ماغون القرطاجنّيّ

 

شذرات في الفلاحة

 

3- شذرات من المؤلّفات اليونانيّة

 

حواش 

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

3- شذرات من المؤلّفات اليونانيّة

 

3-1 أفلوطرخوس المنحول: "في النّبالة": شرف الفلاحة

   يعتبر مينندر، كما تقول، فلاّحي هرقلية وحدهم بقايا نسل ساترنوس، ويثبت إبيجينس الرّودسيّ بعدّة أدلّة أنّ الفلاحة سبقت سكنى المدينة، ويجعل ديوفانس أصل النّبالة الفلاحة الّتي اختار من بدوا متفوّقين فيها أن يكونوا رعاة، فهم إذّاك يمارسون سلطة على الحيوان.

ملاحظات:

1- ورد النّصّ في كتاب de Nobilitate المنسوب لأفلوطرخوس. وإلى ماغون يمكن أن يعود تأكيد ديوفانس على شرف الفلاحة، وعلى الصّلة بين الزّراعة وتربية الماشية.

2- هرقلية البنطيّة مدينة في بيثينية. وأبيجينس من كتّاب الفلاحة في قائمتي وارّون وكولوملاّ. وأدرج بلينيوس أبيجينس بين مراجع الكتب 7، 8، 10، 14، 15، 17، 18، 31، ونقل أقوالا له ( 7: 49 (160): تعمير البشر، 7: 56 (193): أرصاد البابليّين، 31: 21 (34): ماء المطر المنقّى)، لكنّه قصد الفلكيّ الّذي يُنسب إلى بيزنطة وعاش ح 200 ق م، ودرس على الكلدان ( سينيكا: مسائل طبيعيّة 7: 4: 1، مع تقديم رأيه في المذنّبات). مينندر كاتب فلاحة من هرقلية ذكره وارّون في قائمته مع سميّه الفرينيّ الّذي ذكره أيضا كولوملاّ دون الهرقليّ. وذكر بلينيوس كليهما بين مراجع الكتابين 8 و11، ولا يجب خلطهما بالمؤرّخ الأفسسيّ أو المسرحيّ الأثينيّ وغيرهما.

3- ارتبط ساترنوس بالفلاحة ( إذ ردّ لغويّون اسمه إلى sata, satus أي الزّرع، ويوحي بذلك تنظيم مهرجانه في 17 كانون1، لكن ردّه آخرون إلى satur أي الامتلاء والقدم لمماثلته بكرونوس الّذي قصده مينندر وموثل بالزّمان الشّبيه به في الاسم: خرونوس)، ويمثّل العصر الذّهبيّ الأصليّ عند عدّة كتّاب كهسيودوس والأرفيّين وآراتوس وفرجيليوس ( 2: 538، بوكوليكا 4: 6)، وتوجد فكرة عصر ذهبيّ في عدّة  ثقافات ( السّومريّة، وفي سفر دانييل المتأخّر 2: 32 ما يشبه عصور هسيودوس).

