القدّيس أغسطينوس

 

مدينة الله

 

الكتاب السّادس عشر- تابع 

 

حواش 

22

21

20

19

18

17

16

15

14

13

12

11

10

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

16-9 هل يجب أن نصدّق بوجود سكّان في جزء الأرض المقابل للّذي نسكنه

   أمّا ما يروى من تخاريف حول سكّان المنطقة المقابلة من الأرض antipodae، حيث تطلع الشّمس لمّا تغيب عندنا وهم يمشون عليها في الوضع المقابل لوضعنا، فلا مبرّر لتصديقه. إذ لا يؤكّدون أنّهم استقوا ذلك من أيّ مصدر تاريخيّ بل يفترضونه من باب التّخمين، على أساس أنّ الأرض معلّقة داخل قبّة السّماء بحيث يكون وسط العالم وأسفله محلاّ واحدا، ومن ثمّة يتصوّرون أنّ الجزء الآخر من الأرض الموجود تحتنا لا يمكن أن يخلو من سكنى بشر. وهم لا يلاحظون أنّه حتّى لو صدّقنا بأنّ العالم ذو شكل مدحوّ وكرويّ أو أُثبت ذلك بدليل ما، لا يترتّب عنه أنّ الأرض في الجهة المقابلة خالية من مياه مجتمعة، بل حتّى لو خلت منها لما كان حتما بناء على ذلك أن يوجد بها بشر. فبما أنّ الكتاب المقدّس لا يكذب أبدا ويستمدّ مصداقيّته في رواية أحداث الماضي من تحقّق ما أنبأ به مقدَّما، من الخُلف الصّراح القول بأنّه أمكن لبعض البشر السّفر من هذا الجزء من العالم عبر البحر المحيط المترامي الأطراف والوصول إلى الآخر.

   لنبحث إذن بين شعوب تلك الفترة الّتي يستفاد بأنّها انقسمت إلى اثنتين وسبعين أمّة مع عدد مماثل من اللّغات، لعلّنا نجد مدينة الله المرتحلة على الأرض، والّتي وصلت إلى غاية الطّوفان والتّابوت، وبيّنٌ أنّها بقيت قائمة في ذرّيّة ابني نوح بفضل مباركتهما، وبالأخصّ في الأكبر* المدعوّ سام، بينما اقتصرت مباركة يافث على السّكنى في أخبية أخيه.

 

16-10 في سلسلة مواليد سام الّذي يتّجه مسار مدينة الله في نسله إلى إبراهيم

   يجب التّركيز إذن على مواليد سام لتُظهر مدينة الله بعد الطّوفان، كما كانت تُظهرها سلسلة مواليد شيت قبل الطّوفان. لذلك بعدما بيّن لنا كتاب الله المدينة الأرضيّة في بابل أي في البلبلة يعود محوصلا إلى الأب الأصليّ سام، ومن هناك يستعرض الأجيال بالتّرتيب إلى إبراهيم، ذاكرا عدد سني كلّ شخص من السّلسلة عند ولادة ابنه وكم عاش. هنا يجب بالتّحقيق أن أطرح ما وعدت بتبيينه سابقا: لماذا قيل عن ابني عابر: "اسم أحدهما فالج لأنّه في أيّامه انقسمت الأرض". ماذا ينبغي فعلا أن نفهم من انقسام الأرض سوى انقسامها بتنوّع اللّغات*؟ يغفل الكتاب بقيّة أبناء سام الّذين لا صلة لهم بالموضوع، فيعرض حسب تسلسل الأجيال من يمكن الوصول عن طريقهم إلى إبراهيم، كما كان يعرض قبل الطّوفان بين مواليد ابن آدم المدعوّ شيتا من تصل سلسلتهم إلى نوح.

   هكذا يبدأ ذلك العرض: "لمّا كان سام ابن مائة سنة ولد أرفكشاد لسنتين بعد الطّوفان. وعاش سام بعدما ولد أرفكشاد خمس مائة سنة ولد فيها بنين وبنات"*. ويتابع على هذا المنوال ذاكرا سنّ كلّ واحد من الآخرين عند ولادة ابنه الّذي يندرج في قائمة المواليد الموصلة إلى إبراهيم، وكم عاش بعد ذلك، مشيرا إلى أنّه ولد بنين وبنات. وذلك لنفهم كيف أمكن أن تنمو الشّعوب فلا نتساءل بسذاجة محتارين من قلّة عدد الأشخاص المذكورين كيف أمكن أن يملأ نسل سام كلّ تلك الأراضي والممالك، وبالأخصّ مملكة الأشوريّين حيث ملك نين مخضع الشّعوب الشّرقيّة كافّة بنجاح باهر، تاركا لخلفه مملكة واسعة وعتيدة دامت بعده أمدا طويلا.

   لكن تجنّبا للإطالة فوق ما تدعو إليه الحاجة سوف لا نذكر سني حياة كلّ واحد في سلسلة الأجيال، بل فقط سنّه عند ولادة ابنه الوارد في القائمة، لنجمع عدد السّنين منذ نهاية الطّوفان حتّى إبراهيم، وفيما عدا التّفاصيل الّتي تُلزمنا بذكرها ضرورة ما، سنتناول البقيّة بسرعة واقتضاب. في السّنة الثّانية بعد الطّوفان وُلد قينان الّذي ولد في سنّ المائة والثّلاثين شالح، وفي نفس السّنّ ولد شالح عابرا. وكان عابر يبلغ مائة وأربعين سنة لمّا ولد فالج الّذي انقسمت الأرض في أيّامه. وولد هو نفسه في سنّ المائة وعشرين رعو، ورعو في سنّ المائة وثلاثين ولد ناحور، وناحور في سنّ السّبعين ولد تارح، وتارح في السّبعين أيضا ولد أبرام الّذي غيّر الله اسمه لاحقا إلى إبراهيم. بذلك يكون مجموع السّنين من الطّوفان إلى إبراهيم ألفا واثنتين وسبعين حسب النّصّ الأوسع انتشارا، أي التّرجمة السّبعينيّة. أمّا الأسفار العبريّة فنجد فيها، حسب ما يقول أهل الذّكر، أعدادا من السّنين أقلّ بكثير، لا يوجد أو يصعب أن يقدَّم لها تعليل.

