القدّيس أغسطينوس

 

مدينة الله

 

الكتاب الثّالث-تابع

 

حواش 

22

21

20

19

18

17

16

15

14

13

12

11

10

9

8

7

6

5

4

3

2

1

مقدّمة

 

3-17 لأيّة أدواء تعرّضت الجمهوريّة الرّومانيّة بعد بدايات النّظام القنصليّ دون أن تساعدها الآلهة الّتي كانت تعبد

    إذّاك بعدما خفّ الخوف قليلا، لا لأنّ الحروب كفّت وإنّما لم تعد تضغط بنفس الوطأة، وانتهت بالطّبع الفترة الّتي "سادها حقّ عادل وقويم"، تلت فترة يعرضها سالّستيوس باختصار: " ثمّ اضطهد الأشراف الفئة الشّعبيّة وأخضعوها لتسلّطهم، فتصرّفوا في حياة أفرادها وأجسادهم كما يفعل الملوك، وأخرجوهم من ممتلكاتهم واستأثروا بالسّلطة بعد إزاحة الآخرين. فلمّا أعنتها هذا العسف وأثقلتها الدّيون إلى أقصى الحدود، حيث كانت تتحمّل بسبب الحروب المتواصلة عبء الضّرائب والجنديّة معا، احتلّت وهي تحمل السّلاح التّلّ المقدّس والأونتينوس واتّخذت خطباء الشّعب لتمثيلها وتنظيمات أخرى. وكانت نهاية الفتن والصّراعات من الجانبين الحرب البونيقيّة الثّانية."* لماذا والحال تلك إضاعة وقتي أو وقت قرّائي بكتابة المزيد؟ فسالّستيوس يخبرنا إجمالا بمدى شقاء تلك الجمهوريّة الّتي ظلّت أثناء تلك الحقبة الطّويلة على مدى سنين وسنين حتّى الحرب البونيقيّة الثّانية تقضّها الحروب المتواصلة بالخارج والفتن والتّمرّدات بالدّاخل. لذا لم تكن انتصارات تلك الفترة مسرّات صلبة تنعش أفئدة هنيّة، بل كانت سلاوى خاوية تلهي أنفسا شقيّة، ومناخيس لأرواح قلقة تدفعها غوايتها إلى شرور عقيمة لا تُعرف نهايتها.

   لا يغضبْ منّا بسبب هذه الأقوال الرّومان الأفاضل والعقلاء، وإن لم نكن بحاجة لترجّيهم أومعاتبتهم بهذا الشّأن فأكيد أنّهم لن يغضبوا، لأنّا لا نتحدّث بنحو أسوأ أو نذكر وقائع أسوأ من كتّابهم إذ يعوزنا تفرّغهم وجزالة أسلوبهم، ثمّ إنّهم اجتهدوا وأجبروا أبناءهم على الاجتهاد لتعلّمها. أمّا من يغضبون، فهل سيفعلون إن سقتُ ما يقول سالّستيوس؟ "نشأت اضطرابات وفتن كثيرة ثمّ الحروب الأهليّة ختاما، بينما راحت قلّة من المتنفّذين الّذين منحتهم الأكثريّة ثقتها تسعى إلى بسط نفوذها باسم الأشراف أو الفئة الشّعبيّة تعلّةً تفرض الاحترام. كان المواطنون يُنعتون بالصّالحين والسّيّئين لا بحسب سجلّ أعمالهم للجمهوريّة، إذ كانوا كلّهم فاسدين، بل كان الأغنى والأقدر على الإيذاء يُعدّ صالحا لأنّه يدافع عن الأوضاع القائمة."* إن رأى هؤلاء الكتّاب أنّ حرّيّة القول الشّريفة تفرض عليهم ألاّ يكتموا أعوار مدينتهم الّتي دفعهم  إلى الإشادة بها في مواضع عديدة ملء حناجرهم خواء أيديهم من أخرى أرقى وأيقن حقيقة ينتقى مواطنوها ليقيموا خالدين فيها أبدا، فماذا يحرو بنا أن نفعل نحن الّذين ينبغي أن تكون حرّيّتنا أكبر بقدر ما رجاؤنا في الله أوثق وأثبت، وهم ينسبون لمسيحنا الأدواء الحاضرة ليصدّوا العقول الأضعف والأضحل علما عن تلك المدينة الّتي فيها وحدها يمكن العيش في غبطة سرمديّة؟ لا نقول عن آلهتهم أشياء أفظع ممّا يقول كتّابهم الّذين يقرؤونهم ويشيدون بهم، فعنهم تحديدا أخذنا الوقائع الّتي نروي والّتي لا نستطيع روايتها بدرجة مماثلة من الدّقّة أو الإحاطة*.

   أين كانت إذن تلك الآلهة الّتي يرون من اللاّزم عبادتها من أجل سعادة هذا العالم العاجلة والزّائفة لمّا كان الرّومان الّذين دأبت على مطالبتهم بأساليب الكذب والمكر بعبادتها يعانون تلك الكرب العظام؟

   أين كانت لمّا قُتل والريوس وهو يدافع عن الكابتوليوم الّذي أحرقه طغام المنفيّين والعبيد، واستطاع إنقاذ يوبتر بأيسر ممّا استطاع إغاثته ذلك الجيش المجر من الأرباب مع ملكها العظيم الودود الّذي أنقذ معبده؟

   أين كانت لمّا لبثت المدينة تنتظر رسلا بعثتهم، بعدما أعيتها الفتن المتتالية، في هدأة عجلى إلى أثينة لاستعارة تشريعاتها، فألمّت بها مجاعة شديدة ووباء أبادا منها خلقا كثيرا؟

   أين كانت لمّا هاضت الشّعب مجاعة جديدة فعيّن أوّل ناظر تموين ولتفاقم المجاعة وزّع سبُريوس مليوس القمح على الجماهير الجائعة، فاتُّهِم بالطّمع في المُلك، وبطلب من ناظر التّموين وأمر من الدّكتاتور* لوقيوس كونتيوس الطّاعن في السّنّ تولّى كونتوس سرْوِليوس رئيس الخيّالة وسط هياج شعبيّ عظيم إعدامه؟

   أين كانت لمّا انتشر وباء خطير فرأى الشّعب، وقد أعيته تلك الكارثة بشدّتها واستطالتها، أن يقدّم ولائم سريريّة جديدة lectisternia لتلك الآلهة، وهي طقوس لم يؤدّها أبدا قبل ذلك اليوم، فوُضعت أسرّة على شرفها، ومن هنا اشتُقّ اسم هذا الطّقس المقدّس أو المدنّس بالأحرى؟

   أين كانت لمّا تكبّد الجيش لعشر سنوات متواصلة بسبب تخاذله هزائم منكرة متلاحقة أمام وايس لو لم يتداركه أخيرا فوريوس كامِلّوس الّذي أدانته فيما بعد مدينته الجاحدة؟ أين كانت لمّا غزا الغال رومية ونهبوها وأحرقوها وعاثوا فيها فسادا؟* أين كانت لمّا أباد أهاليها وباء فتّاك مات فيك فوريوس كاملّوس ذاك الّذي دافع عن الجمهوريّة الجاحدة أمام الوايسيّين وثأر لها من الغال؟ في هذا الوباء تحديدا تمّ إقرار الألعاب التّمثيليّة، وباء آخر جديد فتك لا بأجسام الرّومان بل، وهو أضرّ وأنكى، بأخلاقهم؟