4- تتضارب النّصوص القديمة في نظرتها إلى الفلاحة. في كثير منها تطغى السّلبيّة على النّظرة إلى الفلاّحين والرّعاة والعاملين بالسّاعد عموما، عاكسة طبيعة تلك المجتمعات الطّبقيّة. في مصر مثلا، في نصّ هجو المهن ( من الدّولة الوسطى ق 22-18) بيّن دواووف خيتي لابنه ما في الفلاحة ومهن أخرى من شقاء ومتاعب ليحثّه على تعلّم مهنة الكاتب، وتعكس وثائق تعليميّة مصريّة أخرى نفس النّظرة الّتي يوحي بها كذلك دعاء في "كتاب الموتى" ( فصل 5) بإعفاء الميّت في العالم الآخر من "زراعة الحقول وملء السّواقي ونقل التّربة من شرق الحقل إلى غربه"، وهي عمليّات كان الفلاّح المصريّ يقوم بها تحت وهج شمس أواخر الصّيف وساقاه في الماء. ونجد نظرة شبيهة عند اليونان والرّومان. مثلا دفع لائرتيوسَ القنوطُ من عودة أوديسيوس إلى العمل في حقله ( أوديسة 11: 185-197) وقال له ابنه لمّا وجده: أتوسّم فيك كرم المحتد فما أنت بعبد لتخدم الأرض ( 24: 226-242). واعتبر أفلاطون ( الجمهوريّة) وأرسطوطاليس ( 3: 4-5، 7: 9) وفيلوديموس القداريّ ( التّدبير) الفلاحة والمهن اليدويّة أعمالا بعيدة عن الحكمة لا يليق بالحرّ أن يمارسها، وإنّما ينبغي أن يستخدم عبيدا للقيام بها ويتفرّغ لأعمال أجلّ كالسّياسة أو التّأمّل الفلسفيّ. وفي مسرحيّة "معذّب نفسه" لترنتيوس اقتباسا عن مينندر، دفع مينيديموسَ الأسف على ذهاب ابنه إلى عمل الحقل ويستنكر جاره منه ذلك، ونجد في "الخصيّ" نفس النّظرة الدّونيّة إلى "السّمّاكين والجزّارين والطّبّاخين ومربّيي الدّواجن والصّيّادين" ( فصل2، مشهد2) رغم ما عُرف من نزعته الإنسانيّة. واعتبر شيشرون العمل اليدويّ عموما "عملا غير شريف" illiberali labore ( "في الغايات": المقدّمة و1: 1: 3 و3: 2: 4، "في الواجبات" 1: 150). فالحرف اليدويّة "مهن عبيد" seruilia officia على حدّ تعبير سالّستيوس ( كاتلينا 4). وقابل كاتلّوس بين ساكن المدينة المرهف urbanus والمعّاز أو الحرّاث الخشن ( caprimulgus aut fossor). وأكّد هوراتيوس أنّ العمل الفلاحيّ يرهق الجسم ويعجّل بالشّيخوخة، وهو نشاط غير مجز فقد تُسرق الشّياه ويبيد الوباء المعاز وتخيب آمال الفلاّح في المحصول وينفق الثّور من فرط العمل ( إبود 1: 7: 77-95). وفضّل بروبرتيوس أيضا حياة المدينة. وتحمل كلمة rusticus أي الفلاّح أو القرويّ غالبا في الأدب اللاّتينيّ ( بلاوتوس، شيشرون، أوفيديوس، هوراتيوس، أبوليوس) معنى الخشونة والجفاء كما في الفرنسيّة ( rustre, rustaud) وفي العربيّة في عصرنا ( رغم القصائد والأغاني عن حلاوة عيشة الفلاّح)، ونجد هذه النّظرة الطّاغية ضمنيّا في اعتذار فرجيليوس عن ملهمته الّتي هي من ربّات الفنون لكنّها ريفيّة ( أناشيد الرّعاة 3: 84، وفي 2: 56 تعني الأحمق- انظر كذلك عبارة "ريفيّ جلف" في الشّذرة 10 من قصائد Paignia لكلّيماخوس). وتعود على الأرجح إلى انتشار الرّقّ في تلك المجتمعات، لذلك ليس غريبا أن نجد عند الإسبرطيّين تحديدا أقصى درجات الاحتقار للعمل- سوى العسكريّ- كما أخبرنا مثلا هيرودوت ( 2: 167). ومن الأفكار الشّائعة في الأدب اليونانيّ واللاّتينيّ أنّ الإنسان لم يكن في البدء- في العصر الذّهبيّ- يحتاج إلى العمل، الّذي هو عقاب وقّعه عليه زيوس/يوبتر ( هسيودوس، أراتوس، وحتّى فرجيليوس)، وهي فكرة نجد مثلها في أساطير بلاد الرّافدين ( حسب أسطورة أترخسيس 1: 204-209 صنع إنكي البشر ليخدموا الآلهة)، وفي العهد العتيق ( تك 2: 15، 3: 17-19 و23)، مع نظرة سلبيّة إلى العمل اليدويّ في مواضع من سفري الجامعة ( الفصول 1-5، مثلا 1: 3، 2: 11 و17، 3: 9، 4: 4، 5: 15) وابن سيراخ الّذي اعتبر "حكمة" الصّنّاع في صناعاتهم بعيدة عن الحكمة الحقيقيّة الّتي هي التّأمّل في شريعة الرّبّ ( كفنّ الكتابة في الأدبين المصريّ والرّافديّ)، وتساءل: "كيف يحصل على الحكمة الّذي يمسك المحراث ويفتخر بالمنخس ويسوق البقر ويتردّد في أعمالها وحديثه في أولاد الثّيران، قلبه في خطوط المحراث وسهره في تسمين العجال" ( 38: 26-39). وفي الأدب العربيّ نظرة دونيّة إلى الفلاّح يبيّنها بيت والبة بن الحباب: "أقول له على طرب الطّنى/ ولو بمؤاجر علج نباطي"، أو قول نصر وليّ عبد الملك التّميميّ: "ما أنا بالأعرابيّ الجلف ولا الفزاريّ المستنبط" ( حسب الطّبريّ)، وذمّ رطانة الفلاّحين ( كما في بيت المعرّي "استنبط العرب في الموامي/ بعدك واستعرب النّبيط"، أو قول المقدّسيّ في "أحسن التّقويم": "أمّا البطائح فنبط لا لسان ولا عقل"). 