   لمّا نبحث إذن في هذه الأمم الاثنتين والسّبعين عن مدينة الله لا نستطيع التّأكيد أنّ الجنس البشريّ أيّام كان له لسان واحد، أي لغة واحدة، كان قد ابتعد عن عبادة الله، بحيث بقي الدّين الحقّ في تلك الأجيال المنحدرة من صلب سام عن طريق أرفكشاد والواصلة إلى إبراهيم. لكن من ذلك الطّموح المتطاول إلى بناء برج يبلغ السّماء، والّذي يرمز إلى التّعاظم الكفور، ظهرت سافرة مدينة- أي جماعة- الكافرين. أمّا هل لم توجد قبل ذلك، أو كانت مستخفية، أو بالأحرى استمرّ تواجد المدينتين- التّقيّة متمثّلة في ابني نوح اللّذين باركهما وذرّيّتهما، والفاجرة متمثّلة في ابنه الّذي لعنه ونسله الّذي منه خرج ذاك الّذي نُعت بجبّار صيد أمام الرّبّ، فليس من السّهل البتّ فيه. فربّما- وذاك أرجح بالتّأكيد- كان يوجد إذّاك إلى غاية البدء في إنشاء بابل مستخفّون بالله حتّى في ذرّيّة ذينك وعابدون له حتّى في ذرّيّة حام. لكن لا ينبغي الظّنّ بأنّ أيّا من الفريقين انعدم على الأرض في أيّ حين. فلئن قيل: "قد زاغوا جميعهم وتدنّسوا وليس من يصنع الصّلاح ولا واحدٌ"*، فإنّا نقرأ كذلك في كلا المزمورين حيث توجد هذه الكلمات: "ألم يعلم جميع فاعلي الإثم الّذين يأكلون شعبي أكل الخبز ولم يدْعوا الرّبّ"*. كان يوجد إذن حتّى في ذلك العصر شعب يعبد الله. وبهذا القول: "ليس من يصنع الصّلاح ولا واحد" قصد بني البشر لا بني الله. فقد جاء قبل ذلك: "اطّلع الرّبّ من السّماء على بني البشر لينظر هل يوجد فهِم ملتمس لله"*، ثمّ أُردفت تلك الكلمات الّتي تُظهر فجور كلّ بني البشر، أي المنتمين إلى المدينة الّتي تعيش بحسب البشريّة لا بحسب رضى الله.

 

16-11 في أنّ أوّل لغة استخدمها النّاس هي الّتي دعيت فيما بعد العبريّة اشتقاقا من اسم عابر الّذي استمرّت في عقبه لمّا بدأ تفرّق اللّغات

   إذن كما لم ينعدم أيّام كانت توجد لغة واحدة للجميع أبناء الوباء، إذ كانت توجد قبل الطّوفان لغة واحدة ومع ذلك استحقّ الجميع إلاّ نوحا البارّ وأهله أن يُهلكوا بالطّوفان، كذلك لمّا عوقبت عدلا أمم الكبْر والكفر بتعدّد لغاتها وانقسمت وأُطلق على مدينة الباغين اسم البلبلة، فسمّيت بابل، لم ينعدم بيت حُفظت فيه اللّغة الّتي كانت للجميع من قبل: ألا وهو بيت عابر. لذا كما ذكرت سابقا، لمّا بدأ إحصاء أبناء سام الّذين أنسل كلّ منهم أمّة، ذُكر أوّلا عابر، والحال أنّه حفيد حفيده، أي في الجيل الخامس من سلالته. إذن لبقاء تلك اللّغة الّتي يُعتقد لا بدون مبرّر وجيه أنّها كانت اللّغة الأصليّة المشتركة للجنس البشريّ في عائلته، سمّيت بعد ذلك بالعبريّة*. إذ كان من الضّروريّ تمييزها باسم خاصّ، كما دعيت اللّغات الأخرى بأسماء خاصّة. بينما لمّا كانت توجد بمفردها، لم تكن تدعى بغير اسم اللّسان البشريّ أو اللّغة البشريّة، الّتي يتكلّم بها الجنس البشريّ أجمع.

  قد يقال: إن انقسمت الأرض في أيّام فالج بن عابر إلى شتّى اللّغات، أي الجماعات البشريّة الّتي كانت توجد آنذاك على الأرض، فالأوْلى أن تدعى باسمه تلك اللّغة الّتي كانت من قبل مشتركة بين الجميع. هنا ينبغي أن يُفهم أنّ عابرا نفسه أطلق على ابنه فالج ذلك الاسم الّذي يعني الانقسام، لأنّه وُلد في الفترة الّتي شهدت انقسام الأرض إلى لغات، أي في الزّمان الّذي حصل فيه ما قيل في الكتاب المقدّس: "في أيّامه انقسمت الأرض". فلو لم يعش عابر إلى زمان نشأة عدّة لغات، لما اشتقّ من اسمه اسم اللّغة الّتي أمكن حفظها في نسله. لذلك ينبغي الاعتقاد أيضا بأنّها كانت اللّغة الأصليّة المشتركة، فإنّما أتى تعدّد اللّغات من عقاب حقّ أن يبقى شعب الله بمنجى منه. وما عبثا قُيّض لإبراهيم الّذي حافظ على هذه اللّغة أن يورثها، لا كلّ بنيه، بل فقط من وُلدوا من نسل يعقوب وأمكنهم بلوغ مكانة بارزة ورفيعة فيؤلّفوا شعب الله ويفوزوا بعهود مع الله وبأن تكون فيهم أرومة مسيحه. حتّى عابر لم يورث هذه اللّغة كلّ ذرّيّته بل فقط من تقود سلالتهم إلى إبراهيم. لذلك فحتّى إن يصرّح النّصّ بوضوح بوجود قوم أتقياء أيّام تأسيس بابل على أيدي الكفرة، لا يخدع هذا الغموض الباحث بل يستنهض همّته بالأحرى. فحين نقرأ عن وجود لغة واحدة أصليّة للجميع، ويُذكر قبل كلّ أبناء سام عابر مع أنّه وُلد في الجيل الخامس من نسله، وتُطلق تسمية العبريّة على اللّغة الّتي استخدمها الآباء والأنبياء الأجلاّء، لا في أحاديثهم فقط بل في الكتاب المقدّس، حتما لمّا نلتمس أين أمكن عند انقسام اللّغات حفظ الّتي كانت اللّغة المشتركة من قبل، والّتي حُفظت لا ريب حيث لم ينزل ذلك العقاب المتمثّل في تبدّل اللّغات، هل يتبادر إلى أذهاننا سوى أنّها بقيت في الجماعة الّتي استمدّت منها اسمها، وأنّ ذلك دليل لا يُستهان به على برّ تلك الجماعة، إذ بينما عوقبت الأخريات بتغيير لغاتها لم يطَلها هي ذلك العقاب؟

   لكن قد نتساءل كذلك كيف أمكن لعابر وابنه فالج أن يُنشئا أمّتين منفصلتين ما دامت لغة واحدة بقيت في كلتيهما؟ ولا شكّ أنّ أمّة عبريّة واحدة انحدرت من عابر إلى إبراهيم ثمّ منه إلى أن صار إسرائيل شعبا كبيرا. إذن كيف أنشأ كلّ البنين المذكورين لبني نوح الثّلاثة أمما قائمة الذّات، إن لم ينشئ عابر وفالج أمّتين منفصلتين؟ الأرجح أنّ الجبّار نمرودا أنشأ هو الآخر أمّة، لكن لشدّة بأسه وضخامة بدنه ذُكر بوجه الخصوص ليبقى عدد الأمم واللّغات اثنتين وسبعين. أمّا فالج فلم يُذكر لأنّه أنشأ أمّة منفصلة- فأمّته عين الأمّة العبريّة ولغتها نفس اللّغة- بل بسبب أهمّيّة عصره ففي أيّامه انقسمت الأرض*.