   أين كانت لمّا انتشر وباء آخر خطير يُعتقد أنّه نشأ من سموم كانت تدسّها نساء من علية القوم تجاوز عددهنّ توقّعات المحقّقين وتبيّن أنّ سلوكيّاتهنّ أخطر من أيّ وباء*؟

   أو لمّا اضطرّ القنصلان في مضيق كاوديوم حيث حاصرهما مع جيشهما السّمنيّون إلى عقد صُلح شائن معهم، سُلّم لهم بموجبه ستّمائة فارس رومانيّ رهائن، ووُضع الآخرون عزّلا بعد سلب أمتعتهم وتجريدهم من ملابسهم، إلاّ قطعة لستر عوراتهم، تحت نير الأعداء؟

   أو لمّا هلك في الجيش كثيرون بصاعقة بينما كان بقيّة المواطنين يعانون من وباء فتّاك؟

   أو لمّا اضطرّت رومية أمام وباء خطير آخر إلى استقدام أسكولابيوس من إبيدوروم والاستعانة به بصفته الإله الطّبيب- ربّما لأنّ يوبتر ملك كلّ الآلهة الّذي كان يجلس على عرشه في الكابتوليوم منذ أمد طويل لم تسمح له المخازي الّتي شغلته أيّام شبابه بتعلّم الطّبّ؟

   أو لمّا تحالف عليها أعداؤها- اللّوقانيّون والبُرتّيّون والسّمنيّون والإترسكيّون والغال و#السّينونيّون في وقت واحد- فقتلوا مبعوثيها بدءا ثمّ سحقوا جيشها مع قائده فقُتل معه سبعة من خطباء الشّعب وثلاثة آلاف جنديّ؟

   أو لمّا انسحبت الفئة الشّعبيّة، بعد فتن طويلة وخطيرة برومية، على اليانيكولوم في حركة انفصاليّة عدائيّة فكان ذلك طامّة كبرى دعت إلى تعيين هرتنسيوس دكتاتورا، وهو إجراء استثنائيّ يُلجأ إليه في حالات الخطر القصوى، فأعاد الفئة الشّعبيّة ومات قبل انتهاء مدّة دكتاتوريّته، الأمر الّذي لم يحصل قبله لأيّ دكتاتور، وشكّل مأخذا على الآلهة يزيد فداحته تواجد أسكولابيوس الّذي كان قد أُحضر قبل ذلك؟

   وقد نشبت إذّاك حروب كثيرة وعلى جبهات شتّى، ونمت إلى درجة اللّجوء جرّاء نقص عدد الجنود إلى تجنيد البروليطاريا الّذين أطلق عليهم هذا الاسم لأنّهم بسبب فقرهم عاجزون عن امتلاك سلاح ومتفرّغون بالتّالي لإنجاب النّسل proles. من ذلك أنّ التّارنتيّين استنجدوا ببيرّوس ملك اليونان الّذي كان إذّاك في أوج مجده، فصار عدوّا للرّومان. وقد أجابه أبولّون بلباقة لمّا استشاره كما كان طبيعيّا حول مآل الحرب بكهانة ملتبسة بحيث أيّا تكن النّتيجة يعدّ هو عرّافا بحقّ، إذ أعلن: "أقول لك يا بيرّوس إنّ من الممكن غلبة الرّومان" dico te Pyrrhe uincere posse Romanos، وبذلك سواء غلب الرّومان بيرّوس أو غلب بيرّوس الرّومان بوسع عرّافنا أن ينتظر النّتيجة مطمئنّا. أيّة مجزرة رهيبة وقعت يومذاك في كلا الجيشين! لكن كانت الغلبة فيها لبيرّوس، فكان بوسعه حينذاك، بناء على فهمه للعرافة، إعلان أبولّون عرّافا حقّا وصدقا، لو لم يخرج الرّومان بُعيد ذلك من معركة أخرى منتصرين.

   وسط تلك الحروب الرّهيبة انتشر كذلك وباء خطير بين النّساء، فكنّ يمتن أثناء الحمل قبل وضع أجنّتهنّ. اعتذر أسكولابيوس عن ذلك، على ما أظنّ، بأنّه طبيب لا قابلة؛ وكانت البهائم هي الأخرى تنفُق بنفس الطّريقة حتّى خُشي على جنس الحيوان من الانقراض قريبا.

   هناك أيضا ذلك الشّتاء سيّء الذّكر الّذي جثم على المدينة بقسوة يصعب تصديقها، إذ ظلّت الثّلوج تتراكم أربعين يوما فبلغت ارتفاعا مريعا حتّى وسط ميدان القصبة، وتجمّد نهر التّيبروس، ولو حدث في عصرنا ماذا وكم ترى سيقولون فينا!

   وذلك الوباء الكبير كم طال بطشه وكم أباد من الخلق، حتّى أنّ الرّومان لمّا امتدّ إلى السّنة التّالية وازداد فتكه رغم حضور أسكولابيوس لجؤوا إلى الكتب السّيبلّيّة. في هذا النّوع من الكهانات، حسبما يذكر شيشرون في كتابه "في العرافة"، جرت العادة على منح مصداقيّة أكبر للمؤوّلين الّذين يقدّمون، كيفما أمكنهم أو راق لهم، تخمينات مريبة. حسب أقوالهم كان سبب ذلك الوباء أنّ أناسا كثيرين يقيمون في عديد من معابد الآلهة كمحالّ خاصّة: هكذا بُرّئ أسكولابيوس، في تلك الحالة، من تهمة القصور أو التّقصير الخطيرة. لكن كيف أمكن أن تُحتلّ تلك المعابد العديدة دون ممانعة أحد لو لم يظلّ النّاس قبل ولمدّة طويلة يتوسّلون سدى لذلك الحشد من الآلهة، فتخلّى عبّادها عن معابدها وتسنّى للبعض أن يطالبوا بدون إغاظة أحد باستخدامها، بصفتها مباني شاغرة، لحوائج البشر؟ إذّاك اعتُني، بهدف إزالة الوباء، بإخلائها وترميمها، إلاّ أنّها فيما بعد أُهملت واحتُلّت بنفس الطّريقة، وصارت نسيا منسيّا لولا سعة علم وارّون الّذي ذكر في كتابه عن معابد الآلهة كثيرا منها غير معروف. لكنّ العناية وُجّهت آنذاك لا إلى إزالة الوباء بل إلى إيجاد معاذير للآلهة.

