّيت 7: 1

   قد أجمع الفلاّحون على أنّ الرّياح توافقه ( =الزّيتون) فلذلك ينبغي غرسه في الجبال والرّبى الّتي ليست تنزلها الثّلوج كثيرا، لأنّه لا يهوى الجليد والهواء البارد جدّا ولا الحرّ المفرط، لكنّ حظّه من الحرّ وافر. وفي البلاد الّتي فيها فضل حرّ يسهل استخراج دهنه، فأمّا في البلاد الباردة فيعسر ذلك ولا يمكن إلاّ بالعناء الكثير. فأمّا الزّيت نفسه فيوافقه الّذي فيه شيء من البرد ليس بالكثير، ولذلك حضّوا على وضعه في الآنية الّتي تُتّخذ في البيوت الشّماليّة فإنّ ذلك يحسّن مذاقه ويُعْذب طعمه. والشّمس الحارّة تعمل فيه ضدّ هذه الحال. وهذا قول كسيوس.

ملاحظات:

   جاء نفس النّصّ عند ابن حجّاج منسوبا إلى كسينوس، وهنا أيضا نرى الخلط بين الاثنين واحتمال أن يكونا شخصا واحدا. ويبدو من السّياق مستمدّا من قسطوس الّذي يقترن عادة في فلاحة ابن العوّام بكسينوس وكسيوس ممّا يقوّي ذلك الاحتمال. وهو شبيه بتوصية لأبوليوس في جيوبونيكا ( ج 9: 19: 11-12)، وقد أشار ماغون بحفظ الأطعمة بوجه عامّ في الأماكن الباردة المظلّلة والجافّة ( كولوملاّ 12: 4-6). والشّمال أقلّ تعرّضا للشّمس، والرّيح الشّماليّة باردة، وهي الطّاغية في بلدان حوض المتوسّط.

4-5 تركيب الزّيتون على الكرم 8: 1

   قال ك إنّ الزّيتون ملائم للكرم ينجب إذا ركِّب فيه وقيل إنّه إذا رُكّب الزّيتون في الكرم قريبا فإنّه يثمر مع العنب زيتونا، ( وقال) ق وإذا أضيف قضيب من شجر الزّيت إلى أصل من أصول شجرة العنب في ثقب على وجه الأرض حلا ذلك الزّيتون كحلاوة العنب وحلاوة تلك الأرض. وإذا غرس الكرم من شجرة الزّيت الّتي تكون من ذلك كان عنبه كالزّيتون والعنب مختلطين. وقال إنّ شجرة الزّيت إذا أضيفت إلى شجرة العنب تحوّل طعم العنب حتّى يصير كطعم الزّيت. قال وتدعم شجرة بالخشب لئلاّ تضعف عن حمل شجرة الزّيت إذا أطعمت.

ملاحظات:

   ذُكر "العنب الزّيتونيّ" في نصّ ديوفانس حول تركيب الأشجار ( 10: 76: 10) وفي نصّ لأفريكانوس أو وارّون في التّرجمة اللاّتينيّة ( ج 9: 14): "من المتّفق عليه أنّ لا جدوى من تركيب الزّيتون على الكرم الّذي يذكره فلورنتينوس في الكتاب الحادي عشر من فلاحته. إذ يقول إنّ الزّيتونة إذا رُكّبت على كرمة، لا تنتج فقط عنبا بل كذلك زيتونا. ويروي أنّه رأى تلك الشّجرة عند ماريوس الأكبر وذاق ثمرها فبدا له كأنّه ذاق حبّة عنب وحبّة زيتون معا. ويذكر أنّ تلك النّباتات توجد في ليبية وتدعى في تلك البلاد بلغة أهلها ouboliba ( =اللاّتينيّة uuoliua). لا بدّ إذّاك من وضع دعائم تساعد الكرمة على حمل ثقل الزّيتون. لكن إن ركّبناها بطريقة مختلفة لن نحتاج إلى دعائم. وذلك أن نثقب جذع الكرمة قريبا من الأرض ونولج في الثّقب غصن زيتون، فنحصل من الكرمة على حلاوتها ومن الأرض على خاصّيّتها الطّبيعيّة وعلى الغذاء. ويمكننا من بعد تخفيف المضرّة الحاصلة للكرمة عندما نجني الغلّة إن حوّلنا الغصن المركّب عليها فلا يثقلها بعد بحمله. فإنّها ستحفظ تلك التّشكيلة من الخواصّ حيثما غُرست. ويدعى ثمرها elaiostaphylon". وقد تحدّث كولوملاّ ( 3: 2: 27) وبلينيوس ( 14: 4 (38)) عن نوع من العنب يشبه الزّيتون ( oleaginea) وذكر الأخير أنّه نوع جديد ابتُكر في عصره. ونقل ابن العوّام عن قرورانطوس (؟) "أنّ شجرة الزّيت ألفت الكرم" وقولا له في تركيب أشجار أخرى "حفظه عن سادهمس"، ثمّ أضاف "قال كسينوس في كتابه المؤلّف في الفلاحة إنّ قرورانطوس رأى كرمة أركب فيها زيتون في بعض البلاد فأكل من ثمرها فوجد فيها طعم الزّيتون ومطعم العنب" ( 8: 1). يوحي هذا النّصّ بأنّ قرورانطوس ( قروراطيقوس؟) هو فلورنتينوس جيوبونيكا الّذي يرجّح أنّه من بيثينية ( فقد ذكرها وذكر ديوفانس في 3 نصوص) وعاش في بداية ق 3، وبأنّ كسينوس كاتب متأخّر ( ممّا يضعف احتمال أن يكون هو وكسيوس الّذي يبدو كأنّه وإيّاه شخص واحد مترجم ماغون). وماريوس الأكبر ( ت 86 ق م) معاصر كسيوس ديونسيوس ( ووارّون قريب من عصره)، شارك في الحرب ضدّ يوغرطة ( 109-104)، وذهب كذلك إلى آسية الصّغرى حيث لاقى مثرداتس6 في 99. فأين ومتى شاهد فلورنتينوس الشّجرة المذكورة ( علما بأنّ الكرم لا يعمّر كثيرا)؟ كانت لماريوس ضيعة في Misenum اشتراها لاحقا لوقلّوس ( حسب ما ذكر أفلوطرخوس في "حياة ماريوس"، ويوحي باهتمامه بالأشجار الغريبة أنّ نوعا من السّفرجل يحمل اسمه Mariana ذكره دلاّ بورتا وربّما خلط بنوع التّفّاح المدعوّ Matiana). لكن يوحي نصّ أفريكانوس بإفريقية/ليبية، ونصّ فلورنتينوس بآسية الصّغرى. من الملفت أيضا أنّ الأخير ذكر في نصّ عن تفضيل غراسة الكرم في الخريف تجربة ناجحة أجراها في ماراتونيمو Maratonymo ( ج 5: 6: 6)، وورد نفس النّصّ باسم كسيانوس ( ج 10: 2: 4) الّذي أكّد أنّها مسقط رأسه. واسم ذلك المكان غير المعروف يشبه موريتانية ( =المغرب وغرب الجزائر تقريبا) الّتي ساعد ملكها بوخوس ماريوس على أسر يوغرطة. لكنّ نصّا آخر لكسيانوس ( 5: 36) عن علاج الكروم الذّاوية أشار إلى أسلوب متّبع في بيثينية. تبدو هذه النّصوص ملبسة ومتضاربة، ويصعب تحديد الزّمان والمكان اللّذين عاش فيهما أولئك العلماء على أساسها.

4-6 تآلف التّفّاح والإجّاص والأترجّ 12: 2

   قال ك إذا غُرس التّفّاح بقرب شجر الإجّاص وهو الكمّثرى والأترجّ ألف بعضهما ببعض ونفعهما ذلك.

ملاحظات:

   الإجّاص حاضرا هو الكمّثرى عند أهل المغرب وهو الشّجر المقصود هنا، لكنّه كان في الأصل ما يدعى اليوم في المشرق الخوخ ( وفي شمال إفريقية: العوينة)، وهو اسم يُطلق اليوم في مصر والمغرب على ما يدعوه المشارقة الدّرّاق ( من اليونانيّة dorachinon)! ويبدو لنا أنّه في فصول أخرى من فلاحة ابن العوّام يعني الخوخ الدّمشقيّ لا الكمّثرى. ونلاحظ كذلك ذكر الأترجّ كما في فصلين لديوفانس ( ج 10: 20: 3 لكنّ الفقرة لديديموس، 10: 76). وقد أكّد النّابلسيّ أيضا أنّ التّفّاح والكمّثرى والأترجّ متآلفة ( 6). ولا يحمل الحديث عن النّباتات المتآلفة بالضّرورة طابعا سحريّا، فقد درس أرسطوطاليس بصفة علميّة التّآلف والتّضادّ بين الحيوانات ( تا.ح. 9: 1 608أ-610أ)، وثيوفرستوس بين النّباتات ( ت.ن. 4: 16: 5-6)، والفكرة أساس العلاج وعدّة علوم تطبيقيّة، وتوجد أيضا عند وارّون ( كتنافر الزّيتون والبلّوط، والكرم والبقول 1: 16: 6). لكن جرّاء تضخيمها ( خاصّة في الخيمياء وكتب الأسرار) وتقديم وصفات عجيبة على أساسها صارت أقرب إلى السّحر منها إلى العلم. وقد ذكر بلينيوس في كتاب موسوعته الأخير أنّ موضوعها كان بالأخصّ الاستفادة من ظاهرة التّوافق والتّضادّ الطّبيعيّين ( 37: 15 (59) concordia/discordia أو sympathia/antipathia)، واعتبر ابن الجزّار في خاتمة "الاعتماد" معرفة خواصّ شتّى الموادّ وتآلفها وتضادّها أمرا ضروريّا للطّبيب. ويلاحَظ أنّ فكرة التّحابّ والتّضادّ بين الكائنات لا توجد في نصوص مترجميْ ماغون بالقدر الّذي نجدها به في النّصوص المنسوبة إلى "ديمقريطس".