   لا ينبغي كذلك أن نستغرب كيف أمكن أن يظهر الجبّار نمرود أيّام تأسيس بابل وبلبلة اللّغات وعلى أساسها انقسام الأمم. إذ لا يستتبع كون عابر السّادس في سلالة نوح بينما هو الرّابع استحالة عيشهما في نفس العصر. يحصل ذلك فعلا إذا عاشت الأجيال الأقلّ عددا عمرا أطول، والأكثر عمرا أقصر، أو إذا تأخّرت ولادة الأجيال الأقلّ وأتت الأكثر مبكّرة*. يجب أن نفهم إذن أنّه لمّا انقسمت الأرض، لم يكن ذرّيّة أبناء نوح الآخرين الّذين ذُكروا كآباء أمم قد وُلدوا فقط، بل كذلك بلغوا في ذلك العصر عمرا صارت لهم فيه أُسر كبيرة العدد بما يؤهّلها لاسم أمّة. لذلك لا ينبغي الظّنّ أنّهم وُلدوا حسب التّرتيب الّذي ذُكروا فيه في الكتاب؛ وإلاّ فكيف أمكن أن يكون بنو يقطان الّذي هو ابن آخر لعابر قد أنش}وا أمما إن كان يقطان وُلد بعد أخيه فالج من حيث أنّه ذُكر بعده، والحال أنّ الأرض انقسمت أيّام وُلد فالج. يجب أن نفهم إذن أنّه رغم سبقه في الذّكر وُلد حتما بعد زمان طويل من أخيه يقطان الّذي كان لأبنائه الاثني عشر إذّاك أُسر كبيرة العدد إلى درجة أمكن معها أن تنقسم فتنفرد كلّ واحدة بلغتها الخاصّة. هكذا أمكن إذن أن يُذكر أوّلا من وُلد في زمان لاحق، مثلما ذكر بين بني نوح الثّلاثة أبناء يافث أصغرهم ثمّ أبناء حام أوسطهم وأخيرا أبناء سام أوّلهم وبكر أبيه.

   بقيت أسماء تلك الأمم بحيث يظهر لنا اليوم من أين اشتُقّت، كالأشوريّين من أشّور والعبريّين من عابر، بينما تغيّرت بتقادم العهد بعض الأسماء الأخرى بحيث يستطيع بالكاد جهابذة العلماء المنقّبون في التّاريخ القديم أن يكتشفوا منها أصول بعض الأمم لا كلّها. يقال مثلا إنّ المصريّين ينحدرون من مصرائيم بن حام، لكنّ الاسم لا يوافق الأصل. والشّأن مماثل في الأحباش الّذين يقال إنّهم ينحدرون من كوش بن حام*. وإن استعرضناها جميعا سيظهر أنّ ما تغيّر منها يفوق ما بقي على حاله.

 

16-12 في الفترة الّتي انطلقت فيها من إبراهيم سلسلة أجيال جديدة مقدّسة

   لنر الآن مسيرة مدينة الله منذ الفترة المفتتَحة بالأب إبراهيم الّذي بدأت انطلاقا منه تكتسب شهرة أسطع، وتتجلّى بمزيد من الوضوح المواعيد الإلهيّة الّتي نرى الآن تحقّقها في المسيح. كما علمنا إذن من الكتاب المقدّس وُلد إبراهيم في بلاد الكلدانيّين الّتي كانت تابعة لامبراطوريّة الأشوريّين. لكن حتّى في تلك الفترة كانت تسود يومذاك معتقدات فاسدة كما في أمم أخرى، وكان بيت تارح والد إبراهيم فقط يعبد الله الواحد الحقّ، وفيه وحده حُفظت اللّغة العبريّة- قدر ما يمكن تصديق ذلك- وإن كان يُروى، حسب ما يخبرنا يشوع بن نون*، أنّه عبد هو أيضا عِبْر النّهر آلهة أخرى. بينما انصهر مواليد عابر الآخرون تدريجيّا في لغات أخرى وأمم أخرى. هكذا مثلما بقي سالما من الطّوفان بيت نوح فقط لإعادة تكوين الجنس البشريّ، كذلك في طوفان المعتقدات الفاسدة العديدة الّذي غمر العالم أجمع بقي فقط بيت تارح حيث أمكن الحفاظ على غرسة مدينة الله. أخيرا وكما في مثال نوح حيث عُدّدت الأجيال إلى غايته مع أعداد السّنين وعُرض سبب الطّوفان، وقبل أن يبدأ الله التّكلّم إلى نوح عن صنع التّابوت، قيل: "هذه مواليد نوح"، كذلك هنا عُدّدت الأجيال انطلاقا من سام بن نوح إلى غاية إبراهيم، ثمّ وردت فقرة لافتة مماثلة، هذا نصّها: "وهذه مواليد تارح: تارح ولد أبرام وناحور وهاران، وهاران ولد لوطا. ومات هاران قبل أبيه تارح في أرض مولده في أور الكلدانيّين. واتّخذ أبرام وناحور لهما امرأتين، اسم امرأة أبرام ساراي واسم امرأة ناحور مِلْكة بنت هاران أبي مِلكة ويِسكة"*. كان هاران أبا ملكة وكذلك أبا يسكة الّتي يُعتقد أنّها هي نفسها سارة امرأة إبراهيم.

 

16-13 السّبب المحتمل لعدم ذكر ناحور في هجرة تارح من بلاد الكلدانيّين إلى عِبر النّهر

   ثمّ يروي الكتاب كيف ترك تارح مع ذويه بلاد الكلدانيّين وحلّ عِبر النّهر فسكن في حاران. لكنّه لم يذكر شيئا عن ابنه ناحور كما لو لم يحمله معه. إذ يخبرنا: "وأخذ تارح أبرام ابنه ولوط بن هاران ابن ابنه وساراي كنّته امرأة أبرام ابنه فخرج بهم من أور الكلدانيّين ليذهبوا إلى أرض كنعان؛ فجاؤوا إلى حاران وأقاموا هناك"*. لم يُذكر هنا ناحور وامرأته ملكة، لكنّا نجد فيما بعد لمّا أرسل إبراهيم عبده ليأخذ زوجة لابنه إسحاق هذا النّصّ: "وأخذ العبد عشرة جمال من جمال مولاه ومضى وفي يده كلّ خير مولاه وقام ومضى إلى أرام النّهرين إلى مدينة ناحور"*. تبيّن هذه الشّهادة وغيرها في التّاريخ المقدّس أنّ ناحور أخا إبراهيم خرج هو أيضا من بلاد الكلدانيّين وأقام عِبر النّهر حيث سكن إبراهيم مع أبيه. لماذا والحال تلك لم يذكره الكتاب المقدّس لمّا انطلق تارح من بلاد الكلدانيّين مع ذويه وسكن عِبر النّهر، بينما ذكر أنّه حمل معه فضلا عن ابنه إبراهيم كنّته ساراي وابن أخيه لوطا؟ هل من سبب لذلك سوى أنّه، في اعتقادنا، تخلّى عن دين أبيه وأخيه واعتنق معتقدات الكلدانيّين الفاسدة، ثمّ بدافع التّوبة أو لتعرّضه لاضطهادهم لارتيابهم فيه هاجر هو الآخر؟ ففي سفر يهوديت، لمّا سأل أليفانا عدوّ بني إسرائيل عن أولئك الشّعب وهل ينبغي أن يحاربهم، أجابه أحيور قائد العمّونيّين: "إن تنازلتَ فسمعتَ لي يا سيّدي أقول الحقّ بين يديك في أمر أولئك الشّعب المقيمين بالجبال ولا تخرج لفظة كاذبة من فمي. إنّ أولئك الشّعب هم من نسل الكلدانيّين. وكان أوّل مقامهم فيما بين النّهرين لأنّهم أبوا اتّباع آلهة آبائهم المقيمين بأرض الكلدانيّين. فتركوا سنن آبائهم الّتي كانت لآلهة كثيرة. وسجدوا لإله السّماء الواحد وهو أمرهم أن يخرجوا من هناك ويسكنوا في حاران"*، وأشياء أخرى. يتّضح من ذلك أنّ أهل تارح تعرّضوا لاضطهاد الكلدانيّين بسبب دينهم الحقّ المتمثّل في عبادة الإله الواحد الحقّ.