 

3-18 كم تكبّد الرّومان من الهزائم أثناء الحروب البونيقيّة رغم استغاثاتهم بالآلهة

   وفي الحروب البونيقيّة، بينما ظلّ النّصر لمدّة طويلة متذبذبا غير ثابت بين الدّولتين وكلا الشّعبين يدفع ضدّ

الآخر قوّات وموارد ضخمة، كم من ممالك صغيرة مُحقت، وكم من مدن كبيرة وشهيرة دُمّرت، وكم من دول تضرّرت وحُطّمت، وكم من بلدان على طول الأرض وعرضها خُرّبت، كم كرّة انقلب الغالبون مغلوبين، كم من القتلى سواء في صفوف المتحاربين أو بين السّكّان العزّل، كم من أسطول سُحق في معركة بحريّة، أو غرق في العواصف وشتّى أهوال البحر. لو حاولنا سرد أو ذكر كلّ تلك الأحداث لكنّا بدورنا ببساطة رواة لتاريخ تلك الحروب. في تلك الأيّام هرعت رومية، وقد بلبلها الذّعر، إلى وسائل باطلة ومضحكة لإنقاذ الوضع. فأقيمت، بعد استشارة الكتب السّيبلّيّة، الألعاب المائويّة الّتي كان قد أُقرّ الاحتفال بها كلّ مائة عام ثمّ في أزمنة أسعد أُهمل إحياء ذكراها فاندثرت. كما أحيى كبار الأحبار الألعاب المقدّمة لآلهة العالم السّفليّ والّتي ألغيت في ما مضى في سنين أسعد حالا. ولا شكّ أنّ العالم السّفليّ الّذي أثرته أفواج الموتى الغفيرة كان يستمتع فعلا باللّعب: فقد كان البشر التّعساء بحروبهم المسعورة تلك وعداواتهم الدّمويّة وانتصاراتهم المشؤومة على الجانبين يقدّمون بالفعل ألعابا عظيمة للشّياطين وولائم فاخرة لآلهة العالم السّفليّ.

   لم تقع أثناء الحرب البونيقيّة الأولى حادثة أتعس من هزيمة الرّومان الّتي أُسر خلالها ريقولوس كما ذكرنا في الكتابين الأوّل والثّاني، وهو بالتّأكيد رجل عظيم سبق أن غلب البونيقيّين وكسر شوكتهم وكان سيخرج من الحرب البونيقيّة الأولى كذلك منتصرا لولا أنّه، لفرط حبّه للإشادة والمجد، فرض على البونيقيّين المنهكين شروطا أقسى ممّا يمكن أن يتحمّلوا. إن لم تحمرّ تلك الآلهة خجلا لأسره غير المتوقّع، وذلّ حبسه، ووفائه بالعهد، وميتته الفظيعة* فهي حقّا من هواء ولا دم فيها ولا ذرّة من حياء!

   على أنّ تلك الأيّام لم تخْل من حدوث كوارث كبرى كذلك داخل المدينة، فقد دُمّرت في فيضان عارم وغير عاديّ لنهر التّيبروس كلّ أحيائها الواطئة، دكّت بعضَها المياهُ الدّافقة بقوّة السّيول، وهرّأت وهيّرت أخرى المياهُ الرّاكدة فترة طويلة. ثمّ تلا هذه الملمّة حريق أدهى، أتى على المباني الشّاهقة حول القصبة، ولم يُعْف حتّى قدس أقداسها، معبد وستة حيث اعتادت عذارى- ما بشرف لهنّ بكارتهنّ بقدر ما هي نقمة- إعطاءه بنحو ما حياة دائمة بتجديد حطب الموقد. لكنّ ناره يومذاك لم تكن مستمرّة في الحياة فقط، بل كانت تتوثّب وتلتهم كلّ ما حولها. وإذ عجزت أولئك العذارى وقد روّعهنّ أجيجها عن إنقاذ الشّارات المقدّسة المشؤومة الّتي أهلكت من قبل المدن الثّلاث حيث أقامت، اندفع الحبر الأكبر ميتلّوس مستهينا بحياته فانتشلها وفرّ بها وقد احترق جزئيّا، إذ لم تتعرّف النّار عليه هو أيضا، أو لوجود قوّة خارقة هناك حقّا لو كانت إلهيّة لما فرّت هي الأخرى#. هكذا استطاع بشر أن يسعف شارات وستة المقدّسة، وما استطاعت هي إسعافه. فلعمري، إن كانت لم تدفع النّار عن نفسها، كيف لها بإغاثة المدينة الّتي تقي في ظنّهم سلامتها خطر تلك المياه والنّيران؟ هكذا كشف الواقع أنّها قطعا لم تكن تستطيع شيئا ممّا يُنسب لها. ما كنّا لنوجّه لخصومنا هذه الاعتراضات لو قالوا إنّ تلك الشّارات لم تُتّخذ لرعاية هذا المتاع الدّنيويّ وإنّما تورية عن المتاع الأبديّ، وما دام ممكنا لكونها أشياء دنيويّة وحسّيّة أن يحصل لها تلف، لا يُنقص ذلك في شيء ذلك المتاع الّذي جُعلت رمزا له، ويمكن إصلاحها وإعادة استخدامها لنفس الغرض. لكنّهم كانوا في عمى عجيب يرون بإمكان تلك الصّور القابلة للتّلف أن تحفظ منه سلامة المدينة المادّيّة وسعادتها الدّنيويّة. لذا لمّا يبيَّن لهم أنّ الويل والشّقاء نزلا بهم وهي باقية، يُخجلهم أن يغيّروا رأيهم الّذي يتعذّر الدّفاع عنه.

 

3-19 في هول الحرب البونيقيّة الثّانية الّتي استُنفدت فيها قوى الطّرفين

   أمّا بخصوص الحرب البونيقيّة الثّانية فيطول ذكر مصائب الشّعبين المتقاتلين على مدى سنين عديدة وأراض مديدة حتّى لَيعترفُ كتّابهم الّذين لم يكن قصدهم في الحقيقة رواية الحروب البونيقيّة بقدر ما كان الإشادة بالامبراطوريّة الرّومانيّة أنّ الغالب خرج منها أشبه ما يكون بالمغلوب. ولا غرو فقد مرق حنّبعل من إسبانية فعبر جبال البرانس واجتاز بلاد الغال واخترق جبال الألب الشّاهقة، معزّزا قوّاته ومدمّرا أو مخضعا كلّ البلاد عبر مسيرته الطّويلة، لينقضّ أخيرا بقوّة السّيول على مناحر إيطالية. أيّة معارك دامية نشبت حينذاك، وكم تكبّد الرّومان من هزائم ذريعة، وكم من المدن حوّلت ولاءها إلى العدوّ أو اجتيحت وأُخضعت، وكم من معارك طاحنة سجّلت لحنّبعل مع كلّ هزيمة رومانيّة مجدا جديدا! ماذا أقول عن نكبة كانّة المذهلة الفظيعة، حيث أمر حنّبعل، وقد روت غليلَه رغم وحشيّته المشطّة المجزرة الرّهيبة في أعدائه اللّدّ، بإعفاء من بقي حيّا حسب ما يقال؟ وقد أرسل منها ثلاثة أمداد من خواتم الذّهب إلى قرطاج، ليدرك ساستها أن قد سقط من أشراف الرّومان في المعركة ما يجعل الكيل أنسب من العدّ لتقديره، وأنّ حجم الخسائر في بقيّة المقاتلين الأكثر عددا بقدر ما هم أدنى منزلة، والطّرحى على ساحة المعركة بلا خواتم، تخمينه أوْلى من إعلانه. وقد انجرّ عنها نقص فادح في عدد الجنود جعل الرّومان يجمعون المجرمين، عارضين عليهم العفو، ويعطون العبيد حرّيّتهم ويؤلّفون بهذا الطّغام أكثر ممّا يعزّزون جيشا هو وصمة عار لهم*. لكن أعوزت أولئك العبيد، أو لنقل كيلا نظلمهم المعاتيق المجنّدين للدّفاع عن الجمهوريّة الرّومانيّة الأسلحة؛ فسحب الرّومان ما كان منها في المعابد، ولسان حالهم يقول لآلهتهم: "دعوا هذه الأسلحة الّتي احتفظتم بها طويلا بلا جدوى، فقد يستطيع عبيدنا أن يفعلوا بها منفعة حيث لم تستطيعوا أنتم أربابنا أن تفعلوا." إذّاك، ونظرا كذلك لعجز موارد الخزينة العامّة عن تغطية رواتب الجيش، وُضعت الأموال الخاصّة تحت تصرّف الدّولة، فحمل كلٌّ ما يملك فلم يحتفظ حتّى أعضاء مجلس الشّيوخ، فيما عدا خرزة الطّوق والخاتم، رمزي منزلتهم الجديرين بالرّثاء، ولو بقيراط من الذّهب، فما بالك ببقيّة الفئات والطّوائف! من تُرى سيتحمّل خصومنا لو وصلت بهم الحال في أيّامنا إلى مثل هذا الضّنك، هم الّذين يشقّ علينا تحمّلهم ونحن نراهم يعطون لمهرّجيهم في سبيل متعة لا حاجة إليها أكثر ممّا جُمع يومذاك للجيش بأكمله في سبيل سلامة الوطن والمواطنين.