5- لكنّ في تراث شتّى الأمم أيضا نظرة إيجابيّة إلى الفلاحة. فحسب بعض علماء الأشوريّات كان الحاكم السّومريّ "إنسي" في الأصل موظّفا مكلّفا بالعمليّات الزّراعيّة كالرّيّ. ويوحي بتقدير الفرس لها ما روى إكسينوفون عن قورش ( تدبير 4) والمسلمون لاحقا عن كسرى، وما تحمل الزّرادشتيّة من تمجيد للحياة اليوميّة ورموز مستمدّة من الرّيف في أناشيدها. وينمّ عن تقدير مماثل لها وللعمل عموما العهد العتيق ( أمثال 6: 6-11، 19: 15 و24، 21: 25، 24: 30-34، سيراخ 7: 16 رغم وجود نظرة تذكّر بتفضيل الأدب المصريّ القديم لمهنة الكتبة). لاحقا عدّها القرآن من آيات الإبداع الإلهيّ ( 6: 99 و141، 13: 4، 16: 10-11، 32: 27، 56: 63-66، 50: 7-11، 18: 32-33 الخ) وكنى عن نعيم الآخرة بصورة البستان ( 18: 32-39 و34: 15-16، 18: 107، 23: 11)، وأورد ابن العوّام أحاديث تحثّ عليها ( مقدّمة: 1)، وهناك الحديث المشهور: "نزل آدم من الجنّة بالباسنة" لكنّه لم يرد في الصّحاح. وقد مدحها هوميروس ضمنيّا إذ جعل هيفايستوس يرسم مشاهد من حياة الفلاّحين على درع أخيلس ( إلياذة 18: 478-607)، وتغنّى بها هسيودوس ( الأعمال). واعتبرها منبتا لرجال صلاب صالحين للحرب إكسينوفون ( تدبير 5-6) وكاتون ( مقدّمة 4)، وبلينيوس ( 18: 6 (26) نقلا عنه)، وفيجيتيوس ( فنّ الحرب ك3)، وأساسا للمجتمع الحرّ الفاضل أرسطوطاليس ( سياسة 6: 4) وشيشرون ( "الواجبات" 1: 42) ووارّون ( 3: 1: 5) الّذي أكّد هو أيضا أنّ الفلاّحين وحدهم سلالة ساترنوس ومدح حياة الرّيف ( 2: مقدّمة: 1-2). ومجّدها وأشاد بالعمل فرجيليوس ( 2: 458-540، 1: 125-159)، وكولوملاّ.

   تركّز جلّ تلك النّصوص على جانبها الأخلاقيّ فهي تعني الكدّ ولا تتيح البذخ ولا تدع مجالا للفراغ والصّراع على السّلطة. لكن أكّد كذلك على الجانب الاقتصاديّ إكسينوفون الّذي اعتبرها أساس ازدهار الفنون ( تدبير 5)، وفرجيليوس الّذي حيّى في الفلاّح "مُطعم الوطن" ( 2: 514) وكولوملاّ الّذي كتب "ألاّ قوام ولا غذاء للبشر بدون الفلاّحين" ( 1: مقدّمة 6)، وابن وحشيّة الّذي رأى أنّ "فيها إصلاح معايشنا؛ وساير النّاس إنّما يعيشون من فضل أرباب الضّياع وفلاّحيها والقوّام عليها؛ وقوامهم في حياتهم إنّما هو بهم، وقوتهم المبقي لهم الحياة إنّما هو منهم؛ فصار أرباب الضّياع ومعاونوهم أفضل النّاس بذلك وهم رؤساء النّاس، يعيش النّاس والحيوان كلّه من فضلهم وكدّهم ومعاناتهم لما النّاس معرضون عنه وغافلون عمّا يعانيه غيرهم، وهم الفلاّحون والمزارعون"؛ وعدّ النّبات أساس كلّ إنتاج، مستمدّا أمثلة من الصّيدلة ومن النّسيج والعطارة، مستخلصا "أنّ استمساك أحوال النّاس ومجاريها على الحال المحمودة إنّما هو بالفلاّحين والأكروث الّذين هم أصل هذا كلّه وقوامه ومادّته وممسكه، فصاروا بذلك أفضل جميع النّاس. وهم مادّة الملك وقوامه وعمارة الأرض" ( باب ما يحتاج إلى معرفته الفلاّحون).

   وتجاوز تلك الإشادة القريبة من أفكار الفيزيوقراطيّين إلى اعتبار أهل بابل المتفوّقين في الفلاحة بمثابة الآلهة من بقيّة البشر. وهو قول يشبه تأكيد مينندر ووارّون أنّ الفلاّحين نسل ساترنوس. وتوجد فكرة أصل إلهيّ أو شبه إلهيّ للبشر بصفة عامّة في الثّقافة اليونانيّة الرّومانيّة ( إلى جانب فكرة أصل وضيع) وفي ثقافات أخرى: مثلا في أسطورة خلق الإنسان الرّافديّة خلط إنكي مع الطّين دم إله، وفي أسطورة أرفيّة ذات أصل شرقيّ مرجّح خلق زيوس البشر من رفات التّيتان الّذين كانوا قد أكلوا لحم ديونيسوس، والآلهة عند الفينيقيّين أجداد البشر ( بودسّين، وأعطاهم نونّوس أصلا إلهيّا 40: 430-435، ويبدو إيل في نصوص أوغاريت أبا البشر)، وفي أديان التّوحيد الثّلاثة جبل الله آدم من تراب الأرض ونفخ فيه عنصرا أسمى ( نسمة حياة: تك 2: 7، أو من روحه: قرآن 32: 9). بل إنّ أرسطوطاليس، بتأثير من الأفكار الأرفيّة، اعتبر شعورنا الدّاخليّ بأنّ النّفس فينا أتت من عالم علويّ ( مع انتظام الكواكب) أقوى الأدلّة على وجود الله ( قارن بجملة كنط الشّهيرة).