 

16-14 في عدد السّنين الّتي قضاها تارح في حاران

   بعد موت تارح في عِبر النّهر حيث يخبرنا الكتاب أنّه عاش ماتين وخمس سنين، تبدأ الإشارة إلى المواعد الّتي وعد الله إبراهيم، كما جاء في الكتاب: "(وكانت أيّام تارح في حاران) مئتي سنة وخمس سنين ومات تارح بحاران"*. لكن لا ينبغي أن نفهم من ذلك أنّه قضى كلّ تلك الأيّام هناك، بل المقصود أنّه أنهى فيها سني حياته الّتي مجموعها مائتان وخمس، وإلاّ سنجهل كم عاش تارح إذ لا نجد في أيّة سنة من عمره أتى إلى حاران، ولا يُعقل تصوّر أنّه في هذه السّلسلة حيث اعتُني بذكر عدد سني كلّ واحد* لم يودع في الذّاكرة عدد سني حياته هو وحده. لأنّ من يذكرهم الكتاب المقدّس دون الحديث عن سني حياتهم لا ينتمون إلى تلك السّلسلة حيث سدى تتابع الأزمان وفيّات الآباء وخلافة الأبناء. والحال أنّ تلك السّلسلة المتّجهة من آدم إلى نوح ومنه إلى إبراهيم لا تضمّ أحدا بدون عدد سني حياته.

 

16-15 في زمن هجرة إبراهيم لمّا خرج بأمر الله من حاران

   أمّا ما نقرأ بعد ذكر موت تارح أبي إبراهيم: "وقال الرّبّ لأبرام انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك"*، فلا يجب أن نفهم منه أنّ ما يتبع في السّرد كما نجده في الكتاب قد تبع كذلك في الزّمان بالنّسبة للأحداث. إذ لو كان الأمر كذلك لطُرحت مسألة لا حلّ لها. فبعد الأقوال الّتي وجّهها الله إلى إبراهيم، يخبرنا الكتاب: "فانطلق أبرام كما قال له الرّبّ ومضى معه لوط؛ وكان أبرام ابن خمس وسبعين سنة حين خرج من حاران"*. كيف يمكن أن يكون الأمر على تلك الصّورة إن خرج من حاران بعد موت أبيه؟ فكما أشرنا سابقا كان عمر تارح سبعين سنة لمّا ولد إبراهيم، فإذا أضفنا إليها خمسا وسبعين سنة هي عمر إبراهيم لمّا غادر حاران، يكون المجموع مائة وخمسا وأربعين سنة. كان ذلك إذن عمر تارح لمّا خرج إبراهيم من تلك المدينة في عِبر النّهر. إذ كان يبلغ خمسا وسبعين سنة وبالتّالي كان أبوه الّذي ولده في سنّ السّبعين يبلغ كما ذكرنا مائة وخمسا وأربعين. وبالتّالي لم يخرج بعد موت أبيه أي بعد المائتي وخمس سنين الّتي عاشها أبوه. بل نستنتج أنّ سنة هجرته- وهو في الخامسة والسّبعين- كانت بلا شكّ المائة والخامسة والأربعين من عمر أبيه الّذي أنجبه في السّبعين. ومن ثمّة يجب أن نفهم أنّ الكتاب المقدّس، كدأبه، عاد إلى الوراء إلى فترة تجاوزها السّرد؛ كما فعل في مثال سابق، لمّا ذكر ذرّيّة أبناء نوح فقال إنّهم كانوا موزّعين في لغاتهم وأممهم، لكنّه أضاف، كما لو كان ما يلي يتبع ذلك حسب التّرتيب الزّمنيّ: "وكانت الأرض كلّها لغة واحدة وكلاما واحدا". إذ كيف كانوا موزّعين حسب عشائرهم ولغاتهم إن كانت لدى الجميع لغة واحدة، إلاّ إن كان السّرد قد عاد إلى ما كان قد تجاوزه. بالمثل هنا إذن بعد قوله: "وكانت أيّام تارح في حاران مائتي وخمس سنين ومات تارح بحاران"، يعود الكتاب المقدّس إلى ما كان قد مرّ عليه ويُتمّ ما بدأ في عرضه قبل بخصوص تارح، قائلا: "وقال الرّبّ لأبرام انطلق من أرضك" الخ. بعد كلمات الرّبّ هذه يضيف: "فانطلق أبرام كما قال له الرّبّ ومضى معه لوط؛ وكان أبرام ابن خمس وسبعين سنة حين خرج من حاران". حلّت هذه المسألة كذلك بطريقة أخرى: احتساب سني إبراهيم الخمس والسّبعين عند خروجه من حاران منذ نجاته من نار الكلدانيّين* لا منذ ميلاده، باعتباره وُلد بالأحرى يومذاك.

   لكنّ إستفانس المبرور يقول في حديثه عن هذه الأحداث، كما جاء في أعمال الرّسل: "إنّ إله المجد تراءى لأبينا إبراهيم وهو بين النّهرين من قبل أن أقام بحاران. وقال له انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض الّتي أريك." حسب أقوال إستفانس هذه لم يكلّم الله إبراهيم بعد موت أبيه الّذي مات في حاران حيث سكن مع ابنه، بل قبل أن يسكن في تلك المدينة وهو لم يزل في بلاد ما بين النّهرين. كان إذن قد خرج من بلاد الكلدانيّين. لذلك فما يضيف إستفانس: "حينئذ خرج من أرض الكلدانيّين وأقام بحاران" لا يتعلّق بما حصل بعدما كلّمه الله إذ لم يخرج من أرض الكلدانيّين بعد تلقّي أقوال الله المذكورة بما أنّ الله حسب ما ذكر كلّمه لمّا كان في بلاد ما بين النّهرين، بل بكامل الفترة الّتي يقول عنها: "حينئذ- أي منذ تلك الفترة- خرج من بلاد الكلدانيّين وسكن في حاران". كذلك في ما يلي: "ومن هناك نقله بعد وفاة أبيه إلى هذه الأرض الّتي أنتم الآن ( وآباؤكم) مقيمون بها"*، لا يقول : "بعد وفاة أبيه خرج من حاران"، وإنّما: "ومن هناك نقله بعد وفاة أبيه". يجب أن نفهم إذن أنّ الله كلّم إبراهيم لمّا كان في ما بين النّهرين قبل أن يقيم في حاران. لكنّه بعد وصوله إلى حاران مع أبيه، حافظ على وصيّة الله، ومنها خرج في سنّ الخامسة والسّبعين بينما أبوه في المائة والخامسة وأربعين. لكن يقول إنّ نقْله إلى أرض كنعان لا انطلاقه من حاران هو الّذي تمّ بعد موت أبيه، لأنّ أباه كان قد مات لمّا اشترى قطعة أرض فيها صار مالكها. أمّا قول الله له وهو مقيم في ما بين النّهرين بعد خروجه من بلاد الكلدانيّين: "اخرج من أرضك وبيت أبيك" فليس المعنى خروجه منها بالجسد، فقد سبق أن فعل، وإنّما تحويل فؤاده عنها. إذ لم يخرج بفؤاده منها إن ظلّ يستحوذ عليه ترجّي وتمنّي العودة الّذي كان ينبغي، بأمر وبعون الله وبامتثاله، قطع شأفته من فؤاده. يمكن أن نتصوّر بنحو يقبله العقل أنّه بعدما تبع ناحور أباه، نفّذ إذّاك وصيّة الرّبّ فخرج مع امرأته ساراي وابن أخيه لوط من حاران.