 

3-20 في نكبة الصّاقنتيّين الّذين لم تغثهم الآلهة الرّومانيّة وهم يموتون وفاء لصداقتهم مع الرّومان

   لكن ضمن هذه الخطوب الّتي رافقت الحرب البونيقيّة الثّانية ليس ثمّة أتعس ولا أجدر بالرّثاء والأسى من فاجعة الصّاقنتيّين. فإنّ تلك المدينة الإسبانيّة الّتي تربطها صداقة وثيقة بالشّعب الرّومانيّ دُمّرت بينما ظلّت حافظة لعهدها. إذ بحث حنّبعل بعد نقضه الميثاق مع الرّومان عن سبب لاستدراجهم إلى الحرب، فضرب على صاقنتة حصارا صارما. ولمّا وصل الخبر إلى رومية، بعثت إليه رسلا ليفكّ الحصار، فلم يبال بهم، لذا سافروا إلى قرطاج وقدّموا شكوى بشأن نقضها المعاهدة المبرمة بين الشّعبين، وإذ خاب مسعاهم عادوا إلى رومية. في الأثناء تعرّضت تلك المدينة البائسة الواسعة الثّراء والعزيزة على جمهوريّتها وعلى الجمهوريّة الرّومانيّة سويّا، في الشّهر الثّامن أو التّاسع، للتّدمير على أيدي البونيقيّين. وإنّ قراءة نهايتها ناهيك عن كتابتها لتهزّ القلب لفظاعتها، مع ذلك سأذكّر بها في عجالة، فهي ذات صلة وثيقة بالموضوع المطروح. أوّلا أضنى المدينةَ الجوعُ حتّى عمد البعض، على ما يقال، إلى أكل جثث ذويهم. ثمّ إنّها في فقرها إلى كلّ مستلزمات الحياة، وكيلا تقع بين يدي حنّبعل على الأقلّ، أوقدت نارا كبرى في السّاحة العامّة ألقى فيها المواطنون أنفسهم مع ذويهم بعد قتلهم بحدّ السّيف. هنا كان المفروض أن تفعل شيئا تلك الآلهة الأكيلة اللّئيمة الملتهمة بنهم دهون الذّبائح والنّاشرة خداعها في تعتيم كهاناتها الكاذبة؛ هنا كان المفروض أن تفعل شيئا لإسعاف مدينة صديقة للشّعب الرّومانيّ، ولا تسمح وهي تراها في سبيل الوفاء بعهدها تموت أن تموت. فقد شهدوا بلا شكّ كوسطاء عقدها حلفا مع الجمهوريّة الرّومانيّة، والحال أنّها بعدما حافظت بأمانة على العهد الّذي قطعت، والقسم الّذي أدّت والميثاق الّذي عقدت برعاية تلك الآلهة نفسها، حوصرت وسُحقت وأبيدت بيد عدوّ غادر. وإن أرهبت تلك الآلهة فيما بعد وأبعدت بالعاصفة والصّواعق حنّبعل وهو على مشارف أسوار رومية*، فقد كان أوْلى بها أن تفعل مثل ذلك عندئذ. بل أقول بلا وجل: كان أليق بها لو استطاعت ترهيب العدوّ يالعاصفة دفاعا عن أصدقاء الرّومان المهدّدين والّذين لم يكونوا يملكون إذّاك أيّة وسيلة للدّفاع، كيلا ينقضوا عهدهم مع الرّومان، من أن تفعل ذلك دفاعا عن الرّومان أنفسهم الّذين كانوا يقاتلون عن أنفسهم وتتوفّر لديهم الوسائل لمحاربة حنّبعل. إذن لو كانت بحقّ راعية سعادة ومجد رومية لجنّبتها تلك الجريمة المخزية: نكبة صاقنتة. لكن ما أحمق الاعتقاد بأنّ رومية تدين بنجاتها من الموت على يدي حنّبعل المنتصر لآلهتها الحامية، تلك الّتي لم تستطع إغاثة مدينة صاقنتة كيلا تموت صداقتها لهم.

   لو كان شعب صاقنتة مسيحيّا، وتحمّل في سبيل إيمانه بالإنجيل نكبة مماثلة، ما كان قطعا سيُهلك نفسه بالحديد والنّار، لكن إن وجب أن يتحمّل الموت في سبيل إيمانه بالإنجيل فسيتحمّله وملؤه الرّجاء، الّذي هو جوهر إيمانه بالمسيح، لا في مكافأة الدّار العاجلة بل في نعيم الأبديّة المقيم. أمّا تلك الآلهة الّتي يقولون إنّها تُعبد ويطلبون أن تُعبد لتأمين السّعادة بمتاع الدّنيا العابر الفاني، فبم سيجيبنا دفاعا عنها بشأن نهاية الصّاقنتيّين محاموها ومبرّروها سوى ما يجيبون به بشأن موت ريقولوس؟ ثمّة لا شكّ فرق: فهناك يتعلّق الأمر بشخص واحد وهنا بمدينة بكاملها. لكنّ كليهما لقي مصرعه بسبب حفظه للعهد: لذلك تحديدا شاء ذاك العودة إلى الأعداء وأبت هذه التّحوّل إليهم. فهل يثير حفظ العهد إذن غضب الآلهة؟ أم يمكن أن يموت رغم رضى الآلهة لا أفراد فقط بل ومدن بأكملها؟ ليختاروا أيّما الحلّين شاؤوا: إن كان يغضب الآلهة حفظ العهد فليبحثوا عن غدّارين ليعبدوها، أمّا إن كان ممكنا حتّى مع رضاها أن يموت الأفراد والمدن بعد معاناة أنكال عديدة وفظيعة، فسدى تُعبد لسعادة الحياة الدّنيا. ليكفّ عن الغضب إذن من يظنّون إلغاء طقوس آلهتهم أصل بلاياهم فقد كان يمكن حتّى وهي باقية بل وراضية عنهم لا أن يدمدموا كما يفعلون اليوم متأفّفين من أوضاعهم البائسة بل حتّى أن يلقوا مصرعهم مسحوقين تحت أفظع ألوان التّعذيب كريقولوس والصّاقنتيّين في تلك الأيّام.