5- كذلك ربطت الأساطير الأنشطة الإنسانيّة بآلهة وأبطال أنصاف آلهة علّموها للبشر، ويضفي ذلك الأصل الإلهيّ على الفنون شرفا وقداسة، ففي ردّ الطّبّ مثلا إلى تحوت أو أسكلابيوس تعظيم له وتحسيس للطّبيب بمسؤوليّته، لكن انتشرت كذلك لاحقا نظريّات عن أصله الإنسانيّ عرضها ابن أبي أصيبعة مثلا، وقبله أكّد لكرتيوس وفق مذهبه الأبيقوريّ أنّ البشر تعلّموا الفلاحة وبقيّة الفنون من مشاهدة الطّبيعة. وأشار إيسيدوروس إلى ذلك بخصوص التّزبيل والزّراعة اللّذين ردّهما بعض الكتّاب إلى استركولوس وساترنوس ( أصول 17: 1: 3). نجد تلك الأساطير عند اليونان والرّومان ( كرونوس/ساترنوس وديميتير/كيريس ومن جهة أخرى داناوس وبوزيقس وأرسطيوس)، وشعوب بلاد الرّافدين ( نِسابة السّومريّة، إنكي أو إيا حسب برعشّا Oan، إنانّا الّتي حملت منه "النّواميس" إلى أوروك/الوركاء، نينورتا الّذي منه استمدّ الفلاّح الشّيخ تعليماته إلى ابنه) والمصريّين ( أوزيريس وتحوت) والفينيقيّين ( الّذين عرض أوسبيوس بعض أفكارهم عن أصل الحضارة في الإعداد الإنجيليّ 1: 10: 8-13، وكانوا يعتقدون حسب فيلون أنّ الآلهة حملوا للبشر الحضارة والفنون، وفعلا تحدّثنا أسطورة دانيل الأوغاريتيّة عن إله للحرف والصّناعة يدعى كوثر وخسيس، يناظره خوصور الّذي ذكره في صور، وقد نسب- متأثّرا حسب البعض بأفكار عصره الإفهيميريّة- إلى أشخاص أُلّهوا لاحقا اختراع شتّى الفنون عبر الأجيال المتعاقبة: جني الثّمار من الأشجار، فابتهالات الاستمطار فالنّار فلبس جلود الحيوانات فإنشاء السّفن فالصّيد البرّيّ والبحريّ فالتّعدين: I.Baumgarten, H.W.Attridge/R.A.Oden، 1981). وتظهر بعض تلك الأفكار في سفر التّكوين ( تك 4: 2-22 بالأخصّ) لكن لا يبدو فيه أنّ الله علّم البشر الفنون. بل اقترنت فيه بدايات الحضارة الإنسانيّة بجرائم وأنجزتها سلالة تنحدر من قاين قاتل أخيه وباني أوّل قرية، أمّا من سلالة شيث الّتي باركها الله فابتدع أنوش "الدّعاء باسم الرّبّ" ( 4: 26) وابتكر نوح غراسة الكرم والخمر الّتي جلبت الشّؤم ( 9: 20-21). وتعبّر نظرته المتشائمة إلى منشإ الحضارة عن العداوة بين الزّرّاع والرّعاة ( في قصّتي قاين وهابيل، ويعقوب وعيسو ينتصر الفلاّح، لكن يُدان قاين وحتّى يعقوب عند هوشع الّذي يبدي كإرميا رفضا صريحا للمدينة والمجتمع الزّراعيّ وحنينا إلى البداوة، وإن لم تكن نظرته إلى الحياة البدويّة عامّة في العهد العتيق). لكنّ الله هو الّذي أودع في قلوب الصّنّاع الّذين أعدّوا بأمره ثياب قدس لهارون وخباء المحضر وتابوت الشّهادة والمذبح ( خر 28: 3، 31: 3 و6، 35: 10 و25 و26 و31 و35، 36: 1) "حكمة وفهما ليعرفوا أن يصنعوا كلّ صنعة من عمل القدس بحسب كلّ ما أمر به الرّبّ" ( خر 36: 1) وعلّم يدي داود القتال ( مز 17: 35، مل2 22: 35). ولم يرد في القرآن أنّه علّم الإنسان المهن، لكن وهبه العقل ( 2: 32) وعلّمه "بالقلم" حقائق خفيّة ( 96: 4-5) بواسطة الرّسل الّذين آتى بعضهم مهارات حِرفيّة ( 21: 80، 34: 10-13، ومن نفس القبيل تأييد رماة المسلمين 8: 17 وتوفيق معاذ كما جاء في الحديث) وبنحو غير مباشر هدى قابيل إلى دفن أخيه ( 5: 31). وحسب الفلاحة النّبطيّة علّمت البشر الفلاحةَ آلهة نجميّة كالشّمس والقمر والمشتري وزحل "معطي الفلاحة للأرض والنّماء والضّدّ من النّماء للنّبات" حسب صغريث الّذي تلقّى وحيه من خلال القمر وصنمه، وحسب الصّابئة علّمت الملائكة آدم الحرف.