 

16-16 في ترتيب ونوع المواعد الّتي وعد الله بها إبراهيم

   ينبغي النّظر الآن إلى الوعود الّتي وعد الله إبراهيم، ففيها بدأت تظهر النّبوءات عن شعب الصّدّيقين الّذي أعلن عنه الأنبياء بوحي من الله. وعن أولاها نقرأ: "وقال الرّبّ لأبرام انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض الّتي أريك. وأنا أجعلك أمّة كبيرة وأباركك وأعظّم اسمك وتكون بركة. وأبارك مباركيك وشاتمَك ألعنه ويتبارك بك جميع عشائر الأرض"*. يجدر بالملاحظة هنا وعدان وُعد بهما إبراهيم: الأوّل أنّ نسله سيملك أرض كنعان، وهو ما يعنيه هذا القول: "انطلق إلى الأرض الّتي أريك وأنا أجعلك أمّة كبيرة"، والثّاني الأهمّ بكثير والمتعلّق لا بالنّسل الجسديّ بل بالرّوحيّ يجعله أباً لا لبني إسرائيل فقط بل لكلّ الأمم الّتي تقتفيه في إيمانه، وهو وعد بُدئ بهذه الكلمات: "ويتبارك بك جميع عشائر الأرض".

   يرى يوسبيوس أنّ هذا الوعد أُعطي لإبراهيم وهو في سنّ الخامسة والسّبعين، كما لو بارح حاران فور تلقّيه. إذ لا يجوز أن نخالف كتاب الله حيث نقرأ: "كان أبرام ابن خمس وسبعين سنة حين خرج من حاران". لكن إن أُعطي له ذلك الوعد في تلك السّنة، لا شكّ أنّ إبراهيم كان يقيم مع أبيه في حاران. إذ ما أمكن أن يخرج منها إن لم يكن يسكنها قبل ذلك. فهل يخالف ذلك قول إستفانس: "إنّ إله المجد تراءى لأبينا إبراهيم وهو بين النّهرين قبل أن أقام بحاران"؟ في الواقع ينبغي أن نفهم أنّ كلّ تلك الوقائع- وعد الله قبل إقامة إبراهيم بحاران، وسكناه بحاران، وانطلاقه منها- حصلت في نفس السّنة، لا فقط لأنّ يوسبيوس في حوليّاته يحسب بدءا من سنة ذلك الموعد ويبيّن أنّ الخروج من مصر لمّا أعطي النّاموس تمّ بعده بأربعمائة وثلاثين سنة، بل كذلك لأنّ بولس الرّسول يذكر ذلك*.

 

16-17 في الممالك الوثنيّة الكبرى الثّلاث الّتي كانت الأشوريّة أعظمها في عصر إبراهيم

   في نفس الفترة كانت توجد ثلاث ممالك وثنيّة بارزة تتألّق فيها بأبّهة مدينة بني الأرض، أي مجتمع بني البشر العائشين بحسب البشريّة تحت سلطان الأملاك المنشقّين، هي ممالك السّكيونيّين والمصريّين والأشوريّين. بيد أنّ الامبراطوريّة الأشوريّة كانت أقواها وأعظمها وبشأو كبير. فقد أخضع الملك نين بن بالي جميع شعوب آسية ما عدا الهند. ولست أعني بآسية ذلك الجزء الّذي هو إقليم من آسية الكبرى، بل ما يدعى بقارّة آسية الّتي هي أحد جزءي الأرض، أو حسب غالبيّة الكتّاب أجزائها الثّلاثة: آسية وأوروبّة وإفريقية، لكن دون إعطاء هذه الأجزاء أحجاما متساوية. فإقليم آسية يمتدّ من الجنوب عبر الشّرق إلى الشّمال، وأوروبة من الشّمال إلى الغرب، وإفريقية من الغرب إلى الجنوب. من هنا نرى أنّ أوروبة وإفريقية مجتمعتين تحتلاّن نصف الأرض بينما تحتلّ آسية بمفردها النّصف الآخر. لكن صار ذلك النّصف جزءين لأنّ المياه المندلقة بينهما من البحر المحيط غمرت أراضي فأنشأ لنا ذلك بحرا كبيرا*.

   لذلك إن قسّمنا الأرض جزءين: الشّرق والغرب، ستكون آسية في أحدهما بينما أوروبة وإفريقية في الثّاني. وبالتّالي فبين الممالك الّتي كانت تسود يومذاك لم تكن مملكة السّيكونيّين تحت نفوذ الأشوريّين لكونها في أوروبة. أمّا مملكة المصريّين فكيف لم تكن خاضعة لهم والحال أنّهم كانوا، على ما يقال، يسيطرون على آسية بكاملها باستثناء الهند؟ في بلاد أشّور إذن كانت تسود مدينة الكفر، وكان رأسها بابل، مدينة الأرض الّتي يطابقها اسمها فهو يعني البلبلة. كان نين ملكا عليها بعد موت أبيه بالي أوّل ملوكها والّذي دام حكمه خمسا وستّين سنة، أمّا نين ابنه الّذي خلفه بعد موته فدام حكمه اثنتين وخمسين سنة وكان في المُلك منذ ثلاث وأربعين سنة لمّا وُلد إبراهيم، وذلك حوالي ألف ومائتي سنة قبل تأسيس رومية الّتي هي بمثابة بابل أخرى في الغرب*.

 

16-18 في تكرار تكليم الله لإبراهيم ليعده بأرض كنعان لنسله

   خرج إبراهيم إذن من حاران في السّنة الخامسة والسّبعين من عمره والمائة والخامسة وأربعين من عمر أبيه مع لوط ابن أخيه وسارة امرأته، وسار إلى أرض كنعان فوصل إلى شكيم حيث تلقّى مرّة أخرى الوحي الإلهيّ كما هو مكتوب: "فتجلّى الرّبّ لأبرام وقال لنسلك أعطي هذه الأرض"*. لم يُذكر هنا شيء عن النّسل الّذي صار فيه أبا لكلّ الأمم، بل فقط ذاك الّذي هو به أب لشعب إسرائيل: فهذا النّسل ملك فعلا تلك الأرض.