 

3-21 في جحود مدينة رومية جميل شبيون منقذها، وبأيّة أخلاق عاشت في الفترة الّتي يصفها سالّستيوس بأنّها كانت في أحسن حال

   بين الحربين البونيقيّتين الثّانية والأخيرة، لمّا كان الرّومان يعيشون حسب سالّستيوس بأفضل الأخلاق وفي أتمّ الوفاق- أمرّ على أمور كثيرة طبعا إذ أفكّر في حدود العمل الّذي اضطلعت به-، في تلك الفترة المتميّزة بأفضل الأخلاق وأتمّ الوفاق، نرى أنّ شبيون محرّر رومية وإيطالية والقائد الفذّ الجدير بالإكبار منهي الحرب البونيقيّة الثّانية وما رافقها من فظاعات وأضرار وأخطار، غالب حنّبعل وكاسر شوكة قرطاج، الّذي منذ سني شبابه، حسبما وصفه الرّواة، وهب نفسه للآلهة وغذّاها في معابدها# وقع ضحيّة لاتّهامات خصومه وحُرم وطنه الّذي أعادت له شجاعته السّلامة والحرّيّة، وقضى بقيّة حياته في مدينة ليترنوم بعد انتصاره المشهود دون خلجة من حنين إلى مدينته، بل أوصى حسبما يروى بألاّ يقام له عند موته حتّى مأتم في وطنه الجحود.

   ثمّ بعد انتصار الوالي# قنيوس مَنليوس على الغالغريقيّين زحف على رومية لأوّل مرّة ترف آسية الأخطر من أيّ عدوّ: إذّاك رئيت فعلا لأوّل مرّة على ما يقال الأسرّة النّحاسيّة والفُرش النّفيسة، إذّاك استُقدمت للمآدب القسنات ومظاهر الفساد والخلاعة الأخرى. لكنّي اعتزمت الحديث الآن عن الأدواء الّتي يتكبّدها البشر بمضاضة، لا عن تلك الّتي يفعلونها بطيب خاطر. لذلك فما ذكرت بخصوص شبيون، ووقوعه ضحيّة لخصومه وموته خارج الوطن الّذي حرّره، ذو صلة أكبر بنقاشنا الحاضر. فإنّ الآلهة الرّومانيّة الّتي صدّ حنّبعلَ عن معابدها والّتي تُعبد من أجل سعادة الدّنيا فقط لم تردّ له المثْل. لكن بما أنّ سالّستيوس يؤكّد أنّ الأخلاق كانت على أحسن حال في تلك الفترة، رأيت بالمناسبة أن أذكّر بالتّرف الآسيويّ ليفهم القارئ أنّ سالّستيوس قال ذلك على سبيل المقارنة بأزمنة أخرى تردّت فيها الأخلاق وانحرفت انحرافات خطيرة.

   ففي تلك الفترة، أي بين الحربين البونيقيّتين الثّانية والأخيرة، أُصدر قانون ووكونيوس الّذي يمنع الوصيّة بالإرث لامرأة ولو كانت بنت الهالك الوحيدة؛ ولا أدري إن كان يمكن قول أو تصوّر أسوأ من هذا القانون. مع ذلك في كامل فترة ما بين الحربين البونيقيّتين كان البؤس أهون ممّا في سواها. بالخارج فقط كان الجيش يتعرّض للمتاعب لكنّه يجد سلوى في الانتصارات، أمّا بالدّاخل فلم تكن النّزاعات تنشر ويلاتها كذي قبل. لكن في الحرب البونيقيّة الأخيرة دُمّرت من الأساس منافسةُ رومية في حملة خاطفة قادها شبيون الآخر الملقّب هو أيضا بالإفريقيّ، لترزح الجمهوريّة الرّومانيّة بعد ذلك تحت كومة من الأدواء بدا معها، حيال تلك الأدواء المتراكمة من فرط تدهور الأخلاق النّاشئ من الرّخاء والأمن، أنّ قرطاج بانهيارها السّريع أضرّت بها أكثر ممّا فعلت قبل بعدائها الطّويل*.

   طوال هذه الفترة حتّى القيصر أغسطس الّذي شوهد، بعدما فقدت الحرّيّة باعترافهم سالف مجدها وغدت عنوان الفتن والمهالك وباتت واهنة سقيمة، ينتزعها بالكامل من الرّومان ويحيل كلّ شيء إلى الاستبداد الملكيّ ويبتعث ويجدّد الدّولة المتداعية من الهرم والمرض إن جاز التّشبيه، طوال تلك الفترة إذن، أغفل النّكسات الحربيّة المتلاحقة النّاشئة من شتّى الأسباب والاتّفاقيّة الملطّخة بخزي شنيع مع النّومنتيّين. كانت فراريج العرّافين قد طارت من قنّها منذرة بالشّؤم القنصل منكينوس حسب أقوالهم، كما لو أنّ سابقيه، أثناء السّنوات العديدة الّتي أربكت طوالها تلك المدينة الصّغيرة المحاصرة الجيش الرّومانيّ وبدأت تُرهب الجمهوريّة الرّومانيّة، ساروا لمحاربتها في ظلّ بشائر الانتصار.

 

3-22 في مرسوم مترداتس الّذي أمر به بقتل أيّ مواطن رومانيّ يوجد في آسية

   لكنّي أمرّ، كما قلت، على هذه الأحداث؛ ومع ذلك لن أغفل تلك الجريمة البشعة لمّا أمر مترداتس ملك آسية بأن يقتل في يوم واحد كلّ المواطنين الرّومان المتنقّلين في آسية للاهتمام بشؤونهم العديدة هناك، وتمّ تنفيذ ذلك. أيّ مشهد ينفطر له القلب أسى لمّا أُخذ فجأة كلّ رومانيّ حيثما وُجد- في الرّيف في الطّريق في المدينة، في البيت في الشّارع في القصبة، في المعبد في المخدع في المقصف*- فقُتل بغتة وبوحشيّة! يا لحشرجات المحتضرين، ويا لعبرات المشاهدين بل ربّما كذلك القاتلين*. أيّة قسوة أن يُقسر المضيّفون لا على رؤية تلك المجازر الشّنيعة في بيوتهم فقط، بل كذلك على تنفيذها بأيديهم، فيغيّروا فجأة قسماتهم من الودادة والبشاشة واالسّماحة إلى العداوة ويشنّوا حربا وسط السّلم، فيتلقّى الطّرفان في رأيي طعنة مردية: القتيل في جسده والقاتل في روحه! أفلم يبال بالنُّذُر كذلك أولئك المواطنون؟ أما كان لديهم ترى آلهة منزليّة وعموميّة يستشيرونها لمّا انطلقوا من بيوتهم في ذلك السّفر الّذي لا أوبة منه؟ إن كان الأمر كذلك فليس لخصومنا مبرّر للشّكوى من عصرنا في قضيّة الحال، فمنذ أمد يزدري الرّومان هذه التّرّهات. أمّا إن كانوا قد استشاروها فليجب خصومنا فيم أفادتهم ما دامت قد سمحت بذلك على الأقلّ من خلال القوانين البشريّة بدون أن يمنعه أحد.