7- كثيرا ما كانت الشّعوب الفلاحيّة تنظر إلى الرّعي باحتقار بينما تقدّره الشّعوب ذات الجذور الرّعويّة. لكنّ النّظرتين تتداخلان، والنّشاطين يندمجان في بعض الحضارات القديمة. فمع أنّ الأدب المصريّ القديم يُظهر احتقارا للرّعاة الرّحّل نلمسه كذلك في تك 33: 32 و46: 34، تمثّل عصا الرّاعي إحدى شارات الفراعنة، وصُوّر الإله رع كراع للبشر ( مثلا في الوصيّة لمريكارع وبرديّة وستكار وأنشودة من عصر أمنحوتب3) وكذلك الملك بيبي. وقد نُعت ملوك سومريّون بالرّعاة كدموزي ونرام سين وإيتانا ملك كيش الأسطوريّ وغوديا ملك لجش وشولجي ملك أور، وفي صورة نرى حمورابي يتسلّم من الإله شمش عصا الرّاعي، وأكّد أشور ناصربال ( ق 11) في نقيشة أنّ عشتار اختارته راعيا للنّاس، وشُبّه الإله الشّخصيّ ( حارس كلّ إنسان) بالرّاعي في مثل سومريّ ( ألستر 3: 134)، ولُقّب الإله إنليل براعي الرّؤوس السّود أي السّومريّين ( في مرثية سومر وأور). وفي أوغاريت كان الكاهن رئيس الرّعاة. وهم في العهد العتيق أبناء ( تك 37) أو أجراء ( تك 30: 29-43) لا عبيد، وقد رعى يعقوب وموسى ( لتسديد مهر العروس: تك 29: 18-28، خر 3: 1، قرآن 28: 26)، وداود وهوشع وعاموس ( أو هو بالأحرى "صاحب ماشية" كميشع ملك موآب- والمفردة المستخدمة تطابق كلمة أكّديّة وأوغاريتيّة هي من ألقاب الكهنة)، والعريس راع وملك في نشيد الأناشيد ( 1: 6 و11)، وصُوّر الكهنة والرّؤساء كرعاة الشّعب وحتّى الله ( مثلا مل2 7: 7، مز 22: 1 و77: 52 و79: 2 و94: 7، أشعيا 40: 11، إرميا 10: 21 و31: 10، حزقيال 34: 1-23، ميخا 2: 12، زكريّا 11: 16). كذلك تحمل كلمة الرّاعي معنى حميدا في الأدبيّات المسيحيّة ( متّى 6: 34 و10: 6، لوقا 15: 4، يوحنّا 10: 11 حيث نُعت يسوع بالرّاعي الصّالح، الرّسالة إلى العبرانيّين 13: 20) والإسلاميّة ( قرآن 28: 26-27، حديث: "كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته"، "ما بعث الله نبيّا إلاّ رعى الغنم"، "أجل قد رعيتُ الغنم"). وعند اليونان إله راع وهو إله الرّعاة بان ( لكنّ جلّ القصص عنه إسكندرانيّة في الحقيقة)، وقد ماثله الرّومان بفاونوس الّذي أظهرته بعض الأساطير إنسانا وفي فترة متأخّرة تحوّل إلى جنّ شبيهين بالسّاتوروي عند اليونان، وموثل كذلك بسلوانوس. وتظهر بعض الأساطير أبولّون أيضا راعيا. وقد وردت صورة الحاكم كراع في الإلياذة ( 2: 432 أو كذلك 11: 594 حيث نُعت مخَأون براعي الجنود الصّالح)، وهي ضمنيّة في اللّغة العربيّة في كلمة "الرّعيّة"، وقلبها ديوفانس مشبّها الرّاعي بالحاكم، وصوّره كولوملاّ كالقائد ( 6: 23: 3). كذلك دعا أشعيا ( 1: 3) صاحب الماشية بلفظة "بعل" الّتي تعني السّيّد، وتُطلق على الزّوج ( كما في العربيّة) وحتّى على الإله، واستُخدمت كذلك كلمة تعني الملك والسّيّد lugal لمالك الثّور ( كود-لوغال-بي) في مثل سومريّ ( ألستر 5: 29- واستُخدمت لصاحب النّخلة أيضا في المثل 8: د1).

8- أكّد وارّون كرامة الرّعي ( 2: 1: 5) وأسبقيّة الطّور الرّعويّ في تاريخ الإنسان وأصول الرّومان الرّعويّة ( 1: 2: 16 استنادا إلى ديقيَرخوس، 2: مقدّمة: 4). وهي فكرة شائعة في الأدب القديم.