 

16-19 في عفاف ساراي الّذي صانه الله في مصر بعدما نفى إبراهيم أنّها زوجته وأكّد أنّها أخته

   ثمّ بعدما بنى إبراهيم هناك معبدا للرّبّ ودعاه، انطلق من هناك وسكن في الصّحراء. ثمّ اضطرّته مجاعة إلى الانتقال إلى مصر. هناك قال عن امرأته إنّها أخته وما كذب لأنّ بينهما قرابة دم. كذلك سمّى لوطا أخاه بسبب نفس القرابة فهو ابن أخيه. هكذا كتم وما نفى أنّها زوجته، واكلا إلى الله صون عفافها ومتّقيا كإنسان مكائد البشر. فلو لم يتوقّ الخطر قدر ما كان بإمكانه لكان ذلك تجريبا لله أكثر منه توكّلا على الله. وقد تحدّثنا عن هذه المسألة بقدر كاف في ردّنا على فرية فاوستوس المانويّ. أخيرا تمّ ما عشم إبراهيم من الرّبّ، فقد تلقّى فرعون ملك مصر الّذي اتّخذها زوجة ضربات عظيمة من الله فأعادها إلى بعلها. حاشا إذن أن نظنّها تنجّست بمضاجعة إنسان غير بعلها، فأقرب إلى الظّنّ أنّ تلك الضّربات العظيمة منعت فرعون ممّا أراد.

 

16-20 في انفصال لوط وإبراهيم بالتّراضي مع الحفاظ على المحبّة

   عاد إبراهيم إذن من مصر إلى المكان الّذي كان قد أتى منه. إذّاك انفصل عنه لوط ابن أخيه إلى أرض سدوم مع الحفاظ على محبّته. فقد أثريا وصار لهما كثير من الرّعاة لماشيتهم، كانت تنشب بينهم خصومات. بهذا النّحو حالا دون نشوء خلاف مستمرّ بين أسرتيهما. إذ كان يمكن أن تتعدّى الخصومة إليهماكما يحدث غالبا بين النّاس. فلتجنّب هذا الشّرّ قال إبراهيم للوط: "لا تكن خصومة بيني وبينك ولا بين رعاتي ورعاتك إنّما نحن رجلان أخوان. أليست الأرض كلّها بين يديك؟ اعتزل عنّي إمّا إلى الشِّمال فأتيامنَ وإمّا إلى اليمين فأتياسرَ"*. من هنا ربّما صارت توجد بين النّاس العادة السّلميّة المتمثّلة، عند قسمة أراض، في أن يقسم الأكبر ويختار الأصغر.

 

16-21 في وعد الله الثّالث لإبراهيم ونسله بأرض كنعان

   لمّا افترق إبراهيم ولوط وسكنا منفصلين، لضرورة قيام كلّ منهما بأعباء أسرته لا بسبب الفرقة والبغضاء، إبراهيم في أرض كنعان ولوط في سدوم، قال الرّبّ لإبراهيم للمرّة الثّالثة: "ارفع طرفك وانظر من الموضع الّذي أنت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. إنّ جميع الأرض الّتي تراها لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد. وأصيّر نسلك كتراب الأرض حتّى إن أمكن أن يحصي إنسان تراب الأرض فنسلك أيضا يحصى. قم فامش في الأرض طولها وعرضها فإنّي لك أعطيها ( إلى آخر الدّهر)."* لا يظهر بوضوح إن كان هذا الوعد يتضمّن ذاك الّذي جعل منه أبا لكلّ الأمم. قد يبدو في قوله: "أصيّر نسلك كتراب الأرض" إلماع إلى ذلك، لأنّه قيل بالصّيغة البيانيّة الّتي يدعوها اليونان مبالغة hyperbolei، فهو من المجاز لا المعنى الحرفيّ. فإنّ استخدام الكتاب المقدّس لهذه الصّيغة كما لغيرها من صيغ البيان بنحو متكرّر أمر لا يشكّ فيه من درسه. تتمثّل هذه الصّيغة- أو الأسلوب البلاغيّ- في التّعبير عن واقع ما بما يتجاوزه بكثير. من فعلا لا يرى أنّ تراب الأرض يفوق بما لا يقاس عدد كلّ البشر من آدم حتّى نهاية الدّهر؟ فما بالك إذن بنسل إبراهيم- لا فقط بني إسرائيل بل ومعهم كلّ من ينتسبون إليه بالاقتداء بإيمانه بين جميع الأمم في الأرض بأسرها. ذلك أنّ هذا النّسل مقارنة بالآخرين قلّة، وإن كانت هذه القلّة تشكّل كثرة لا تحصى عُبّر عنها بصيغة المبالغة بتراب الأرض. تلك الكثرة الّتي وُعد إبراهيم لا يستحيل على الله بل على البشر إحصاؤها، فحتّى التّراب محصى عند الله. وما دام مجموع نسل إبراهيم حيث يعني الوعد كثرة من البنين لا بحسب الجسد بل بحسب الرّوح أنسب من بني إسرائيل فقط للمقارنة بتراب الأرض، يجوز أن نفهم هنا أنّ الوعد يتعلّق بكلا النّسلين. لكنّا ذكرنا أنّ ذلك لا يظهر بكلّ وضوح، لأنّ عدد ذلك الشّعب المولود بحسب الجسد من إبراهيم عن طريق حفيده يعقوب وحده نما إلى حدّ بات يمكن معه أن يملأ أرجاء المسكونة. وبالتّالي يمكن مقارنته هو أيضا على سبيل المبالغة بكثرة التّراب، لأنّه حتّى وحده لا يستطيع البشر إحصاءه. أمّا الأرض فلا أحد يشكّ في أنّه قصد أرض كنعان فقط، لكن قد يثير قوله: "إلى آخر الدّهر" بمعنى "إلى الأبد". مع ذلك إن أخذنا "آخر الدّهر" هنا بمعنى بداية العالم الأخرويّ عند نهاية عالمنا الحاضر كما نتصوّر وفق عقيدتنا، فلن يحيّرهم شيء بعدُ*. فلئن أُخرج بنو إسرائيل من أورشليم، فقد بقوا مع ذلك في مدن أرض كنعان الأخرى، وسيبقون إلى النّهاية. وكلّ هذه الأرض، بما أنّ مسيحيّين يسكنونها، هي أيضا لنسل إبراهيم.