 

3-23 في الأدواء الدّاخليّة الّتي هزّت الجمهوريّة الرّومانيّة مسبوقة بنذير خارق تمثّل في كلَب أصاب كلّ الحيوانات الأليفة

    لكنّا سنذكر بإيجاز قدر المستطاع تلك الأدواء الّتي جثمت بالدّاخل والأكثر مأساويّة بقدر ما كانت أعمق: النّزاعات المدنيّة أو بتعبير أصحّ اللاّمدنيّة، الّتي لم تعد نزعات تمرّد بل تطوّرت إلى حروب داخليّة أريقت فيها دماء غزيرة، ومضت العصبيّات الحزبيّة تنشر الويل لا من خلال الخلافات في المجالس وتبادل شتّى الشّتائم، بل حاضرا بالحديد والنّار وبدون ضوابط: كم سفحت من دماء الرّومان، وكم نشرت في إيطالية من الدّمار والقَفار تلك الحروب ضدّ الحلفاء وضدّ العبيد والحروب الأهليّة!

   قبل أن يشنّ اللاّتيوم على رومية حرب الحلفاء*، استوحشت فجأة كلّ الحيوانات الأليفة من كلاب وخيل وحمير وثيران وكلّ البهائم الخاضعة لسيطرة الإنسان، ونست أنستها فتركت حضائرها وراحت تهيم طليقة وتجفل من اقتراب أيّ غريب بل حتّى من أصحابها، وويل لمن يجرؤ على الدّنوّ منها إلى حدّ يضايقها. لأيّ شرّ كان مؤشّرا هذا الّذي كان في ذاته شرّا مستطيرا حتّى لو لم يكن مؤشّر شرّ سواه! لو حصل ذلك في عصرنا، لتعرّضنا منهم لسُعُر أكبر ممّا تعرّض له من تلك الحيوانات أصحابها.

 

3-24 في الفتن الّتي أثارتها سياسات الأخوين غراكّوس النّاحية نحو الفُرقة

   كانت بداية الكوارث الدّاخليّة الخلافات الّتي أثارها الأخوان غراكّوس بقوانينهما الزّراعيّة: كانا يريدان أن توزَّع على الشّعب الأراضي الّتي يملكها الأشراف بنحو جائر*. لكنّ الإقدام على إلغاء جور رسّخه القدم كان يحمل مخاطر، بل وكما بيّنت الأحداث أفدح الأضرار. كم وقع من عمليّات القتل لمّا اغتيل الأخ الأوّل! ثمّ كذلك الأخ الثّاني بعد فاصل زمنيّ غير طويل! فما بالقوانين وسلطة المؤسّسات القائمة بل بالفرق المجنّدة والنّزاعات المسلّحة كان الأشراف والفئات الشّعبيّة يتناحرون. بعد مصرع الأخ غراكّوس الثّاني تتبّع القنصل لوقيوس أوبِميوس الّذي كان قد أدخل الجيش ضدّه إلى المدينة وارتكب مجزرة رهيبة في صفوف المواطنين بقيّة أنصاره أمام القضاء وأجرى تحقيقا حولهم وأعدم على ما يروى ثلاثة آلاف شخص. يمكن أن نحدس من ذلك كثرة  القتلى الّذين سقطوا في تقارع الأسلحة العشوائيّ، ما دام تحقيق قضائيّ، هو حتما أقلّ بطشا، قد أسقط مثل ذلك العدد الرّهيب من الرّؤوس. وقد باع قاتل غراكّوس رأسه للقنصل بوزنه ذهبا: إذ كانت تلك الصّفقة قد عُقدت بينهما قبل اغتياله. وقد مات كذلك في تلك الاضطرابات القنصل# مرقس فُلْويوس مع بنيه.

 

3-25 في معبد إلهة الوفاق الّذي أقيم بقرار من مجلس الشّيوخ في مكان الصّراعات والمجازر

   بقرار من مجلس الشّيوخ كيّس حقّا* شيد على عين المكان الّذي وقعت فيه تلك الاشتباكات المسلّحة حيث قُتل عديد المواطنين من شتّى الفئات معبد الوفاق ليبقى شهادة على عقاب الأخوين غراكّوس تقرع عيون دعاة الفرقة من الخطباء وتخزخز ذاكرتهم. لكن أيّ شيء سوى الضّحك على الآلهة كان بناء معبد لتلك الإلهة الّتي لو كانت توجد في المدينة لما سقطت وقد مزّقتها تلك الفتن المتعدّدة؟ اللّهمّ إلاّ إن أدينت ربّما ربّة الوفاق بجريمة هجر قلوب المواطنين فاستحقّت الحبس في ذلك المعبد كسجن. فعلا، لماذا لم يشيدوا معبدا هناك، إن أرادوا مطابقة الأحداث، بالأحرى للشّقاق*؟ وهل يوجد أيّ مبرّر لتكون هناك إلهة للوفاق ولا تكون ربّة للشّقاق بحيث تكون، وفق تمييز لابيون، الأولى طيّبة والأخرى سيّئة؟ فهو على ما يبدو لم يتّبع سوى ما توحي به إقامة معبد في رومية للحمّى كما للصّحّة؛ فعلى نفس المنوال كان ينبغي إقامة معبد لا للوفاق فقط بل كذلك للشّقاق. كان من الخطير إذن أن يريد الرّومان العيش وتلك الإلهة الشّرّيرة مغضبة منهم ولا يتذكّروا أنّ إغاظتها كانت أصل دمار طروادة. ذلك أنّها لم تُدع لحفل أقامه الآلهة فابتدعت نزاعا بين الإلهات الثّلاث بإلقاء تفّاحة ذهبيّة إليهنّ: فنجم عن ذلك خصام بين الإلهات وفوز فينوس واختطاف هيلينة ومحق طروادة. لذا إن أغضبها ربّما عدم تكريمها بإقامة معبد لها في المدينة بين بقيّة الآلهة فأخذت تزعزع بكلّ تلك القلاقل استقرار المدينة، فكم كان أعنف، حسب أغلب الظّنّ، حنقها إذ رأت في مكان تلك المجزرة، أي في مسرح عمليّاتها تحديدا، معبدا شيد لعدوّتها! يغتاظ منّا إذ نضحك من تلك التّرّهات العلماء والحكماء، ومع ذلك لا يجدون، هم عبدة الآلهة الطّيّبة والسّيّئة، لهم مخرجا من هذه المسألة، إمّا لأنّهم استخفّوا بعبادة تينك الإلهتين وآثروا عليهما فبريس وبلّونة اللّتين بنوا لهما معبدين منذ القديم، وإمّا لأنّهم عبدوهما مع بقيّة الآلهة وبهجر إلهة الوفاق لهم بذلك النّحو قادتهم إلهة الشّقاق في سورة غضبها إلى الحروب الأهليّة.