 

3-2 مقتطفات من جيوبونيكا: ديونسيوس في الرّياح 1: 11

   من الجهات الأربع تهبّ الرّياح الأصليّة: الصّبا apeliotes والدّبور zephyros والشّمال boreas والجنوب notos. تخرج الصّبا من قِبل الرّكن الشّرقيّ، وتهبّ على جانبيها euros وkaikias. بينما تهبّ على جانبي الدّبور الآتية من الغرب iapuga وliba، وتهبّ الشّمال من الرّبع التّيميّ ( الشّماليّ) وعلى جانبيها thraskias وaparktias. والجنوب من الرّبع الجرْبيّ ( الجنوبيّ) وعلى جانبيها libonotos وeuronotos. هناك إذن 12 ريحا. والدّبور أنسب للفلاحة من بقيّة الرّياح كما يقول فلورنتينوس ونقرّه نحن أيضا. وينبئ بهبوب الرّياح هيجان البحر وهدير ارتداد الأمواج، والصّفو# على قمم الجبال، والتفاف الأشواك والأوراق اليابسة بعكس اتّجاه الرّياح. وينبغي توقّع هبوب العواصف من المكان الّذي تنشأ فيه الرّعود والبروق في الصّيف، وكذلك الرّياح من المكان الّذي تتّجه نحوه الشّهب.

ملاحظات: 

1- قد يكون ديونسيوس الّذي يحمل هذا الفصل اسمه مترجم ماغون. هو قطعا غير الطّبيب الّذي ذكره بلينيوس بين مراجع بعض كتب موسوعته ( وهناك عدّة أطبّاء يحملون هذا الاسم، لكنّ ذكره أحيانا مع ديوقليس يوحي بطبيب مشهور من ق 4)، ولا شيء يثبت أنّه كاتب الفلاحة الّذي ذكره بعد وارّون وكولوملاّ. هناك كاتب آخر ذكره في الجزء الجغرافيّ من موسوعته ( الكتب 3-6) وقد أرسله أغسطس لدراسة أرمينية إعدادا للحرب على الفرثيّين ( 6: 31 (141)). ولم يذكر كسيوس ديونسيوس بين مراجع الكتاب 2 عن الأرض والكواكب والعناصر والرّياح، لكن ربّما اكتفى بالمراجع الأساسيّة الّتي يحتاج إليها علم الفلاحة لكن كمعطيات لا كمبحث أساسيّ. ولم يذكره فوتيوس بين مراجع مجموعة بيروتيوس لكنّ هذا الفصل ليس زيادة متأخّرة فقد جاء في مجمله في التّرجمة السّريانيّة ( فصل 1: 8). وقد أورد ابن العوّام نصّين لكسيوس في الأنواء ( استشعار المطر من هيئة القمر، وتوقّع المطر أو الرّيح ومصدرهما من البرق 30: 10- ونُسب الأخير في ترجمة كليمان-مولّيه لكسينوس).

2- تهبّ euros وkaikias من جهة وliba وiapuga من جهة أخرى جنوبيّ وشماليّ الصّبا والدّبور، فهي على التّوالي: ج ش ش، ش شرق ش، ج غ غ، ش غ غ. وthraskias ش شمال ش وaparktias ش ش غ. libonotos ج ج ش وeuronotos ج ج غ.