 

16-22 في انتصار إبراهيم على أعداء سدوم وتخليصه لوطا من الأسر ومباركة الكاهن ملكيصادق له

   بعدما تلقّى إبراهيم هذا الوعد، هاجر وأقام في مكان آخر من نفس الأرض، قرب بلّوطات ممرا# الّتي كانت قريبة من حبرون ( الخليل). ثمّ لمّا أُسر لوط بأيدي الأعداء الّذين دخلوا سدوم، حيث كان خمسة ملوك يحاربون أربعة وغُلب السّدوميّون، جرّد معه إلى المعركة ثلاثمائة وثمانية عشر من حشمه فحقّق النّصر لملوك سدوم وحرّره، ولم يقبل  شيئا من الغنائم الّتي قدّمها له الملك المدين له بالنّصر. لكن باركه يومذاك ملكيصادق كاهن الله العليّ الّذي كُتبت عنه أشياء كثيرة وعظيمة في "الرّسالة إلى العبرانيّين" الّتي ينسبها كثيرون إلى بولس الرّسول لكنّ البعض ينفون نسبتها إليه. هنا ظهر للمرّة الأولى القربان الّذي يقدّمه اليوم المسيحيّون في الأرض بكاملها، وبه يتحقّق ما قيل في نبوءة لاحقة بعد زمان طويل بخصوص المسيح الّذي كان سيأتي بعد زمان: "أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق"*، لا بحسب كهنوت هارون فذاك الكهنوت كان حتما سيزول بإشراق الحقائق المورّى عنها بهاتيك الظّلال.

 

16-23 في كلام الله إلى إبراهيم الّذي وعده فيه بإكثار نسله كعدد النّجوم ولإيمانه بُرّر وهو لا يزال أقلف

   إذّاك أيضا تلقّى إبراهيم وحيا من الله في رؤيا. وعده حمايته ومكافأة كبرى، وإذ كان منشغلا بمن يرثه أشار إلى قيّم بيته أليعازر*، فوعده فورا بوريث، لا ذلك القيّم بل عقِبا يخرج من صلبه، ومن جديد بنسل لا يحصى، لا كتراب الأرض بل ككواكب السّماء. هنا يبدو لي أنّه وُعد بالأخصّ نسلا يرتفع بالسّعادة السّماويّة إلى الدّرجات العلى. فلو اعتبرنا العدد ، ماذا تمثّل كواكب السّماء مقارنة بتراب الأرض؟ اللّهمّ إلاّ إن قيل إنّ المقارنة على وجه الكثرة أيضا تماثل ما وُعد سابقا، نظرا إلى أنّ الكواكب أيضا لا تحصى، إذ لا يُتصوّر أنّ بالإمكان رؤيتها كلّها. فبقدر ما يمعن المرء فيها أكثر يرى منها عددا أكبر. ومن ثمّة نستطيع أن نحكم بصواب أنّ منها ما يخفى على أنفذ الأبصار، ناهيك عن تلك الّتي يقال إنّها تطلع وتأفل في قسم آخر من الكون بعيد جدّا عنّا. ثمّ إنّ كلّ من يتبجّحون بأنّهم أحصوا وسجّلوا عدد كواكب الكون، مثل أراتوس أو أُكسودوس وغيرهما يهزأ بهم هذا الكتاب الّذي كلمته هي العليا. هنا يأتي في محلّه ذلك الحكم الّذي تذكّره الرّسول ليعلّمنا حقيقة نعمة الله: "آمن إبراهيم بالله فحُسب ذلك له بِرّا"*، حتّى لا يفخر الختان ويرفض قبول القلف في دين المسيح. لأنّ إبراهيم لم يكن مختونا بعد لمّا حُسب إيمانه له برّا.

 

16-24 في معنى الذّبائح الّتي أمر الله إبراهيم بتقديمها لمّا طلب آية لما آمن به

   في تلك الرّؤيا لمّا كلّمه الله، قال له كذلك: "أنا الرّبّ الّذي أخرجك من أور الكلدانيّين لأعطيك هذه الأرض ميراثا لك"*، فلمّا سأل إبراهيم بماذا يعلم أنّه يرثها قال له الله: "خذ لي عجلة ثنيّة وعنزا ثنيّة وكبشا ثنيّا ويمامة وجوزلا. فأخذ له جميع هذه وشطّرها أنصافا ثمّ جعل كلّ شطر قبالة صاحبه والطّائرَ لم يشطره. فانقضّت الجوارح على الجثث فجعل أبرام يزجرها. ولمّا صارت الشّمس إلى المغيب وقع سبات على أبرام فإذا برعب ظلمة شديدة قد وقع عليه. فقال لأبرام اعلم يقينا أنّ نسلك سيكونون غرباء في أرض ليست لهم ويُستعبدون لهم ويعذّبونهم أربعمائة سنة. ثمّ الأمّة الّتي يُستعبدون لها سأُدينها وبعد ذلك يخرجون بمال جزيل. وأنت تصير إلى آبائك بسلام وتُدفن بشيبة صالحة. وفي الجيل الرّابع يرجعون إلى ههنا إذ لم يكمل إثم الأمّوريّين إلى الآن. فلمّا غابت الشّمس وخيّم الظّلام إذا تنّور دخان ومشعل نار سائر بين تلك القطع. في ذلك اليوم بتّ الرّبّ مع أبرام عهدا قائلا لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النّهر الكبير نهر الفرات. وسأمكّنكم من القينيّين والقنزّيّين والقدمونيّين. والحثّيّين والفرزّيّين والرّفائيّين. والأموريّين والكنعانيّين ( والحوّائيّين) والجرجاشيّين واليبوسيّين."* تمّ كلّ ذلك قولا وفعلا في رؤيا إلهيّة، ويطول هنا شرحه بالتّفصيل وهو خارج عن موضوع هذا المؤلَّف، فيكفي أن نعلمه إجمالا. بعدما قيل إنّه آمن بالله وحُسب ذلك له برّا، لم يكن قلّة إيمان منه أن قال: "بماذا أعلم أنّي أرثها؟" والمقصود وعده بوراثة الأرض. إذ لم يقل: "كيف أعلم" كما لو أنّه لم يؤمن، بل قال: "بماذا أعلم؟" ليجعل الله له آية على ما كان قد آمن به. كذلك ما لعدم الإيمان قالت مريم العذراء: "كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلا؟"* فقد كانت موقنة بما سيتمّ وإنّما كانت تسأل كيف سيتمّ ولمّا سألت علمت. أخيرا أعأُعطي إبراهيم هنا أيضا، في تلك الحيوانات- العجلة والعنز والكبش والطّائرين اليمامة والجوزل- علامة يعلم منها كيف سيحدث ما لم يكن له شكّ في حدوثه. إذن سواء رُمز بالعجلة إلى الشّعب الّذي سيوضع تحت نير النّاموس، وبالعنز إلى هذا الشّعب الّذي سيخطأ، وبالكبش إلى نفس الشّعب الّذي سيؤتى المُلك- فأعمار هذه الماشية ثلاث سنين لأنّ ثلاث فترات كبرى تمتدّ من آدم إلى نوح ومنه إلى إبراهيم ومنه إلى داود الّذي أقيم بمشيئة الله بعدما رُذل شاول كأوّل ملك على بني إسرائيل، ومن ثمّة ففي هذا الطّور الثّالث الممتدّ من إبراهيم إلى داود بلغ ذلك الشّعب ثالث أطوار العمر، الكهولة- أو إلى شيء آخر أوفق، لا يساورني أدنى شكّ في أنّ إضافة اليمامة والحمامة كناية عن الرّوحيّين. لذلك قيل: "أمّا الطّائر فلم يشطره"، لأنّ الجسديّين ينقسمون فيما بينهم، أمّا الرّوحيّون فلا، سواء اعتزلوا معاملات البشر ومشاغلهم شأن اليمامة أو عاشوا بين ظهرانيهم شأن الحمامة. لكنّ كلا الطّائرين بسيط بريئ من الآثام، ويرمز داخل بني إسرائيل الّذي ستعطى له الأرض إلى من سيكونون أبناء الموعد وورثة الملكوت الموسومين للنّعيم الأبديّ. أمّا الجوارح المنقضّة على الجثث الّتي كانت مشطّرة فلا تشير إلى شيء حسن، بل إلى أرواح هذا الهواء الّتي تبحث عن مرتع لها في شقاق الجسديّين. أمّا جلوس إبراهيم قربها فيعني أنّه حتّى وسط شقاقات الجسديّين سيوجد باستمرار إلى آخر الدّهر مؤمنون حقيقيّون. والرّعب، هول الظّلمة الشّديدة، الّذي استولى عليه لمّا مالت الشّمس إلى المغيب فيشير إلى ما سيحلّ بالمؤمنين قرب نهاية هذا العالم من اضطراب وضيق شديد يقول عنه الرّبّ في الإنجيل: "سيكون حينئذ لم يكن مثله منذ أوّل العالم"*. أمّا ما قيل لإبراهيم: " اعلم يقينا أنّ نسلك سيكونون غرباء في أرض ليست لهم ويُستعبدون لهم ويعذّبونهم أربعمائة سنة"، فهو نبوءة واضحة عن شعب إسرائيل الّذي كان مقدورا أن يُستعبد لاحقا بمصر. ولا يعني أنّ ذلك الشّعب سيبقى في تلك العبوديّة أربعمائة سنة، بل أُعلن أنّ ذلك سيحدث خلال تلك السّنين الأربعمائة. فقد كُتب بنحو مماثل عن تارح أبي إبراهيم: "(وكانت أيّام تارح في حاران) مائتي سنة وخمس سنين"، لا على أنّه قضاها كلّها هناك وإنّما لأنّه أنهاها هناك. كذلك عُطفت هناك الجملة: "ويُستعبدون لهم ويعذّبونهم أربعمائة سنة" لأنّ عدد تلك السّنين أثنهي في ذلك التّعذيب لا لأنّه قُضي كلّه فيها. وإنّما قيل "أربعمائة سنة" جبرا، لكنّ العدد كان أكبر قليلا سواء حُسب منذ الوعد الّذي قُطع لإبراهيم أو منذ ولادة إسحاق على أساس أنّه هو نسل إبراهيم المقصود بتلك النّبوءة*. فكما ذكرنا آنفا تبلغ الفترة من السّنة الخامسة والسّبعين من عمر إبراهيم إلى خروج بني إسرائيل من مصر أربعمائة وثلاثين سنة، كما يذكر الرّسول حيث يقول: "فأقول إنّ وصيّة قد قرّرها الله لا ينسخها النّاموس الّذي كان بعدها بأربعمائة وثلاثين سنة فيُبطل الموعدَ"*. كان يمكن إذن أن تُدعى السّنون الأربعمائة والثّلاثون أربعمائة فما هي بأكثر بكثير، سيما أنّ جزءا منها كان قد مرّ لمّا قيل ذلك وأُبين لإبراهيم في تلك الرّؤيا*، أو كذلك لمّا وُلد إسحاق لأبيه وهو في المائة خمسا وعشرين سنة بعد الوعد الأوّل كان قد بقي من تلك الأعوام الأربعمائة والثّلاثين أربعمائة وخمسة شاء الله أن يدعوها أربعمائة. ولا أحد يشكّ في أنّ الأمور الأخرى التّالية في إنباء الله بالأحداث الآتية تتعلّق ببني إسرائيل.