 

3-26 في شتّى أنواع الحروب الّتي تلت بناء معبد إلهة الوفاق

   أيّ حاجز رائع حقّا ضدّ الفتنة أقاموا إذ واجهوا دعاة الفرقة من الخطباء بمعبد الوفاق، شهادة على مصرع الأخوين غراكّوس والتّمثيل بهما! أمّا ما جنوا من ذلك فتبيّنه الأحداث التّالية الأسوأ. إذ اجتهد الخطباء منذئذ لا لتلافي مثال الأخوين غراكّوس بل لزيادة غلواء مشاريعهم. فقد أشعل خطيب الشّعب لوقيوس ساتُرنينوس والقاضي قيوس سرويليوس وبعدهما بمدّة مرقس دروسوس بشعارات الفرقة الّتي رفعوها جميعا بدءا معارك رهيبة ثمّ حروبا مع الحلفاء، تضرّرت منها إيطالية كثيرا ووصلت إلى حالة لا توصف من الدّمار والقَفار. ثمّ تلت حرب العبيد والحرب الأهليّة. فكم خيض من المعارك، وكم أريق من الدّماء، حتّى أضحت شعوب إيطالية الخاضعة بالتّمام لحكم الرّومان ترزح كلّها تقريبا تحته كحكم همجيّ غاشم. كيف اندلعت بعدئذ انطلاقا من حفنة من المجالدين، دون السّبعين، حرب العبيد*، وأيةّ قوّة عدديّة وأيّة درجة من الحدّة والشّراسة بلغت، وكم من قادة الشّعب الرّومانيّ قهرت، وكم من المدن والمناطق وبأيّة شراسة دمّرت، ذاك ما لم يستطع المؤرّخون أن يجدوا له بسهولة تفسيرا شافيا. ولم تكن تلك حرب العبيد الوحيدة، بل خرّبت قبلها ثورات عبيد إقليم مقدونية ثمّ صقلّيّة والواجهة السّاحليّة. كذلك من يستطيع الحديث بما يناسب فداحة الوقائع عن حجم وفظاعة الأضرار الّتي ألحقها بالبلاد القراصنة بعمليّات نهب أوّلا ثمّ بحروب بأتمّ المعنى*؟

 

3-27 في الحرب الأهليّة الّتي خاضها ماريوس وسولاّ

   لمّا فرّ ماريوس مغلوبا من المدينة، ويداه مضرّجتان بدماء مواطنيه وسجلّه حافل بعديد القتلى من حزب خصومه، تنفّست المدينة لا جرم قليلا وما كادت، فإن سُمح لي باستخدام عبارات تولّيوس "غلب لاحقا كِنّا مع ماريوس، إذّاك أطفئت حقّا بقتل ألمع الرّجالات أضواء المدينة. ثأر بعدئذ من وحشيّة هذا النّصر سولاّ، ولا حاجة حقّا إلى أن نقول بكم من الضّحايا بين المواطنين ومن الكوارث على الدّولة."* عن هذا الانتقام الأفدح فعلا ممّا لو تُركت الجرائم الّتي ثأر منها بلا عقاب، يقول لوقانوس هو الآخر: "تجاوز الدّواء الحدّ، وفي الحدّة شابه السّقم كالشّقّ للشّقّ. قُتل مجرمون، لكن بعدما لم يعد يمكن أن يبقى سوى مجرمين."* <إذّاك أطلق للحقد العنان، وانعتقت النّقمة من لجام القوانين فصالت وجالت.> في هذه الحرب بين ماريوس وسولاّ، بغضّ النّظر عمّن قُتلوا على ساحة المعركة خارج المدينة، امتلأت داخلها الشّوارع والسّاحات والميادين والمسارح والمعابد* بالجثث إلى درجة يصعب معها القول إن كان المنتصرون أسقطوا عددا أكبر من القتلى قبلُ لينتصروا أو بعدُ لأنّهم انتصروا.

    عند انتصار ماريوس أوّل الأمر، لمّا عاد من المنفى واستعاد الحكم، ودون ذكر المجازر الّتي ارتكبها في شتّى الأماكن، وُضعت على المنبر# رأس القنصل أكتافيوس وجُزِر القيصران في بيتيهما على يدي فمبريا وقُتل كراسّوس الأب والابن كلاهما بمرأى الآخر، وجُرّر بيبيوس ونوميطوريوس بمحجن فقضيا نحبهما وقد تبعثرت أحشاؤهما، وتجرّع كاتُلوس سمّا فأفلت من قبضة أعدائه، وفصد ميرولا، سادن يوبتر عروقه مقدّما ليوبتر دمه نخبا مقدّسا، كذلك كان يُقتل أمام ماريوس فورا من يحيّونه فيرفض مدّ يده لردّ تحيّتهم.

 

3-28 كيف كان انتصار سولاّ الّذي انتقم من وحشيّة ماريوس

  ثمّ تلا نصر سولاّ الّذي انتقم طبعا من تلك الوحشيّة بعد سفحِ كثير من دم المواطنين جعله يشبهها، وامتدّ بعد الحرب في السّلم إلى من بقي حيّا من الأعداء بوحشيّة أشدّ. بعد مجازر ماريوس الأكبر المتقدّمة والمتأخّرة، أضاف أخرى أفظع ماريوس الأصغر وكربون، عضوا حزبه اللّذان يئسا عند تأكّدهما من وصول سولاّ الوشيك لا من الانتصار فقط، بل حتّى من سلامتهما، فملآ كلّ مكان بقتلى من أنصارهما والآخرين على حدّ سواء. وفضلا عن التّقتيل الّذي ارتكبوه في عرض البلاد في شتّى الأماكن، حاصرا مجلس الشّيوخ وأخرجا أعضاءه من حرمه كما من سجن ليُعملا السّيف فيهم. بل إنّ موقيوس سكيوولا قُتل وهو يضمّ المذبح في معبد وستة، إذ كان لا شيء يُعَدّ أقدس منه عند الرّومان، حتّى أنّ ناره الّتي كانت بعناية قيّماتها الدّائبة تتّقد باستمرار كادت تنطفئ بدمه. ثمّ دخل المدينة سولاّ المنتصر الّذي عمد في المبنى العموميّ#، والسّلم، السّلم لا الحرب ترسل خطوها بين العراص الباكية، إلى قتل سبع مائة من المسلّمين له، والعزّل طبعا، لا بالقتال بل بأمر منه. كذلك كان يُقتل في المدينة كلّ من يشاء سولاّ قتله. فكان لا يمكن قطّ إحصاء القتلى، إلى أن عُرض على سولاّ أن يُبقي على حياة البعض، حتّى يوجد من يمكن للمنتصرين أن يحكموهم. إذّاك كُبحت حرّيّة التّجزير الّتي مضت في اعتساف مسعور تنشر الموت في كلّ مكان، ونُشرت، مع عظيم الارتياح، القائمة الشّهيرة الّتي تتضمّن ألفين من مواطني الفئتين العلييين، الفرسان والأشراف، مطلوبين للإعدام والنّفي. كان العدد مؤسفا لكنّ تحديده يبعث على الطّمأنينة؛ ولم يكن قتل تلك الكثرة يثير الأسى بقدر ما كان يدعو إلى السّرور أنّ غيرهم باتوا بلا خيفة على حياتهم. لكنّ التّفنّن في اختيار ميتات بعض المحكوم عليهم بالإعدام آلم أمن الآخرين الّذي لم يكن يخلو من قسوة أصلا. أحدهم مُزّق بدون سلاح بأيدي جلاّديه، أي أنّ أناسا تمزّعوا إنسانا حيّا بنحو أفظع ممّا اعتادت السّباع أن تفعل بجثّة ملقاة أمامها. وآخر استُلّت عيناه وبُترت أعضاؤه واحدا واحدا، بحيث كان عليه أن يعيش، أو بالأحرى أن يموت، طويلا في ألوان لا توصف من العذاب. ووُضعت في المزاد بعض المدن ذات الشّأن كمجرّد ضياع بل أُمر بإبادة واحدة كما يؤمر بإعدام متّهم واحد. وقعت هذه الفظاعات* في السّلم بعد نهاية الحرب، لا للتّعجيل بتحقيق الانتصار بل لإعطائه حقّ قدره بعدما تحقّق. نافست السّلم الحرب في مضمار الوحشيّة وغلبتها: قتلت هذه مسلّحين وتلك عزّلا؛ في الحرب كان من يُقتل يَقتل إن استطاع، أمّا في السّلم فغير متاح لمن نجا من الموت أن يحيا، بل عليه أن يموت دون مقاومة.