3- أشارت النّصوص المصريّة إلى الرّياح الأربع وكذلك النّصوص الرّافديّة الّتي ذكرت معها أخرى قد لا تشير إلى الاتّجاه: في أسطورة الخلق إنوما إليش مثلا لمّا أراد مردوك سحق تيامات ( المياه الأصليّة وتطابق تهوم في سفر التّكوين) أقام الرّياح الأربع لسدّ المنافذ عليها وأرسل في بطنها 7 رياح ( وذُكرت 7 رياح أيضا في أسطورة أنزو وقد يعكس عددها معتقدات الرّافديّين الّتي لذلك العدد فيها أهمّيّة خاصّة)، وفي قصّة غلغامش سلّط شمش على الوحش الأصلانيّ خُواوة 8 رياح منها رياح الجهات الأربع ( والصّورة قريبة من قربة الرّياح الّتي سلّمها إيولوس إلى أوديسيوس كما جاء في الأوديسة 10: 20-22- ويرجَّح أنّ أسطورة شبيهة كانت توجد عند الكنعانيّين كما يوحي ما جاء في كلام للملك أجور بن ياقة على شكل أحجية في أمثال 30: 4 "من قبض الرّيح في راحتيه"). وفي مثل سومريّ ( ألستر 4: 9) تبدو الرّيح الشّماليّة منعشة والجنوبيّة عنيفة والغربيّة قويّة والشّرقيّة حبلى بالمطر والرّخاء. في رؤيا أردا ويراف الزّرادشتيّة عن عالم الآخرة ( من الفترة السّاسانيّة) تهبّ على الأبرار من مقام أهورمزدا ريح الجنوب بينما تلفح الأشرار ريح الشّمال القارسة الآتية من معقل الشّياطين! وذكر العهد العتيق الرّياح الأربع ( إرميا 36: 49، حزقيال 37: 9، زكريّا 2: 6 و6: 5، دانيال 7: 2 و8: 8 و11: 4) وذكرها كذلك فرادى وبالأخصّ الرّيح الشّرقيّة الّتي تقترن فيه بالحرارة والدّمار. وأكّد بلينيوس أنّ القدماء في عصر هسيودوس كانوا يعرفون 4 رياح ثمّ أضيفت 8 وأعطى تسميات الرّياح اليونانيّة واللاّتينيّة 2: (119-120)- مثلا: apeliotes وeuros: uulturnus وsubsolanus، zephyros: fauonius، boreas وaparktias:  septentrioو aquilo، notos: auster- وذكر خصائصها 2: (121-127). وقسّم أرسطوطاليس في "الآثار العلويّة" الرّياح إلى 10 أو 11، حيث أخذ المشرق والمغرب في فترة الاعتدال ( Apeliotes- Zephyros)، والقطر المعامد ( أي الشّمال Aparktias والجنوب Notos)، والمشرق والمغرب لفترتي الانقلاب الشّتويّة والصّيفيّة ( Euros-Lips وKaikias-Argestes/ Olympias/ Skiron)، وريحين أخريين قرب الشّمال إلى الشّرق والغرب ( Meses-Thraskias) وأخرى مقابلة للأخيرة Phoinikias ( المسمّاة في قورنائية Karbas) لم يبد واثقا منها، ونفى وجود ريح تقابل Meses. وبيّنها بنقاط على دائرة تمثّل خطّ الأفق ( 2: 4-6). وفي الحقيقة يختلف الفرق بين سمت الشّمس عند الشّروق في فترتي الانقلاب حسب درجة العرض، فمثلا عند 50 د شمالا، يكون 80 د من الشّمال في منتصف الصّيف و130 في منتصف الشّتاء، فالفرق 50 د ويزيد باتّجاه القطب. لكنّا نجد 12 في تلخيص ابن رشد الّذي كتب "وأقول إنّ الرّياح 12 ريحا، 4 منها من الجهات الأربع وبين كلّ ريحين منها ريحان وليس لها أسماء في لسان العرب، إلاّ أنّ العرب تسمّي كلّ ريح عدلت عن هذه الجهات الأربع الرّيح النّكباء"، وأضاف: "هكذا نجد في هذه النّسخة الّتي وقعت إلينا، والإسكندر ( الأفروديسيّ) يذكر عن أرسطو أنّ عدد الرّياح عنده 11 ريحا، وأنّ غير أرسطو هو الّذي اعتقد أنّ هنا 12 ريحا. والوقوف على صحّة أحد هذين القولين يكون بالتّجربة" ( 130). وانتقد أرسطو فكرة أنّ الرّيح كتل هواء متحرّكة ( 1: 13، تلخيص 67-68 و113-114) مؤكّدا أنّها تتصاعد بالأحرى من الأرض ( تلخيص 112)، لكنّ ثيوفرستوس عاد إليها، مع الاحتفاظ بتشبيهه لها بالأنهار لكونها تنطلق من نقطة على الأرض وتنتهي إلى أخرى، وأشار إلى أنّ الفينيقيّين أطلقوا Karbas بالأحرى على الرّيح الّتي تأتي من هلّسبونت ( "في الرّياح"، انظر كذلك شرح الإسكندر الأفروديسيّ "للآثار العلويّة" 363 أ8). وقد أشار إلى تأثير الرّياح على النّبات ( ت.ن. 2: 8: 1، 6: 2: 4، 8: 2: 11، 8: 6: 6، 8: 7: 7 مؤكّدا هنا أنّ لكلّ موضع ريحه الحسنة: هنا الدّبور، وهناك الشّمال وهناك الجنوب). يُنسب كذلك إلى كلّيماخوس القورينائيّ كتاب مفقود "في الرّياح". وتيمسثينس الرّودسيّ ( أواسط ق 3) من أمراء البحر الأوائل الّذين استخدموا تقسيم الرّياح إلى 12، وهو تقسيم شاع في العصر القديم والوسيط. وقسّمها بطليموس إلى 16، وابن وحشيّة إلى 4 و8 و16. في "سرّ الخليقة" ذُكرت الرّياح الأربع فقط، وفُسّرت الرّيح بارتفاع البخار في العلوّ وانضغاطه وتضايقه وتدافعه في الهواء السّاكن، أي من دفع بعض الهواء بعضا ( 2: 17: 2-3)، كذلك اعتبر ابن سينا الرّيح دخانا أو بخارا يابسا بينما تأتي المطر من الرّطب ( الشّفاء).