4-7 تضادّ الكرنب والكرم 12: 2

   قال ك لا شيء أضرّ على الكرم ولا أكثر له عداوة من الكرنب.

ملاحظات

   جاءت هذه الجملة في ترجمة كليمان-مولّيه باسم قسطوس ( الّذي يرمز إليه أحيانا بالحرف ق)، مع أنّ الخلط بين الحرفين ضعيف الاحتمال. والتّضادّ بين الكرنب والكرم مشهور عند القدماء. وقد أشار ثيوفرستوس إلى انعراج زراجين الكرم لاجتناب الكرنب ( أو الغار) لنفوره من رائحته، واستخدم أندروكيس تلك الخاصّيّة لصنع دواء مضادّ للسّكر ( ت.ن. 4: 16: 6). وهو عالم روى بلينيوس ( 14: 7 (58)) أنّه كان يعاتب الإسكندر على الإفراط في الشّرب وصنع دواء ضدّ السّكر يتكوّن من فجل الخيل بالأحرى ( 17: 37 (240)). وأشار أثينيوس مستشهدا بثيوفرستوس إلى مضادّة الخمر للكرنب حتّى في الحالة النّباتيّة ( مأدبة الحكماء 34 ه). وذكر بكساموس ذلك التّضادّ ( ج 12: 17: 17-21) ومدّ الكرمة زراجينها في الاتّجاه المقابل للكرنب، وأنّه إن سُكب عليه أثناء طبخه قليل من الخمر لا يستوي ويحول لونه. وأكّده بلينيوس ( 20: 36 (92)، 24: 1 (1)). ونهى بيروتيوس عن غراسته قرب الكرم وأشار بأكله ضدّ السّكر ( ج 5: 11: 3-4)، وجاء في المقنع نصّ شبيه بهذا الفصل منسوب إلى يونيوس. وفي "الباب السّادس في الأشجار المتحابّة والمتشاكلة والمتنافرة والمتضادّة" ذكر النّابلسيّ مضادّة الكرم للكرنب ( وكذلك للحلبة والسّلق والتّرمس والسّلجم والفجل والجرجير ومؤالفته للسّدر والزّيتون والقرع والميس). كما أشار إلى فائدته ضدّ السّكر أفريكانوس ( ج 7: 29 و31) وكتاب "الفلاحة النّبطيّة" ( باب الكرنب). وللحدّ من تأثير الخمر كان اليونان- فضلا عن تناول الكرنب- يلبسون في مجالس الشّرب أكاليل من اللّبلاب الّذي هو نبات مكرّس لديونسيوس ( عرض ج 11: 31 أسطورة أصله)، ومتآلف مع الكرم ( كما نرى مثلا من نصّ أفريكانوس ج 5: 24). وكلمة krambe في اليونانيّة من أصل أجنبيّ يبدو أنّها حلّت مكان التّسمية الأصليّة raphanos الّتي صارت لاحقا تُطلق على الفجل بداية من ق 4 ق م ( أثينيوس 34د). وقد وردت عند يوفينال مع أنّ اللاّتينيّة تستخدم كلمة brassica ( 7: 154 occidit miseros crambe repetita magistros يعني التّكرار المملّ). 

   كان القرطاجنّيّون يتناولون الكرنب فقد تحدّث أثينيوس- نقلا عن أنطيفانس- عن كرنب قرطاج والكرنب اللّيبيّ ( مأدبة الحكماء 1: 50 و14: 17). وكانوا يكثرون من تناول الخضار والأحسية ( بلاوتوس: البوينيقيّ 54، الشّبح 828، بلينيوس 19: 34 (112)، أبّيانوس في وصف مباقل قرطاج: "شؤون بونيقيّة" 117)، ومن شرب الخمر كما يوحي القانون الصّارم الّذي سُنّ للحدّ من تلك الظّاهرة. وربّما كانوا يتناولون الكرنب لاجتناب السّكر.