   أمّا ما يلي: " فلمّا غابت الشّمس وخيّم الظّلام إذا تنّور دخان ومشعل نار سائر بين تلك القطع"، فيعني أنّ الجسديّين سيُحاسبون بالنّار في نهاية العالم. فكما رُمز إلى الضّيق المنتظر أن يلمّ بمدينة الله تحت الدّجّال برعب الظّلمة الّذي ألمّ بإبراهيم لمّا مالت الشّمس إلى المغيب، أي بدنوّ نهاية العالم، كذلك رُمز بتلك النّار عند مغيب الشّمس، أي عند نهاية العالم، إلى يوم الدّينونة الّذي سيفصل بين الجسديّين الّذين سيخلَّصون بالنّار* والّذين سيعاقبون بالنّار.

   ثمّ يشير عهد الله مع إبراهيم بوضوح إلى أرض كنعان بالمعنى الحقيقيّ ويسمّي فيها أحد عشر شعبا من نهر مصر إلى نهر الفرات الكبير. إذن لا من نهر مصر الكبير، أي النّيل، بل من الصّغير* الّذي يفصل بين مصر وفلسطين حيث توجد مدينة رينوكورورة*.

 

16-25 في هاجر أمة سارة الّتي وهبتها لإبراهيم سرّيّة

   ثمّ يتبع الحديث عن ابني إبراهيم: أحدهما من الأمة هاجر والآخر من الحرّة سارة، وقد تحدّثنا عنهما في الكتاب السّابق. في ما يتعلّق بالواقعة لا ينبغي بتاتا توجيه اتّهام إلى إبراهيم باتّخاذ سرّيّة. فإنّما استعملها ليلد منها نسلا لا ليشبع شهوته، بدون إساءة إلى زوجته بل امتثالا لرغبتها، إذ ظنّت أنّها ستجد عزاء عن عقمها في الحصول بإرادتها، من رحم الأمة، على ما لم تكن تستطيع الحصول عليه من الطّبيعة، وأرادت استخدام ذلك الحقّ الّذي يقول عنه الرّسول: "وكذلك الرّجل أيضا لا يتسلّط على جسده بل امرأتُه"* لتكون لها بواسطة أخرى الخلفة الّتي لم يكن يمكن أن تكون لها من نفسها*. لا توجد هنا شهوة خليعة ولا فاحشة أثيمة، بل زوجة تهب زوجها أمتها بغرض النّسل، وزوج يقبلها بغرض النّسل، وكلاهما يلتمس لا إربة الخطيئة بل ثمرة الطّبيعة. ولمّا حملت الأمة فصارت تتطاول على سيّدتها العقيم، ودفعت ظنون الزّوجة الغيرى سارة إلى لوم زوجها بالأحرى، أظهر إبراهيم في هذا الموقف أيضا أنّه لم يكن عاشقا عبدا لشهوته بل والدا حرّا حافظ في هاجر على إخلاصه لزوجته سارة وأرضى لا شهوته بل مشيئتها، وأنّه قبل وما طلب، وبضع وما علق، وألقح وما عشق*. فقد قال لها: "هذه أمتك في يدك اصنعي بها ما يحسن في عينيك"*. فأكرمْ به رجلا علم كيف يعامل النّساء معاملة الرّجال: الزّوجة باعتدال، والأمة عن امتثال، وبلا شطط في أيّة حال*. 

<<