4- ينطبق رأي فلورنتينوس في الدّبور على حوض المتوسّط عموما وخاصّة واجهته الشّرقيّة، ويوافقه جامع النّصوص ( كسّيانوس بسّوس؟). واسمها اليونانيّ zephyros مشتقّ من zophos أي الظّلمة والغروب ( وإلى مجيئها من مغرب الشّمس ردّ أرسطوطاليس برودتها)، ويقترن هبوبها ببداية الرّبيع ( وارّون 1: 28: 2، فلورنتينوس 1: 1: 2). وقد عدّها الكتّاب اليونان واللاّتين مناسبة للفلاحة فهي بمثابة الرّوح المحيي للطّبيعة ( بلينيوس 2: (116) generabilis rerum naturae spiritus)، تُخرج النّبات ( إيسيدور 17: 6: 21) وتنعشه في الصّيف ( كولوملاّ 5: 9: 7). لذلك تسري نفحاتها الزّكيّة حسب أساطير يونانيّة على الحقول الإليزيّة مقام السّعداء. وفي قصّة إيليّا التّشبيّ أرسل الرّبّ سحابة من قِبل البحر، أي الغرب، محمّلة بالمطر ( مل3 18: 41-45)، كذلك أشار المسيح إلى ريح المغارب الممطرة ( لوقا 12: 54). وفي شمال إفريقية تأتي من المحيط الأطلسيّ باردة محمّلة بالمطر ويبلغ منه الواجهة الشّرقيّة القليل. ويلاحَظ أنّ النّصّ الّذي نقله ابن العوّام عن كسيوس في الاستدلال بالبرق على المطر ( 30: 12) تحدّث أيضا عن مطر آت من الغرب. في المقابل ذمّها كاتب الفلاحة النّبطيّة ( ابن وحشيّة؟) لأنّها باردة وتفسد النّبات وأبدان الحيوان والإنسان، وأكّد أنّ ضررها أفدح في الشّتاء وأنكى على "اليونانيّين" منه على أهل الشّام، وأشار بتدخين الكروم لدفع أذاها ( وتأثير الرّياح يختلف فعلا حسب الفصل)- وساق قصّتين عن ضررها في عهد اثنين من ملوك بابل ( حينافا و"المربِّع المشؤوم"). وقرن كلّ ريح بالفصل الّذي يشاكلها: الصّبا بالرّبيع، والجنوب بالصّيف والدّبور بالخريف والشّمال بالشّتاء، وأشار إلى نفع الصّبا والجنوب الّتي تشير نصوص قديمة كأسطورة أدابا إلى دورها الإيجابيّ في العراق رغم بعض مضارّها كقلب مركبه واقترانها بالغبار ( كما في مثل سومريّ: ألستر 3: 142) ودورها في الطّوفان البابليّ واقتلاعها شجرة "خولوبو" ( الصّفصاف؟) في قصّة ملحميّة عن غلغامش. عند العرب أيضا كانت الدّبور مذمومة وتُنعت بالعاصف والصّرصر والعقيم إذ لا ماء معها وهي تهدم البناء وتقطع الأشجار حسب الثّعالبيّ والكسائيّ وابن إياس الثّقفيّ، بعكس الصّبا ( أو القَبول والمضاريح) المنعشة الّتي تهبّ رخاء عند السّحر.

5- كان القدماء يرون في الرّياح لواقح للنّبات ( أبوليوس: التّحوّلات 2: 4)، وهي تحمل فعلا حبوب الطّلح وتُنضج الثّمار، وتلقّح السّحب وتدفعها ( قرآن 15: 22). وقد أكّدت جيوبونيكا مثلا على أهمّيّة تعريض الأشجار، وبالأخصّ الزّيتون والكروم، للرّياح على ألاّ تكون عاتية ( ج 5: 4: 2 و5: 5: 1-2 "لديمقريطس"، 5: 2: 18 و9: 3: 4-5 لفلورنتينوس) وكذلك على أهمّيّة توجيه نوافذ الأهراء إلى رياح معيّنة ( ج 2: 27: 1 لتارنتينوس)، وكذلك مخزن النّبيذ ( ج 6: 2: 1 لفلورنتينوس، وحسب أنواعه: كونتليوس 7: 2) ونقل النّبيذ بين الجرار ( ج 7: 6: 1 "لزرادشت) وذوقه ( ج 7: 7: 1 لفلورنتينوس) عند هبوب رياح معيّنة، وتجنّب الرّياح عند إنشاب الأشجار ( ج 10: 75: 20 لفلورنتينوس) واختيار موقع البيدر بحيث لا تدفع الرّيح السّفا إلى الخضر في المبقل ( ج 12: 2: 2-3 لفلورنتينوس) الخ. وزعمت كتب الفلاحة أنّ الحيوانات تلد ذكورا أو إناثا حسب مواجهتها لريح الشّمال أو الجنوب عند السّفاد، وأنّ الرّياح تلقّحها ( انظر بيض الرّيح عند أرسطوطاليس ووارّون، وتلقيح ريح الشّمال للحجور الخ). وألّهتها شعوب العالم القديم، وعادة تحمل الآلهة الخاصّة بها أجنحة في الأساطير، وعند اليونان اقترنت بالخيل الّتي كانت تقدَّم قرابين لها ( وكذلك للآلهة المائيّة ولهليوس).

6- دلائل المطر الواردة في النّصّ ذات طابع "تجريبيّ" غير تنجيميّ. يلاحَظ أنّ كيفيّة التواء الأوراق تشير كذلك إلى الفصل حسب وارّون مثلا ( 1: 46) أو فلورنتينوس ( ج 9: 2: 3 الزّيتون، الزّيزفون، الدّردار، الحور). وحسب النّابلسيّ تأتي الرّياح من المكان الّذي ترمي فيه الكواكب الشّهب.

 

تابع