   وقد تحدّث بكساموس في النّصّ المذكور عن فوائده الطّبّيّة الّتي عرضها كذلك كاتون ( 156-157) وبلينيوس ( 20: 33-38 (78-96)، 19: (136)) مع إخبارنا أنّ الطّبيب خريسبّوس ألّف حوله كتابا كاملا يتناول فائدته لكلّ عضو على حدة وكذلك ديوخس، وأكّدها عدّة كتّاب قدماء مثل غ مرتياليس ( "الأدوية المستمدّة من الخضر والفواكه" 30)، وجاء في عدّة وصفات بيطريّة ( مثلا عند كولوملاّ 6: 6: 1 عن مغص البقر، 6: 9:  1 عن حمّى البقر، 6: 38: 1 عن حمّى البغال- والكتاب 6 عموما يحمل على الأرجح تأثير ماغون)، وما زالت كتب الأعشاب تنسب إليه خواصّ طبّيّة مبالغا فيها ( كدليل النّباتات الطّبّيّة لفنسان دوفراي، باريس 1973، لكنّ الدّكتور الهادي معتوق أغفله في معجمه السّريريّ للنّبات الطّبّيّة، تونس 1990).

4-8 مكافحة الذّراريح 14

  وفي كتابي ق ( =قسطوس) وك يدخَّن الكرم والشّجر بأخثاء البقر مع البازرد وهو الزّفت فتهرب منه الذّراريح.

ملاحظات:

1- جاءت هذه الجملة في فصل عن الآفات وعلاجاتها تناول التّدخين ببعض العقافير لطرد الذّراريح والعناكب وما شابهها، وواصل بقيّة الفقرة المستمدّة من الفلاحة النّبطيّة ( باب من التّعليم لغروس الكروم وتوابع لذلك) متحدّثا عن الفسافس الّتي تتكوّن على الكرم والشّجر والقصب. وقد أشار ديوفانس بالتّدخين في الكروم ( ج 5: 31) لكن لإزالة الجمد. اقترن هنا أيضا كسيوس بقسطوس، واقترن به في نصوص أخرى كسينوس، ممّا يوحي باحتمال أن يكونا اسمين لمسمّى واحد.

2- في كتب الفلاحة وصفات لإبعاد الآفات الحيوانيّة بالتّدخين بشتّى العقاقير ذات الأدخنة "السّامّة" أو الرّائحة الكريهة أو القويّة على الأقلّ، كزراجين الكرم ( أفريكانوس ج 5: 30: 4) والحلبينة وأخثاء البقر ( "زرادشت" ج 13: 16: 2) والأشنة والشّيزرق وسيقان الثّوم الجافّة ( أبوليوس ج 13: 8: 7-8) وسيقان الثّوم والزّفت ( بلاّديوس 1: 35: 6) والزّبول وقرون الأيائل الخ ( "الفلاحة النّبطيّة"). إلى جانب ذلك هناك رشّ النّباتات بخلّ أو ثجير أو ماء نُقعت فيه موادّ مطهّرة أو سامّة أو حرّيفة كالغار والخربق وقرع البرّ وبصل الفأر وورق الزّيتون. وهي أساليب محدودة الفعاليّة بالتّحقيق ممّا يفسّر "شعبيّة" الوصفات السّحريّة ( كوصفة الجارية الحائض) أو شبه السّحريّة ( كدهن المشذب ببعض الموادّ)، لكنّها لم تكن أنجع منها.

4-9 مكافحة الآفات 14

   قال ك إن كُشف عن أصل الشّجرة وصُبّ على أصولها ماء قد أُنقع فيه ورق الزّيتون نفعها من الدّود ومن آفات كثيرة، قال ق ( =قسطوس) يكثر ثمرها.