 

3-29 مقارنة الغزو القوطيّ بالهزائم الّتي لحقت بالرّومان من الغال أو من فرقاء الحرب الأهليّة

   أيّة ضراوة لأمم أجنبيّة، أيّة وحشيّة لشعوب بربريّة يمكن أن تقارن بهذا النّصر لمواطنين على مواطنين؟ أيّ شيء ممّا رأت رومية أشأم وأبشع وأمرّ: غزو شعب الغال قديما والقوط حديثا أم شراسة ماريوس وسولاّ وأعضاء آخرين مشاهير من حزبيهما هم فيهما بمثابة الشّموس السّاطعة ضدّ مواطنين هم بمثابة أعضاء من نفس الجسد#؟ قتل الغال لا محالة كلّ من استطاعوا العثور عليهم من أعضاء مجلس الشّيوخ  في المدينة ما عدا حصن الكابتوليوم الّذي كان آخر معقل للدّفاع: لكنّهم على الأقلّ باعوا بالذّهب للمقيمين على ذلك التّلّ حياتهم الّتي حتّى إن لم يستطيعوا القضاء عليها بالسّلاح، كان بإمكانهم إزهاقها رويدا رويدا بالحصار؛ وأعفى القوط من جهتهم أعضاء عديدين من مجلس الشّيوخ، حتّى ليدعو بالأحرى إلى الاستغراب أنّهم قتلوا بعضهم. أمّا سولاّ فأقام منتصرا، وماريوس ما زال حيّا، على تلّ الكابتوليوم الّذي أمّنه الغال، ليصدر قراره بتقتيل خصومه، ولمّا فرّ ماريوس ليعود بمزيد من البطش والشّراسة، استصدر سولاّ من مقرّه بالكابتوليوم قرارا من مجلس الشّيوخ جرّد به الكثيرين من أملاكهم وحياتهم. في المقابل، أيّ شيء بدا لحزب ماريوس بعد انسحاب سولاّ على قدر من القداسة يكفي لإعفائه، والحال أنّ موقيوس المواطن عضوَ المجلس الحبرَ الأعظم لم يُعف وهو يحتضن بضمّته المثيرة للشّفقة المذبح الّذي كانت مكنونة فيه، على ما يقال، أقدار الرّومان؟ ثمّ لو اقتصرنا على تلك القائمة الأخيرة، دون ذكر بقيّة الضّحايا الأكثر من أن يستقصيهم العدّ، نجد أنّها بمفردها قتلت من أعضاء مجلس الشّيوخ أكثر حتّى ممّن أمكن أن يسلبهم القوط أموالهم.

 

3-30 في تتابع الحروب الكثيرة والخطيرة الّتي سبقت مجيء المسيح

   أيّة صفاقة، أيّة جسارة، أيّة سفاهة، أيّة جهالة بل أيّة حماقة ألاّ ينسبوا تلك الأدواء لآلهتهم، وينسبوا هذه للمسيح! تلك الحروب الأهليّة الضّارية الأشدّ من كلّ الحروب ضدّ أعداء أجانب والّتي باعتراف كتّابهم أنفسهم لم تؤذ الجمهوريّة فقط بل قضت عليها تماما في رأيهم، نشأت قبل مجيء المسيح بأمد طويل، وبسببيّة ترابط الشّرور وصلت من حرب ماريوس وسولاّ إلى حروب سرتريوس وكاتلينا اللّذين نفى سولاّ الأوّل ورعى الثّاني منهما؛ ومنها إلى حرب لبيدوس وكاتلوس اللّذين كان أحدهما يرغب في إلغاء أعمال سولاّ والآخر في الحفاظ عليها؛ ومنها إلى حرب بمبيوس وقيصر اللّذين كان أوّلهما مناصرا لسولاّ وضاهاه بل فاقه سلطة بينما كان قيصر لا يطيق سلطة بمبيوس لكن لأنّه لم يكن يملك مثلها ومع ذلك جاوزها بعدما غلبه وقتله؛ ومنها إلى قيصر الآخر الّذي لُقّب لاحقا أغسطس والّذي في عهده وُلد المسيح. ذلك أنّ أغسطس نفسه خاض هو أيضا مع عدّة خصوم حروبا أهليّة، وفيها لقي أيضا عدّة رجال بارزين مصرعهم، من بينهم شيشرون الخطيب المفوّه ورجل الدّولة البارع. ذلك أنّ قيوس قيصر هازم بمبيوس، الّذي مارس بحلم سلطته بصفته المنتصر في الحرب الأهليّة وأبقى على حياة وكرامة خصومه، قُتل بدعوى تطلّعه إلى المُلك وسط مجلس الشّيوخ ذاته في مؤامرة دبّرها بعض أعضائه البارزين دفاعا حسب زعمهم عن الحرّيّات العامّة. ثمّ إنّ أنطونيوس الّذي يختلف عنه تماما في الخلق وقد دنّسته وأفسدته كلّ الرّذائل بدا كأنّه يطمح إلى مثل نفوذه، فتصدّى له شيشرون بصرامة لنفس السّبب: حرّيّة الوطن. إذّاك برز فتى كريم الطّباع، قيصر الآخر الّذي ذكرنا، ابن قيوس قيصر بالتّبنّي، والّذي سُمّي لاحقا، كما ذكرت، أغسطس. كان شيشرون يميل إلى قيصر هذا الشّابّ لتنمية قوّته في وجه أنطونيوس، آملا أنّه، بعد صدّ وسحق سيطرة أنطونيوس، سيعيد حرّيّة الجمهوريّة، ومبديا بذلك سوء تدبّر وتبصّر بالأحداث الآتية: فذلك الشّابّ نفسه الّذي شجّع سطوع مجده ونفوذه سمح لأنطونيوس بقتله في إطار اتّفاقية صلح بينهما، وأرضخ لهيمنته حرّيّة الجمهوريّة الّتي طالما نادى بها.

<<