ملاحظات:

   ماء ورق الزّيتون شبيه بثجير الزّيت كما نرى من وصفة لقسطوس أوردها ابن العوّام لوقاية الأهراء من الحشرات بطلي جدرانها بملاط خُلط بدرديّ الزّيت أو ماء ورق الزّيتون ( 29: 3)، وربّما كان أقلّ منه إضرارا بالنّبات، وقد ورد في كتب الفلاحة استخدام الثّجير لمكافحة الأعشاب والحشرات. فقد أشار كاتون مثلا بسكب ثجير وزفت وكبريت على سيقان الكروم لوقايتها من الذّراريح ( 95، وكذلك كولوملاّ 5: 9: 14، وكونتليوس ج 9: 10: 8 على أصول الزّيتون) وبطلي جدران البيت بملاط مخلوط به للوقاية من الفئران والأعشاب، ونصح وارّون بسكبه على أصول الأشجار للوقاية من الحشائش ( 1: 51: 1) وبطلي جدران الشّون بملاط مخلوط به ( 1: 57: 2، وفيه كذلك عند كولوملاّ 1: 6 وبلاّديوس ورق الزّنبوج أو الزّيتون الجافّة 1: 19: 2)، وبسكبه على مكان البيدر لمكافحة الحشائش والنّمل والأخلاد ( 1: 52: 1). وأكّد القزوينيّ أنّ طباخة ورق الزّيتون الأخضر تطرد الذّباب من البيت والخبز المبلّل بنقيعه يقتل الفأرة إن أكلت منه، والنّابلسيّ أنّه "إن كُشف عن أصل التّين وصُبّ عليه ماء نُقع فيه ورق الزّيتون نفعه من الدّود والآفات". وكتب النّابلسيّ: "وإن كُشف عن أصل التّين وصُبّ عليه ماء نُقع فيه ورق الزّيتون نفعه من الدّود والآفات وكثر حمله، وكذا ينفعه بصل الفأر" ( 6).

4-10 زراعة الحمّص 21: 2

   قال ك يُخلط الحمّص بكلّ بزر تخاف عليه الآفات من الدّود وغيره ( فإنّ) طبيعته ( مضادّة) لكلّ ريح ضارّة مفسدة. ( في النّصّ "كان طبيعته معتادة" وذلك في رأينا خطأ نسّاخ أو قراءة، لكنّا لم نر المخطوط الأصليّ)

ملاحظات:

1- أصل الحمّص المرجّح آسية الصّغرى، وأدخله الفينيقيّون إلى إسبانية. وقد ذكر كولوملاّ نوعا بونيقيّا منه ( 2: 10: 20 و11: 1: 8). ويُستفاد من مل2 17: 28 أنّه من الحبوب المقتاتة كالحنطة والشّعير والفول والعدس في فلسطين. ولم يذكره بلينيوس بين الحبوب الّتي نقل عن ماغون أسلوب طحنها ( 18: 23 (97-98)، رغم أهمّيّته الّتي يوحي بها مثلا اسم مدينة حمص ( الحمّص بالآراميّة) في تغذية اللّبنانيّين والسّوريّين الّذين يتناولونه في أيّامنا مطحونا ومتبّلا، وهي أكلة لا توجد بتونس ربّما لأنّه تناول الحبوب بحصر المعنى أو لحداثتها النّسبيّة. لكن يتناول النّاس في تونس ثريدا من الحمّص والخبز، وصفت "الفلاحة النّبطيّة" أكلة تشبهه: "يُغمس الخبز في ماء الحمّص الأسود ويؤكل مع الحمّص النّضيج بالطّبخ". وفي الأرياف يُطحن مع حبوب أخرى محمّصة لإعداد السّويق.

2- وهو مضرّ للأرض حسب كاتون ( 37: 1) و"ديمقريطس" ويونيوس ( ابن العوّام 18: 0) وكتّاب آخرين، لملوحته الّتي تحدّثت عنها كتب الفلاحة ( مثلا كولوملاّ نقلا عن صاصرنا 2: 13، بلينيوس 17: 7 (56)، 18: 32 (124))، وهي بالتّحديد سبب استخدامه لمكافحة الحشرات، فقد ذكر بلينيوس مثلا أنّ الأرض المالحة تمنع تكاثر الحشرات ( 17: 3 (29)). وقد أشار بلاّديوس بغراسته بين البقول لوقايتها من اليساريع بفضل "خواصّه الخارقة الكثيرة" ( 1: 35: 3 multa portenta) وكذلك بزراعة الكرسنّة/العدس بين غروس الفجل واللّفت، والنّعنع بين الكرنب. ونقل ابن العوّام عن قسطوس أنّ خلطه بالشّعير يتيح نموّ كليهما، وعن قسطوس ويونيوس أنّ خلط العدس بأيّة حبوب يعرّضه هو إلى المرض (  20: 4)، ونسب ذلك أيضا إلى "أبوس" ( ربّما أبوليوس الّذي أشار حسب ج 2: 18: 15 بخلط العدس مع البذور لأنّه يقاوم أضرار الرّيح). ذكر عدّة كتّاب كذلك العنصل لوقاية الأشجار.

تابع